الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

«أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ في الدُّعَاءِ، وأبخلُ النَّاسِ مَنْ بخلَ بالسلامِ».


رواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم: (5591)، والبيهقي في شُعب الإيمان برقم: (8392) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (601)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (2714).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أعجز الناس»:
العَجْزُ: الضعف، تقول: عَجَزْتُ عن كذا أعْجِزُ -بالكسر-. وسُميت العجوز عجوزًا لعجزها عن كثير من الأمور.الصحاح، للجوهري(3/ 883) المفردات في غريب القرآن(ص: ٥٤٨).

«أبخل»:
البُخْل والبَخَل: لغتان وقُرِئَ بهما، والبَخْلُ والبُخُول: ضد الكرم. لسان العرب، لابن منظور (11/ 47).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
والبُخل في الشرع منع الواجب وعند العرب منع السائل مما يفضل عنده، وأبخلته -بالألف-: وجدته بخيلًا. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير(1/ 38).


شرح الحديث


قوله: «أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عجز في الدُّعَاءِ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«أعجز الناس» أي: من أضعفهم رأيًا، وأعماهم بصيرة، «من عجز عن الدعاء» أي: الطلب من الله تعالى؛ لا سيما عند الشدائد؛ لتركه ما أمره الله به، وتعرضه لغضبه بإهماله ما لا مشقة عليه فيه، وفيه قيل:
لا تسألنَّ بُنَيَّ آدم حاجة *** وسلِ الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله *** وبُنَيَّ آدم حين يُسْأَلُ يغضب
وفيه رَدٌّ على من زعم أن الأولى عدم الدعاء. فيض القدير (1/ 556).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«وأعجز الناس من عجز عن الدعاء» أي: الطلب من الله تعالى؛ حيث سمع قول ربه في كتابه: {ادْعُونِي} غافر:60، فلم يَدْعُهُ مع حاجته وفاقته وعدم المشقَّة عليه فيه، والله -سبحانه وتعالى- لا يُخَيِّبُ من سأله واعتمد عليه؛ فمن ترك طلب حاجاته من الله تعالى مع ذلك- فهو أعجز العاجزين. فيض القدير (2/ 405).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«أعجز الناس» العجز ترك ما يجب فعله بالتسويف، وهو عامٌّ في أمور الدين والدنيا؛ أفاده في النهاية: «من عجز عن الدعاء» لربه تعالى؛ فإنه لا يتركه إلا أعجز الناس؛ إذ لا مشقة فيه، ولا كُلْفَةٌ وهو عبادة محبوبة لله تعالى، وفيه: ردٌّ: على من زعم أن الأولى ترك الدعاء. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 463).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«وأعجز الناس من عجز عن الدعاء» فإنه عجز عن كل خير بأَيْسَرِ عمل. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 552).
وقال الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله-:
فالدعاءُ أمرُه يسيرٌ جدًّا على كلِّ أحدٍ، فهو لا يتطلَّب جهدًا عند القيام به، ولا يلحق الداعي بسببه تعبٌ ولا مشقَّةٌ؛ ولهذا فإنَّ العجزَ عنه، والتواني في أدائه- هو أشدُّ العَجز، وحَرِيٌّ بِمَن عجز عنه مع يُسرِهِ وسهولته أن يعجز عن غيره، ولا يَعجزُ عن الدعاء إلاَّ دنيُّ الهمَّةِ ضعيفُ الإيمان. فقه الأدعية والأذكار (2/ 18).
وقال محمد إسماعيل المقدم -حفظه الله-:
يقول: «أعجز الناس من عجز عن الدعاء» فالدعاء يمكن أن تحصل به أغلى وأثمن الأشياء، سواء في الدنيا أو الآخرة، ولا يُكَلِّفُك سوى أن تُخْلِصَ النية لله -سبحانه وتعالى-، ثم ترفع يديك متَذَلِّلًا سائلًا، فهذا باب سهل جدًّا للمؤمن؛ ولذلك ذَمَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- من يزهد في الدعاء بقوله: «أعجز الناس من عجز عن الدعاء»...؛ فليس الدعاء وسيلة العاجز، إنما هو سبب من الأسباب التي يحب الله -سبحانه وتعالى- أن نأخذ بها، فنؤجر على الدعاء نفسه، ثم يتقبل الله -سبحانه وتعالى- منا هذا الدعاء. محو الأمية التربوية (1/ 19).

قوله: «وأبخلُ النَّاس مَنْ بخل بالسلام»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«وأبخل الناس» أي: أمنعهم للفضل، وأشَحُّهُم بالبذل، «من بخل بالسلام» على من لَقِيَهُ من المؤمنين؛ ممن يعرفهم وممن لا يعرفهم، فإنه خفيف المؤنة، عظيم المثوبة؛ فلا يهمله إلا من بخل بالقربات، وشَحَّ بالمثوبات، وتهاون بمراسم الشريعة؛ أطلق عليه اسم البخل لكونه منع ما أَمر به الشارع مِن بذل السلام، وجعله أبخل؛ لكونه من بخل بالمال معذور في الجملة؛ لأنه محبوب للنفوس، عديل للروح بحسب الطبع والغريزة؛ ففي بذله قهر للنفس، وأما السلام فليس فيه بذل مال؛ فمخالف الأمر في بذله لمن لَقِيَهُ قد بخل بمجرد النطق؛ فهو أبخل من كُلِّ بخيل. فيض القدير (1/556).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«إن أبخل الناس من بخل بالسلام» ابتداءً أو جوابًا؛ لأنه لفظ قليل لا كُلْفَةَ فيه، وأجره جزيل، فمن بَخِلَ به مع عدم كُلْفَتِهِ فهو أبخل الناس، ومن ثم قيل:
إذا ما بخلتَ بِرَدِّ السلام *** فأنت ببذل الندا أبخل. فيض القدير (2/ 405).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«وأبخل الناس» أي: أمنعهم للفضل وأشحهم بالبذل «من بخل بالسلام» أي: على من لَقِيَهُ من المسلمين من عرفه منهم ومن لم يعرفه؛ فإنه خفيف المؤنة عظيم الثواب.
والبخل في الشرع: منع الواجب، وعند العرب منع السائل مما يفضل عنده. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 235).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وأبخل الناس» بَخِلَ كَـ: كَرِمَ وكَـ: فَرِحَ، «من بخل بالسلام»؛ لأنه بخل بأسهل الأقوال، وما لا ضرر عليه فيه أصلًا؛ وإنما كان الأول أعجز لأنه عجز عن أنفع الأشياء بأسهل الأعمال، والثاني: أبخل لأنه منع أخف الأشياء عليه. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 463).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«إن أبخل الناس من بخل بالسلام» بِرَدِّهِ على من يلقاه من الناس ابتداء أو رَدًّا. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 552).
وقال الخادمي -رحمه الله-:
«وأبخل الناس» أي: أَمنعهم للفضل وأشَحُّهم، «مَن بَخِل بالسلام»؛ فإنه خفيف المؤنة، عظيم المثوبة؛ فلا يهمله إلا من بَخل بالقُربات، وشَحّ بالمثوبات، وتهاون بمراسم الشريعة؛ لكن يشكل أنَّ تبادر بخل الناس منع الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام القطعيُّ فرضِيَّتُها، والسلام أمر مندوب؛ فكيف يكون تركه كمنعها فضلًا عن زيادتها؟
أقول -والله أعلم-: إن أصل البُخل لترك الأمر الرباني وزيادته؛ لكون بخيل المال معذورًا في الجملة؛ لأن النفوس مجبولة على حبه إلى أن يكون عديلًا للروح، وأما السلام فليس فيه إتعاب وقهر نفس، ومؤنة إلا مجرد تمرد فكان أَبخل مِن كُل بخيل. بريقة محمودية (4/ 39).


ابلاغ عن خطا