عن عبد الله قال: «دخلتُ على رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وهو يُوعَك، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّك لتُوعَك وَعْكًا شديدًا؟ قال: أجل، إني أُوْعَك كما يُوعَك رجلانِ منكم، قلتُ: ذلك أنَّ لك أجرين؟ قال: أَجَل، ذلك كذلك، ما من مسلمٍ يصيبُهُ أذىً، شوكةٌ فما فوقها، إلا كفَّرَ اللهُ بها سيئاتِهِ، كما تَحُطُّ الشجرةُ ورقَهَا».
رواه البخاري برقم: (5648)، ورقم: (5660)، ورقم: (5647)، ورقم: (5661)، ورقم: (5667) واللفظ له، ومسلم برقم: (2571) من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«يُوعَك»:
أي: يحصل له الوعك، وهو الحمى. التوشيح شرح الجامع الصحيح (9/ 4008).
قال الحميدي -رحمه الله-:
يقال: وعك الرجل يُوْعَكُ إِذا أَخَذَتْه الْحمى، وأصل الوعك: الشدَّة والتعب. تفسير غريب ما في الصحيحين(ص: 39).
وقال الفراهيدي -رحمه الله-:
الوعْك: مَغْثُ المرض، وَعَكَتْهُ الحمى، أي: دَكَّتْهُ، وهي تَعِكُهُ. العين (2/ 180).
«أجل»:
أجل: تصديق لخبر يخبرك به صاحبك، فيقول: فعل فلان كذا وكذا، فتصدقه بقولك له: أجل. تهذيب اللغة، للأزهري(11/ 133).
قال الجوهري -رحمه الله-:
وقولهم: أَجَلْ، إنّما هو جوابٌ مثل: نعم.
قال الأخفش: إلَّا أنّه أحسن من نعم في التصديق، ونعم أحسن منه في الاستفهام. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1622).
«تَحُطُّ»:
أي: تلقيه. إرشاد الساري، القسطلاني (8/ 350).
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
هي فِعْلَةٌ من حطَّ الشيء يحطه إذا أنزله وألقاه. النهاية (1/402).
وقال نشوان الحميري -رحمه الله-:
الحطُّ: إِنزال الشيء من عُلُوٍّ، حططتُ الرحْل والسرجَ وغيرهما حطًّا، وحَطَّ: أي: نزل. شمس العلوم (3/ 1285).
شرح الحديث
قوله: «دخلتُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يُوعَك»:
قال الكرماني -رحمه الله-:
«يُوعك» بفتح المهملة يُقال: وعك الرجل يوعك فهو موعك، و«الوعك» بالسكون وبالفتح: الحمى، وقيل: أَلَمُها وتعبها. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (20/ 179).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«يُوعَك» بفتح المهملة، من: وُعِكَ بضم أوله، فهو مَوْعوكٌ، «وَعْكًا» بسكون العين وفتحها: الحُمَّى، وقيل: أَلَمُها وتعبُها. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (14/ 244).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
الوَعك: تمريغ الحمى، وهو ساكن العين، يقال: وعكته الحمى، تعكه وعكًا، فهو موعوك، وأوعكت الكلاب الصيد، فهو موعك: إذا مرَّغته في التراب، والوعكة: السقطة الشديدة في الجري، والوعكة أيضًا: معركة الأبطال في الحروب. المفهم (6/ 544).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
الوعك: حرارة الحمى وألَمُها، وقد وعكه المرض وعكًا، ووعكةً فهو موعوك، أي: اشتد به. مرقاة المفاتيح (3/ 1129).
قوله: «فقلتُ: يا رسول الله، إنك لتُوعَك وَعْكًا شديدًا؟»:
قال الكوراني -رحمه الله-:
قوله: «إنك توعك وعكًا شديدًا؟»، وفي رواية أخرى: «إني أوعك ما يوعك الرجلان منكم»، ويعرف حال سائر الأنبياء، وقِسْ عليه الأولياء والصالحين، فإن المحنة على قدر المنحة، والشكر على قدر النعمة، والأجر على قدر المشقة. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (9/ 232).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
قال العلماء: والسر في ذلك: أن البلاء في مقابل النعمة، فمن كانت نعمة الله عليه أكثر كان بلاؤه أشد؛ ولأنه كلما قوِيَتْ المعرفة بالمبتلي (وهو الله) هان عليه البلاء. التوشيح شرح الجامع الصحيح (8/ 3492).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فقلتُ: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكًا» بسكون العين، «شديدًا» وهو بيان للواقع، وأما قول ابن حجر كأنه إنما ذَكر ذلك ليعلم جواب ما انقدح عنده من أن البلايا سبب لتكفير الذنوب، وهو -صلى الله عليه وسلم- لا ذنب له؛ فغير مطابق لقول الراوي: «فقلتُ: لأن لك أجرين؟» ومعارض لكلام نفسه هناك أنه جواب لما انقدح عنده- بأن المصائب قد تكون لمجرد رفع الدرجات، ومع هذا غير مطابق لجوابه -عليه الصلاة والسلام- أيضًا كما قال الراوي. مرقاة المفاتيح (3/ 1129).
قوله: «أجل، إني أُوْعَك كما يُوعَك رجلان منكم»:
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«أجل» بمعنى: نعم. المفهم (6/ 544).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «أجل» أي: نعم، فإنه تقرير لقول الراوي: «وعكًا شديدًا» مع زيادة تحرير بقوله: «إني أوعك» على بناء المجهول، أي: يأخذني الوعك. مرقاة المفاتيح (3/ 1129).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «أوعك» على بناء المجهول، همزته لنفس المتكلم؛ أي: يأخذني الوعك، وهو الحمى. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 395).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إني أوعك» أي: تأخذني الحمى. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 211).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«إني أوعك» أي: يصيبني الوعك -بفتح الواو وسكون العين المهملة، وقد تفتح-: الحمى، وقيل: أَلَمُها، وقيل: تعبها، وقيل: إرعادها الموعوك وتحريكها إياه، وعن الأصمعي: الوعك الحرُّ، فإن كان محفوظاً فلعل الحمى سميت وعكًا لحرارتها، والحاصل: أنه أثبت أن المرض إذا اشتد ضاعف الأجر. السراج المنير شرح الجامع الصغير (2/ 171).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
قوله -عليه السلام-: «إني أُوعك كما يُوعك رجلان منكم» أي: تصيبني سَوْرَة الحُمى وحدتها ضِعْفُ ما تصيب رجلًا منكم، والوعك: حرارة الحمى وشدتها والرعدة فيها. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 421-422).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «كما يوعك رجلان» أي: ألم وَعْكِيْ مِثْلَاْ ألم وعك كل واحد منكم. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 395).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«كما يوعك رجلان» يعني: مثل ألم وعك رجلين «منكم». مرقاة المفاتيح (3/ 1129).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «كما يوعك رجلان» أي: ضعف ما توعكون. لمعات التنقيح (4/ 21).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«كما يوعك رجلان منكم» في الشدة لأَلَمِها؛ وذلك لمضاعفة الأجر، وكذا سائر الأنبياء، قاله القضاعي، وتمام الحديث: قيل: يا رسول الله؛ وذلك لأن لك أجرين؟ قال: أجل». التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 211).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«كما يوعك رجلان منكم» وسائر الأنبياء مثله في ذلك. السراج المنير شرح الجامع الصغير (2/ 171).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«قال» أي: عبد الله (يعني: ابن مسعود). مرقاة المفاتيح (3/ 1129).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
وسببه (يعني: سبب ذكر الحديث) كما في البخاري عن عبد الله بن مسعود قال: «دخلتُ على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يوعك فقلتُ: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكًا شديدًا؟ قال: أجل»، أي: نعم، «إني أوعك كما يوعك رجلان منكم». السراج المنير شرح الجامع الصغير (2/ 171).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وسببه (يعني: سبب ذكر الحديث) عن راويه قال: «دخلتُ على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقلتُ: إنك تتوعك وعكًا شديدًا؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: أجل» ثم ذكره. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 211).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قال الأبي: لا ينبغي أن يخبر المريض بما يسوء من حال مرضه، وكان هذا خلافه.
قلتُ: وليس بخلافه؛ لأنّ ذلك في حق من يتألم ويتأثر لذلك، وهو -صلى الله عليه وسلم- ليس كذلك، ألا تراه كيف أخبر عن ذلك بقوله: «أجل»، ومضاعفة المرض عليه ليضاعف له الأجر كما ذكره بقوله: «فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» في جواب سؤالي: «أجل» أي: نعم، أوعك كذلك؛ فـ«إني أوعك كما يوعك رجلان منكم» أي: لمضاعفة الأجر، أي: يأخذني الوعك أي: شدة الحُمى وسورتها ضعفي ما لغيري؛ ليضعف أجري عليها كما قال عبد الله. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (24/ 330).
قوله: «قلتُ: ذلك أن لك أجرين؟»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فقلت: ذلك» أي: وعك رجلين «لأن لك أجرين؟»، يحتمل: أن يكون المراد بالتثنية: التكثير. مرقاة المفاتيح (3/ 1129).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«ذاك» أي: تَضَاعُف الحُمَّى، وفي الحديث طَيُّ شيء صُرِّحَ به في رواية أُخرى، أي: قال -صلى الله عليه وسلم-: «إني أوْعَكُ كمَا يوعك رجلان منكم» فقال ذلك. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (14/ 244).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ومضاعفة المرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- ليُضَاعَف له الأجر في الآخرة، وهو كما قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه»، وفي الحديث الآخر: «نحن معاشر الأنبياء يشتد علينا البلاء، ويعظم لنا الأجر». المفهم (6/ 544).
قوله: «قال: أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها، إلا كفر الله بها سيئاته، كما تَحط الشجرة ورقها»:
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «أجل» أي: نعم وَزْنًا ومعنى. فتح الباري (10/ 112).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«أجل» أي: نعم. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (14/ 244).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فقال: أجل» أي: نعم، «ثم قال» أي: -صلى الله عليه وسلم-: «ما من مسلم يصيبه أذى» أي: ما يؤذيه ويتعبه. مرقاة المفاتيح (3/ 1129).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«ما مِن مسلم» إلى آخره، عقَّبَه على كون المريض له زيادةُ حسناتٍ: أن المرضَ يحصل به الأمران؛ انحطاطُ السيئات، وزيادةُ الدرجات، فلا يُنافي تصديقَ الأول بـ«أجل» كأنه قيل: نعم، يحصل ذلك وشيء آخر. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (14/ 244-245).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «أذىً؛ شوكة» التنوين فيه للتقليل لا للجنس؛ ليصح ترتب فوقها ودونها في العِظَم والحقارة عليه بالفاء، وهو يحتمل فوقها في العِظم ودونها في الحقارة وعكسه -والله أعلم-.فتح الباري (10/ 112).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«أذى» تنكيره للتقليل لا للجنس؛ ليصح ترتب فوقها ودونها في العظم والحقارة عليه بالفاء في قوله: «فما فوقها»، وهو محتمل للأمرين: فوقه في العِظَم، ودونه في الحقارة، وبالعكس. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (14/ 246).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما مِن مسلم يصيبه أذى مرض»، ولأبي ذرٍّ «من مرض»، «فما سواه» كالحزن والهم، «إلا حطّ الله سيئاته كما تحط الشجرة ورقها» أي: تلقيه. إرشاد الساري (8/ 350).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «كما تحط» بفتح أوله وضم المهملة وتشديد الطاء المهملة أي: تلقيه منتثرًا، والحاصل: أنه أثبت أن المرض إذا اشتد ضاعف الأجر، ثم زاد عليه بعد ذلك: أن المضاعفة تنتهي إلى أن تحط السيئات كلها، أو المعنى قال: نعم شدة المرض ترفع الدرجات وتحط الخطيئات أيضًا؛ حتى لا يبقى منها شيء، ويشير إلى ذلك حديث سعد «حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة»، ومثله حديث أبي هريرة عند أحمد وابن أبي شيبة بلفظ: «لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة» قال أبو هريرة: «ما من وجع يصيبني أحب إليّ من الحمى، إنها تدخل في كل مفصل من ابن آدم، وأن الله يعطي كل مفصل قسطه من الأجر»، ووجه دلالة حديث الباب على الترجمة من جهة قياس الأنبياء على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وإلحاق الأولياء بهم؛ لقربهم منهم، وإن كانت درجتهم منحطة عنهم، والسر فيه أن البلاء في مقابلة النعمة؛ فمن كانت نعمة الله عليه أكثر كان بلاؤه أشد، ومن ثم ضُوعِف حد الحُرِّ على العبد، وقيل لأمهات المؤمنين: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} الأحزاب:30. فتح الباري (10/ 112).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «كما تحط الشجرة» شبَّه حالة المريض وإصابة المرض جسده، ثم محو السيئات عنه سريعًا بحالة الشجرة، وهبوب الرياح الخريفية، وتناثر الأوراق منها سريعًا، وتجردها عنها، فهو تشبيه تمثيلي لانتزاع الأمور المتوهمة في المشبَّه من المشبَّه به، فوجه التشبيه: الإزالة الكلية على سبيل السرعة، لا الكمال والنقصان؛ لأن إزالة الذنوب عن الإنسان سبب كماله، وإزالة الأوراق عن الشجرة سبب نقصانها. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1339).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وقد دل الحديث على أن القوي يحمل، والضعيف يرفق به، إلا أنه كلما قويت المعرفة بالمبتلي، هان البلاء الشديد، ومن أهل البلاء من يرى الأجر فيهون البلاء عليه، وأعلى منه من يرى تصرف المبتلي في ملكه، وأرفع منه من تشغله محبة الحق عن وقع البلاء، ونهاية المراتب التلذذ بضرب الحبيب؛ لأنه عن اختياره نشأ. كشف المشكل (1/ 287).
وقال المظهري -رحمه الله-:
وهذا الحديث: يدل على أن المرض إذا كان أشد يكون الأجر أكثر. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 395).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: فضل الصبر على الأَمراض والأَعراض، وأَنها تُكَفِّر السيِّئات، وتحط الذنوب. تطريز رياض الصالحين (ص: 44).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
دليل -يعني الحديث- على أن الإنسان يكفر عنه بما يصيبه من الهم والنصب والغم، وغير ذلك، وهذا من نعمة الله -سبحانه وتعالى-، يبتلي -سبحانه وتعالى- عبده بالمصائب وتكون تكفيرًا لسيئاته وحطًّا لذنوبه.
والإنسان في هذه الدنيا لا يمكن أن يبقى مسرورًا دائمًا، بل هو يومًا يُسر ويومًا يحزن، ويومًا يأتيه شيء ويومًا لا يأتيه، فهو مصاب بمصائب في نفسه، ومصائب في بدنه، ومصائب في مجتمعه، ومصائب في أهله، ولا تحصى المصائب التي تصيب الإنسان، ولكن المؤمن أمره كله خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له.
فإذا أُصبتَ بالمصيبة فلا تظن أن هذا الهم الذي يأتيك أو هذا الألم الذي يأتيك ولو كان شوكة، لا تظن أنه يذهب سُدىً، بل ستعوض عنه خيرًا منه، ستُحط عنك الذنوب كما تُحط الشجرة ورقها، وهذا من نعمة الله.
وإذا زاد الإنسان على ذلك الصبر والاحتساب، يعني: احتساب الأجر، كان له مع هذا أجر.
فالمصائب تكون على وجهين:
تارة إذا أصيب الإنسان تذكر الأجر واحتسب هذه المصيبة على الله، فيكون فيها فائدتان: تكفير الذنوب، وزيادة الحسنات.
وتارة يغفل عن هذا فيضيق صدره، ويصيبه ضجر، أو ما أشبه ذلك، ويغفل عن نية احتساب الأجر والثواب على الله، فيكون في ذلك تكفير لسيئاته، إذن هو رابح على كل حال في هذه المصائب التي تأتيه.
فإما أن يربح تكفير السيئات وحط الذنوب بدون أن يحصل له أجر؛ لأنه لم ينو شيئًا ولم يصبر، ولم يحتسب الأجر.
وإما أن يربح شيئين: تكفير السيئات، وحصول الثواب من الله -عزَّ وجلَّ- كما تقدم.
ولهذا ينبغي للإنسان إذا أُصيب ولو بشوكة، أن يتذكر احتساب الأجر من الله على هذه المصيبة حتى يؤجر عليها، مع تكفيرها للذنوب.
وهذا من نعمة الله -سبحانه وتعالى- وجوده وكرمه، حيث يَبتلي المؤمن ثم يُثِيبه على هذه البلوى، أو يكفر عنه سيئاته. شرح رياض الصالحين (1/ 243-244).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فقلت» له «ذلك» أي: مضاعفة الحُمى عليك بسبب «أن لك» عليها «أجرين؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أجل» أي: نعم كذلك، «ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما من مسلم» وكذا مسلمة «يصيبه أذىً من مرض فما سواه» أي: فما سوى المرض كصدمة وسقطة «إلّا حطّ الله» سبحانه، أي: محا الله عنه «به» أي: بسبب ذلك الأذى والألم «سيئاته» أي: صغائر ذنوبه «كما تَحُطّ الشجرة» وتتساقط «ورقها» وقت الربيع. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (24/ 330).