الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- نهى ‌عن ‌الحَبْوَةِ ‌يومَ ‌الجمعةِ والإمامُ يخطبُ».


رواه أحمد برقم: (15630)، وأبو داود برقم: (1110)، والترمذي برقم: (514)، والحاكم في المستدرك برقم: (1069)، من حديث معاذ بن أنس -رضي الله عنه-.
ورواه ابن ماجه برقم: (1134)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله عنهم-.
صحيح الجامع برقم: (6876)، صحيح أبي داود برقم: (1017). 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الحَبْوَةِ»:
‌بفتح ‌الحاء ويُثلث، اسم مِن الاحتباء، وهو أنْ يجمع ظَهرهُ وساقيه إلى بطنه بيديه أو نحو ثوبٍ. لعمات التنقيح للدهلوي (3/٥١٢).
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
والاحتباء: هو أنْ يَضُمَّ الإنسان رجليهِ إلى بطنه بثوب، ويجمعهما مع ظهرهِ ويشدهُ عليهما، وقد يكون ‌الاحتباء باليدين عوض الثوب. النهاية في غريب الحديث (1/٣٣٥).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
المفهوم من القاموس: أنَّ الحبوة بالواو مثلثة الحاء اسم من حَبَاهُ أعطاه، وأما الاسم من الاحتباء فهو الحِبْيَة بالكسر، فأشار إلى الفرق بين موادهما، بأن الأُولى واوية، والثانية يائية. مرقاة المفاتيح (3/ 1037).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وجاء في خبر: «إنَّ الاحتباء حِيْطَانُ» أي: ليس في البراري حيطان، فإذا أرادوا الاستناد احْتَبَوا؛ لأن الاحتباء يمنعهم من السقوط، ويصير لهم كالجُدُر. فيض القدير (6/ 313).


شرح الحديث


قوله: «نهى ‌عن ‌الحَبْوَةِ»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
إنما نهى عن الاحتباء في ذلك الوقت؛ لأنه يجلب النوم، ويُعَرِّض طهارته للانتقاض، فنهى عن ذلك وأمر بالاستيفاز في القعود لاستماع الخطبة والذِّكْر.
وفيه دليل على أن الاستناد يوم الجمعة في ذلك المقام مكروه؛ لأنه بعلة الاحتباء أو أكثر. معالم السنن (1/ 248).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
«أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الحبوة يوم الجمعة» الحُبوة بضم الحاء وكسرها، الاسم من الاحتباء، وهو أنْ يجمع الرَّجُل ظهره وساقيه بثوب، وقد يحتبي بيديه، ووجدتُ الرواية بكسر الحاء، والحَبوة بالفتح المرة من الاحتباء ولا معنى لها ها هنا. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 339).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «نهى عن الحبوة» بالضم والكسر، وحُبية بالياء أيضًا، والاحتباء: أن يجمع الرَّجُل ظهره وساقيه بعمامته أو بثوب أو منديل، وقد يكون الاحتباء باليد عِوَض الثوب؛ وإنما نهى عن ذلك يوم الجمعة لأنه يجلب النوم، ويُعَرِّض طهارته للانتقاض، ويلحق به في الكراهة الاستناد إلى الحائط أو غيره؛ لأنه في معنى الاحتباء وأكثر. شرح سنن أبي داود (4/ 451).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
وإنما نهى عنه؛ لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما تحرك أو زال الثوب فتبدو عورته. النهاية (1/ 335).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
يعني: أنه ربما يقع على الجَنْبِ فتنتقض طهارته، فيمنعه الاشتغال بالطهارة عن استماع الخطبة، وقيل: لأنها جلسة المتكبرين. مرقاة المفاتيح (3/ 1037).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
وجه النهي -والله أعلم-: هو أنها مجلبة للنوم، ثم أنها هيئة لا يكون معها تَمَكُّن، فربما يُفضي إلى انتقاض الطهارة فيمنعه الاشتغال بالطهارة عن استماع الخطبة وحضور الذِّكْر إن لم تفته الصلاة، مع ما يُتوقع منه من الافتتان بالمضي في الصلاة؛ لغلبة الحياء ممن يخلو عن علم يسوسه، وورع يحجزه. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 339).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
وجه النهي عنها بهذا القيد: أنه مجلبة للنوم، وقعدة لا تَمَكُّنَ فيها، فربما يسبقه الحدث ويمنعه إعادة الطهر عن استماع الخطبة. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 389).
وقال المظهري -رحمه الله-:
وجه النهي: إذا جلس على هذه الهيئة يدخل عليه النوم، ولا يكون مقعده ممكَّنًا على الأرض، فربما يخرج منه ريح. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 325).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
لأن الاحتباء يجلب النوم فلا يَسمع الخطبة، ويُعَرِّض طهارته للانتقاض عند مَن يقول به، ويلحق به في الكراهة الاستناد إلى الحائط؛ لأنه في معنى الاحتباء إذا كثر. شرح سنن أبي داود (5/ 614).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
ومثل هذا مِن نَهْيِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبعد أنْ يخفى عن جماعتهم (أي: الصحابة الذين أَورَدَوا أنهم كانوا يحتبون يوم الجمعة قبل الخطبة)، ففي استعمالهم ما قد رويناه عنهم في هذه الآثار ما قد دلَّ على أنَّ معنى النهي الذي كان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك ليس هو الحِبوة التي كانوا يفعلونها والإمام يخطب؛ لأنهم مأمونون على ما فعلوا، كما هم مأمونون على ما رَوَوُا؛ ولما كان ذلك كذلك كان الأَوْلى بنا أنْ نَحْمِلَها على الحِبوة المستأنَفة في حال الخطبة؛ لأنه مكروه في الخطبة الاشتغال بغيرها، والإقبال على ما سواها، وتكون الحِبوة التي كانوا يفعلونها حِبوةً كانوا يستعملونها قبل الخطبة، فيخطب الإمام وهم فيها حتى يفرغ منها، وهم عليها، ويكون ما نهاهم عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سوى ذلك مما يستأنفونه وإمامهم يخطب، فيكونون بذلك متشاغلين عن الإقبال على ما أُمروا بالإقبال عليه، والله نسأله التوفيق. شرح مشكل الآثار (7/ 345).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قالوا: وجه النهي عنها: أنها تجلب النوم فيفوت الاستماع للخطبة، لكن قال الجمهور: إنه منسوخ. التحبير لإيضاح معاني التيسير (5/ 699).
وقال الترمذي -رحمه الله-:
وقد كَرِهَ قوم من أهل العلم الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب، ورخَّص في ذلك بعضهم منهم: عبد الله بن عمر، وغيره، وبه يقول أحمد وإسحاق، لا يريان بالحبوة والإمام يخطب بأسًا. سنن الترمذي (2/ 391).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
اختلف أهل العلم في الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب، فرخَّص فيه أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم، وممن كان يفعل ذلك ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء وابن سيرين وابن الزبير وعكرمة بن خالد وشريح وسالم بن عبد الله ونافع. الأوسط (4/ 81-82).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
اختلف العلماء في كراهية الاحتباء يوم الجمعة، فقال بالكراهة قوم من أهل العلم كما قال الترمذي، منهم عُبادة بن نسي المتقدم، قال العراقي: ورد عن مكحول وعطاء والحسن أنهم كانوا يكرهون أن يحتبوا والإمام يخطب يوم الجمعة. نيل الأوطار (3/ 299).
وقال الشافعي -رحمه الله-:
أخبرني من لا أَتَّهِمُ عن نافع عن ابن عمر أنه كان يحتبي والإمام يخطب يوم الجمعة. الأم (2/ 422).
وقال ابن الأثير -رحمه الله- معلقًا:
وقد روي ذلك عن غير واحد من الصحابة والتابعين، والذي روي من حديث معاذ بن أنس «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الحبوة يوم الجمعة»، إن ثبت فَلِمَا فيه اختلاق النوم، وتعريض الطهارة للانتقاض، فإذا لم يخش ذلك فلا بأس بالاحتباء. الشافي في شرح مسند الشافعي (2/ 233).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
أحاديث الباب وإن كانت ضعيفة لكن يقوِّي بعضها بعضًا، ولا شك في أنَّ الِحبوة جالبة للنوم، فالأَولى أنْ يُحترز عنها يوم الجمعة في حال الخطبة، هذا ما عندي، والله تعالى أعلم. تحفة الأحوذي (3/ 38).

قوله: «يوم الجمعة والإمام يخطب»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
لأن ذلك مجلبة للنوم، فلا يَسمع الخطبة، ولا يكون مِقْعَدُهُ متمكنًا على الأرض، فربما يخرج منه ريح، قيل: هذه جلسة سادات المتكبِّرة من العرب، قالوا: ومن هذا القبيل ما يتخذه بعض الفقراء والشيوخ ويسمونه كَمَرَ الصحبة. شرح المصابيح (2/ 235).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«يوم الجمعة» المراد باليوم حال استماع الخطبة، ويدل عليه قوله بعده: «والإمام يخطب» تقديره: نهى عن الحبوة حال خطبة الإمام، وقد يلحق به مَن بكَّر للجمعة وجلس ينتظر صلاة الجمعة، وفي معناه كل مَن جلس ينتظر صلاةً، كالجالس بعد صلاة الفجر وصلاة العصر ينتظر الصلاة. شرح سنن أبي داود (5/ 614).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«يوم الجمعة والإمام يخطب» فهو قيد احترازي، والأول واقعي اتفاقي، أو تأكيدي. مرقاة المفاتيح (3/ 1037).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«يوم الجمعة والإمام يخطب» لأنه مجلبة للنوم، وتعرض الطُّهر للنقض لعدم التمكُّن معها، وجاء في رواية النهي عن الاحتباء مطلقًا غير مقيد بيوم الجمعة، فالظاهر أنَّ ذكرها هنا لا لاختصاص الكراهة، بل لكونه أشد كراهة. فيض القدير (6/ 313).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
وإنما نُهي عنه لأنه يجلب النوم فيُلْهِي عن الخطبة، وقد ينقض الوضوء، وأما في غير حال الخطبة فليس بمكروه، كيف وقد جلس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- محتبيًا في فناء الكعبة، والعادة على هذا في الحرمين الشريفين. لمعات التنقيح (3/ 512).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يوم الجمعة والإمام يخطب» لأنه يجلب النوم فيفوته خير الوعظ بسماعه، وجاء النهي عن الاحتباء مطلقًا غير مقيد بيوم الجمعة. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 539).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم عنها- والإمام يخطب يوم الجمعة لسببين:
الأول: أنه ربما تكون هذه الحبوة سببًا لجلب النوم إليه، فينام عن سماع الخطبة.
والثاني: أنه ربما لو تحرك لَبَدَتْ عورته؛ لأن غالب لباس الناس فيما سبق الأُزُر والأردية، ولو تحرك أو انقلب لَبَدَتْ عورته، وأما إذا أَمِنَ ذلك فإنه لا بأس بها؛ لأن النهي إذا كان لعلة معقولة فزالت العلة فإنه يزول النهي. شرح رياض الصالحين (6/ 449).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
والحكمة من ذلك: أنّ هذا يجلب النوم، ويؤدي إلى انتقاض الوضوء، فأرشد -عليه الصلاة والسلام- إلى البُعد عن الشيء الذي يكون سببًا في جلب النوم، وما يترتب عليه من انتقاض الوضوء، فالنوم من أسباب نقض الوضوء، وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: «العين وكاء السَّهِ (فتحة الدبر)، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء»، فكون الإنسان يجلس على هذه الهيئة يكون سببًا في نومه، والنوم يترتب عليه انتقاض الوضوء بأن يخرج منه ريح، فيترتب على ذلك أن يقوم ويترك الخطبة ويتوضأ، فيفوِّت على نفسه حضور الخطبة، وقد تفوته الصلاة، أو يفوته شيء من الصلاة، فأرشد -عليه الصلاة والسلام- إلى عدم هذا الفعل، ونهى عن هذه الحبوة والإمام يخطب...
والنهي عن الاحتباء يوم الجمعة للتنزيه، ولهذا جاء عن كثير من السلف أنهم كانوا يحتبون، فلعلهم فهموا أنه للتنزيه أو ما بلغهم الحديث.
وفيه: دليل على أن الاستناد يوم الجمعة في ذلك المقام مكروه؛ لأن الاحتباء منهي عنه؛ حتى لا يأتي النوم، والإنسان إذا كان مستندًا فهذا أدعى إلى أن ينام وأن يستغرق في النوم، ولا شكَّ في أن العلة في النهي عن الاحتباء موجودة في هذا وأكثر. شرح سنن أبي داود (139/ 14).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
حديث النهي ‌عن ‌الاحتباء يوم الجمعة ضعيف، وقد احتبى بعض الصحابة يوم الجمعة. الحلل الإبريزية (1/ 117).
قال أبو داود -رحمه الله-:
كان ابن عمر يحتبي والإمام يخطب، وأنس بن مالك وشريح وصعصعة بن صوحان، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي، ومكحول وإسماعيل بن محمد بن سعد، ونعيم بن سلامة، قال: لا بأس بها، ولم يبلغني أن أحدًا كرهها إلا عُبادة بن نَسي (بضم وفتح المهملة قاضي طبرية). سنن أبي داود (1/ 290).
وسئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
هل النهي عن الاحتباء مع الخطبة أَم قبلها؟
فأجاب:
النهي عن الاحتباء لا يختص بالخُطبة ولا بغير الخطبة، ولكنه يُنهى عنه إذا كان الإنسان يَخشى أنْ تنكشف عورته مثل أنْ يحتبي بإزارهِ، فإنه إذا احتبى بإزاره فرُبما تنكشف عورته، وأمّا إذا كان لا يخشى انكشاف العورة؛ فإنه لا بأس به، لا في أثناء خُطبة الجمعة ولا في غيرها. فتاوى نور على الدرب (8/2).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا