الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

«ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يومَ القيامةِ، ولا ينظرُ إليهم: رجلٌ حَلَفَ على سِلْعَةٍ لقد أَعْطَى بها أكْثَرَ مما أَعْطَى وهو كاذبٌ، ورجُلٌ حَلَفَ على يَمِينٍ كَاذبةٍ بعدَ العصرِ، ليَقْتَطِعَ بها مالَ رجُلٍ مُسلِمٍ، ورجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ ماءٍ فيقولُ اللَّهُ: اليومَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كما مَنَعْتَ فَضْلَ ما لم تَعْمَلْ يَدَاكَ».


رواه البخاري برقم: (2369)، واللفظ له، مسلم برقم: (108)، من أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«فَضَلَ ماءٍ»:
أي: يمنع الناس من الماء الفاضل عن حاجته. الكواكب الدراري، للكرماني (25/156).


شرح الحديث


قوله: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«ثلاثة» من الناس. إرشاد الساري (4/205).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
قوله: «ثلاثة» يعني: ثلاثة أصناف من الناس كل واحد منهم صنف في جنس عمله. الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 346).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان رحمه الله:
قوله: «ثلاثة لا يكلمهم الله» أي: ثلاثة من أجناس الناس يَعمُّ الذكور والإناث، والأحرار والعبيد. شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (2/167).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«لا يكلمهم الله يوم القيامة» أي: كلام الرضا. شرح مصابيح السنة (3/491).
وقال النووي -رحمه الله-:
«لا يكلمهم» أي: لا يكلمهم تَكْلِيم أهل الخيرات وبإظهار الرضا بل بكلام أهل السُّخط والغضب، وقيل: المراد الإعراض عنهم، وقال جمهور المفسرين: لا يكلمهم كلامًا ينفعهم ويسرهم، وقيل: لا يُرسل إليهم الملائكة بالتحية. شرح صحيح مسلم (2/116).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«لا يكلمهم الله يوم القيامة» عبارة عن غضبه عليهم، وتَعْرِيْضٌ بحرمانهم حال مقابلتهم في الكرامة والزلفى من الله، وقيل: لا يكلمهم بما يحبون، ولكن بنحو قوله: {اخْسَؤُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُون} المؤمنون: 108. إرشاد الساري (4/205).
وقال المغربي -رحمه الله-:
هذا كناية عن غضبه تعالى عليهم، وإشارة إلى حرمانهم عما عند الله من المنازل والقُرْب، فإنَّ مَن سَخِطَ على غيره واستهان به أعرض عنه وعن التكلم معه والالتفات نحوه. البدر التمام (10/83).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان -حفظه الله-:
وعدم تكليم الله لهم يوم القيامة دليل على غضبه عليهم، ومقتضاه: أنهم يُذهب بهم إلى النار بدون سؤال ومحاسبة؛ لأنهم قد تناهى جُرمهم في القُبح، فاستحقوا أليم العذاب مع الإعراض عنهم وإهانتهم من أول الأمر، فيكون هذا الحديث مخصِّصًا لحديث عَدِيٍّ، وهو قوله: «ما منكم من أحد إلَّا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه تَرْجُمَان». شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (2/167).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«ولا ينظر إليهم» كناية عن الإهانة. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (11/247).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«ولا ينظر إليهم» أي: لا يلطف بهم. شرح مصابيح السنة (3/491).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«ولا ينظر إليهم» نظر رحمة. إرشاد الساري (4/205).
وقال النووي -رحمه الله-:
«لا ينظر إليهم» أي: يُعْرِض عنهم، ونظره -سبحانه وتعالى- لعباده رحمته ولطفه بهم. شرح صحيح مسلم (2/116).
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
تفسيره النظر بالرَّحمة واللطف غير صحيح، بل النظر على ظاهره ثابت لله -سبحانه وتعالى-، كما ثبت اللطف والرحمة. البحر المحيط الثجاج (3/271).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«لا ينظر إليهم» أي: نظر رحمة وإِشفاق وإِكرام وعِزَّة، بل يَذُلُّهم -عزّ وجلّ-.شرح رياض الصالحين(6/٦٧٢)
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان -حفظه الله-:
قوله: «ولا ينظر إليهم» نظر الله تعالى إلى العبد يقتضي الرحمة، وهؤلاء فعلوا أفعالًا مَقَتَهُم الله عليها فأعرض عنهم، ومَن أعرض الله عنه فهو هالك الهلاك الأكبر.
والمقصود بالنظر المنفي هنا: نظر خاص يتضمن الإحسان والرحمة، ويُفهم منه نظر العبد إلى الله تعالى لا يُحجب بصره شيء أبدًا في أي وقت كان. شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (2/168).

قوله: «رجل حلف على سلعة لقد أَعْطَى بها أكثر مما أَعْطَى وهو كاذب»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«رجل» خبر مبتدأ محذوف. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/479).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«رجل» بدل تفصيل من «ثلاثة»، أو خبر لمحذوف: أي أحدهم رجل... البحر المحيط الثجاج (3/290).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«لقد أَعْطَى» بفتح الهمزة والطاء لمن اشتراها منه...، ولأبي ذر: «أُعْطِي» بضم الهمزة وكسر الطاء مبنيًّا للمفعول، أي: أعطاه من يريد شراءها. إرشاد الساري (4/205).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«لقد أعطى» بالبناء للفاعل وبالبناء للمفعول. منحة الباري (5/139).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «لقد أُعْطِي بها أكثر مما أُعطي» كِلَا الفعلين على بناء المفعول، هذا معنى ما حلف به الرجل، ولو حُكي قوله لقِيْلَ: لقد أُعطيتُ بها أكثر مما أَعْطَيْتَهُ، على أن الأول بناء للمفعول والثاني للفاعل، أي: طُلِبَ منِّي هذا المتاع قُبَيْل هذا بأزيد مما طلبتَه. الكاشف عن حقائق السنن (7/2217).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«أكثر مما أَعْطَى» ... أي: دُفِعَ له أكثر مما أعطى زَيْدٌ الذي اسْتَامه. إرشاد الساري (4/205).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«بها» أي: بالسلعة أي: فيها أو بسببها. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (5/139).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «لقد أعطى بها أكثر مما أعطى وهو كاذب» يعني: جاء رجل ليشتري متاعه بمائة، فحلف أن رجلًا أعطاني قبل هذا بهذا المتاع مائة وعشرين، وهو كاذب في هذا الكلام؛ وإنما يحلف لِيَغُرَّ المشتري، ويظن أن المتاع يساوي مائة وعشرين ليشتريه بهذا القدر. المفاتيح في شرح المصابيح (3/506).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«وهو كاذب» جملة حاليَّة. إرشاد الساري (4/205).

قوله: «ورجُلٌ حلف على يمين كاذبة بعد العصر؛ ليقتطع بها مال رجل مسلم»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«ورجل حلف على يمين كاذبة» أي: بيمين كاذبة على محلوف عليه غير واقع وهو عالم به. شرح مصابيح السنة (3/492).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«رجل حلف على يمين كاذبة» أي: محلوف، فسمي يمينًا مجازًا؛ للملابسة بينهما، والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه، وإلا فهو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه، فيكون من مجاز الاستعارة. إرشاد الساري (4/205).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«على يمين» عدَّاه بـ«على» لتضمينه معنى مقدمًا ومصرًّا، أي: حلف مقدمًا على يمين «كاذبة»؛ لكذب المحلوف عليه. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 229).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
يعني: أنه كَذَبَ فزاد في الثمن الذي اشترى به، فكذب، واستخف باسم الله تعالى حين حلف به على الكذب، وأخذ مال غيره ظلمًا، فقد جمع بين كبائر، فاستحق هذا الوعيد الشديد. المفهم (1/ 307).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان -حفظه الله-:
وهذه اليمين هي الغموس؛ سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم فلا يخرج منه إلا أن يشاء الله تعالى فإنه يخرج الحي من الميت. شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (2/169).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «بعد العَصر» وتخصيصه ذلك الوقت باليمين الفاجِرة وتعظيمه الإثم والحرج فيه، وقد عُلِم أنَّ اليمين الفاجِرة مُحرَّمة في كل وقت وأوان مما يُسأل عنه، وقد يحتمل ذلك وُجوهًا:
منها: أن الله -عزَّ وجلَّ- قد عَظَّم شأن هذا الوقت، وأكَّد أمر الصلاة المفروضة فيه، وقدَّمها على سائر الصلوات في حقّ المُحافظَة، فقال: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} البقرة:238 فرُوِي على معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنها صلاة العصر».
ورُوي عن علي بن أبي طالب وعن عائشة في جماعة من الصحابة أن الصلاة الوُسطى هي العصر.
وقد رُوي أنَّ ملائكة الليل والنهار يجتمعون في تلك الصلاة، ويُرفع فيها الأعمال التي اكْتَسَبَها العِباد من لَدُن أول النهار، فهو خِتام الأعمال وسائقها، والأمور بخواتيمها، فيُشْبِه أن يكون -والله أعلم- إنما جرى ذكر هذا الوقت في الحديث خصوصًا، وغُلِّظت العقوبة فيه لتُحذر اليمين الفاجرة، ولا يُقْدَم عليها؛ فإن مَن تركها تحرُّجًا في ذلك الوقت تركها كذلك في سائر الأوقات، ومن تَجَرَّأ عليها فاعتادها في غيره من الأوقات لم يَتحرَّج مِن فِعلها في ذلك الوقت، ومِن خصوصية الوقت بعد العصر أنه وقت يَختم فيه صحيفته بما كان منه في نهاره من طاعة ومعصية، ويُرفع على أثر ذلك عملُه إلى الله تعالى، ومما يؤكد تعظيم حرمة هذا الوقت: قول الله تعالى في شهادة أهل الذِّمة: {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ} المائدة:106 قالوا: أرادوا به صلاة العصر.
وقد قيل في ذلك: إنَّ الناس بالحِجاز كانوا يحلِفون بعد صلاة العصر؛ لأنه وقت اجتماع الناس. أعلام الحديث (2/1175-1177).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
«بعد العصر» وتلك هي الصلاة الوسطى التي أمر بالمحافظة عليها؛ وذلك الوقت وقت فراغ أصحاب الأعمال، واجتماع الأَنْدِيَة وشهود الناس، فإذا حمَلَتْ إنسانًا جرأتُه على الله تعالى أن يحلف به كاذبًا في مشهد من المسلمين؛ فقد تعرَّض لسخط الله. الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 347).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «بعد العصر» إنما خص به لأن الإيمان المغلظة تقع فيه. الكاشف عن حقائق السنن (7/2217).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«بعد العصر» قُيِّد به لأن بعده هو وقت الرجوع إلى أهله بغير ربح، فحلف كاذبًا ليربح، أو ذَكَرَهُ لشرف ذلك الوقت، فيكون اليمين الكاذبة في تلك الساعة أغلظ وأشد، أو لأنه -عليه الصلاة والسلام- كان يعقد للحكومة بعد العصر. شرح مصابيح السنة (3/492).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«بعد العصر» أي: بعد صلاة العصر، وخُص بعد العصر مبالغة في الذم؛ لأنه وقت يتوب فيه المقصر تمام النهار، ويشتغل فيه الموفَّق بالذكر ونحوه، فالمعصية في مثله أقبح. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (34/120).
وقال القاضي عياض رحمه الله:
وقوله: «بعد العصر» لشدة الأمر فيها، وحضور ملائكة الليل والنهار عندها، وشهادتهم على مجاهرته ربه بيمينه واستخفافه عظيم حقه. إكمال المعلم (1/385-386).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وتخصيصه بما بعد العصر يدل على أن لهذا الوقت من الفضل والحرمة ما ليس لغيره من ساعات اليوم.
ويظهر لي أن يقال: إنما كان ذلك لأنه عقب الصلاة الوسطى؛ ولما كانت هذه الصلاة لها من الفضل وعظيم القدر أكثر مما لغيرها، فينبغي لمصليها أن يُظهر عليه عقبها من التحفُّظ على دِينه، والتحرز على إيمانه أكثر مما ينبغي له عقب غيرها؛ لأن الصلاة حقها أن تَنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} الآية العنكبوت: 45، أي: تحمل على الامتناع عن ذلك مما يحدث في قلب المصلي بسببها من النور والانشراح والخوف من الله تعالى والحياء منه؛ ولهذا أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «من لم تَنْهَهُ صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله إلا بعدًا»، وإذا كان هذا في الصلوات كلها كانت الوسطى بذلك أَوْلى، وحقها في ذلك أكثر وأوفى، فمن اجترأ بعدها على اليمين الغموس التي يأكل بها مال الغير كان إثمه أشد، وقلبه أفسد، والله تعالى أعلم.
وهذا الذي ظهر لي أَوْلى مما قاله القاضي أبو الفضل (عياض)؛ فإنه قال: إنما كان ذلك لاجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار في ذلك الوقت؛ لوجهين:
أحدهما: أن هذا المعنى موجود في صلاة الفجر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ثم يجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر» متفق عليه، وعلى هذا فتبطل خصوصية العصر؛ لمساواة الفجر لها في ذلك.
وثانيهما: أن حضور الملائكة واجتماعهم إنما في حال فعل هاتين الصلاتين لا بعدهما، كما قد نص عليه في الحديث حين قال: «يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، وتقول الملائكة: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون»، وهذا يدل دلالة واضحة على أن هؤلاء الملائكة لا يشاهدون من أعمال العباد إلا الصلوات فقط، وبها يشهدون، فتدبر ما ذكرته، فإنه الأنسب الأسلم. المفهم (1/307- 308).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«حلف على يمين كاذبة بعد العصر» هذا ليس بقيد بل بناء على الغالب، فإن اليمين الكاذبة أكثر ما تكن بعد العصر؛ لأنه وقت الإنفاق. الكوثر الجاري (11/247).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وأما تخصيص ما بعد العصر بالحنث؛ فلأنه وقت يعظِّمه أهل الأديان، وهو وقت اجتماع الناس فيه. كشف المشكل (3/ 453).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
اليمين الفاجرة محرمة مطلقًا، وبعد العصر أشد. الحلل الإبريزية (2/304).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«ليقتطع بها مال رجل مسلم» أي: ليأخذه لنفسه متملكًا. شرح مصابيح السنة (3/492).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ذَكر النبي -صلى الله عليه وسلم- العصر؛ لأن أفضل أوقات النهار ما بعد صلاة العصر وإلا فلو حلف الإنسان على سِلعة في غير هذا الوقت أيضًا؛ فإنه لا يُكلمه الله ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذابٌ أليمٌ. شرح رياض الصالحين(6/٦٤٧).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«ليقتطع بها مال رجل مسلم» أي: ليأخذ قطعة من ماله. إرشاد الساري (4/205).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وذِكْرُ الرَّجُل غالبي، فالأنثى كذلك. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/479).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«ليقتطع بها مال رجل مسلم» أي: ليأخذ قطعة من ماله، وتخصيص الثالثة غالبي؛ للاختصاص، فالأنثى والخنثى والذمي كذلك. فيض القدير (3/ 330).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ليقتطع مال رجل مسلم» ومثله المعاهد، والاقتطاع أخذ قطعة منه. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 229).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان -حفظه الله-:
خُصَّ المسلم لأن ماله أشد حرمة، وحقه على أخيه المسلم أعظم، وإلا فمالُ الكافر غير المحارِب لا يجوز أخذه إلا بحق. شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (2/169).

قوله: «ورجل منع فضل ماء، فيقول الله: اليوم أمنعك فَضْلِي كما منعتَ فضل ما لم تعمل يداك»:
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ورجل منعَ فضل ماء» وفي رواية «فضل مائِهِ»، وفي رواية لأحمد والبخاري ومسلم والأربعة: «ورجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل». مرقاة المفاتيح (5/ 1998).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«رجل منعَ» لا منافاة بين هذا وما تقدم آنفًا أن المبايِع للإمام ثالث الثلاثة؛ لأن العدد لم ينحصر في هذه الثلاثة ولا تلك الثلاثة. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (7/352).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«ورجل منع فضل ماءٍ» أي: ما زاد عن حاجته، وإن كان الماء مِلْكًا له، «كما مَنَعْتَ فضل ما لم تعمل يداك» فإن الماء من فضل الله، وإن كان الحفر من الإنسان. الكوثر الجاري (11/247).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وظاهر قوله: «فضل مائه» (لفظ الجامع) بالإضافة أنَّ الكلام في بئرٍ حفرها بِمِلْكِهِ، أو بموات للارتفاق، أو أطلق وفضل عن حاجته ما يحتاجه غيره، وأما ما حُفر للمارة فيجب بذله فضلًا وأصلًا، فإن الحافر فيه كواحد من المارة، فظاهر قوله آخرًا: «ما لم تعمل يداك» أن الكلام في المياه المباحة النابعة في موضع لا يختص بأحد، ولا صُنع للآدميين في انبساطها وإجرائها، كماء الأودية والعيون. فيض القدير (3/ 330).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
والتقييد في الحديث الثاني بقوله: «في فلاة» ربما أرشد إلى هذا، وإنْ كان يحتمل أنَّ الوعيد لمانعِ فضلِ مائه، وفضل ما في الفلاة؛ ولذا قلنا: ربما. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 229).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان -حفظه الله-:
وفهم من قوله: «فضل ماء» أن ما يحتاجه لشُربه هو ومن يلزمه إعاشته لا يلزمه بذله. شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (2/169).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«اليوم» أي: يوم القيامة. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/479).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «أمنعُك فضلي كما مَنَعتَ فضل ما لم تعمله يداك» فإن فيه كالدليل على أنّ الأمر في ذلك من باب الأمر بالمعروف لا على سبيل الوجوب. أعلام الحديث (2/1178).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «اليوم أمنعك فضلي» أي: إنك إذا كنتَ تمنع فضل الماء الذي ليس بعملك وإنما هو رزقٌ ساقه الله إليك، أمنعُك اليوم فضلي؛ مجازاة لما فعلت.
وقيل: قوله: «اليوم أمنعك...» إلى آخره، إشارة إلى قوله تعالى: {أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُون} الواقعة: 96.
وحكى ابن التين عن أبي عبد الملك (مروان بن علي الأسدي البوني) أنه قال: هذا يخفى معناه، ولعله يريد أن البئر ليست مِن حَفْرِهِ، وإنما هو في منعه غاصِبٌ ظالمٌ، وهذا لا يرد فيما حازه وعمله، ويحتمل: أن يكون هو حَفَرَهَا ومنَعَها من صاحب الشَّفَة -أي: العطشان-، ويكون معنى: «ما لم تعمل يداك» أي: لم تُنْبِعِ الماء ولا أَخْرَجَتْهُ.
قلتُ: تقييد هذا بالبئر لا معنى له؛ لأن قوله: «ورجل منع فضل ماء» أعم من أن يكون ذلك الفضل في البئر أو في الحوض أو في القربة ونحو ذلك. عمدة القاري (12/212).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«أمنعُك» بضم العين «فضلي» الذي لا يُنْجِي في ذلك اليوم غيره. التنيسير بشرح الجامع الصغير (1/479).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
ومعنى قوله: «لم تَعمله يداك» أي: أن الله -عزَّ وجلَّ- هو الذي خلق الماء، وأنزله من السماء، وأنْبَعَهُ من العُيون، كقوله: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُون * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُون} الواقعة:68-69. يقول: إذا كنتَ لم تُعطَ الماء بكدّك وكدحِك، وإنما هو سُقيا من الله -عزَّ وجلَّ-، ورِزقٌ ساقه إليك، فاسمح به لأخيك ولا تَبخل بفضله عليه، يُبارَك لك فيه، (و) تستحق المزيد منه، ولا تُحرَم الثواب عليه. أعلام الحديث (2/1178-1179).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وقوله: «لم تعمل يداك» صفة «ماء»، والراجع محذوف أي: فيه. الكاشف عن حقائق السنن (7/2217).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «لم تعمل يداك» فيه إشارة إلى جواز منع فضل ماء القنوات والآبار التي يستنبطها الشخص بماله. الكواكب الدراري (10/182).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «لم تعمل يداك» يعني: مَنَعْتَ الناس عن شرب مائك مع أن الماء خرج بقدرتي لا بسعيك، فإني لو لم أُخْرِج الماء لم يخرج بسعيك وإن بالَغْتَ في الحفر. المفاتيح في شرح المصابيح (3/506).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
أو المراد: مِثْل الماء الذي لا يكون ظهوره بسعي الشخص؛ كالعيون، والسيول. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (17/406).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
«لم تعمل يداك» يريد بهذا: أنَّ الله تعالى هو الذي خلق الماء، وأنزله من السماء، وأجراه من العيون. كشف المشكل (3/ 453).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«لم تعمل يداك» أي: ما لا صنع لك في إجرائه؛ لكونه نَبَعَ بموضع لا يختص بأحد. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 479).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «ثلاثة لا يكلمهم الله...» إلخ فيه دليل على أن حالهم يوم القيامة حال المغضوب عليهم؛ لأن هذه الأمور لا تكون إلا عند الغضب، فهي كناية عن حلول العذاب بهم. نيل الأوطار (8/356).
وقال المناوي -رحمه الله-:
والذين لا يكلمهم الله تعالى لا ينحصرون في الثلاثة، والعدد لا ينفي الزائد. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 479).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ففي هذا الحديث فوائد أصولية وفقهية جَمَّة:
منها: إثبات أن الله -سبحانه وتعالى- يُكَلِّم، ووجه الدلالة: أن الله نفى الكلام عن هؤلاء الثلاثة، ولولا أنه يُكَلِّم مَن سواهم ما كان لتخصيصهم بعدم الكلام فائدة، وكلامه -سبحانه وتعالى- بالحرف والصوت، فهو -عزَّ وجلَّ- يقول قولًا مسموعًا، وهذا شيء متواتِر متفق عليه بين السلف، دل عليه الكتاب والسنة..
ومن فوائد الحديث: إثبات يوم القيامة، والإيمان به أحد أركان الإيمان السنة وهو معروف.
ومن فوائده: إثبات النظر لله؛ لقوله: «ولا ينظر إليهم»، ووجه الدلالة: أن نفي النظر عن هؤلاء دليل على إثباته لغيرهم، كما استدل الإمام الشافعي -رحمه الله- في قول الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن ربِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لمَحْجُوبُون} المطففين: 15، قال: لم يُثْبِت الحَجْبَ لهم إلا وهو يراه من سواهم.
ومن فوائد الحديث: إثبات العذاب، وأنه عذاب ليس بالهين، بل هو عذاب مؤلم؛ لقوله: «ولهم عذاب أليم».
ومن فوائده: بذل فضل الماء لمن احتاجه إذا كان على طريق، وجه الدلالة على الوجوب: هو الوعيد على المنع، فإذا ثبت الوعيد على المنع ثبت الوجوب في البذل.
ومن فوائده: أن الإنسان إذا كان محتاجًا إلى الماء فله أن يمنع غيره منه؛ يؤخذ من قوله: «فضل الماء»، ومِن قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ابدأ بنفسك»...
ومن فوائد الحديث: أن الكذب في ثمن السلعة بعد العصر من كبائر الذنوب؛ لقوله: «ورجل بايع...» إلخ، فهل يقال: إن الكذب في الثمن كالكذب في الصفة؟ يعني: هل تقول: إنه لو كذب الإنسان في وصف البيع بعد العصر وحلف بأن قال: والله إن هذه الشاة لبون، والله إن هذا الثوب من الثوب الأصلي، فهل نقول: كالكذب في الثمن؟ الظاهر: نعم؛ لأن كلًا منهما كذب من أجل زيادة الثمن، فالظاهر أن الرسول ذكر ذلك على ضرب المثل...، وأن كل من حلف في وصف السلعة أو في ثمنها من أجل الزيادة فالحكم واحد؛ لأنه يَقْتَطع به مال امرئ مسلم. فتح ذي الجلال والإكرام (6/209-211).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فوائده:
منها: بيان كون هذه الأشياء تنافي كمال الإيمان، وهو وجه المطابقة في إيرادها في أبواب الإيمان؛ لأنها ضده؛ إذ من شُعَب الإيمان النصيحة للأئمة، ولعامة المسلمين، فمَن فعل هذه الأشياء فقد ترك نصيحتهم حيث ظلمهم.
ومنها: بيان غلظ الوعيد الشديد لمن خدع مسلمًا في البيع بحلفه الكاذب...
ومنها: الوعيد الشديد لمن منع فضل الماء المسافرَ المحتاجَ إلى الماء...
ومنها: أن هذا الماء الذي ورد الوعيد فيه في هذا الحديث هو الذي قد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن منعه بقوله: «لا يُمْنَعُ فضلُ الماء ليُمْنَع به الكَلَأُ» متفق عليه. البحر المحيط الثجاج (3/293-295).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا