«مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ له، له الملْكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، في يومٍ مائةَ مرَّةٍ، كانتْ له عَدْلَ عشْرِ رقابٍ، وكُتِبَتْ له مائةُ حسنةٍ، ومُحِيَتْ عنه مائةُ سيِّئَةٍ، وكانت له حِرْزًا مِن الشَّيطَانِ يومهُ ذلك حتَّى يُمْسِيَ، ولم يأتِ أحَدٌ أفضلَ مما جاء به إلَّا أحدٌ عَمِلَ أكثرَ مِن ذلك، ومَن قال: سبحانَ اللهِ وبحمدِهِ، في يومٍ مائةَ مرَّةٍ حُطَّتْ خطاياهُ ولو كانت مثلَ زَبَدِ البحرِ».
رواه البخاري برقم: (3293)، وبرقم: (6403)، ومسلم برقم: (2691)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«عَدْلُ»:
العَدْلُ: بالفتح الْمِثْلُ، وما عَادَل الشيء وكافاه من غير جنسه، وبالكسر ما عَادَلَه من جنسه وكان نظيره، وقيل: الفتح والكسر لغتان فيهما. مشارق الأنوار، للقاضي عياض (2/ 69).
«ومُحِيَتْ»:
أي: أُزيلت. المفاتيح في شرح المصابيح، للمظهري (3/162).
«حِرْزًا»:
أي: حِفْظًا ومَنْعًا. مرقاة المفاتيح، للقاري (4/ 1596).
والحِرْزُ: بكسر المهملة، وسكون الراء، العَوْذَةُ والموضع الحصين. الكواكب الدراري، للكرماني (22/182).
«زَبَد البحر»:
الزَّبَد: بفتح الزاي والباء من البحر وغيره كالرغوة. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (6/ 390).
وقال اليفرني -رحمه الله-:
زَبَدُ البحر: أي: رغوةُ غثائه عند تموُّجِه واضطرابه. الاقتضاب في غريب الموطأ (1/ 238).
شرح الحديث
قوله: «مَن قال: لا إله إلا الله»:
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«لا إله إلا الله» هذه جملة اسمية منفية بـ(لا) التي لنفي الجنس، ونفي الجنس أعم النفي، واسمها: (إله)، وخبرها: محذوف، والتقدير: حقٌّ، وقوله: (إلا) أداة حصر، والاسم الكريم لفظ الجلالة بدل من خبر: (لا) المحذوف، وليس خبرها؛ لأن (لا) النافية للجنس لا تعمل إلا في النكرات. شرح الأربعين النووية (ص:21).
وقال الزرقاني -رحمه الله-:
قوله: «إلا الله» قيل: في موضع رفعٍ بدلًا من «لا إله» لا خبر؛ لأن «لا» لا تعمل في المعارف، ولو قلنا: خبر للمبتدأ، أو لـ«لا» فلا يصح أيضًا؛ لما يلزم عليه من تنكير المبتدأ وتعريف الخبر، لكن قال السَّفَاقِسي (هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم) قد أجاز الشَّلوبِيْنِي (عمر بن محمد بن عمر الأزدي) أن خبر المبتدأ يكون معرفة، ويُسوِّغ الابتداء بالنكرة في النفي. شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك (2/31).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معلقًا:
عندي أن ما أجازه الشَّلوبِيْنِي هو الحق، فقوله: «إلا الله» هو الخبر؛ لأن هذه الجملة جملة مفيدة دون تقدير، فلا حاجة إلى ما تكلَّفه الكثيرون من تقدير الخبر. البحر المحيط الثجاج (42/136).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
«لا إله» أي: لا معبود بحق. البحر المحيط الثجاج (42/136).
قوله: «وحده لا شريك له»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «وحده» حال مؤكِّدة، وتُؤَوَّل بمنفرد؛ لأن الحال لا تكون معرفة، و«لا شريك له» حال ثانية مؤكِّدة لمعنى الأولى، و«لا» نافية، و«شريك» مبني مع «لا» على الفتح، وخبر «لا» متعلق قوله: «له». إرشاد الساري (9/227).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «وحده» تأكيد للنفي من كل وجه، وقوله: «لا شريك له» إشارة إلى نفي أن يكون هو جعله مُعِينًا أو ظهيرًا كما كانت العرب تقول: "لبيك لا شريك لك، إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك". القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (ص: 407).
قال ابن علان -رحمه الله-:
«من قال: لا إله إلا الله وحدَه» بالنصب على الحالية، وجازت مع تعريفه لفظًا لتأويله بمنفرد. دليل الفالحين (7/206).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«لا شريك له» جملة حالية، حُذف معمولها ليَعُمَّ، أي: فلا شريك له في شيء من صفاته، ولا في شيء من أفعاله، ولا في شيء من مُلكه. دليل الفالحين (7/206).
قوله: «له الملك»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«له الملك» حال من ضمير المجرور في «له». إرشاد الساري (9/227).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«له الملك» بضم الميم، أي: السلطنة والقهر له دون غيره، قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} الأنعام:18. دليل الفالحين (7/206).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «له الملك» بيان أن له الخلق والتصريف والتكليف والهداية والإضلال والثواب والعقاب، والملكُ عبارة عما يتصرف في المخلوقات من القضايا والتدبيرات. القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (ص: 407).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«له الملك» أي: ملك الملكوت، وملك الأملاك، وملك العلم، وملك القناعة وأمثالها، يعني: بتصرفه وتقريره ومشيئته وتقديره ملك جميع الأمور. مرقاة المفاتيح (4/1596).
قوله: «وله الحمد»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وله الحمد» أي: الثناء الجزيل على وجه الجميل له تعالى حقيقة، وغيره قد يُحْمَد مجازًا. مرقاة المفاتيح (4/1596).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«وله الحمد» فالحمد حقيقة مختصة أفراده كلها به تعالى، فلا فرد منه لما عداه إلا باعتبار ظاهر الأمر؛ إذ الحمد تابع للمُثْنَى عليه، وهو خلق الله تعالى. دليل الفالحين (7/206).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «وله الحمد» بيان بأن الخير بوجود ذلك كله راجع إليه، والثناء فيه عائد عليه. القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (ص: 407).
قوله: «وهو على كل شيء قدير»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«وهو على كل شيء قدير» جملة حالية...، ومَن منع تعدُّد الحال جعل «لا شريك له» حالًا من ضمير «وحده» المؤَوَّل بمنفرد. إرشاد الساري (9/227).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«وهو على كل شيء قدير» قدَّم معمول الصفة المشبَّهة عليها؛ لكونه ظرفًا، والممنوع تقديمه عليها في قولهم -والعبارة للخلاصة (أي: ألفية ابن مالك)-:
وسبق ما تعمل فيه مجتنَبُ.
هو إذا كان عملها من حيث كونها صفة مشبَّهة، وعملها في الظرف ليس لذلك، بل لتضمن معنى الفعل. دليل الفالحين (7/206-207).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وهو على كل شيء» أي: شاءه وأراده، أو «على كل شيء قدير» أي: بالِغٌ في القدرة كاملٌ في القوة، منزَّهٌ عن العجز والفترة. مرقاة المفاتيح (4/1596).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «وهو على كل شيء قدير» بيان لأن قدرته ليست فيما ظهر خاصة، بل هو قادر على ما ظهر وما لم يظهر، وعلى ما وُجِد وعلى ما لم يوجد. القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (ص: 407).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
قوله: «وهو على كل شيء قدير» وذلك أنه أتى إلى عباده بما يحمدونه عليه مع كونه سبحانه كان قادرًا على أن يأتي إليهم غيره إلا أنه رَفَقَ بهم، ودليل الرفق قوله: «وهو على كل شيء قدير» ليفهمها من فهمها، فهذه إذا قالها العبد عند مشاهدة مقتضياتها والفكر فيها في كل يوم مائة مرة فلا بد في بعض المرار من إفاقة، وهي المقصود، لكن الشرع جعل نفس نطقها محصِّلًا لقائلها من الثواب ما ذكره أبو هريرة في روايته للحديث؛ من حيث إنَّ نطقها يعرضه الهداية إلى معرفة معانيها. الإفصاح عن معاني الصحاح (6/416).
