«العَقِيقَةُ حقٌّ عن الغلامِ شاتانِ وعن الجاريةِ شاةٌ».
رواه أحمد برقم: (27582)، وأبو عاصم في الآحاد والمثاني برقم: (3353) واللفظ له، من حديث أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم: (4133).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«العقيقة»:
العقيقة: الذبيحة التي تُذبح عن المولود، وأصل العَقِّ: الشقُّ والقطع، وقيل للذبيحة: عقيقة؛ لأنها يُشَقُّ حَلْقُها. النهاية، لابن الأثير (3/ 276).
«الغلامِ»:
الغينُ واللَّامُ والمِيمُ أصْلٌ صحيحٌ، يدلُّ على حَدَاثَةٍ وَهَيْجِ شَهْوَةٍ، مِنْ ذلك الغُلَامُ، هو الطَّارُّ الشَّارِبِ، وهو بَيِّنُ الغُلُومِيَّةِ والغُلُومَةِ، والجَمْعُ غِلْمَةٌ وَغِلْمَانُ. مقاييس اللغة، لابن فارس (4/ 387).
شرح الحديث
قوله: «العقيقة حق»:
قال العزيزي -رحمه الله-:
«العقيقة حق» أي: تُندب ندبًا مؤكدًا. السراج المنير شرح الجامع الصغير (3/ 349).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«العقيقة حق» سُنة مؤكدة، وقال الإمام أحمد: الأحاديث المعارضة لأحاديث العقيقة لا يعبأ بها. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 390).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
«العقيقة» هي فعيلة من العَقِّ الذي هو القطع...، واختلف العلماء في وجوب تسميتها عقيقة: فحكى أبو عبيد عن الأصمعي وغيره: أن العقيقة الشَّعر الذي يكون على رأس المولود، وإنما سُميت الشاة التي تُذبح عنه عَقِيقة؛ لأنه يُحلق رأسه عند ذبحها ويُرمى به، وكانت الجاهلية تفعله...، وقال ابن حنبل: إنما العقيقة الذبح نفسه، وهي قطع الأوداج والحُلْقُوم، ومنه قيل للقاطع رحمه في أبيه وأمه: عاقٌّ، وهو كلام غير محصَّل، والتحقيق فيه ما ذهب إليه أن العقيقة هي الذبيحة نفسها؛ لأنها هي التي تُقطع أَوْدَاجُها وحُلْقُومها، فهي فعلية من العقِّ الذي هو القطع. المسالك في شرح موطأ مالك (5/328-329).
وقال ابن العربي -رحمه الله- أيضًا:
العقيقة مما كانت الجاهلية تفعله، إذا ولد الغلام ذبح عنه شاة، ولطخ رأسه بالزعفران، فجاء الشرع فأسَنَّها، فهي سُنة من سُنن الإسلام، وشرع من شرائعه. المسالك في شرح موطأ مالك (5/329).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
العقيقة فرض واجب يُجبر الإنسان عليها إذا فضل له عن قوته مقدارها. المحلى بالآثار (6/ 234).
وقال الإمام ابن عبد البر -رحمه الله-:
ذهب أهل الظاهر إلى أن العقيقة واجبة فرضًا، منهم: داود بن علي وغيره، واحتجوا لوجوبها بأن رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم- أمر بها وفَعَلها، وكان بريدة الأسلمي يوجِبها، وشبَّهها بالصلاة، فقال: الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة، كما يعرضون على الصلوات الخمس، وكان الحسن البصري يذهب إلى أنها واجبة عن الغلام يوم سابِعِه، فإن لم يُعَق عنه، عَقَّ عن نفسه...، وكان مالك يقول: هي سنة واجبة يجب العمل بها، وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل، وإسحاق وأبي ثور والطبري. التمهيد (4/ 311- 312).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
فالجمهور على أنَّها (العقيقة) سُنة، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق، ولا ينبغي تركُها لمن قدر عليها، قال أحمد: هو أحب إليَّ من التصدُّق بثمنها على المساكين، وقال مالك: إنه الأمر الذي لا اختلاف فيه عندهم، وقال مَرَّة: إنه من الأمر الذي لم يزل عليه أمر الناس عندنا، وقال يحيى بن سعيد (الأنصاري): أدركتُ الناس وما يدعونها عن الغلام والجارية...، ويقابله قولان:
أحدهما: أنها بدعة، حُكي عن الكوفيين وأبي حنيفة، وأنكره أصحابه ويقولون: هو خرق الإجماع، وإنما قوله: إنها مباحة، وهو خلاف ما عليه العلماء من الترغيب فيها والحض عليها.
ثانيهما: وجوبها: حكي عن الحسن وأهل الظاهر، وتأولوا قوله: «مع الغلام عقيقة» على الوجوب، وكان الليث يوجبها. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (26/ 263-264).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال الشافعي: أفرط فيها (يعني: حكم العقيقة) رجلان، قال أحدهما: هي بدعة، والآخر قال: واجبة، وأشار بقائل الوجوب إلى الليث بن سعد، ولم يَعرف إمام الحرمين الوجوب إلا عن داود، فقال: لعل الشافعي أراد غير داود، إنما كان بعده، وتعقب بأنه ليس لـ (لعل) هنا معنى، بل هو أمر محقَّق، فإن الشافعي مات ولداود أربع سنين، وقد جاء الوجوب أيضًا عن أبي الزناد، وهي رواية عن أحمد، والذي نقل عنه أنها بدعة أبو حنيفة. فتح الباري (9/588).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
وأنكر أصحاب الرأي أن تكون العقيقة سُنة، وخالفوا في ذلك الأخبار الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعن أصحابه والتابعين. الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 417).
وقال العيني -رحمه الله- مُتعقِّبًا على ابن الملقن وابن حجر:
ونَقل صاحب التوضيح عن أبي حنيفة والكوفيين: أنها بدعة، وكذلك قال بعضهم في شرحه (ابن حجر) والذي نقل عنه أنها بدعة أبو حنيفة.
قلتُ: هذا افتراء، فلا يجوز نسبته إلى أبي حنيفة، وحاشاه أن يقول مثل هذا، وإنما قال: ليست بسنة، فمراده إما ليست بسنة ثابتة، وإما ليست بسنة مؤكدة. عمدة القاري (21/ 83).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قد تبين بما ذُكِرَ أن القول الراجح في هذه المسألة قول من قال: باستحباب العقيقة، وهو الذي عليه الجمهور، ودليل الاستحباب: قوله -صلى الله تعالى عليه وسلم- في حديث الباب: «من أحب أن يَنْسُكَ...» الحديث، فقد فوَّضه إلى اختيار الشخص، وهذا صارف للأمر عن الوجوب إلى الاستحباب. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/354).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
عندي أن القول بكون العقيقة شاة كما ثبت ذلك في النصوص الصحيحة، كالأحاديث التي ساقها المصنف (يعني: النسائي -رحمه الله-) وغيره هو الأرجح؛ عملًا بالنصوص، وقد أخرج الطحاوي والبيهقي من طريق عبد الجبار بن ورد المكي، سمعت ابن أبي مُلَيْكَة يقول: نُفِسَ لعبد الرحمن بن أبي بكر غلام، فقيل لعائشة: يا أم المؤمنين، عُقِّي عنه جزورًا (يعني: ناقة) فقالت: معاذ الله، ولكن ما قال رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم-: «شاتان مكافئتان» وإسناده حسن، وعبد الجبار قال عنه الذهبي: ثقة، وفي التقريب: صدوق يَهِم.
وأما الحديث الذي عزاه الحافظ إلى الطبراني وأبي الشيخ في إجزاء الإبل والبقر فهو حديث واهٍ؛ لأن في سنده مَسْعَدة بن اليَسَع، قال الذهبي: كذَّبَه أبو داود، وقال أحمد: حرَّقنا حديثه منذ دهر، وقال أبو حاتم: هو منكر ذاهب الحديث، لا يشتغل به، يكذب على جعفر بن محمد.
والحاصل: أن إجزاء غير الشياه لم يَرِدْ به نص صحيح. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/351).
قوله: «عن الغلام شاتان»:
قال السندي -رحمه الله-:
«عن الغلام شاتان» مبتدأ وخبر، والجملة جواب لما يقال: ماذا يَنْسُك؟ أو ماذا يجزئ ويحسن؟ فتح الودود في شرح سنن أبي داود (3/230).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«عنِ الغلامِ شاتانِ» أي: يُذبَح عن الصبي شاتان. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (9/ 608).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«عنِ الغلامِ شاتانِ» أي: تجزئ في عقيقة الغلام: شاتان. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/ 363).
وقال النووي -رحمه الله-:
السُّنة أنْ يُعَقَّ عن الغلام شاتان...، فإنْ عقَّ عن الغلام شاة حصل أصل السُّنة...؛ ولو وُلِدَ له ولدان فذبح عنهما شاة لم تحصل العقيقة، ولو ذبح بقرة أو بدنة عن سبعة أولاد، أو اشترك فيها جماعة جاز، سواء أرادوا كلهم العقيقة، أو أراد بعضهم العقيقة، وبعضهم اللحم. المجموع شرح المهذب (8/ 429).
قوله: «وعن الجارية شاة»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«وعن الجارية شاة» مبتدأ وخبر أيضًا، فالجار والمجرور خبر مقدم، و«شاة» مبتدأ مؤخر، يعني: أنه يجزئ عن المولود الأنثى أن تُذبح شاة واحدة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/349).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
عن الجارية شاة على قاعدته الشريفة في تفضيل الذَّكَرِ على الأنثى، قيل: واقتصاره في الإخبار على الشاة يُفهَم منه أنَّه لا يجزئ غيرها، ولو أعلى، كالإبل والبقر، وبه صرَّح جمعٌ، إلا أنَّه نُقل عن مالك أنَّه كان يعق بجزور. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 349-350).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
وقِيْسَ بالأنثى الخُنثى، وإنَّما كانا على النصف من الذَّكَر؛ لأنَّ الغرض من العقيقة استبقاء النَّفْس، فأَشْبَهَت الدية؛ لأنَّ كلًّا منهما فداء للنَّفْس. فتح الوهاب (2/ 331).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
اختلفوا في التسوية بين الغلام والجارية فيها (أي: العقيقة)، فقال أحمد بن حنبل والشافعي وإسحاق بظاهر ما جاء في الحديث، من أنَّ في الغلام شاتين، وفي الجارية شاة، وكان الحسن وقتادة لا يريان عن الجارية عقيقة، وقال مالك: الغلام والجارية شاة واحدة سواء، وقال أصحاب الرأي: إنْ شاء عقَّ، وإنْ شاء لم يَعُقَّ. معالم السنن (4/ 284).
وقال الحليمي -رحمه الله- بعد أنْ ذَكَر عدة آثار:
وهذه الأخبار تجمع دلالتين:
أحدهما: أنَّ الذبح عن الإناث سُنة، كما هو عن الذكور سُنة.
والأخرى: استحباب العدد فيما يُذْبَح عن الذكورة، والنظر يدل على أنَّ الذبح عن الإناث سُنة، وهو أنَّ هذه السُّنة في تقدير فدية النَّفْس، فكانت كالأضحية، والرجال والنساء يستوون في سُنة الأضاحي، كذلك الغلمان والجواري مستوون في سُنة العقيقة.
وأما المفارقة بين الصنفين في العدد، فلأنَّ الغرض من هذه القُرْبة استيفاء النَّفْس فأشبهت الدية، وإشباهها إياها بجمع دلالتين: إحداهما: أنَّ للإناث فيها مدخلًا، كما لهن في الديات مدخل، والأخرى أنَّ الأنثى منها على النصف من الذكر، كما أنَّها في الدية على النصف منه، وأما استحباب العدد فلأنه شبيه بالأضحية، وقد روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه كان يضحي بكبشين، فكان القياس على ذلك...، على أنَّ المستحَب في الصدقات كلها الازدواج. المنهاج في شعب الإيمان (3/ 284).
وقال ابن حجر -رحمه الله- بعد أنْ ذَكَرَ عدة آثار:
وهذه الأحاديث حُجة للجمهور في التفرقة بين الغلام والجارية، وعن مالك هما سواء، فيَعُقَّ عن كل واحد منهما شاة، واحتج له بما جاء أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- «عقَّ عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا» أخرجه أبو داود، ولا حجة فيه، فقد أخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ: «كبشين كبشين» وأخرج أيضًا من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله، وعلى تقدير ثبوت رواية أبي داود، فليس في الحديث ما يُرَدُّ به الأحاديث المتواردة في التنصيص على التثنية للغلام، بل غايته أنْ يدل على جواز الاقتصار، وهو كذلك، فإنَّ العدد ليس شرطًا، بل مستحب. فتح الباري (9/ 592).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وعن الجارية شاة» نصٌّ صريح يُبطل قول مَن كرهها مطلقًا، ومَن كرهها عن الجارية؛ وذلك شأن اليهود؛ فإنها كانت تعقُّ عن الغلام لا الجارية، ومن ثم عَدُّوا العَقَّ عن الأنثى من خصائص هذه الأُمَّة. فيض القدير (4/ 382).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واستدل بإطلاق الشاة والشاتين على أنه لا يُشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية، وفيه وجهان للشافعية، وأصحهما يشترط، وهو بالقياس لا بالخبر، وبِذِكْرِ الشاة والكبش على أنه يتعيَّن الغنم للعقيقة، وبه تَرْجَم أبو الشيخ الأصبهاني، ونقله ابن المنذر عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وقال البندنيجي من الشافعية: لا نصَّ للشافعي في ذلك، وعندي أنه لا يجزئ غيرها، والجمهور على إجزاء الإبل والبقر أيضًا، وفيه حديث عند الطبراني وأبي الشيخ عن أنس رفعه: «يُعَقُّ عنه من الإبل والبقر والغنم»، ونص أحمد على اشتراط كاملة، وذكر الرافعي بحثًا أنها تتأدَّى بالسُّبع كما في الأضحية. فتح الباري (9/592-593).
وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)