«المؤمنُ إذا اشْتَهَى الولدَ في الجَنَّةِ كان حَمْلُهُ ووضْعُهُ وسِنُّهُ في ساعةٍ كما يَشْتَهِي».
رواه أحمد برقم: (11063)، والترمذي برقم: (2563)، واللفظ له، وابن ماجه برقم: (4338)، وابن حبان برقم: (7404)، وأبو يعلى الموصلي برقم: (1051)، والدارمي برقم: (2876)، من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (6649)، مشكاة المصابيح برقم: (5648).
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «المؤمن إذا اشْتَهَى الولد في الجنة»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة» أي: فرضًا وتقديرًا. مرقاة المفاتيح (9/ 3597).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة» أي: حدوثه له. فيض القدير (6/258).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة» إذا أحب وجود الأولاد. التنوير شرح الجامع الصغير (10/458).
قوله: «كان حَمْلُه»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«كان حمله» أي: كان حمل الولد في بطن الأم. مرشد ذوي الحجا والحاجة (26/394).
قوله: «ووَضْعُه وسِنِّه»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«ووَضْعُه» أي: ولادته. مرشد ذوي الحجا والحاجة (26/394).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وَسِنَّه» أي: كمال سِنِّه وهو الثلاثون سنة. مرقاة المفاتيح (9/ 3597).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«كان حمله ووضعه وسِنَّه» التي يحب المؤمن أن يكون عليها. التنوير شرح الجامع الصغير (10/458).
قوله: «في ساعة كما يشتهي»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«في ساعة»؛ لأن الانتظار أشد من الموت، ولا موت في الجنة ولا حزن. مرقاة المفاتيح (9/ 3597).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«في ساعة واحدة» لأنها دار اللذات، فلا ألم بالحمل، ولا استكراهَ لِمُدَّتِهِ، ولا ألم بالوضع، ولا شغلة بتربية الصبي، بل يُحْدِثُه الله -عزَّ وجلَّ- «كما يشتهي» في ساعة واحدة، إلا أنه قد ثبت عند العقيلي وغيره: أن الجنة لا يكون فيها ولادة، قيل: فالمراد هنا أنه إذا اشتهى المؤمن كان كما ذكر، لكنه لا يشتهي ذلك أصلًا. التنوير شرح الجامع الصغير (10/458).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«كما يشتهي» من جهة القَدْر والشكل والهيئة وغيرها، والمراد أن ذلك يكون إن اشتهى كونه، لكنه لا يشتهي ذلك، فلا يولد له، فلا تعارض بينه وبين خبر العُقَيْلِي بسند صحيح «إن الجنة لا يكون فيها ولد». فيض القدير (6/258).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«كما يشتهي» من أن يكون ذكرًا أو أنثى ونحو ذلك. مرقاة المفاتيح (9/ 3597).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«كما يشتهي» أي: على أي كيفية وكميَّة شاءها مِن ذكورة أو أنوثة، زوجٍ أو فرد، توأمة أو غيرها. مرشد ذوي الحجا والحاجة (26/ 394).
وقال الترمذي -رحمه الله-:
وقد اختلف أهل العلم في هذا، فقال بعضهم: في الجنة جماع ولا يكون ولد، هكذا روي عن طاوس ومجاهد وإبراهيم النخعي.
وقال محمد (يعني: البخاري -رحمه الله-): قال إسحاق بن إبراهيم في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان في ساعة واحدة كما يشتهي» ولكن لا يشتهي.
قال محمد (يعني: البخاري -رحمه الله-): وقد روي عن أبي رَزِيْن العُقَيْلِي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد». سنن الترمذي (4/ 695).
وقال السندي -رحمه الله-:
وحاصل التأويل الذي نقله (البخاري) عن إسحاق: أنَّ قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا اشتهى المؤمن» على الفرض والتقدير، فكلمة «إذا» وضعت موضع كلمة (لو) المفيدة للفرض، والله تعالى أعلم. حاشية السندي على مسند أحمد (3/32).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
تأويل إسحاق فيه نظر، فإنه قال: «إذا اشتهى المؤمن الولد» و(إذا) للمتحقِّق الوقوع، ولو أريد ما ذكره من المعنى لقال: لو اشتهى المؤمن الولد لكان حمله في ساعة؛ فإن ما لا يكون أحق بأداة (لو)، كما أن المتحقِّق الوقوع أحق بأداة (إذا)، وقد قال أبو نعيم: حدثنا عبدان بن أحمد حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان الثوري عن إبان عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: قيل: «يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيولد لأهل الجنة؛ فإن الولد من تمام السرور؟ فقال: نعم، والذي نفسي بيده وما هو إلا كقَدْرِ ما يتمنى أحدكم فيكون حَمْلُهُ ورضاعه وشبابه». حادي الأرواح (ص: 242).
وقال الشيخ نبيل الغمري -حفظه الله-:
تعقَّبه الحافظ البيهقي في البعث والنشور بإيراده بدون أداة «إذا». فتح المنان شرح وتحقيق كتاب الدارمي (9/ 754).
وقال البيهقي -رحمه الله-:
قال الحاكم: قال الأستاذ أبو سهل (محمد بن سليمان العجلي الصعلوكي): أهل الزيغ ينكرون هذا الحديث، وقد روي فيه غير إسناد، وسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذاك، فقال: يكون نحو ما رويناه، والله سبحانه يقول: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ} الزخرف: 71، وليس بالمستحيل أن يشتهي المؤمن الممكن من شهواته، الصفيّ المقرَّب المسلَّط على لذاته قرة عين، وثمرة فؤاد من أنعم الله عليهم بأزواج مطهرة.
فإن قيل: ففي تأويله أنهن لا يَحِضْنَ ولا يَنْفَسْنَ، وأنَّى يكون الولادة؟
قلتُ: الحيض سبب الولادة الممتد أمله بالحمل على الكُرْه والوضع عليه، كما أن جميع ملاذ الدنيا من المآرب والمطاعم والملابس على ما عرف من التعب والنَّصَبِ وما يعقب كل ما يُحذر منه، ويُخاف من عواقبه، هذه خمر الدنيا المحرمة المستولية على كل بلية، قد أعدها الله تعالى لأهل الجنة منزوع البلية موفق اللذة، فَلِمَ لا يجوز أن يكون على مثله ولد؟ البعث والنشور (236).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
النافون للولادة في الجنة لم ينفوها لزيغ قلوبهم؛ ولكن لحديث أبي رَزِيْن: «غير أن لا توالد»، وقد حكينا من قول عطاء وغيره أنهن مطهَّرات من الحيض والولد، وقد حكى الترمذي عن أهل العلم من السلف والخلف في ذلك قولين، وحكى قول إسحاق بإنكاره، وقال أبو أمامة في حديثه: «غير أن لا مَنِيَّ ولا مَنِيَّة»، والجنة ليست دار تناسُلٍ، بل دار بقاء وخُلد لا يموت مَن فيها فيقوم نسله مقامه، وحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- هذا أجود أسانيده إسناد الترمذي، وقد حكم بغرابته وأنه لا يُعرف إلا من حديث أبي الصديق الناجي، وقد اضطرب لفظه، فتارة يروى عنه «إذا اشتهى الولد»، وتارة: «أنه ليشتهي الولد»، وتارة: «أن الرجل من أهل الجنة ليُولَد له» فالله أعلم، فإن كان رسول الله قد قاله فهو الحق الذي لا شك فيه، وهذه الألفاظ لا تنافي بينها ولا تناقض، وحديث أبي رَزِيْن: «غير أن لا تَوَالُدَ» إذ ذاك نفي للتوالد المعهود في الدنيا، ولا ينفي ولادة حمل الولد فيها ووضعه وسِنَّه وشبابه في ساعة واحدة، فهذا ما انتهى إليه علمنا القاصر في هذه المسالة. حادي الأرواح (ص: 249).
وقال ابن كثير -رحمه الله-:
وهذا السياق (يعني: سياق حديث أبي سعيد) يدل على أن هذا أمر يقع خلافًا لما رواه البخاري والترمذي عن إسحاق بن راهويه، من أن ذلك محمول على أنه لو أراد ذلك، ولكنه لا يريده، ونُقل عن جماعة من التابعين، كطاوس ومجاهد، وإبراهيم النخعي وغيرهم: أن الجنة لا يُولَد فيها، وهذا صحيح؛ وذلك أن جِمَاعَهم لا يقتضي ولدًا كما هو الواقع في الدنيا، فإن الدنيا دار يُرَاد منها بقاء النَّسل لتُعْمَرَ، وأما الجنة فالمراد بقاء الْمُلْكِ؛ ولهذا لا يكون في جماعهم مَنِيٌّ يقطع لذة الجماع، ولكن إذا أحب أحدهم الولد يقع كما يريد، قال الله تعالى: {لَهُم ما يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِين} الزمر-34.النهاية في الفتن والملاحم (2/ 344).
وقال الشيخ نبيل الغمري -حفظه الله-:
هذا وقد تمسَّك المنكرون بأحاديث وآثار تعارض حديث الباب، منها حديث أبي رَزِين العُقَيْلِي مرفوعًا: «إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد»، وبحديث أبي أمامة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل «هل يجامِعُ أهل الجنة؟ قال: نعم، دَحَامًا دَحَامًا (يعني: النكاح والوطء بدفع وإزعاج)، ولكن لا مَنِيّ ولا مَنِيَّة» إسناده منقطع، وبقوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} البقرة:25، وقد فُسِّر بأنهن طَهُرن من الحيض والولد والبول والغائط.
والحقيقة أنه لا تعارض بين الأحاديث، فنعيم أهل الجنة لا حدَّ له حتى يوقف عنده، وكذلك قُدْرَتُه سبحانه لا حدَّ لها، وإنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن فيكون، والحديث إذا صح عن الصادق المصدوق قلنا به، وسلَّمنا له، بلا كيف ولا معارضة، هذا واجب المؤمن الصادق. فتح المنان شرح وتحقيق كتاب الدارمي (9/ 754).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
ولا ينافي ذلك حديث «لا تَوَالُدَ في الجنة»؛ لأن المنفي ترتب الولادة على الجماع، والمثبَت هنا حصول الولد عند اشتهائه. السراج المنير شرح الجامع الصغير (4/ 341).
وقال الألوسي -رحمه الله-:
على الرواية السابقة سندًا حسنًا، كما أشار إليه الترمذي، فلِقَائِلٍ أنْ يقول: إن فيه تعليقًا بالشرط، وجاز ألا يقع، و(إذا) وإنْ كانت ظاهرة في المحقَّق لكنها قد تُستعمل لمجرد التعليق الأعم...، وبالجملة: المرجَّح عند الأكثرين عدم التوالد، ورجَّح ذلك السفاريني بعشرة أوجه، لكن للبحث في أكثرها مجال، والله تعالى أعلم. روح المعاني (16/ 132-133).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
قد اختلف الناس هل تلد نساء أهل الجنة؟ على قولين:
فقالت طائفة: لا يكون فيها حَبَلٌ ولا ولادة، واحتجَّت هذه الطائفة بهذا الحديث، وبحديث آخر أظنه في المسند، وفيه: «غير أن لا مَنِيَّ ولا مَنِيَّة».
وأثبتت طائفة من السلف الولادة في الجنة، واحتجت بما رواه الترمذي في جامعه من حديث أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حَمْلُه ووضْعُه وسِنُّه في ساعة، كما يشتهي» قال الترمذي: حسن غريب، ورواه ابن ماجه.
قالت الطائفة الأولى: هذا لا يدل على وقوع الولادة في الجنة؛ فإنه علَّقه بالشرط، فقال: «إذا اشتهى» ولكنه لا يشتهي، وهذا تأويل إسحاق بن راهويه، حكاه البخاري عنه، قالوا: والجنة دار جزاء على الأعمال، وهؤلاء ليسوا من أهل الجزاء، قالوا: والجنة دار خلود لا موت فيها، فلو توالد فيها أهلها على الدوام والأبد لما وسعتهم، وإنما وسعتهم الدنيا بالموت.
وأجابت الطائفة الأخرى عن ذلك كله، وقالت: (إذا) إنما تكون لمحقَّقِ الوقوع لا المشكوك فيه، وقد صح أنه سبحانه ينشئ للجنة خلقًا يُسْكِنُهم إياها بلا عمل منهم، قالوا: وأطفال المسلمين أيضًا فيها بغير عمل، وأما حديث سِعَتِهَا، فلو رُزق كل واحد منهم عشرة آلاف من الولد وَسِعَتْهُم، فإنَّ أدناهم من ينظر في ملكه مسيرة ألفي عام. زاد المعاد (3/ 588).