قوله: «في يوم مائة مرة»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«في يوم» هو شرعًا ما بين طلوع الفجر الصادق وغروب الشمس. دليل الفالحين (7/207).
وقال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
«مائة مرة» كُتب الألف فيه (أي: مائة) دفعًا لاشتباهه بـ(من) الجارَّة لضمير الغائب (أي: منه).
وظاهر إطلاقه أنه لا فرق في ترتُّب الثواب الآتي عليه بين ما إذا والاها أو أتى بها مفرقة. دليل الفالحين (7/207).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ذِكْرُ هذا العدد من المائة وهذا الحصر لهذه الأذكار لا دليل على أنها غايةٌ وَحَدٌّ لهذه الأجور، ثم نبه -عليه السلام- بقوله: «إلا أحد عمل أكثر من ذلك» أنه جائز أن يُزاد على هذا العدد فيكون لقائله من الفضل بحسابه؛ لئلا يُظن أنها من الحدود التي نهى عن اعتدائها، وأنه لا فضل في الزيادة عليها كالزيادة على ركعات السُّنن المحدودة أو أعداد الطهارة.
وقد قيل: يحتمل: أن هذه الزيادة من غير هذا الباب، أي: ألا يزيد أحد أعمالًا أُخَر من البِرِّ غيرها، فيزيد له أجرها على هذا. إكمال المعلم (8/191).
قوله: «كانت له عَدْلَ عشر رقاب»:
قال ابن الملقن -رحمه الله-:
قوله: «عَدْلَ عشر رقاب» أي: مثل أجرها. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/362).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «عَدْلَ عشر رقاب» (العَدْلُ): الْمِثْلُ، أي: له من الثواب مثل عِتْقِ عشر رقاب. المفاتيح في شرح المصابيح (3/162).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «عشر رقاب» في رواية عبد الله بن سعيد: «عدل رقبة»، ويوافقه رواية مالك حديث البراء بلفظ: «من قال: لا إله إلا الله» وفي آخره «عشر مرات كنَّ له عَدْلُ رقبة» أخرجه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم، ونظيره في حديث أبي أيوب الذي في الباب كما سيأتي التنبيه عليه، وأخرج جعفر الفريابي في الذِّكْر من طريق الزهري أخبرني عكرمة بن محمد الدؤلي أن أبا هريرة قال: «من قالها فله عَدْلُ رقبة، ولا تعجزوا أن تستكثروا من الرقاب»، ومثله رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه لكنه خالف في صَحَابِيِّهِ فقال: عن أبي عياش الزرقي أخرجه النسائي. فتح الباري (11/202).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«عشر رقاب» وهو جمع رقبة، وهي في الأصل العُنُق، فجُعلت كناية عن جميع ذات الإنسان، تسمية للشيء ببعضه، أي: يضاعف ثوابها حتى يصير مثل أصل ثواب العتق المذكور. مرقاة المفاتيح (4/1596).
وقال ابن حجر -رحمه الله- عند حديث: «عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل»:
واختلاف هذه الروايات في عدد الرقاب مع اتحاد الْمَخْرَج يقتضي الترجيح بينها، فالأكثر على ذكر أربعة، ويجمع بينه وبين حديث أبي هريرة بذكر عشرة لقولها مائة، فيكون مقابل كل عشر مرات رقبة من قِبل المضاعفة، فيكون لكل مرة بالمضاعفة رقبة، وهي مع ذلك لمطلق الرقاب، ومع وصف كون الرقبة من بني إسماعيل يكون مقابل العشرة من غيرهم أربعة منهم؛ لأنهم أشرف من غيرهم من العرب، فضلًا عن العجم، وأما ذكر رقبةٍ بالإفراد في حديث أبي أيوب فشاذ، والمحفوظ أربعة، كما بينتُه. فتح الباري (11/ 205).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ثم لما كان الذاكرون في إدراكاتهم وفُهُومهم مختلفين، كانت أجورهم على ذلك بحسب ما أدركوا، وعلى هذا ينزل اختلاف مقادير الأجور والثواب المذكور في أحاديث الأذكار؛ فإنك تجد في بعضها ثوابًا عظيمًا مضاعفًا، وتجد تلك الأذكار بأعيانها في رواية أخرى أكثر أو أقل، كما اتفق هنا في حديث أبي هريرة المتقدم، فإنَّ فيه ما ذكرناه من الثواب، وتجد تلك الأذكار بأعيانها وقد عَلَّق عليها من ثواب عتق الرقاب أكثر مما عَلَّقَه على حديث أبي هريرة؛ وذلك أنه قال في حديث أبي هريرة: «من قال ذلك في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب»، وفي حديث أبي أيوب: «من قالها عشر مرات كانت له عدل أربع رقاب»، وعلى هذا فمن قال ذلك مائة مرة كانت له عدل أربعين رقبة، وكذلك تجده في غير هذه الأذكار، فيرجع الاختلاف الذي في الأجور لاختلاف أحوال الذاكرين، وبهذا يرتفع الاضطراب بين أحاديث هذا الباب، والله الموفق للصواب. المفهم (7/ 20-21).
وقال ابن حجر -رحمه الله- معلقًا:
إذا تعدَّدت مخارج الحديث فلا بأس بهذا الجمع (يعني: جمع الإمام القرطبي)، وإذا اتحدت فلا، وقد يتعين الجمع الذي قدَّمْتُه، ويحتمل فيما إذا تعددت أيضًا أن يختلف المقدار بالزمان، كالتقييد بما بعد صلاة الصبح مثلًا، وعدم التقييد إن لم يحمل المطلق في ذلك على المقيد. فتح الباري (11/205).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
ونحن مع القرطبي حتى لو اتحد المخرج، فقد يتَّحد المخرج ويحضر الراوي الواحد القصة المتعددة، ويسمع الروايات المختلفة في الثواب، ويفهم كما يفهم عامة الناس أن اختلاف الثواب للذِّكْر الواحد مبني على اختلاف ملابساته وأحواله جَزمًا، والعمل بكل الروايات خير من العمل ببعضها وردُّ بعضها، وبخاصة في مثل الفضل والإحسان. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (10/250).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
والذي تبيَّن لي أن أصل الثواب كما عند الترمذي، أي: ثواب عتق رقبة، بقولها مرة، أما ما عند البخاري: «ثواب عشر رقاب» لقولها مائة مرة، فهو حديث آخر، ووعدٌ مستأنَف، وفيه سلسلة الحسنات، فثواب العَشر إنما هو مع أجور أُخَر من غير هذا النوع. فيض الباري على صحيح البخاري (6/243).
قوله: «وكُتِبَتْ له مائة حسنة»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وكُتبت» أي: ثبتت «له مائةُ حسنة» بالرفع. مرقاة المفاتيح (4/ 1596).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«وكتبت له مائة حسنة» بالنصب ثاني مفعولَي «كتب» المبني للمفعول؛ لتضمُّنه معنى جَعَلَ، والمفعول الأول نائب الفاعل المستكن في الفعل، وفي رواية الكشميهني: «وكَتَبَ» بالتذكير. دليل الفالحين (7/207).
قوله: «ومُحِيَت عنه مائة سيئة»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«ومُحيت» أي: أُزيلت. شرح مصابيح السنة (3/121).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «ومُحِيَت عنه مائة سيئة» أي: رُفعت من ديوان الحَفَظَة أو مُحِيَ عنه المؤاخذة بها فلم يعذَّب بها. دليل الفالحين (7/207).
قوله: «وكانت له حِرْزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«وكانت له حِرزًا» بكسر المهملة وسكون الراء وبالزاي الموضع الحصين والعَوْذَة. دليل الفالحين (7/207).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«وكانت له حِرْزًا من الشيطان» أي: مانعًا من تأثير وسوسته. الكوثر الجاري (6/213).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي» يعني: أن الله تعالى يحفظه من الشيطان في ذلك اليوم فلا يقدر منه على زلَّة ولا وسوسة ببركة تلك الكلمات. المفهم (7/20).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«يومَه» نُصب على الظرفية. إرشاد الساري (5/300).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «ذلك» إشارة إلى اليوم الذي دعا فيه بهذا الكلام المشتمل على الاعتراف بالوحدانية، وعلى الشكر لله، والإقرار بقدرته على كل شيء. عمدة القاري (15/180).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«حتى يمسي» غاية للجملة الأخيرة، أي: إنه يكون في عَوْذَةٍ من الشيطان مدة بقاء النهار. دليل الفالحين (7/207).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«حتى يمسي» وظاهر التقابل أنه إذا قال في الليل كانت له حِرْزًا من ليله ذلك حتى يصبح، فيحتمل: أن يكون اختصارًا من الراوي، أو تُرك لوضوح المقابلة وتخصيص النهار؛ لأنه أحوج فيه إلى الحفظ. مرقاة المفاتيح (4/1596).
قوله: «ولم يأتِ أحدٌ أفضل مما جاء به»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ولم يأتِ أحد» أي: يوم القيامة. مرقاة المفاتيح (4/1596).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به» من الأذكار المأثورة. دليل الفالحين (7/207).
قوله: «إلا أحد عمل أكثر من ذلك»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
الاستثناء في قوله: «إلا رجل» منقطع، والتقدير: لكنْ رجل قال أكثر مما قاله فإنه يزيد عليه، ويجوز أن يكون الاستثناء متصلًا. فتح الباري (11/202).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «عمل» في محل الرفع؛ لأنه صفة لقوله: «أحد». عمدة القاري (15/180).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «إلا أحد عَمِلَ أكثر من ذلك» أي: قال، فسمَّى القول عملًا، كما قد صرَّح به في الرواية الأخرى، والذِّكر من الأعمال التي لا تنفع إلا بالنية والإخلاص. المفهم (7/21).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«عَمِلَ أكثر منه» بأن زاد على المائة من التهليل، فكلما زاد منه زاد الثواب، وسمي ذلك عملًا؛ لأنه عمل اللسان. دليل الفالحين (7/207).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «إلا أحد عَمِلَ أكثر من ذلك» هو تنبيه على أن هذه الغاية في ذكر الله تعالى، وأنه قلَّ من يزيد عليه؛ ولذلك قال: «ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به»، ولو لم يفد ذلك لبطلت فائدة الكلام؛ لأن كل ما أتى الإنسان ببعضه فإن أحدًا لا يأتي بأفضل مما جاء به إلا من جاء بأكثر من ذلك، ولكنه أفاد بذلك أن هذا غاية في بابه، ثم قال: «إلا رجل عَمِلَ أكثر من ذلك»؛ لئلا يَظن السامع أن الزيادة على ذلك ممنوعة كتكرار العمل في الوضوء.
ووجه ثانٍ: وهو أنه يحتمل أن يريد أنه لا يأتِ أحد من سائر أبواب البِرِّ بأفضل مما جاء به «إلا رجل عَمِلَ أكثر من ذلك» أي: مِن عَمَلِهِ. المسالك في شرح موطأ مالك (3/426-427).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
«إلا رجل عَمِلَ أكثر منه» أي: قال أكثر من هذه الكلمات. الإفصاح عن معاني الصحاح (6/416).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «من ذلك» أي: من العمل الذي عَمِلَه الأول. عمدة القاري (15/180).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فيه: دليل على أن من أتى بالذِّكر المذكور أكثر من مائة مرة كان له الأجر على المائة، وأجر آخر على الزيادة، وأنه ليس هذا من الحدود والمقادير التي نهي عن زيادتها، فإن زيادتها لا فضل فيها أو تبطلها، كالزيادة في عدد الركعات، ويحتمل: أن يراد بالزيادة من أعمال الخير لا من التهليل.
ويحتمل: أن المراد مُطلق الزيادة من تهليل وغيره، وهذا الاحتمال أظهر، كذا قيل.
قلتُ: بل الأول أظهر؛ إذ هو المتبادر، ثم ظاهر الحديث حصول الأجر لمن قال ذلك متفرقًا أو متواليًا في مجلس أو مجالس، أول النهار أو آخره، لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية أوَّل النهار؛ لتكون حرزًا له في جميع نهاره. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/294-295).
قوله: «ومن قال: سبحان الله وبحمده»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«ومن» شرطية جوابها قوله: «حُطَّت خطاياه».
«قال: سبحان الله» معناه: تنزيه الله عمَّا لا يليق به من كل نقص، فيلزم نفي الشريك والصاحبة والولد، وجميع الرذائل، ويُطلق التسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذكر، ويطلق ويراد به صلاة النافلة. البحر المحيط الثجاج (42/140).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
«وبحمده» قيل: الواو للحال، والتقدير: أُسبِّح الله مُتَلَبِّسًا بحمدي له من أجل توفيقه، وقيل: عاطِفة، والتقدير: أُسبِّح الله وأَتَلَبَّس بحمده، ويحتمل: أن يكون الحمد مضافًا للفاعل، والمراد من الحمد: لازِمه، أو ما يوجب الحمد من التوفيق ونحوه، ويحتمل: أن تكون الباء متعلقة بمحذوف متقدم، والتقدير: وأُثْنِي عليه بحمده، فيكون «سبحان الله» جملة مستقلة، «وبحمده» جملة أخرى. البحر المحيط الثجاج (42/141).
قوله: «في يوم مائة مرة»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«مائة مرة» مفعول مطلق نحو قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}. النور:4. دليل الفالحين (7/207).
قوله: «حُطَّت خطاياه»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«حُطَّت خطاياه» ببناء الفعل للمجهول؛ لأن من المعلوم أن هذا الفعل لا يَقْدِر عليه غيره تعالى، فهو نظير قوله تعالى: {وَغِيضَ الْمَاء} هود:44. دليل الفالحين (7/207).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
وأما ما ورد من مغفرة الذنوب ومحو الخطايا بهذه الأذكار فقد تقدم، لكنَّا نجدد به عهدًا لما طرأ ها هنا من الزيادة، وهي قوله: «غُفِرَت له ذنوبه ولو كانت مثل زَبَدِ البحر».
اعلموا -وفقكم الله تعالى- أن غفران السيئات يكون بثلاثة أوجه:
الأول: إما بفضل الله ورحمته ابتداء، كقوله في الحديث: «يقول له: عبدي! أتذكر يوم كذا إذ فعلت كذا وكذا؟ حتى إذا رأى الرجل أن قد هلك يقول: أنا سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم».
الثاني: بالموازنة، توضع صحائف الحسنات في كفة الحسنات، وتوضع صحائف السيئات في كفة السيئات، ثم يخلق الله تعالى فيها الثقل بحسب ما يعلم من إخلاص العبد بالطاعة، وإصراره على المعصية، وندمه على الذنب أو جرأته وحرصه على الخير أو كسله.
والثالث: إذا دخل النار يأخذ منه بها ما شاء من الاقتصاص، وما يغفره أكثر مما يأخذه، وإما أن تكون هذه الأذكار عائدة لفضل الله تعالى فتلحقه بالقسم الأول، وإما بالموازنة، وإما بالشفاعة. القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (ص:407-408).
قوله: «ولو كانت مثل زبد البحر»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«ولو كانت» في الكثرة «مثل زبد البحر» وهو ما يَطْفُو ويعلو على وجهه عند هَيَجَانِه. التنوير شرح الجامع الصغير (10/254).
وقال المظهري -رحمه الله-:
وإنما قال: «مثل زبد البحر» لأن زبد البحر أكثر مما سواه. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 178).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
أي: لو بلغت في الكثرة والتجسُّم ذلك وهي كناية عن الكثرة. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 213).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
والمراد تشبيه ما فعله من الذنوب قبل هذا الذكر بَزْبِد البحر في الكثرة، والظاهر شموله للصغائر والكبائر. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/ 425).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وظاهر الحديث يدل على كثرته، وأنَّه استعمل في معرض المبالغة والكثرة، ويقال فيما لا يحصر عده عدد: الرمل، والحصا والتراب وزبد البحر. شرح سنن أبي داود (6/ 390).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
هذا (أي الذكر) أفضل كلام قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- والنبيون من قبله، وإنما كان أفضل بما جمع من المعنى؛ وذلك لأن قوله: لا إله إلا الله نفي لكل إله سواه بجميع المعاني. القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (ص:407).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وهذه الأجور العظيمة، والعوائد الجمَّة إنما تحصل كاملة لمن قام بحق هذه الكلمات، فأحضر معانيها بقلبه، وتأمَّلَها بفهمه، واتضحت له معانيها، وخَاضَ في بحار معرفتها، ورَتَعَ في رياض زهرتها، ووصل فيها إلى عين اليقين؛ فإن لم يكن فإلى علم اليقين، وهذا هو الإحسان في الذكر؛ فإنه من أعظم العبادات، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- فيما قدمناه في الإحسان: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك». المفهم (7/20).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال بعض الناس: هذه الفضائل التي جاءت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة غُفِرَ له...» وما شاكلها إنما هي لأهل الشرف في الدِّين والكمال والطهارة من الجرائم العظام، ولا يُظن أن مَن فعل هذا وأصر على ما شاء من شهواته وانتهك دين الله وحرماته أنه يلحق بالسابقين المطهَّرين، وينال منزلتهم في ذلك بحكاية أحرف ليس معها تُقى ولا إخلاص ولا عمل، ما أظلمه لنفسه من يتأوَّل دين الله على هواه. شرح صحيح البخاري (10/134).
وقال المغربي -رحمه الله- مُعلقًا:
ويشهد له قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الجاثية: 21، والله سبحانه أعلم. البدر التمام شرح بلوغ المرام (10/ 429).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قال بعض المتكلمين على المعاني: هذه الفضائل التي جاءت في هذه الأذكار إنما هي لأهل الشرف في الدين والطهارة من الكبائر، دون المصرِّين وغيرهم، وفيما قاله نظر، والأحاديث عامة، ولو قال: لمن قالها معظمًا لربه، مخلصًا من قلبه، نيته صادقة مطابقة لقوله، كان أولى. إكمال المعلم (8/ 226).
وقال النووي -رحمه الله- مُعلقًا:
قلتُ: الصحيح أنها لا تختص، والله أعلم. شرح النووي على مسلم (17/ 48).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقوله في حديث التهليل: «مُحيت عنه مائة سيئة» وفى حديث التسبيح: «حُطَّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» ظاهره أن التسبيح أفضل، وقد جاء في تهليل التسبيح حديث التهليل: «ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به» فيحتمل: الجمع بينهما أن يكون حديث التهليل أفضل، وأنه إنما زيد من الحسنات ومُحِي من السيئات المحصورة، ثم جعل له من فضل عتق الرقاب ما قد زاد على فضل التسبيح وتكفيره جميع الخطايا؛ لأنه قد جاء أنه: «من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوًا منه من النار»، فهنا قد حصل بهذا العتق تكفير جميع الخطايا عمومًا بعد حصر ما عُدَّ منها خصوصًا مع زيادة مائة درجة، وما زاده عتق الرقاب الزائدة على الواحدة. إكمال المعلم (8/191-192).
وقال المغربي -رحمه الله-:
ظاهر الحديث في التسبيح بتكفيره الخطايا وإن كانت مثل الزبد أنه أفضل من التهليل؛ فإنه قال في التهليل: «مُحِيت عنه مائة سيئة».
وقد يجاب عنه بأنه انضاف في التهليل رفع الدرجات، وكَتْبُ الحسنات وعتق الرقاب، والعتق يتضمن تكفير جميع السيئات، فإنَّ من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوًا منه من النار، ويدل على أفضلية التهليل الحديث مرفوعًا: «أفضل الذكر لا إله إلا الله» أخرجه الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث جابر، و«أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله»، وهو كلمة التوحيد والإخلاص، وهو اسم الله الأعظم.
ومعنى التسبيح داخل فيه التنزيه عمَّا لا يليق بالله تعالى، وهو داخل في ضمن: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له اللك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير»، ولا يعارض هذا حديث أبي ذر: «قلت: يا رسول الله، أخبرني بأحب الكلام إلى الله؟ قال: إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده» أخرجه مسلم، وفي رواية: «سُئِلَ: أي الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفى الله لملائكته: سبحان الله وبحمده»؛ لأن التهليل المذكور قد شمله، والتهليل صريح في التوحيد في التسبيح متضمن له، فمنطوق «سبحان الله» تنزيه الله تعالى، ومفهومه توحيد، ومنطوق «لا إله إلا الله» توحيد، ومفهومه تنزيه، فتكون «لا إله إلا الله» أفضل؛ لأن التوحيد أصل والتنزيه ينشأ عنه، والأفضلية إنما هي بالنسبة إلى كلام الآدمي، وإلا فالقرآن أفضل الذكر، ولعله يقال: إن لفظ: «لا إله إلا الله» هي من القرآن، وهي مركَّب كامل في دلالته على معناه، وإن كانت بعض بابه، فالأفضلية فيها على العموم من غير تخصيص بكلام الآدمي، وقد جاءت الأحاديث في تعظيم فضلها على الإطلاق. البدر التمام (10/426-428).
وقال ابن باز -رحمه الله-:
وهذا خير عظيم وبشارة للمسلم لو أنفق الإنسان في معرفته الملايين لكان قليلًا. الحلل الإبريزية (3/54).
وقال ابن عثيمين -رحمه الله-:
من قال في يومه مائة مرة: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير حصل له هذه الفضائل الخمسة:
أولًا: كان كمن أعتق عشر رقاب.
وثانيًا: كُتِبَت له مائة حسنة، وحُطَّت عنه مائة خطيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان، ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا مَن عَمِلَ أكثر مما عمل. شرح رياض الصالحين (5/488).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: بيان فضل الذكر، وسعة رحمة الله تعالى ومغفرته. تطريز رياض الصالحين (ص:773).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فوائده:
منها: بيان أن الذكر فضله عظيم، وإن كان من الأفعال التي لا مشقة فيها، بل هي متيسرة على الجميع؛ حيث إنها تُفعل قيامًا وقعودًا وعلى الجُنُوب وماشيًا، ومشتغلًا بأشغال أخرى، ومع هذا كله يحصل بها من الأجر ما لا يحصل بالأعمال الشاقة، بل هي أفضل من الجهاد والإنفاق في سبيل الله وغير ذلك من الأعمال، فقد أخرج الترمذي من حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مَلِيْكِكِم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والوَرِقِ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: ذكر الله تعالى» وهو حديث صحيح.
ومنها: بيان سعة فضل الله -سبحانه وتعالى- على عباده؛ حيث شرع لهم الذكر الميسور لكل أحد، ورتَّب عليه الثواب الجزيل، فيُدرك العبد في أيام معدودة من الأجر والثواب ما يدركه في سنين مَدِيْدَة بغيره من الأعمال. البحر المحيط الثجاج (42/142-143).