الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

سُئِلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن العقِيقَةِ، فقال: «لا يُحِبُّ اللَّهُ -عزَّ وَجلَّ- العُقُوقَ»، وكأنَّه كَرِهَ الاسمَ، قال لرسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: إنَّما نَسْأَلُكَ أَحَدُنَا يُولَدُ له، قال: «مَن أحبَّ أنْ يَنْسُكَ عن ولدِهِ، فَلْيَنْسُكْ عنه عن الغلامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ، وعن الجاريةِ شَاةٌ»، قال داودُ سألتُ زيدَ بنَ أَسْلَمَ عن المكَافَأَتَانِ قال: «الشَّاتَانِ المُشَبَّهَتَانِ تُذْبَحَانِ جميعًا».


رواه أحمد برقم: (6713)، وأبو داود برقم: (2842)، والنسائي، برقم: (4212) واللفظ له، من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (7630)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1655).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«العقيقة»:
الذبيحة التي تُذبح عن المولود، وأصل العَقِّ: الشقُّ والقطع، وقيل للذبيحة: عقيقة؛ لأنها يُشَقُّ حلْقُها. النهاية، لابن الأثير (3/ 276).

«العُقُوق»:
يقال: عَقَّ والده يَعُقُّه عقوقًا فهو عاقٌّ إذا آذاه وعصاه وخرج عليه، وهو ضد البِّر به، وأصله من العَقِّ: الشَّق والقطع. النهاية، لابن الأثير (3/277).

«يَنْسُك»:
بضم السين أي: يَذْبَح. حاشية السندي على سنن النسائي (7/ 163).
والنَّسِيْكَة: الذبيحة، وجمعها: نُسُك. النهاية، لابن الأثير (5/48).

«مُكَافَأَتَان»:
بفتح الفاء أو بكسرها أَي: كل وَاحِدَة مِنْهُمَا مُسَاوِيَة لصاحبتها فِي السن، وَلَا فرق بَين المكافِئَتَين والمكافَأَتين؛ لِأَن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا إِذا كافأت أُخْتهَا فقد كوفِئَتْ، فَهِيَ مكافِئَة ومكافَأَة.
قال الخطابي -رحمه الله-:
قال أبو عبيد: والمحدثون يقولون: شَاتَان مُكافَأَتان. يَقُولُ: متساويتان، وكل شيء ساوى شيئًا حتى يكون مثله فهو مكافئ له. غريب الحديث، للخطابي (1/605).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
مكافِئتان: أي: مُسْتَوِيَتَان أو مُتَقَارِبَتَان. النهاية (4/181).


شرح الحديث


قوله: «سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن العَقِيْقَة»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن العقيقة» أي: عن حكمها، أو صفتها. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/348).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
«العقيقة» هي فعيلة من العَقِّ الذي هو القطع...، واختلف العلماء في وجوب تسميتها عقيقة: فحكى أبو عبيد عن الأصمعي وغيره: أن العقيقة الشَّعْر الذي يكون على رأس المولود، وإنما سميت الشاة التي تُذبح عنه عَقِيقة؛ لأنه يُحلق رأسُه عند ذبحها ويُرمى به، وكانت الجاهلية تفعله...، وقال ابن حنبل: إنما العقيقة الذبح نفسه، وهي قطع الأوداج والحُلْقُوم، ومنه قيل للقاطع رحمه في أبيه وأمه: عاقٌّ، وهو كلام غير محصَّل، والتحقيق فيه ما ذهب إليه أن العقيقة هي الذبيحة نفسها؛ لأنها هي التي تُقطع أَوْدَاجُها وحُلْقُومها، فهي فعليه من العقِّ الذي هو القطع. المسالك في شرح موطأ مالك (5/328-329).
وقال ابن العربي -رحمه الله- أيضًا:
العقيقة مما كانت الجاهلية تفعله، إذا وُلد الغلام ذُبح عنه شاة، ولُطِّخ رأسه بالزعفران، فجاء الشرع فأسنَّها، فهي سُنة من سُنن الإسلام، وشرع من شرائعه. المسالك في شرح موطأ مالك (5/329).

قوله: «فقال: لا يحب الله -عزَّ وجلَّ- العُقُوق»:
قال المظهري -رحمه الله-:
«لا يحب الله العقوق» معناه: لا يحب الله عقوق الوالد الولد بترك العقيقة؛ أي: لا يحب الله أن يَتْرُكَ الوالد ذبح شاة للمولود.
ويحتمل: أن يكون معناه: لا يحب الله عقوق الولد الوالد بعد أن أثبت الوالد حقوقًا على الولد، حتى ذَبْح العقيقة له. المفاتيح في شرح المصابيح (4/494).
وقال الزرقاني -رحمه الله-:
«لا أحب العُقُوق» أي: العصيان وترك الإحسان. شرح الزرقاني على الموطأ (3/147).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «لا يحب الله العقوق» ليس فيه توهينٌ لأمر العقيقة ولا إسقاط لوجوبها، وإنما استبشع الاسم، وأحبَّ أن يسميه بأحسن منه، فليسمها النَّسِيْكَة أو الذبيحة. معالم السنن (4/287).
وقال المظهري -رحمه الله-:
وتأويل هذا الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أحب أن يسمي العقيقة عقيقة؛ كيلا يَظُنَّ أحد أنها مشتقة من العقوق، وكيلا يَتَلَفَّظ الناس بلفظ فيه حروف العقوق -والعقوق: العصيان-، بل أحبَّ أن تُسمى الشاة التي تُذبح عند ولادة الولد باسم غير العقيقة؛ بأن تسمى نَسِيكة أو ذبيحة، وكراهيته -صلى الله عليه وسلم- اسم العقيقة مثل كراهيته -صلى الله عليه وسلم- الأسماء القبيحة. المفاتيح في شرح المصابيح (4/494).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ومقصود الشرع الإرشاد إلى تعرُّف مواقع الألفاظ، واستعمال الأَوْلى منها والأحسن ما أمكن من غير إيجاب ذلك، واجتناب المشترك من الألفاظ، وما يُستكره منها، وما لا تواضع فيه، كعبدِي وأَمَتِي من غير تحريم ذلك، ولا تحريجه. المفهم (5/555).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
وهذا لا حجة فيه لنفي مشروعيتها، بل آخر الحديث يثبتها، وإنما غايته أن الأَوْلى أن تسمى نَسيكة أو ذبيحة، وأن لا تسمى عقيقة. إرشاد الساري (8/250).

قوله: «وكأنه كَرِهَ الاسم»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«كأنه كره الاسم» هذا من كلام بعض الرواة، أي: استقبح أن تسمى عقيقة؛ لئلا يُظن أنها مشتقة من العقوق، وأحبَّ أن يسميه بأحسن منه مِن ذبيحة، أو نَسيكة، على مذهبه في تغيير الاسم القبيح إلى ما هو أحسن منه. شرح مصابيح السنة (4/532).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «كأنه كره الاسم»؛ لأن العقوق من الكبائر، والمقصود أن هذا الاسم مكروه وإن كان العقوق من جانب الولد( ). لمعات التنقيح (7/220).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
«كأنه كَرِهَ الاسم» كلام أُدْرِج في الحديث من قول بعض الرواة، ولا يُدرى من القائل منهم، وعلى الجملة فإنه قول صدر عن ظن، والظن يُخطئ ويُصيب، فالظاهر أنه وقع ها هنا في القسم الأول؛ لأن النبي ذكر العقيقة في عدة أحاديث، ولو كان يَكْره الاسم لعدل عنه إلى غيره، ومن سُنته تغيير الاسم إذا كرهه، وكذلك عُدُوْلَه عن اللفظ المكروه إلى ما عداه، وكان يشير إلى كراهة الشيء بالنهي عنه، كقوله: «لا تقولوا للعنب: الكَرْم».
وإنما الوجه فيه أن يقال: يحتمل: أن السائل إنما سأله عنها لاشتباه تداخله من الكراهة والاستحباب والوجوب والندب، أو أحب أن يعرف الفضيلة فيها؛ ولما كانت العقيقة من الفضيلة بمكان لم يخف على الأُمَّة موقعه من الله أجابه بما ذكر تنبيهًا على أن الذي يبغضه الله من هذا الباب هو العقوق لا العقيقة.
ويحتمل: أن يكون السائل ظنَّ أن اشتراك العقيقة مع العقوق في الاشتقاق مما يُوْهِن أمرها، فأعلمه أن الأمر بخلاف ذلك.
ويحتمل: أن يكون العقيقة في هذا الحديث مستعارًا للوالد، كما هو حقيقة في حق المولود؛ وذلك أن المولود إذا لم يَعرف حق أبويه وأَبَى عن أدائه صار عاقًّا، فجعل إِبَاء الوالد عن أداء حق المولود عُقُوقًا على الاتِّسَاع، فقال: «لا يحب الله العقوق» أي: تَرْك ذلك من الوالد مع قدرته عليه يشبه إضاعة المولود حق أبويه، ولا يحب الله ذلك. الميسر في شرح مصابيح السنة (3/950).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
(و) يحتمل: أن يكون لفظ ما سأل عنه: وُلِدَ لي مولود أحب أن أعقَّ عنه، فما تقول؟ فكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلفظه بـِأَعُقَّ؛ لأنه مشترك بين العقيقة والعقوق، فتكون الكراهية راجعة إلى ما تلفظ به لا إلى نفس العقيقة، وقد تقرر في علم الفصاحة الاحتراز عن لفظٍ يشترك فيه معنيان، أحدهما مكروه فيُجَاء به مطلقًا، كما لو قيل: لقيتُ فلانًا فَعَزَّرْتُه؛ لاحتمالها أنك ضربته أو أكرمته، ولو قُيِّد لجاز؛ ومن ثَمَّة علمه كيفية السؤال بالفعل بقوله: «مَن وُلِدَ له وَلَدٌ وأحب أن ينسك» إلى آخره. الكاشف عن حقائق السنن (9/ 2836).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم- «لا أحب العقوق» بعد سؤاله عن العقيقة للإشارة إلى كراهة اسم العقيقة لَمَّا كانت هي والعقوق يرجعان إلى أصل واحد؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «من أحب منكم أن يَنْسُكَ» إرشادًا منه إلى مشروعية تحويل العقيقة إلى النسيكة، وما وقع منه -صلى الله عليه وسلم- من قوله: «مع الغلام عَقِيْقَته»، «وكلُّ غلام مُرْتَهَن بعقيقته»، و«رهينة بعقيقته»، فمن البيان للمخاطَبين بما يعرفونه؛ لأن ذلك اللفظ هو المتعارف عند العرب، ويمكن الجمع بأنه -صلى الله عليه وسلم- تكلم بذلك لبيان الجواز، وهو لا ينافي الكراهة التي أَشْعَرَ بها قوله: «لا أحب العقوق». نيل الأوطار (5/160).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
كان الواجب بظاهر هذا الحديث أن يقال للذبيحة عن المولود في سابعة: نَسِيْكَةٌ، ولا يقال: عقيقة، إلا أني لا أعلم خلافًا بين العلماء في تسمية ذلك عقيقة، فدل على أن ذلك منسوخ واستحباب واختيار.
فأما النسخ: فإن في حديث سمرة بن جُنْدُب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الغلام مرتهن بعقيقته تُذبح عنه يوم سابعه ويُسَمَّى».
وفي حديث سلمان بن عامر الضبي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دمًا، وأميطوا عنه الأذى».
ففي هذين الحديثين لفظ العقيقة، فدل ذلك على الإباحة لا على الكراهة في الاسم، وعلى هذا كُتُب الفقهاء في كل الأمصار ليس فيها إلا العقيقة لا النسيكة، على أن حديث مالك هذا ليس فيه التصريح بالكراهة.
وكذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما فيهما «فكأنه كَرِهَ الاسم، وقال: من أحب أن يَنْسُك عن ولده». الاستذكار (5/313-314).

قوله: «قالوا: يا رسول الله، إنما نسألك عن أَحدنا يُولد له»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«إنما نسألك أحدُنا يولد له» أي: فماذا عليه لهذا الولد؟. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/348).

قوله: «قال: مَنّ أَحبّ أنْ يَنْسُك عن ولده فلينسك عنه»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«من أحب أن يَنْسُك عن ولده» بضم السين: أي: يذبح. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/348).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «فأحب أن ينسك عنه» يقتضي أن ذلك في مال الأب عن ابنه، فلو كان للمولود مال لكان الأظهر عندي أن تكون العقيقة في مال الأب؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «فمن أحب أن ينسك عن ابنه فليفعل» فأثبت ذلك في جهة الأب. المسالك في شرح موطأ مالك (5/328).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «فأحب أن ينسك عنه فلينسك» قد يؤخذ منه أنه ينبغي أن تُسمَّى نسيكة بدل عقيقة. لمعات التنقيح (7/221).

قوله: «عن الغلام شاتان مُكافأتان»:
قال السندي -رحمه الله-:
«عن الغلام شاتان» مبتدأ وخبر، والجملة جواب لما يقال: ماذا ينسك؟ أو ماذا يجزئ ويحسن؟. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (3/230).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«مكافِئتان» بالهمزة، أي: مساويتان في السن، بمعنى ألا ينزل سنهما عن سن أدنى ما يجزئ في الأضحية، وقيل: مساويتان، أو متقاربتان، وهو بكسر الفاء، من كافأه: إذا ساواه. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/349).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«عن الغلام شاتان مكافَأتان» بفتح الفاء؛ لأنه يريد شاتين قد سوَّى بينهما أي: مساوى بينهما، وقيل: بكسرها (مكافئتان) أي: متساويتان سنًّا وحُسنًا، أو معادلتان لما يجب في الزكاة والأضحية من الأسنان، أو مذبوحتان، والمحدِّثون على الأول، وهو أولى، وأما لكسر فمعناه متساويتان، فيحتاج أن يذكر أي شيء ساوياه. السراج المنير شرح الجامع الصغير (3/ 339).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«شاتان متكافئتان» أي: متساويتان سنًّا وحسنًا، وفي رواية قال: «مكافَأتان». فيض القدير (4/ 382).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وشُرع أنْ تكون الشاتان مكافئتين، قال أحمد في رواية أبي داود: «مستويتان أو متقاربتان»، وقال في رواية الميموني: «مِثْلَان» في رواية جعفر بن الحارث: «تشبه إحداهما الأخرى»؛ لأن كل شاة منهما كانت بدلًا وفداء، وجُعلت الشاتان مكافِئتين في الجنس والسن، فجُعلتا كالشاة الواحدة، والمعنى أن الفداء لو وقع بالشاة الواحدة لكان ينبغي أن تكون فاضلة كاملة، فلما وقع بالشاتين لم يؤمَن أن يتجوز في إحداهما، ويهوِّن أمرها؛ إذ كان قد حصل الفداء بالواحدة، والأخرى كأنها تتمة غير مقصود، فشُرع أن تكونا متكافئتين؛ دفعًا لهذا التوهم، وفي هذا تنبيه على تهذيب العقيقة من العيوب التي لا يصح بها القربان من الأضاحي وغيرها، ومنها: فك رهان المولود؛ فإنه مرتهن بعقيقته. تحفة المودود (ص: 72).

قوله: «وعن الجارية شاة»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«وعن الجارية شاة» مبتدأ وخبر أيضًا، فالجار والمجرور خبر مقدَّم، و«شاة» مبتدأ مؤخر، يعني: أنه يجزئ عن المولود الأنثى أن تُذبح شاة واحدة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/349).
وقال الحليمي -رحمه الله-:
الغرض من هذه القربة: استيفاء النفس، فأشبهت الدية، وإشباهها إياها بجمع دلالتين:
إحداهما: أن للإناث فيها مدخلًا كما لهن في الديات مدخل.
والأخرى: أن الأنثى منها على النصف من الذَّكَر، كما أنها في الدية على النصف منه. المنهاج في شرح شعب الإيمان (3/ 284).

قوله: «قال داود: سألتُ زيد بن أسلم عن المكافأتان قال: الشاتان الْمُشَبَّهَتَانِ تُذبحان جميعًا»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «قال داود» هو ابن قيس الراوي عن عمرو بن شعيب، «سألتُ زيد بن أسلم» العدوي، مولى عمر بن الخطاب، أبا عبد الله، أو أبا أسامة المدني، ثقة عالم، وكان يُرْسِل (يعني: يرفع الحديث ويسقط مَن بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم-) مات سنة (136)... «عن المكافَأتان؟» أي: عن معناهما «قال» زيد: «الشاتان» خبر لمحذوف أي: هما الشاتان «الْمُشَبَّهَتَانِ» بصيغة اسم المفعول: أي: متماثلتان «تُذبحان» بالبناء للمفعول «جميعًا» أي: لا يؤخّر ذبح إحداهما عن الأخرى، وحكى أبو داود، عن أحمد: المكافِئتان المتقاربتان. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/349-350).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واستدل بإطلاق الشاة والشاتين على أنه لا يُشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية، وفيه وجهان للشافعية، وأصحهما يشترط، وهو بالقياس لا بالخبر، وبِذِكْرِ الشاة والكبش على أنه يتعيَّن الغنم للعقيقة، وبه تَرْجَم أبو الشيخ الأصبهاني، ونقله ابن المنذر عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وقال البندنيجي من الشافعية: لا نصَّ للشافعي في ذلك، وعندي أنه لا يجزئ غيرها، والجمهور على إجزاء الإبل والبقر أيضًا، وفيه حديث عند الطبراني وأبي الشيخ عن أنس رفعه: «يُعَقُّ عنه من الإبل والبقر والغنم»، ونص أحمد على اشتراط كاملة، وذكر الرافعي بحثًا أنها تتأدَّى بالسُّبع كما في الأضحية. فتح الباري (9/592-593).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
عندي أن القول بكون العقيقة شاة كما ثبت ذلك في النصوص الصحيحة، كالأحاديث التي ساقها المصنِّف (يعني: النسائي -رحمه الله-) وغيره هو الأرجح؛ عملًا بالنصوص، وقد أخرج الطحاوي والبيهقي من طريق عبد الجبار بن ورد المكي، سمعت ابن أبي مُلَيْكَة يقول: نُفِسَ لعبد الرحمن بن أبي بكر غلام، فقيل لعائشة: يا أم المؤمنين، عُقِّي عنه جزورًا (يعني: ناقة)، فقالت: معاذ الله، ولكن ما قال رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم-: «شاتان مكافِئَتان» وإسناده حسن، وعبد الجبار قال عنه الذهبي: ثقة، وفي التقريب: صدوق يَهِم.
وأما الحديث الذي عزاه الحافظ إلى الطبراني وأبي الشيخ في إجزاء الإبل والبقر فهو حديث واهٍ؛ لأن في سنده مَسْعَدة بن اليَسَع، قال الذهبي: كذَّبَه أبو داود، وقال أحمد: حرَّقنا حديثه منذ دهر، وقال أبو حاتم: هو منكر ذاهب الحديث، لا يشتغل به، يكذب على جعفر بن محمد.
والحاصل: أن إجزاء غير الشياه لم يرد به نص صحيح. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/351).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
في هذا الحديث: كراهة ما يقبح من الأسماء، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب الاسم الحسن؛ لأنه كان يعجبه الفأل الحسن. الاستذكار (5/313).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فوائده:
بيان مشروعية العقيقة.
ومنها: التفرقة بين الغلام والجارية، فيُعَقُّ عنه شاتان، وعنها شاة واحدة.
ومنها: كون الشاتين متماثلتين في السن. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/350).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا