الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- يَرْفَعُهُ سُئِلَ: أيُّ الصلاةِ أفضلُ بعدَ المكتوبةِ؟ وأيُّ الصيامِ أفضلُ بعد شهرِ رمضانَ؟ فقال: «أفضلُ الصلاةِ بعدَ الصلاةِ المكتوبةِ الصلاةُ في جوْفِ الليلِ، وأفضلُ الصيامِ بعدَ شهرِ رمضانَ صيامُ شهرِ اللهِ المحَرَّمِ».


رواه مسلم برقم: (1163).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«جوف الليل»:
أي: ثلثه الآخر، وهو الجزء الخامس من أسداس الليل. النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير (1/ 316).


شرح الحديث


قوله: «قال: «سُئِلَ: أيُّ الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟»:
قال الشيخ محمد أمين الهرري -رحمه الله-:
«سُئِل» رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «أيُّ الصلاة أفضل؟» أي: أكثر أجرًا «بعد» الصلاة «المكتوبة»؟ الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (13/ 191).

قوله: «وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟»:
قال الشيخ محمد أمين الهرري -رحمه الله-:
«وأيُّ الصيام أفضل» أي: أكثر أجرًا «بعد» صيام «شهر رمضان». الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (13/ 191).

قوله: «فقال: أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«أفضل الصلوات بعد المكتوبة» أي: ولواحقها من الرواتب وما أشبهها مما يسن فعله جماعة؛ إذ هي أفضل من مطلق النفل على الأصح. فيض القدير (2/41).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«أفضل الصلاة بعد المكتوبة» التي كتب الله على العباد إيجابها «الصلاة في جوف الليل». التنوير شرح الجامع الصغير (2/568).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«وأفضل الصلاة» من النفل المطلق «بعد الفريضة صلاة الليل»؛ لأنه وقت السكون والخشوع والخضوع مع ما فيه من البعد عن الرياء. دليل الفالحين (6/637).

«جوف الليل»:
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«جوف الليل» أي: وسطه. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (13/ 191).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«جوف الليل» أي: سدسه الرابع والخامس. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 260).
وقال المناوي -رحمه الله-:
ولأن الخشوع فيه (أي الليل) أوفر؛ لاجتماع القلب، والخلو بالرب. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 185).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
وهذه الأفضلية في الصلوات المندوبة، وأما السنن المؤكدات فلما أنها مُلْحَقات بالفرائض كركعتي الفجر وغيرها وكذلك الوتر فهي أفضل من صلاة الليل. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (8/ 635).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أو يُقال: صلاة الليل أفضل من الرواتب من حيثية المشقة والكُلفة والبُعد عن الرياء والسمعة، أو بالنسبة إليه -صلى الله عليه وسلم- على القول باستمرار الوجوب لديه، أو لأنه كان فريضة، ثم صار سُنة بالنسخ، وقيل: هذه السنة أفضل السنن، والله أعلم ...، وقيل: المراد من صلاة الليل: الوتر، فلا إشكال. مرقاة المفاتيح (4/ 1411).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» للعلماء مقال، ولعمري إن صلاة التَّهجد لو لم يكن فيها فضل سوى قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} الإسراء:79، وقوله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} إلى قوله: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} السجدة:17 وغيرها من الآيات لكفاه تقدمًا ومزية. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1605).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله: «وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» فيه دليل لما اتفق العلماء عليه أن تَطوُّع الليل أفضل من تطوع النهار، وفيه حجة لأبي إسحاق المروزي من أصحابنا ومن وافقه أن صلاة الليل أفضل من السُّنن الرَّاتبة، وقال أكثر أصحابنا: الرَّواتب أفضل؛ لأنها تشبه الفرائض، والأول أقوى وأوفق للحديث. شرح النووي على مسلم (8/ 55).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
هذا الذي قوَّاه النووي -رحمه الله- من أن صلاة الليل أفضل من السُّنن الرَّواتب هو الصواب، فإن ما استند إليه الأكثرون تعليل في مقابلة النص وهو غير مقبول. البحر المحيط الثجاج (21/524).

قوله: «وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«أفضل الصيام بعد رمضان» أي: بعد فضل صيام شهر رمضان «شهر الله المحرم». البحر المحيط الثجاج (21/523).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«أفضل الصيام» أي: النفل المطلق منه «بعد رمضان شهر الله المحرم» أي: صومه كما يدل عليه قرينة المقام. دليل الفالحين (6/637).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «شهر الله المحرم» أي: صيام شهر الله المحرم، يريد أنه يوم عاشوراء، أضاف الشهر إلى الله تعظيمًا، وعطف «المحرم» إليه بيانًا تفخيمًا له. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1605).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- مُعلِّقًا:
فيكون من باب ذِكْرِ الكل وإرادة البعض، ويمكن أنْ يُقال: أفضليته لما فيه من يوم عاشوراء، لكن الظاهر أنَّ المراد جميع شهر المحرم، وفي خبر أبي داود وغيره: «صُمْ من المحرم واترك، صُم المحرم واترك، صُم من المحرم واترك»، وأما حديث: «صوم رجب» فقال بعض الحفاظ: إنها موضوعة. مرقاة المفاتيح (4/ 1411).
وقال ابن دريد -رحمه الله-:
وسُمِّي المحرم محرمًا في الإسلام وكان في الجاهليَّة يُسمَّى أحد الصَّفَرَين؛ لأنَّهم كانوا يُنْسِئُونَه، فيُحَرِّمونه سَنة، ويُحِلُّونه سَنة. جمهرة اللغة (1/ 522).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«شهر الله» نُسب إليه تعظيمًا لشأنه، «المحرم» بدل منه؛ لأنه مُفْتَتح السَّنة، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يكثر صومه؛ ليفتتح عامه بفعل الخير. التنوير شرح الجامع الصغير (2/568).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وإضافته إلى الله تعالى للتشريف، وتخصيصه بلفظ «المحرم» مع أن كلًّا من الأشهر الحُرُم يوصَف به؛ لما قيل: إنه اسم إسلامي، وإن تحريمه كذلك، فلم تغير حرمته بما كان يفعله أهل النَّسِيء. دليل الفالحين (6/637).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
سُئلتُ: لم خُصَّ المحرم بقولهم: شهر الله دون سائر الشهور مع أنَّ فيها ما يساويه في الفضل أو يزيد عليه كرمضان؟
ووجدتُ ما يُجاب به: أنَّ هذا الاسم إسلامي دون سائر الشهور، فإنَّ أسماءها كلها على ما كانت عليه في الجاهلية، وكان اسم المحرم في الجاهلية صَفَر الأول، والذي بعده صَفَر الثاني، فلما جاء الإسلام سماه الله المحرم، فأُضيف إلى الله بهذا الاعتبار، وهذه الفائدة لطيفة رأيتُها في الجمهرة. الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج (3/ 252).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قال الحافظ أبو الفضل العراقي -رحمه الله- في شرح الترمذي: الحكمة في تسمية المحرم شهر الله والشهور كُلها لله يحتمل: أن يقال: إنه لما كان من الأشهر الحرم التي حرَّم الله تعالى فيها القتال، وكان أول شهور السَّنة أضيف إليه إضافة تخصيص، ولم يصح إضافة شهر من الشهور إلى الله تعالى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا شهر الله المحرم. البحر المحيط الثجاج (21/523-524).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
إنما كان أفضل -والله أعلم- من أجل أن المحرم أول السَّنة المستأنَفة التي لم يجئ رمضانها، فكان استفتاحها بالصوم الذي هو من أفضل الأعمال، والذي أخبر عنه -صلى الله عليه وسلم- «بأنه ضياء»، فإذا استفتح سَنَتَه بالضياء مشى فيه بَقِيَّتُها. المفهم (3/ 235).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
وخصَّه من بين الأشهر الحُرُم لمكان عاشوراء. الفائق في غريب الحديث والأثر (2/ 270).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
إنما خصَّه بكثرة الصيام؛ لأنه ترتفع فيه أعمال العباد في سَنَتِهم. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 260).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
وأرى في هذا الحديث إشارة إلى أنه لما كان القتال مُحرَّمًا في المحرم، وكان انتهاز وقته للصوم فرصة؛ من أجل أن أوقات إباحة القتال لا يقتضي أن يكون المؤمن فيها صائمًا؛ لما يضعف الصوم أهله، وكان ذلك في المحرم؛ ولأن القتال ربما أدى إلى السِّباب، والصائم مأمور بترك السِّباب؛ ولذلك جاء في الحديث في الصائم: «فإنْ امرؤٌ قاتَلَه فليقل: إني صائم». الإفصاح عن معاني الصحاح (8/ 216).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم» تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم، وقد سبق الجواب عن إكثار النبي -صلى الله عليه وسلم- من صوم شعبان دون المحرم وذكرنا فيه جوابين:
أحدهما: لعله إنما عَلِمَ فضله في آخر حياته.
والثاني: لعله كان يَعْرِض فيه أعذار من سفر أو مرض أو غيرهما. شرح صحيح مسلم (8/ 55).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
الحديث يدل على تفضيل الصيام في المحرم، وأن صيامه أفضل من صيام بقية الأشهر، وهو مخصِّص لعموم ما عند البخاري والترمذي وصححه والنسائي وأبو داود من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما من أيام العمل الصالح فيهنَّ أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»، وهذا إذا كان كون الشيء أحب إلى الله يستلزم أنه أفضل من غيره، وإن كان لا يستلزم ذلك فلا حاجة إلى التخصيص لعدم التنافي. نيل الأوطار (3/70).
وقال السندي -رحمه الله-:
«شهر الله» أي: صيام شهر الله، والإضافة إلى الله للتشريف، وقيل: المراد: يوم عاشوراء، قلتُ: في الترمذي عن علي مرفوعًا ما يفيد أنَّ المراد تمام الشهر، والله تعالى أعلم. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (2/ 678-679).
وقال السهارنفوري -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قلتُ: فإن كان المراد من صوم شهر الله المحرم تمام الشهر، فلا تَعَارض بينه وبين الحديث المتقدم في فضل صوم عرفة وكثرة ثوابه، وإن كان المراد يوم عاشوراء فهو بظاهره يعارض ما تقدم من كثرة الثواب في صوم عرفة، فيمكن أن يجاب عنه: أن في صوم عاشوراء تصريحًا بالأفضلية، وفي صوم عرفة ليس فيه تصريح بالأفضلية، وأيضًا صوم عاشوراء فصومه متفق عليه، وأما صوم عرفة فمختلف فيه. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (8/ 634-634).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وأما الحديث... «أفضل الصوم بعد رمضان شعبان» فقد عارض بظاهره هذا، والتوفيق (مع) ما مرَّ في نظائره: أن التفضيل بكل واحد على ما عدا الآخر، وأن المعنى شعبان أفضل الأشهر ما عدا المحرَّم، والمحرم أفضلها ما عدا شعبان، فهما فيما بينهما لا دليل في هذا يقضي لأحدهما بأنه أفضل من الآخر. التنوير شرح الجامع الصغير (2/568).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
ولا يخالفه حديث الترمذي والبيهقي في الشُّعب عن أنس مرفوعًا «أفضل الصوم بعد رمضان شعبان»؛ لتعظيم رمضان؛ لأن سبب الفضل مختلف، فالمحرم لكونه فاضلًا في ذاته، وشعبان لتعظيم غيره. دليل الفالحين (6/637).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
التفضيل بكل واحد على ما عدا الآخر، وأنَّ المعنى: شعبان أفضل الأشهر ما عدا المحرَّم، والمحرَّم أفضلها ما عدا شعبان، فهما فيما بينهما لا دليل في هذا يقضي لأحدهما بأنه أفضل من الآخر. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 568).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث: ما يدل على فضيلة شهر المحرم؛ من حيث إنه أول العام فيستقبله بالعبادة، فيُرجى بذلك أن يكون مُكفِّرًا لباقي العام، كما ذكرنا في فضيلة الذكر في أول النهار. الإفصاح عن معاني الصحاح (8/ 215).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وهذا الحديث صريح في أنَّ أفضل ما تطوع به من الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم، وقد يحتمل أنْ يُراد: أنه أفضل شهر تُطُوِّع بصيامه كاملًا بعد رمضان، فأما بعض التطوع ببعض شهر فقد يكون أفضل من بعض أيامه، كصيام يوم عرفة، أو عشر ذي الحجة، أو ستة أيام من شوال، ونحو ذلك. لطائف المعارف (ص: 33).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فيه: دليل على أنه أفضل الصوم بعد رمضان، وأنه أفضل على كل ما ورد فيه الحث على الصوم كالستِّ بعد رمضان، ويوم عرفة وعاشوراء، إلا أن الأظهر أن المراد تفضيل الشهر كله على شهر كامل لا على الأيام المعيَّنة، فيحتمل أنها بخصوصها أفضل. التنوير شرح الجامع الصغير (2/568).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فوائده (يعني: الحديث):
منها: بيان فضل صوم شهر الله المحرم، وأنه أفضل الصيام مطلقًا بعد صوم رمضان.
ومنها: بيان فضل صلاة الليل.
ومنها: أن صلاة الليل أفضل من النوافل مطلقًا حتى على السنن الرواتب. البحر المحيط الثجاج (21/525-526).


ابلاغ عن خطا