الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

«إنَّ أوَّلَ ما يُسْأَلُ عنه يومَ القيامةِ -يعني: العبدَ مِن النَّعِيمِ- أنْ يُقالَ له: أَلم نُصِحَّ لك جسمَكَ، ونُرْوِيَكَ مِن الماءِ البارِدِ».


رواه الترمذي برقم: (3358)، واللفظ له، وابن حبان برقم: (7364)، والحاكم برقم: (7203)، والبزار برقم: (9408)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (2022)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (3223). 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«نُصِحَّ»:
من الإصحاح، وهو إعطاء الصحة. مرقاة المفاتيح، للقاري (8/ 3254).
قال الزمخشري -رحمه الله-:
يُقال: صحَّ من عِلَّتِهِ، ورجل صحيح وصَحاح، وقوم صِحَاح وأصِحَّاء وأصِحَّة، والسفر مصَحَّة، وهو صحيح مصح: صحيح أهله وماله، وقد أصح القوم وهم مصحون...، وأصحَّه الله تعالى وصحَّحه، وأصح الله تعالى بدنك، وصحَّح جسمك. أساس البلاغة، الزمخشري (1/ 537).

«نَرْوِيْكَ»:
«نرويك» من الريِّ. التنوير شرح الجامع الصغير، للصنعاني(3/ 605).
قال محمد عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
هو من التروية، أو من الإرواء من الرِّي بالكسر، وهو عند العطش. تحفة الأحوذي (9/204).


شرح الحديث


قوله: «إنَّ أوَّل ما يُسأل عنه يوم القيامة -يعني: العبد من النعيم-»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إن أول» أي: من أول. فيض القدير (2/443).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «ما يسأل» «ما» فيه مصدرية. الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3295).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وكان الطيبي -رحمه الله- جعل «من النعيم» متعلقًا بـ«يسأل»، حيث قال «ما» فيه مصدرية، و«أن يقال» خبر «إن» أي: أول سؤال العبد هو أن يقال له: «ألم نصح ... ». مرقاة المفاتيح (8/ 3254).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «إنَّ أول ما يُسأل» «ما» مصدرية، فيكون في تأويل المصدر، وخبره «أن يقال». لمعات التنقيح (8/ 430).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ما» موصولة، أي: أول شيء يحاسب به في الآخرة. مرقاة المفاتيح (8/ 3254).
وقال محمد عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
«يعني: العبد» تفسير لنائب الفاعل من بعض الرواة. تحفة الأحوذي (9/204).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إن أول ما يسأل العبد» أي: عنه. مرقاة المفاتيح (8/ 3254).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم» كالتفسير لقوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيم} التكاثر:8، وفيه دليل أن اللام في الآية للعموم، وأنه سؤال عن كل نعيم. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 605).

قوله: «أن يقال له: ألم نُصِحَّ لك جسمك»:
قال محمد عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
«أن يقال له» خبر «إن». تحفة الأحوذي (9/204).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
و«أنْ يقال» خبر «إن» أي: أول سؤال العبد هو أن يقال له ... إلخ، قوله: «ألم نصح» كذا في المصابيح شرح السنة، وقد غيروا في بعض نسخ المصابيح؛ نظرًا إلى أنه غير صحيح؛ لأنه لازم، وقد جاء في أساس البلاغة: أصحَّه الله، وصحَّحه، وأصح الله بدنك، وصحَّح جسمك. الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3295).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«أن يقال له» يقول له الرب تعالى أو الملك بأمره: «ألم نصح» من أصحه «لك جسمك» بالعافية. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 605).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «ألم نصح جسمك» «أصح» جاء لازمًا ومتعدِّيًا. لمعات التنقيح (8/ 430).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«ألم نصح جسمك» يقال: أصح القوم فهم مُصِحُّون: إذا أصابت أموالهم عاهة ثم ارتفعت. شرح مصابيح السنة (5/ 405).
وقال محمد عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
«ألم نصح» من الإصحاح، وهو إعطاء الصحة «جسمك» أي: بدنك. تحفة الأحوذي (9/204).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ألم نصح لك جسمك» أي: جسدك، وصحته أعظم النعم بعد الإيمان. فيض القدير (2/443).

قوله: «ونَرْوِيْكَ من الماء البارد»:
قال محمد عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
«ونرويك» كذا في النسخ الحاضرة بالياء، والظاهر حذفها؛ لأنه عطف على «نُصِح»، وكذلك في المشكاة، وهو من التَّروية، أو من الإرْوَاء من الرِّي بالكسر، وهو عند العطش. تحفة الأحوذي (9/204).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«ونَرْوِيْك» هو بإثبات الياء، فيحتمل: أنه معطوف على المجزوم، وفيه إثبات حرف العلة مع الجازم، وهو لغة، ويحتمل: أنه منصوب بعد واو المعية. السراج المنير شرح الجامع ا لصغير (2/ 89).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ونَرْوِيْكَ من الماء البارد» الذي هو من ضرورة بقائك، ولولاه لفَنَيْتَ بل العالم بأسره؛ ولهذا كان جَدِيْرًا بالسؤال عنه والامتنان به، وهذا هو المراد بقوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيم} التكاثر:8، وقيل: هو شَبَعُ البطون، وبرد الشراب، ولذة النوم، وقيل: الصحة والفراغ، وقيل: سلامة الحَواس، وقيل: الغداء والعشاء، وقيل: تخفيف الشرائع وتيسير القرآن، وقيل: ما سوى كِنٌّ يأويه (هو ما يرد الحر أو البرد)، وكِسْرَة تقويه، وكسوة تغنيه، يسأل عنها ويحاسب عليها. فيض القدير (2/443).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
قوله: «ونرويك من الماء» بالعطف على «لم» لا على مدخوله؛ لئلا ينقلب إلى الماضي، فتفوت دلالته على التجدُّد، والاحتياج إلى شيء منه مغاير لما سبق شربه، بخلاف الصحة، فإن الاحتياج فيها إنما هو في بقائها، أو استرداد زائلها إذا فاتت، وأما الماء البارد فلا غناء عنه بحصوله مرة. الكوكب الدري على جامع الترمذي (4/ 325).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ونرويك» من الرِّيِّ، «من الماء البارد»، وخص هاتين (يعني: نعمة الصحة والماء) بالأولية؛ لأنهما أم النعم، فإن الصحة هي نعمة مفردة تأتي بكل جمع، فإن كل نعمة في ضمنهما، والتَّروية من الماء نعمة يقصر اللسان عن وصفها، فإن إيجاد الماء من عجائب نعم الله، فإنه جسم رقيق لطيف سيّال متصل الأجزاء كأنه شيء واحد لطيف التركيب، سريع القبول للطبع، مسخر للتصرف، قابل للاتصال والانفصال، فيه حياة كل ما على وجه الأرض من حيوان ونبات، فلو احتاج العبد إلى شربة ماء ومُنِعَ منها لبذل جميع ما في الأرض في إخراجها، والعجب من الآدمي يستعظم الدنيا والدرهم، ونفيس الأحجار من الجواهر وينسى نعمة الله في هذا الشيء المبذول الذي مَنَّ الله به على عباده. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 605).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
«ألم نُصِحَّ لك جسمَكَ، ونُرْوِيكَ مِن الماءِ البارِدِ» وهو صحيح، فعليه فليُعَوَّل، أما إنَّ النعيم منه كثير، ومنه قليل، والأسودان مع الصحة نعيم عظيم، وإن كان قليلًا، فما ظنك بما وراءه بعد ذلك من النعيم؟! عارضة الأحوذي (12/185).
وقال الغزالي -رحمه الله-:
اعلم أنَّ كُل خيرٍ ولِذة وسعادة بل كل مطلوب ومؤثر فإنه يُسمَّى نعمة، ولكن النعمة بالحقيقة هي السعادة الأخروية، وتسمية ما سواها نعمة وسعادة إما غلط وإما مجاز؛ كتسمية السعادة الدنيوية التي لا تُعِيْن على الآخرة نعمة، فإن ذلك غلط محض، وقد يكون اسم النعمة للشيء صدقًا، ولكن يكون إطلاقه على السعادة الأخروية أصدق، فكل سبب يوصل إلى سعادة الآخرة، ويعين عليها إما بواسطة واحدة أو بوسائط؛ فإن تسميته نعمة صحيحة وصدق؛ لأجل أنه يفضي إلى النعمة الحقيقية. إحياء علوم الدين (4/ 99).


ابلاغ عن خطا