الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

«إنَّ العبدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكلمةِ ما يَتَبَيَّنُ فيها يَزِلُّ بها في النَّارِ أَبْعَدَ مما بينَ المَشْرِقِ والمغربِ».


رواه البخاري برقم: (6477)، ومسلم برقم: (2988)، واللفظ له، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«ما يَتَبَيَّنُ»:
أي: لا يتدبر فيها، ولا يتفكر في قُبحها. اللامع الصبيح (15/508).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
أي: لا يَتَثَبَّت فيها، ولا يفكِّر في معناها. الكوثر الجاري (10/159).

«يَزِلُّ»:
بفتح أوله، وكسر الزاي، بعدها لام، أي: يَسْقُطُ. فتح الباري، لابن حجر (11/311).


شرح الحديث


قوله: «إنَّ العبد ليتكلم بالكلمة»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«إنَّ العبد» أي: الإِنسان المكلف حُرًّا كان أو غيره. دليل الفالحين (8/342).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «إنَّ العبد ليتكلم» كذا للأكثر، ولأبي ذر: «يتكلم» بحذف اللام، قوله: «بالكلمة» أي: الكلام المشتمل على ما يُفْهِمُ الخير أو الشر، سواء طال أم قَصُرَ، كما يقال: كلمة الشهادة، وكما يقال للقصيدة: كلمة فلان. فتح الباري (11/ 310).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«ليتكلم بالكلمة» ينبغي أن يراد بها كلٌّ مِن مَعْنَيَيْهَا اللغويَّين أي: القول المفرد والجملة المفيدة، مِن استعمال المشترَك في مَعْنَيَيْهِ جملة، وهو جائز عند إمامنا الشافعي في آخرين. دليل الفالحين (8/342).
قال ابن عبد البر -رحمه الله-:
لا أعلم خلافًا في قوله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة» إنها الكلمة عند السلطان الجائر الظالم؛ ليرضيه بها فيما يسخط الله -عزَّ وجلَّ-، ويُزَيِّن له باطلًا يريده من إِرَاقَة دم أو ظُلْمِ مسلمٍ ونحو ذلك مما ينحط به في حبل هواه فيبعد من الله وينال سخطه. التمهيد (13/51).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقيل: بل هي من الرَّفَث الخنا (أي: الفحش)، ويحتمل: أن يكون في التعريض بمسلم بكبيرة، أو بمجُون، أو استخفاف بحق النبوة والشريعة وإن لم يعتقد ذلك. إكمال المعلم (8/537).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال ابن التين: هذا هو الغالب، وربما كانت عند غير ذي السلطان ممن يَتَأتَّى منه ذلك، ونُقِلَ عن ابن وهب: أن المراد بها التلفظ بالسوء والفحش ما لم يُرِدْ بذلك الجحد لأمر الله في الدين...
وقال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام: هي الكلمة التي لا يَعرف القائل حُسنها مِن قُبحها، قال: فيحرم على الإنسان أن يتكلم بما لا يَعرف حُسنه من قُبحه.
قلتُ (أي: ابن حجر): وهذا الذي يجري على قاعدة مقدمة الواجب. فتح الباري (11/311).

قوله: «ما يتبين فيها»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«ما يتبين فيها» جملة مستأنفة أو حالية من ضمير «يتكلم» وفي محل الصفة. دليل الفالحين (8/342).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «ما يتبين ما فيها» كقوله: «ما يلقي لها بالًا» فيستغفر منها ويتوب؛ لأنه استخَفَّها ولم يعلم مقدار ما قاله. إكمال المعلم (8/537)
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«ما يتبين ما فيها» أي: من الإثم والعقاب؛ وذلك لجهله بذلك، أو لترك التَّثَبُّت، أو للتَّسَاهل، وفي غير كتاب مسلم: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة مِن سَخَطِ الله ما يلقي لها بالًا، يهوي بها في النار سبعين خَريفًا». المفهم (6/616).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«ما يتبين» أي: لا يتدبر فيها، ولا يتفكر في قُبْحِها وما يترتب عليها. الكواكب الدراري (23/5).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
«يتبين» من البيان أي: إنه ما بيَّنها بعبارة تامَّة. كشف المشكل (3/ 399).
وقال صفي الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
«ما يتبين ما فيها» أي: لا يتأمل في تلك الكلمة، ولا يتثَبَّت ما فيها من الخير أو الشر، بل يقولها على سبيل اللامبالاة. منة المنعم في شرح صحيح مسلم (4/404).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«ما يتبين فيها» يعني: لا يتأكد، ينقل ما سَمِعَ، و«كفى بالمرء كذبًا أن يُحَدِّثَ بكل ما سمع»، فتجده يتكلم بالكلمة ولا يتبين ولا يتثبت ولا يدرس معناها ولا يدرس ماذا تُوصِل إليه -والعياذ بالله-. شرح رياض الصالحين (6/119).

قوله: «يَزِلُّ بها في النار»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«يَزِلُّ» بفتح التحتية، وكسر الزاي، بعدها لام مشددة، «بها» بتلك الكلمة. إرشاد الساري (9/ 274).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يَزِلُّ بها» هو مِن زلَّ يَزِلُّ إذا سقط، وهو مثل «يهوي بها». التنوير شرح الجامع الصغير (3/506).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
والجملة مضارعية مستأنَفة بيان لموجب تلك الكلمة، ومقتضاها كأن قائلًا قال: ماذا يناله بها؟ فقيل: يَزِلُّ بها. دليل الفالحين (8/342)
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«بها» أي: بسببها، «إلى النار» أي: إلى جهتها ويقرب منها. دليل الفالحين (8/342).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«في النار» نار جهنم. فيض القدير (2/367).

قوله: «أَبْعَدَ مما بين المشرق والمغرب»:
قال السيوطي -رحمه الله-:
«أَبْعَدَ» إما منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف، معناه: نزولًا أَبْعَدَ، أو مجرور على أنه صفة للنار الواقعة موقع المُنْكَر، والمعنى: أبعد قَعْرًا، «ما» موصول، والظرف صلته، ومعناه: أبعد مِن البُعْدِ الذي بين المشرق والمغرب. عقود الزبرجد (3/35).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «أَبْعَدَ» الظاهر أنه صفة مصدر محذوف، أي: هويًّا بليغًا بعيدَ المبدأ والمنتهى. الكاشف عن حقائق السنن (10/3112).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«أَبْعَدَ ما بين المشرق والمغرب» يهوي بها تلك المسافة، واقتصر هنا على كلمة ما يعاقب به من الكلمات؛ لأنّه الأهم، إذ اجتنابه ترك مفسدة، وفعل كلمة الخير فعل مصلحة، ودفع المفاسد أهم، والعناية بها أتم. التنوير شرح الجامع الصغير (3/506).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«أَبْعَدَ ما بين المشرق والمغرب» كِنَاية عن المسافة البعيدة، وعُمق النار، يقصد به شدة إيلامها كَمًّا وكَيْفًا. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (10/595).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «بين المشرق» فإن قلتَ: لفظ «بين» يقتضي دخوله على متعدد.
قلتُ: المشرق متعدد معنى؛ إذ مشرقُ الصيف هو غير مشرق الشتاء، وبينهما بُعْدٌ عظيم، وهو نصف كرة الفُلْكِ، أو اكتفى بأحد الضدين عن الآخر، كقوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} النحل:81، وفي بعض الروايات جاء صريحًا «والمغرب». الكواكب الدراري (23/6).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ومسافة ما بين المشرق والمغرب بعيدة جدًا، نصف الكرة الأرضية، ومع ذلك كَلمة واحدة زلّ بها في النَّار أَبعد مما بين المشرق والمغرب، وهذا يدل على وجوب التأكد مما تتكلم به، سواء نقلته إلى غيرك أو نقلته عن غيرك، تثبت، اصبر، لا تستعجل، ما الذي يوجب لك أن تستعجل في المقال؟ اصبر حتى تتثبت ويتبين لك الأَمر، ثم إنْ رأيت مصلحة في الحديث فتحدَّث، وإذا لم تر مصلحة في الحديث فاسكت «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خير أو ليصمُت».شرح رياض الصالحين(6/١١٩ ـ 220).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: أن يُفهم منه حضُّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على التبيُّن للقول قبل النطق به، ألا تراه -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يتبين فيها»؟ والتَّبين: تَفَعُّل؛ وذلك من البيان، يعني -صلى الله عليه وسلم-: لو تبيَّن فيها لاطَّلَع على ما يخاف من إلقائها معه، فإذا نطق بها فاته زمان التَّبيُّن.
ومن الفقه فيه: ألا يُذكر لهذه الكلمة مثال؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يذكر لها مثالًا؛ فيُفهم مِن تَرْكِه -صلى الله عليه وسلم- ذكر المثال لها مع تشديده في التحذير من ذكرها إيثاره: أن نخشى منه كل عوراء من الكلام مما يُوتِغُ (أي: يُهْلِك) دنيا، أو يهيِّج فتنة، أو يثير بين الناس شرًّا؛ لتجويز أن تكون هي الكلمة التي حذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها. الإفصاح عن معاني الصحاح (6/242).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وفيه من الفقه: وجوب التثبُّت عند الأقوال والأفعال، وتحريم التساهل في شيء من الصغائر، وملازمة الخوف والحذر عند كُل قول وفعل. المفهم (6/616).
وقال النووي -رحمه الله-:
وهذا كُله حثٌّ على حفظ اللسان كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».
وينبغي لمن أراد النطق بكلمة أو كلام أن يتدبره في نفسه قبل نطقه، فإنْ ظهرت مصلحته تكلَّم وإلا أَمْسَكَ. شرح صحيح مسلم (18/117).
وقال المناوي -رحمه الله-:
والقصد به (يعني: الحديث) الحث على قلَّة الكلام، وتأمُّل ما يراد النطق به، فإن كثيرًا من الكلام الذي يؤاخذ به العبد يُسَيِّرُه الهوى، وتَحُولُ بين العبد وبين عاقبته النفس والشيطان، ويُزَيِّنَا له أنه لا ذنوب إلا الذنوب التي في ذكره في ذلك الكلام، وأن كلامه كله في نهاية التمام.
قال أهل السلوك: وطريق التوبة منها: أن يتذكر أوقاته الماضية كم فيها من حق ضيَّعه، أو ذنب رَكِبَه، ويتأمل في منطقِه ولحظه واستماعه وبطْشِه، وحق من عليه له فيتدارك الممكن مما ذكره. فيض القدير (2/367).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان ألا يكثر الكلام، وألا يتكلم إلا فيما يعنيه، وأن يحترز من الكلام حين الغضب؛ لأنه يتكلم عند الغضب بما يضره في دينه ودنياه. تطريز رياض الصالحين (ص: 836).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا