الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

«أيُّما امرأةٍ أَصابتْ بخُورًا فلا تَشْهَدْ معنا العشاءَ الآخِرَةَ».


رواه مسلم برقم: (444)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


رَغَّبَ الإسلامُ في استقرارِ المرأةِ في بيتِهَا، وجَعَلَ صلاتَهَا في مَخْدَعِهَا خيرًا مِن صلاتِهَا مع النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ولكنَّه مَع هذا أَذِنَ لها بالخروجِ مِن منزلِهَا عندَ الحَاجَةِ، وأَلْزَمَهَا عندَ الخروجِ بآدابٍ وَتَعَالِيْمَ ؛ لِكَوْنِ المرأةِ بطبيعتِهَا مَثَارَ فتنةٍ، ومِن تلكَ الآدابِ: مَا جاءَ في قولِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في هَذَا الحديثِ: «أيُّما امرأةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا» أَي: استَعْمَلت بخورًا أو نحوه مما يُثِيرُ شَهْوَةَ الرجالِ، وقدْ جاءَ في روايةٍ: «إذا استعْطَرت» فيَعُمُّ كل طِيْبٍ، «فلا تَشْهَدْ معنا العِشَاءَ الآخِرَةَ» والمرادُ: صلاة العِشاءِ، وإنما قيَّدَها بالصلاة الآخرة تَمْيِيزًا لها عَن صَلاةِ المغربِ؛ حيث كانوا يُسمُّونها أيضًا العِشاءَ.
وفي هَذا مَنْعٌ لِلْمَرْأَةِ من الخروجِ إلى المسجدِ سَواءً إلى صَلاةِ العشاءِ أو غيرها؛ وإنَّما خصَّتِ العِشَاء بالذِّكْر لأنَّ الخوفَ والفِتْنَةَ في هذا الوقتِ أعظمُ؛ لوُجُودِ الظَّلَام.
وإِذَا كانَ النَّهيُ عن التَّطيبِ حال خُروجِ المرأةِ إلى المسجدِ فعندَ خروجِهَا إلى غيرِهِ مِن بابِ أَوْلَى، وهذا الحديثُ يدخلُ في بابِ المحافظةِ على المرأةِ والمجتمعِ، وسدٍّ لذريعة الفساد، وليسَ فيه مَنْعٌ لها بإطلاقٍ من الخروجِ إلى المسجدِ لأداءِ الصَّلاةِ، وتعلُّمِ أمورِ دينِهَا، أو الخروجِ لغيرِ المسجدِ عندَ الحاجةِ، مع التزامِهَا بالآدابِ الإسلاميَّةِ.


غريب الحديث


«بَخُورًا»:
البَخُورُ بالفتحِ ما يُتَبَخَّرُ به. مختار الصحاح، للرازي (ص: 30).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
البَخُورُ وِزَانُ رَسُولٍ: دُخْنَةٌ يُتَبَخَّرُ بِهَا. المصباح المنير (1/ 37).

«أصابت»:
أي: استعملت. بذل المجهود (12/ 204).

«فلا تَشْهَدْ»:
أي: لا تحضر. مرعاة المفاتيح (3/ 505).


شرح الحديث


قوله: «أَيما امرأة أصابت بخورًا»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«أيما امرأة» «أيما» شرطية، جوابها قوله: «فلا تشهد». ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (38/178).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
زيدت «ما» على «أي» لزيادة التعميم. الكواكب الدراري (3/212).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«أيما امرأة» «ما» زائدة، و«امرأة» مضافة لـ(أي)، والتقدير: أيُّ امرأة أصابت بخورًا. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (2/ 611).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«أصابت بخورًا» بفتح الباء الموحدة، وضم الخاء المعجمة، كصَبُور: ما يُتَبَخَّر به. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (38/178).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
البخور: هو الدخان الذي يتصاعد بوضع العُود الذي فيه الطِّيْبُ على الجمر. شرح سنن أبي داود (469/13).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«أصابت بخورًا»... أي: استعملت ما يُتَبخَّر به كالعُود والقُسْط (هو عود هندي يجعل في البخور والدواء) والصَّنْدل (وهو خشب أحمر، ومنه الأصفر، طيب الرِّيح). الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (7/ 265).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «بخورًا» بفتح الموحدة: ما يُتبخَّر به، وبالأَولى غيره من الأطياب، وحديث: «إذا استعْطَرت» عامٌّ لكل طِيْبٍ. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/ 627).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
ويلحق بالبخور ما في معناه من محركات الشَّهوة. مرعاة المفاتيح (3/ 505).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
أُلحق بالطِّيب ما في معناه، فإنَّ الطِّيب إنَّما مُنع منه لما فيه من تحريك داعية الرجال وشهوتهم، وربما يكون سببًا لتحريك شهوة المرأة أيضًا، فما أوجب هذا المعنى التحق به، وقد صح أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العِشاء الآخرة»، ويلحق به أيضًا: حسن الملابس، ولبس الحلي الذي يَظهر أثره في الزينة. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 197).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في إلحاق هذه الأشياء بالمنصوص عليه نظر لا يخفى؛ إذ هذه الأشياء كانت موجودة وقت ورود النص، فخص بعض الأشياء، كالطِّيب، وسكت عن غيره، فإلحاقه به محل نظر. مشارق الأنوار الوهاجة (1/253).

قوله: «فلا تشهد معنا العِشَاء الآخرة»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فلا» ناهية؛ ولذا جُزم بها قولُه: «تشهد». ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (38/178).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «فلا تشهدَنَّ» في بعض النسخ هكذا بزيادة نون التوكيد، وفي بعضها بحذفها، وظاهر النهي التحريم. نيل الأوطار (3/ 158).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فلا تشهد» أي: لا تحضر صلاتها مع الرجال. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (7/ 265).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«معنا» أيها الرجال. فيض القدير (3/ 137).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«العِشاء الآخرة» احتراز من المغرب...، وقد تقدَّم أنَّ مسَّ الطِّيب يمنع المرأة من حضور المسجد مطلقًا. مرقاة المفاتيح (3/ 837).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
ولما كان الأصل ألا تخرج امرأة إلا تَفِلَة (غير متطيبة)، وكان الوقت المعروف لتطيُّب النساء للرجال إنما هو بالليل؛ لأن الليل يجمع بين الرجل وامرأته لإقباله من مَصْرِفه إلى بيته؛ ليسكن إلى أهله في ليله، فتَطَّيَّب امرأته قيل لهن: من تطيَّب منكن قبل شهود العِشاء فلا تشهد العشاء. الاستذكار (2/ 467).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
وإنما خصَّ العشاء الآخرة بالنهي؛ لأنها تُؤدِّى عند إقبال الليل وارتكام الظلام وهدوء الأقدام، وتَهيُّؤ الناس للمنام واستيلاء الشيطان بالوسوسة واستحواذه على النفوس الشِّريرة بتمكنها عند ذلك من قضاء الوَطَر بخلاف صلاة الصبح فإنها عند إِدْبَار الليل وإِقْبَال النهار، وحينئذٍ تنعكس القضية، ويتحقق للنفوس حصول الحاجز بينها وبين ما تَبْتَغِيه. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/288).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
خصَّ العشاء الآخرة؛ لأنها وقت انتشار الظُّلمة فتَخْلُوا الطرقات عن الناس، ويستولي الشيطان بوسوسة المنكرات، ويتمكن الفُجَّار من قضاء الأوطار، بخلاف النهار فإنه واضح فاضح.
وقيَّد العشاء بـ«الآخرة» ليُخْرِج المغرب. شرح مصابيح السنة (2/96).
وقال السندي -رحمه الله-:
لعل التخصيص؛ لأن الخوف عليهنَّ في الليل أكثر، أو لأن عادتهن استعمال البخور في الليل لأزواجهن. حاشية السندي على سنن النسائي (8/155).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«العِشاء الآخرة» لأن الليل آفاته كثيرة، والظُّلمة ساترة، وخص العشاء لأنه وقت انتشار الظُّلمة، وخُلُو الطُّرق عن السيارة؛ فالفاجر يمكن حينئذٍ من قضاء الأوطار وقتئذٍ. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 419).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فالتخصيص بالعِشاء الآخرة لمزيد التأكيد، أو لأنَّ النساء يخرجن في العِشاء الآخرة إلى المسجد، فنهاهن عن الحضور مُتَطَيِّبات. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (38/178).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ونهي النبي -صلى الله عليه وسلم- للنساء عن الخروج إلى المساجد إذا تَطَيَّبن أو تَبَخَّرن؛ لأجل فتنة الرجال بطِيْبِ ريحهِنَّ وتحريك قلوبهم وشهواتهم بذلك؛ وذلك لغير المساجد أحرى، وفي معنى الطِّيب ظهور الزينة، وحسن الثياب، وصوت الخَلاخِيْل والحُلِي، وكل ذلك يجب منع النساء منه إذا خرجن بحيث يراهنَّ الرجال. إكمال المعلم (2/354).
وقال محمد الأُبي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قلتُ: واشتمالهن بالملاحف، ومليح الأكسية، وكان الشيخ (ابن عرفة) يقول: إنَّ طيب الرائحة لا يُحرِّك النفس، ويحكي ذلك عن نفسه، وهذا في مطلق طيب الرائحة كما ذكر، وأما في المتعلِّق بالمرأة منها، فكما ذكر القاضي. إكمال إكمال المعلم (2/188-189).
وقال السنوسي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قلتُ: وهو نص الحديث. مكمل إكمال الإكمال (2/188).
وقال النووي -رحمه الله-:
فيه دليل على جواز قول الإنسان: العِشاء الآخرة، وأما ما نُقل عن الأصمعي أنه قال: من المحال قول العامة: العِشاء الآخرة؛ لأنه ليس لنا إلا عِشاء واحدة فلا توصف بالآخرة، فهذا القول غلط؛ لهذا الحديث، وقد ثبت في صحيح مسلم عن جماعات من الصحابة وصْفُها بالعِشاء الآخرة، وألفاظهم بهذا مشهورة في هذه الأبواب التي بعد هذا. شرح صحيح مسلم (4/163).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث: كراهية الطِّيب للنساء اللَّاتي يشهدن الجماعة، فإذا خالفت امرأة وتطيَّبَت فلا تشهد الجماعة حتى يذهب ريح الطِّيب، وهذا لأنه يوجِب الالتفات إليها، ويثير الشهوة، ويُشعر بِمَمَرِّها الـمُطْرِق عن مثلها، والأعمى بما ينبه على نفسها بريحها. الإفصاح عن معاني الصحاح (8/33).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
وفي معنى حديث أبي هريرة هذا حديث زينب بنت عبد الله الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا شَهِدَتْ إحداكن العِشاء فلا تَمَسَّ طِيبًا». الميسر في شرح مصابيح السنة (1/288).
وقال العراقي -رحمه الله-:
في هذه الرواية (يعني حديث: «وليَخْرُجن تَفِلَات») وكذا في رواية مسلم: «أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تَشْهَد معنا العِشاء الآخرة» حُجَّة على أنه يحرم على المرأة الطِّيْب للخروج إلى المسجد، وكذلك حديث زينب الثَّقَفِية عند مسلم: «إذا شَهِدَتْ إحداكن العِشاء فلا تَطَّيب تلك الليلة». طرح التثريب (2/ 316).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
فيه دليل على أن الخروج من النساء إلى المساجد إنما يجوز إذا لم يصحب ذلك ما فيه فتنة، وما هو في تحريك الشهوة فوق البخور داخل بالأَولى. نيل الأوطار (3/ 158).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا