الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

عن أُمِّ كُرْزٍ أنها سألتْ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- عن العَقِيْقَةِ، فقال: «عنِ الغلامِ شاتانِ، وعن الأنثى واحدةٌ، ولا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ أَمْ إِنَاثًا».


رواه أحمد برقم: (27139)، وأبو داود برقم: (2835)، والترمذي برقم: (1516)، والنسائي برقم: (4218) .
وفي لفظ لأحمد برقم: (27142) «مُكَافَأَتَانِ»، ورواه أبو داود برقم: (2834)، والترمذي برقم: (1513)، وابن ماجه برقم: (3162)، بلفظ: «مُكَافِئَتَانِ»، كُلهم من حديث أُم كرز -رضي الله عنها- إلا الترمذي من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم: (4105 - 4106)، إرواء الغليل برقم: (1166).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«العَقِيقَة»:
ما يُذبَح عن المولود تقربًا لله -عزَّ وجلَّ-، وأصل العَقِّ: الشَّقُّ والقطع. تفسير غريب ما في الصحيحين، للحميدي (ص: 221).
وقال أبو عبيد -رحمه الله-:
العقيقة أصله الشَّعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد، وإنما سُميت الشاة التي تُذبح عنه في تلك الحال عقيقة؛ لأنه يُحلق عنه ذلك الشَّعر عند الذبح، ولهذا قيل في الحديث: «أمِيْطُوا عنه الأذى» يعني بالأذى: ذلك الشَّعر الذي يُحلق عنه. غريب الحديث (2/284).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
والعقيقة والعَقِيقُ والعِّقَةُ: شَعْرُ رأس المولود، ثم سُمِّيت الشَّاةُ التي تُذبح عند حَلْقِهِ عقِيقة، وهو مِن العَقِّ والقطعِ؛ لأنها تُحلَق. الفائق (3/ 11).

«الغُلَام»:
الغينُ واللَّامُ والمِيمُ أصْلٌ صحيحٌ، يدلُّ على حَدَاثَةٍ وَهَيْجِ شَهْوَةٍ، مِنْ ذلك الغلامُ، هو الطَّارُّ الشَّارِبِ، وهو بَيِّنُ الغُلُومِيَّةِ والغُلُومَةِ، والجَمْعُ: غِلْمَةٌ وغِلْمَانُ. مقاييس اللغة، لابن فارس (4/ 387).

«شاتانِ»:
الشَّاةُ: الواحد من الغنم، تقع على الذَّكر والأُنثى من الضّأن والمَعز. العدة في شرح العمدة، لابن العطار (2/1015).

«مُكَافِئَتَانِ»:
بِكسر الفَاء أي: مُتساويتان، والمحدِّثون يقولون: «مُكَافَأَتَانِ» بفتح الفاء، وكُل شَيْءٍ سَاوَى شيئًا فهو مُكَافِئٌ له. مختار الصحاح (ص: ٢٧٠).
قال الزمخشري -رحمه الله-:
لا فرق بين المكافِئَتين والمُكَافَأَتَيْنِ؛ لأن كل واحدة إذا كافَأَت أختها فقد كُوْفِئت، فهي مُكَافِئة ومُكَافَأة، ويكون معناه: معادلتان. الفائق في غريب الحديث (/267).


شرح الحديث


قوله: «عن العقيقة»:
قال ابن قدامة -رحمه الله-:
العقيقة: الذّبيحة التي تُذبح عن المولود، وقيل: هو الطعام الذي يُصنع ويُدْعَى إليه من أجل المولود. المغني (13/393).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
واختَلف أهل اللغة في اشتقاق اسم العقيقة، فقال بعضهم: العقيقة اسمُ الشَّعْر يُحْلَق، فسُمِّيت الشاة عقيقة على المجاز؛ إذ كانت إنما تُذبح بسبب حِلَاقِ الشَّعر.
وقال بعضهم: بل العقيقة هي الشاة نفسها، وسميت عقيقة لأنها تُعَقُّ مَذَابِحُها، أي: تُشَقُّ وتُقْطَع، يقال: عَقَّ البَرْقُ في السَّحاب، والعَقُّ إذا تشقق فتشظَّى له شَظَايا في وجه السحاب، قالوا: ومن هذا عقوق الولد أباه، وهو قطيعته وجَفْوَتُه. معالم السنن (4/ 287).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
العقيقة: بفتح العين المهملة، وهو اسم لما يُذبح عن المولود، واختُلف في اشتقاقها، فقال أبو عبيد، والأصمعي: أصلها الشَّعر الذي يَخرج على رأس المولود، وتَبِعَه الزمخشري وغيره، وسُميت الشاة التي تُذبح عنه في تلك الحالة عقيقة؛ لأنه يُحلق عنه ذلك الشَّعر عند الذبح.
وعن أحمد أنها مأخوذة من العَقِّ، وهو الشَّقِّ والقطع، ورجحه ابن عبد البر وطائفة....
وقال القزاز: أصل العَقِّ: الشَّق، فكأنها قيل لها عقيقة: بمعنى معقُوقة، وسمي شَعر المولود عقيقة باسم ما يُعَق عنه، وقيل: باسم المكان الذي انْعَقَّ عنه فيه، وكل مولود من البهائم، فشَعْرُه عقيقة، فإذا سَقَطَ وَبَر البعير ذهب عَقُّه، ويقال: أعقَّت الحامل نَبَتَتْ عقيقة ولدها في بطنها.
قلتُ: ومما ورد في تسمية الشاة عقيقة ما أخرجه البزار من طريق عطاء عن ابن عباس رَفَعَهُ: «للغلام عقيقتان، وللجارية عقيقة» وقال: لا نعلمه بهذا اللفظ إلا بهذا الإسنادـ. فتح الباري (9/586).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
اختَلفت فيه (يعني: في اسم العقيقة) فكَرِهَتْ ذلك طائفة، واحتجُّوا بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كَرِهَ الاسم، فلا ينبغي أن يُطْلَق على هذه الذبيحة الاسم الذي كرهه، قالوا: فالواجب بظاهر هذا الحديث أن يقال لها: نَسِيْكَة، ولا يقال لها: عقيقة.
وقالت طائفة أخرى: لا يُكره ذلك، ورأوا إباحته، واحتجوا بحديث سَمُرَة: «الغلام مُرْتَهَن بعقيقته»، وبحديث سلمان بن عامر: «مع الغلام عقيقته»، ففي هذين الحديثين لفظ العقيقة، فدل على الإباحة لا على الكراهة. تحفة المودود بأحكام المولود (ص:53).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وكان الواجب بظاهر هذا الحديث (يعني: «مَن أحبَّ منكم أن ينسك عن ولدهِ فليفعل») أن يقال للذبيحة عن المولود في سابعه: نسيكة، ولا يقال: عقيقة، إلا أني لا أعلم خلافًا بين العلماء في تسمية ذلك عقيقًا، فدل على أن ذلك منسوخ، واستحباب واختيار.
فأما النسخ فإن في حديث سمرة بن جُندب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الغلام مُرْتَهن بعقيقة تُذبح عنه يوم سابعه ويُسَّمى»، وفي حديث سلمان بن عامر الضبي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مع الغلام عقيقة فَأَهْرِيْقُوا عنه دمًا، وأَمِيْطُوا (يعني: أزيلوا) عنه الأذى».
ففي هذين الحديثين لفظ العقيقة، فدل ذلك على الإباحة لا على الكراهة في الاسم، وعلى هذا كُتُب الفقهاء في كل الأمصار ليس فيها إلا العقيقة لا النسيكة، على أن حديث مالك هذا ليس فيه التصريح بالكراهة.
وكذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما فيهما فكأنه كَرِهَ الاسم، وقال: «من أحب أن يَنْسُكَ عن ولده». الاستذكار (5/313-314).
وقال العراقي -رحمه الله- متعقبًا لابن عبد البر:
قلتُ: لفظ نَسِيْكَة لا يدل على العقيقة؛ لأنه أَعم منها، ولا دلالة للأعم على الأخص، وليس في الحديث تصريح بأنه كَرِهَ الاسم، وإنما هذا من فهم الراوي، ولم يجزم به، وكأنه -عليه الصلاة والسلام- إنما ذكر قوله: «لا يحب الله العقوق» عند ذكر العقيقة؛ لئلا يسترسل السائل في استحسان كل ما اجتمع مع العقيقة في الاشتقاق، فبيَّن له أن بعض هذه المادة محبوب وبعضها مكروه، وهذا من الاحتراس الحسن، وإنما سكت عنه في وقت آخر لحصول الغرض بالبيان الذي ذكره في هذا الحديث، أو بحسب أحوال المخاطَبين في العلم وضده، فيبين للجاهل، ويسكت عن البيان للعالِم، ولعله كان مع عبد الله بن عمرو من احتاج إلى البيان لأجله، فإن عبد الله بن عمرو صاحب فهم وعلم، والله أعلم. طرح التثريب (5/216).
وقال ابن القيم -رحمه الله- متعقبًا:
قلتُ: ونظير هذا اختلافهم في تسمية العِشاء بالعتمة، وفيه روايتان عن الإمام أحمد، والتحقيق في الموضِعَين كراهة هَجْرِ الاسم المشروع من العِشاء والنَّسِيكة، والاستبدال به اسم العقيقة والعتمة، فأما إذا كان المستَعْمَل هو الاسم الشرعي ولم يُهجَر، وأطلق الاسم الآخر أحيانًا فلا بأس بذلك، وعلى هذا تتفق الأحاديث، وبالله التوفيق. تحفة المودود بأحكام المولود (ص:54).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قد تبين مما ذُكر أنّ العقيقة تُطلق على الشَّعر، وعلى الذبح، وعلى الشاة، وأظْهَر ما تطلق عليه: هي الشاة المذبوحة عن المولود. والله تعالى أعلم بالصواب. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/ 347).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
العقيقة مما كانت الجاهلية تفعله، إذا ولد الغلام ذُبح عنه شاة، ولُطِّخ رأسه بالزعفران، فجاء الشرع فأسنَّها، فهي سُنة من سُنن الإسلام، وشرع من شرائعه. المسالك في شرح موطأ مالك (5/329).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
العقيقة فرض واجب يُجبر الإنسان عليها إذا فضل له عن قُوْتِه مقدارها، وهو أن يذبح عن كل مولود يولَد له حيًا أو ميتًا بعد أن يكون يقع عليه اسم غلام أو اسم جارية، إن كان ذكرًا فشاتان، وإن كان أنثى فشاة واحدة. المحلى (6/234).
وقال الإمام ابن عبد البر -رحمه الله-:
ذهب أهل الظاهر إلى أن العقيقة واجبة فرضًا، منهم: داود بن علي وغيره، واحتجوا لوجوبها بأن رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم- أَمَرَ بها وفَعَلَها، وكان بريدة الأسلمي يوجبها، وشبَّهها بالصلاة، فقال: الناس يُعرَضون يوم القيامة على العقيقة كما يُعرَضون على الصلوات الخمس، وكان الحسن البصري يذهب إلى أنها واجبة عن الغلام يوم سابعه، فإن لم يُعَق عنه عَقَّ عن نفسه...، وكان مالك يقول: هي سنة واجبة يجب العمل بها، وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل، وإسحاق وأبي ثور والطبري. التمهيد (4/ 311- 312).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال الشافعي: أفرط فيها (يعني: حكم العقيقة) رجلان، قال أحدهما: هي بدعة، والآخر قال: واجبة. وأشار بقائل الوجوب إلى الليث بن سعد، ولم يَعْرِف إمام الحرمين الوجوب إلا عن داود، فقال: لعل الشافعي أراد غير داود، إنما كان بَعده.
وتُعقب بأنه ليس لِلْعِلَلِ هنا معنى، بل هو أمر محقَّق، فإن الشافعي مات ولداود أربع سنين، وقد جاء الوجوب أيضًا عن أبي الزناد، وهي رواية عن أحمد.
والذي نقل عنه أنها بدعة أبو حنيفة، قال ابن المنذر: أنكر أصحاب الرأي أن تكون سُنة، وخالفوا في ذلك الآثار الثابتة. فتح الباري (9/588).
وقال العيني -رحمه الله- متعقبًا لابن حجر:
قلتُ: هذا افتراء، فلا يجوز نسبته إلى أبي حنيفة، وحاشاهُ أن يقول مثل هذا: وإنما قال: ليست بسنة، فمراده، إما ليست بسنة ثابتة، وإما ليست بسنة مؤكدة.
وروى عبد الرزاق عن داود بن قيس قال: سمعت عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن العقيقة، فقال: «لا أُحِبُّ العقوق، قالوا: يا رسول الله، يَنْسُكُ أحدنا عمن يولد له، فقال: مَن أحب منكم أن يَنْسُكَ عن ولده فليفعل، عن الغلام شاتان مكافَأَتَان، وعن الجارية شاة»، فهذا يدل على الاستحباب. عمدة القاري (21/83).
وقال ابن حجر -رحمه الله- متعقبًا الحنفية بعد ذكرهم لما استدلوا به:
قال أبو عمر: لا أعلمه مرفوعًا (يعني حديث عمرو بن شعيب) إلا عن هذين.
قلتُ: وقد أخرجه البزار وأبو الشيخ في العقيقة من حديث أبي سعيد ولا حُجَّة فيه؛ لنفي مشروعيتها، بل آخر الحديث يُثْبِتها، وإنما غايته أن يُؤخَذ منه أن الأَولى أن تسمى نَسِيكة أو ذبيحة، وأن لا تسمى عقيقة، وقد نقله ابن أبي الدم عن بعض الأصحاب قال: كما في تسمية العِشاء عتمة، وادعى محمد بن الحسن نسخها بحديث: «نَسَخَ الأضحى كل ذبح» أخرجه الدارقطني من حديث علي، وفي سنده ضعف، وأما نفي ابن عبد البر وُرُودَه فمُتَعَقَّب، وعلى تقدير أن يثبت أنها كانت واجبة ثم نُسخ وجوبها، فيبقى الاستحباب كما جاء في صوم عاشوراء، فلا حجة فيه أيضًا لمن نفى مشروعيتها. فتح الباري (9/588).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
العقيقة سُنة في قول عامة أهل العلم، منهم: ابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وفقهاء التابعين، وأئمة الأمصار إلا أصحاب الرأي، قالوا: ليست سُنة، وهي من أمر الجاهلية، قال: وقال الحسن وداود: هي واجبة. المغني (9/459).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وهي (أي: العقيقة) سُنة مؤكدة، حتى إن الإمام أحمد قال: يَقْتَرِضُ إذا لم يكن عنده مالٌ، وأرجو أن يخلف الله عليه؛ لأنه أحيا سُنة، فإن لم يكن الأب موجودًا فهل تُسن في بقية العَصَبة أو في حق الأم؟
الظاهر أنه إذا لم يكن الأب موجودًا كما لو مات وابنه حَمْلٌ فإن الأم تقوم مقام الأب في هذه المسألة. الشرح الممتع على زاد المستقنع (7/ 491).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
وأَنَكَرَ أصحابُ الرأي: أنْ تكون العقيقة سُنة، وخالفوا في ذلك الأخبار الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعن أصحابه والتابعين، ثم هو بعد ذلك أمر معمول به بالحجاز قديمًا وحديثًا، استعمله العامة، ذكر مالك: أنَّه الأمر الذي لا اختلاف فيه عندهم.
وقال يحيى الأنصاري: أدركتُ الناس وما يَدَعُون العقيقة عن الغلام والجارية، وممن كان يرى العقيقة عن الغلام والجارية: عبد الله بن عباس وابن عمر وعائشة أم المؤمنين. الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 417).
وقال ظفر التهانوي -رحمه الله-:
وأجابوا (أي: الأحناف المنكرين سُنيَّة العقيقة) عن حديث أم كُرْز الكعبية: أنَّ حديث أم كُرْز مضطرب اضطرابًا شديدًا؛ لأنه رُوي عنها من وجوه مختلفة...، يقول سفيان: إنَّ أم كُرْز قالت: سمعتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحديبية، وذهبتُ أَطْلُب من اللحم، فسمعته يقول: «عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة»، ويقول ابن جريج في حديث: «أنَّها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن العقيقة، فقال: يُعَقُّ عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة»: ويقول حماد بن زيد في حديثه: «أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة».
والأول: يدل على أنَّها سمِعَتْه يقول في الحديبية، ولم تكن سألته.
والثاني: يدل على أنَّها سألته.
والثالث: لا يدل على واحد منهما...
والذي يترجح أنَّ رواية سفيان وابن جريج وَهْمٌ، والصحيح ما رواه حماد بن زيد؛ لأنه لو وقع هذا السؤال والجواب في الحديبية لرُوِيَ عن غير واحد من الصحابة؛ لأنهم كانوا مجتمعين فيها، فتفرُّد أم كُرْز بالرواية يدل على أنَّ هذا ليس من قصة الحديبية، ثم إذا نظرنا أنَّ الحديبية لم تكن محلَّا لهذه المسألة، ولا كان أَهَمّ لأم كُرْز السؤال عن العقيقة من سائر أمور الدِّين؛ لأنهم قالوا (أي: الأحناف): إنَّها أَسْلَمَت في الحديبية، ويزداد هذا الظن قوة...
قال العبد الضعيف (التهانوي): وهذا ليس من الاضطراب في شيء، وأي بُعْد في أنْ تكون ذهبت لطلب اللحم، وسألته عن العقيقة أيضًا، وقولها: «فسمعته يقول: عن الغلام شاتان...» إلخ، أي: بعد أنْ سُئل عن العقيقة. إعلاء السنن (17/ 118-129).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قد تبيَّن بما ذُكر أن القول الراجح في هذه المسألة قول من قال باستحباب العقيقة، وهو الذي عليه الجمهور، ودليل الاستحباب: قوله -صلى الله تعالى عليه وسلم- في حديث الباب: «مَن أَحبّ أن ينسك...» الحديث، فقد فوَّضه إلى اختيار الشخص، وهذا صارف للأمر عن الوجوب إلى الاستحباب. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/354).
وقال الحليمي -رحمه الله- بعد أنْ ذَكَر عدة آثار:
وهذه الأخبار تجمع دلالتين: أحدهما: أنَّ الذبح عن الإناث سُنة، كما هو عن الذكور سُنة، والأخرى: استحباب العدد فيما يُذْبَح عن الذكورة، والنظر يدل على أنَّ الذبح عن الإناث سُنة، وهو أنَّ هذه السُّنة في تقدير فدية النَّفْس، فكانت كالأضحية، والرِّجَال والنساء يستوون في سُنة الأضاحي، كذلك الغلمان والجواري مستوُون في سُنة العقيقة.
وأما المفارقة بين الصنفين في العدد؛ فلِأنَّ الغرض من هذه القُرْبة استيفاء النَّفس فأشبهت الدِّية، وإشباهها إياها بجمع دلالتين: إحداهما: أنَّ للإناث فيها مدخلًا، كما لهن في الدِّيات مدخل، والأخرى أنَّ الأنثى منها على النصف من الذَّكَر، كما أنَّها في الدية على النصف منه، وأما استحباب العدد فلأنه شبيه بالأضحية، وقد روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه كان يضحِّي بكبشين، فكان القياس على ذلك...، على أنَّ المستحب في الصدقات كلها الازدواج. المنهاج في شعب الإيمان (3/ 284).
وقال ابن حجر -رحمه الله- بعد أنْ ذَكَرَ عدة آثار:
وهذه الأحاديث حُجة للجمهور في التفرقة بين الغلام والجارية، وعن مالك هما سواء، فيُعَقُّ عن كُل واحد منهما شاة، واحتج له بما جاء أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- «عَقَّ عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا» أخرجه أبو داود، ولا حُجة فيه، فقد أخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ: «كبشين كبشين»، وأخرج أيضًا من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله، وعلى تقدير ثبوت رواية أبي داود، فليس في الحديث ما يُرَدُّ به الأحاديث المتواردة في التنصيص على التثنية للغلام، بل غايته أنْ يدل على جواز الاقتصار، وهو كذلك، فإنَّ العدد ليس شرطًا، بل مستحب. فتح الباري (9/ 592).

قوله: «عنِ الغلامِ شاتانِ»:
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
قوله: «عنِ الغلامِ شاتانِ» أي: يُذبَح عن الصبي شاتان. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (9/ 608).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «عنِ الغلامِ شاتانِ» أي: تجزئ في عقيقة الغلام: شاتان. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/ 363).
وقال النووي -رحمه الله-:
السُّنة أنْ يُعَقَّ عن الغلام شاتان...، فإنْ عقَّ عن الغلام شاة حصل أصل السُّنة...؛ ولو وُلِدَ له ولدان فذبح عنهما شاة لم تحصل العقيقة. المجموع شرح المهذب (8/ 429).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
أو عَقَّ بكبش واحد أجزأ؛ لما روينا من حديث الحسن والحسين. المغني (11/120).
وقال القاضي عبد الوهاب -رحمه الله-:
ولا يجمع بين اثنين في شاة واحدة (يعني: في العقيقة)؛ لأن الغرض به إراقة الدم، والشِّرْكَة فيه كأنه أخرج لحمًا، فلا يجوز كالأضحية. المعونة على مذهب عالم المدينة (ص:670).
وقال الخطيب الشربيني -رحمه الله-:
ويتأدَّى أصلُ السُّنة عن الغلام بشاة واحدة، لما روى أبو داود بإسناد صحيح «أنه -صلى الله عليه وسلم- عقَّ عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا». مغني المحتاج (6/139).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
ولا يجزئ في العقيقة إلا ما يقع عليه اسم شاة -إما من الضأن، وإما من الماعز فقط-، ولا يجزئ في ذلك من غير ما ذَكَرْنَا لا من الإبل ولا من البقر الإنسية، ولا من غير ذلك، ولا تُجزئ في ذلك جذعة أصلًا، ولا يُجزئ ما دُونها مما لا يقع عليه اسم شاة. المحلى (6/234).
قال الصنعاني -رحمه الله-:
واقتصاره في الإخبار على الشاة يُفهَم منه أنَّه لا يُجزئ غيرها، ولو أعلى، كالإبل والبقر، وبه صرَّح جمعٌ، إلا أنَّه نُقل عن مالك أنَّه كان يَعُقُّ بِجَزُور. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 349-350).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وبذكر الشَّاة والكبش على أنَّه يتعيَّن الغنم للعقيقة، وبه تَرْجَمَ أبو الشيخ الأصبهاني، ونقله ابن المنذر عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.
وقال البندنيجي من الشافعية: لا نصَّ للشافعي في ذلك، وعندي أنَّه لا يجزئ غيرها، والجمهور على إجزاء الإبل والبقر أيضًا، وفيه حديث عند الطبراني وأبي الشيخ عن أنس رفعه: «يُعَقُّ عنه من الإبل والبقر والغنم»، ونصَّ أحمد على اشتراط كاملة، وذكر الرافعي بحثًا: أنَّها تتأدَّى بالسُّبْعِ، كما في الأضحية، والله أعلم. فتح الباري (9/593).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- متعقبًا لابن حجر:
عندي أن القول بكون العقيقة شاة كما ثبت ذلك في النصوص الصحيحة كالأحاديث التي ساقها المصنف (يعني: النسائي) وغيره هو الأرجح؛ عملًا بالنصوص.
وقد أَخْرَجَ الطحاوي والبيهقي من طريق عبد الجبار بن ورد المكي، سمعت ابن أبي مليكة يقول: نُفِسَ لعبد الرحمن بن أبي بكر غلام، فقيل لعائشة: يا أم المؤمنين: عُقِّي عنه جزورًا، فقالت: معاذ الله، ولكن ما قال رسول الله -صلى الله تعالى عليه وسلم-: «شاتان مكافِئَتان» وإسناده حسن، وعبد الجبار قال عنه الذهبي: ثقة. وفي التقريب: صدوق يَهِمُ.
وأما الحديث الذي عزاه الحافظ إلى الطبراني وأبي الشيخ في إجزاء الإبل والبقر فهو حديث واهٍ؛ لأن في سنده مَسْعَدة بن اليَسَع، قال الذهبي: كذَّبه أبو داود، وقال أحمد: حرَّقْنَا حديثَه منذ دهر، وقال أبو حاتم: هو منكرٌ ذاهِبُ الحديث لا يشتغل به، يكذب على جعفر بن محمد.
والحاصل: أن إجزاء غير الشياه لم يرد به نص صحيح، فتفطَّن، والله تعالى أعلم. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/ 351).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
العقيقة لا تُسَن من غير الغنم، لا تُسَن من البقر ولا من الإبل، وإنما السُّنة أن تكون من الغنم عن الذكَر شاتان وعن الأنثى شاة واحدة، ومع قلة ذات اليد تكفي شاة واحدة عن الذكَر. فتاوى نور على الدرب (14/2).
وقال النووي -رحمه الله-:
ولو ذَبَحَ بقرة أو بَدَنَة عن سبعة أولاد، أو اشترك فيها جماعة جاز، سواء أرادوا كلهم العقيقة، أو أراد بعضهم العقيقة، وبعضهم اللحم. المجموع شرح المهذب (8/ 429).
وقال سامي القدومي -حفظه الله- متعقبًا للنووي وغيره:
وأما القول بأن العقيقة تكون بالبقر والإبل فإنه قياس محتَمل، ولكن لا يُجزم به؛ لأنه كان الإبل والبقر في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يَعُقَّ بهما، ولم يُرشِد إلى العَق بهما، إلا أن يكون قياسًا على الأضحية والهدي، وهنا لا يجزم بصحة القياس، ولهذا حصل اختلاف العلماء بهذه المسألة. الابتهاج تهذيب مغني المحتاج (ص:34).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- متعقبًا للشافعية:
البَدَنَة لا تجزئ فيها (يعني: العقيقة) إلا عن واحد فقط، ومع ذلك فالشاة أفضل؛ لأن العقيقة فِدَاءُ نفس، والفداء لا بد فيه من التقابل والتكافُؤْ، فتُفْدَى نفسٌ بنفس، ولو قلنا: إن البدنة عن سبعة لفُدِيَت النفس بسبعِ أَنْفُسٍ، ولهذا قالوا: لا بد من العقيقة بها كاملة وإلا فلا تجزئ، وإذا كان عند الإنسان سبع بنات وكلهن يَحْتَجْنَ إلى عقيقة فذبَح بدنة عن السَّبْعِ فلا تجزئ.
ولكن هل تجزئ عن واحدة، أو نقول هذه عبادة غير مشروعة على هذا الوجه، فتكون بعير لحم ويذبح عقيقة لكل واحدة؟
الثاني أقرب، أن نقول: إنها لا تجزئ عن الواحدة منهن؛ لأنها على غير ما وردت به الشريعة، فيذبح عن كل واحدة شاة، وهذه البدنة التي ذبحها تكون ملكًا له، له أن يبيع لحمها؛ لأنه تَبَيَّن أنها لم تصح على أنها عقيقة. الشرح الممتع على زاد المستقنع (7/429).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
لا يصح الاشتراك في البقر أو الإبل في العقيقة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر في العقائق أنها عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، فلا بد من نفسٍ كاملة، ولو اشترك جماعة في بعير لم يكن كل واحد منهم أتى بنفسٍ كاملة، إنما أتى ببعض نفس، ولهذا قال العلماء: إنه لا يجزئ في العقيقة اشتراك في بعير أو بقرة، بل قالوا: إن الشاة في باب العقيقة أفضل من البعير، فلو جاءنا إنسان وقال: أنا أُحِبُّ أن أَعُقَّ عن ولدي ببَكْرَةٍ صغيرة هل هذا أفضل أو أعق بشاة؟ قلنا: بالشاة أفضل؛ لأن هذا هو الذي وردت به السنة، ودع البَكْرَةَ الصغيرة لك للأكل، أما العقيقة فاذبحها من الغنم كما جاء في الحديث. اللقاء الشهري (34/21).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما الأفضل (في العقيقة) ففيه وجهان: أصحهما: البَدَنَة، ثم البقرة، ثم جَذَعَة الضأن، ثم ثَنيَّة المعز، كما في الأضحية.
والثاني: الغنم أفضل من الإبل والبقر؛ للحديث: «عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة»، ولم يُنقل في الإبل والبقر شيء، والمذهب الأول. المجموع شرح المهذب (8/ 430).
وقال كمال الدين ابن أبي شريف الشافعي -رحمه الله- متعقبًا:
فإنَّ كُتب الشافعي وجماهير أصحابه -فيما أعلم- ساكتة عن غير الغنم، ولم أرَ أفضلية الأبل والبقر إلا في الحاوي، والظاهر أنَّه من تصرُّفه، وتبعه الروياني وصحَّحه، وجرى عليه الرافعي ومَن تبعه، والأخبار مقتصرة قولًا وفعلًا على الغنم، فإنْ صح عن الصِّديق -رضي الله عنه- (أي: أنَّه عقَّ بالإبل) وإلا ففي كون المذهب أنَّ غير الغنم أفضل نظر، والاتِّبَاع أَحسن. الإسعاد بشرح الإرشاد (7/67).

قوله: «وعنِ الأنثى واحدةٌ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
عن الجارية شاة على قاعدته الشريفة في تفضيل الذَّكَرِ على الأنثى. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 349).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
فالذكَر يُعَقُّ عنه بشاتين، والأنثى بواحدة، وهذا موضع من المواضع الخمسة التي فيها الأنثى على النصف من الذكر، {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} آل عمران: 36.شرح بلوغ المرام (102/5).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
وقِيْسَ بالأنثى الخُنثى، وإنَّما كانا على النِّصف من الذَّكَر؛ لأنَّ الغرض من العقيقة استيفاء استبقاء النَّفْس، فأشْبَهَت الدِّية؛ لأنَّ كلًّا منهما فداء للنَّفْس. فتح الوهاب (2/ 331).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
اختلفوا في التسوية بين الغلام والجارية فيها (أي: العقيقة)، فقال أحمد بن حنبل والشافعي وإسحاق بظاهر ما جاء في الحديث، مِن أنَّ في الغلام شاتين، وفي الجارية شاة، وكان الحسن وقتادة لا يريان عن الجارية عقيقة، وقال مالك: الغلام والجارية شاة واحدة سواء، وقال أصحاب الرأي: إنْ شاء عقَّ، وإنْ شاء لم يَعُقَّ. معالم السنن (4/ 284).
وقال القاضي عبد الوهاب -رحمه الله- متعقبًا للشافعية وغيرهم:
ويعق شاة عن الذكر والأنثى، خلافًا لأبي حنيفة والشافعي في قولهما: إنه يعق عن الغلام بشاتين وعن الأنثى بشاة؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- عقَّ عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا، ولأنه ذَبْحٌ مُتَقَرَّبٌ به فلم يتفاضل الذكر والأنثى كالأضحية. المعونة على مذهب عالم المدينة (ص:670).
وقال الشوكاني -رحمه الله- متعقبًا:
واستدل على ذلك (يعني: على التسوية في العقيقة بين الذكر والأنثى) بحديث بريدة الآتي بلفظ: «كنا نذبح شاة...» إلخ، وبحديث ابن عباس: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عقَّ عن الحسن والحسين -عليهما السلام- كبشًا كبشًا».
ويجاب عن ذلك: بأن أحاديث الشاتين مشتملة على الزيادة، فهي من هذه الحيثية أولى بالقبول.
وأما حديث ابن عباس فسيأتي أيضًا في رواية منه: «أنه عقَّ عن كل واحد بكبشين»، وأيضًا القول أرجح من الفعل، وقيل: إنَّ في اقتصاره -صلى الله عليه وسلم- على شاة دليلًا على أن الشاتين مستحبة فقط، وليست بمتعيِّنة، والشاة جائزة غير مستحبة. وقيل: إنه لم يتيسر الإشارة. نيل الأوطار (5/159).
وقال المغربي -رحمه الله- بعد أنْ ذَكَر حديث عائشة وأم كُرْز:
والحديث فيه: دلالة على اختلاف العقيقة عن الذّكر وعن الأنثى، وقد ذهب إلى هذا الشافعي وأبو ثور وأحمد وداود والإمام يحيى، ومذهب الهدوية ومالك إلى أنَّه يجزئ عن الذكر والأنثى شاة. البدر التمام شرح بلوغ المرام (9/ 427).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
بحديث أم كُرْز نقول، عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، رُوينا عن أنس بن مالك: أنَّه كان يعق عن ولدهُ بالجَزُور، وعن الجارية شاة. الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 415).

قوله: «ولا يضركم ذُكرانًا كن أَم إناثًا»:
قال العراقي -رحمه الله-:
قوله: «لا يضركم أذكَرانًا كنَّ أم إناثًا» أي: إن المذبوح تحصل به سنة العقيقة، سواء أكان ذكرًا أم أنثى، وقد صرح الفقهاء من أصحابنا وغيرهم بذلك، لكن قالوا: إن الأفضل الذكر كالأضحية، ولا يصح حمله على المولود، وإن كان الحُكم لا يختلف بذكورة المولود وأُنوثته؛ لأنه لا يقال في الذكران من العقلاء «كن»، وإنما يقال: كانوا بخلاف غير العقلاء، فإنه لا يُعْبَرُ عنه بالواو والنون لا مع الذكورة ولا مع الأنوثة، والله أعلم. طرح التثريب (5/214 -215).
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
قوله: «لا يضركم أَذُكْرَانًا كنَّ أم إناثًا» أي: لا يضركم كون شِيَاهِ العقيقة ذُكرانًا أو إناثًا. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (9/ 608).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «لا يضرُّكم ذكرانًا كُنَّ أو إناثًا» الضمير في «كنَّ» للشِّيَاهِ التي يُعَقُّ بها عن المولودِين، و«ذكرانًا كُنَّ أو إناثًا» فاعل «يضركم» أي: لا يضركم كون شياه العقيقة ذكرانًا أو إناثًا. مرقاة المفاتيح (7/ 2687).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «أذكرانًا كنَّ» أي: الأنفس التي يَعُقُّونَ عنها «أم إناثًا»؛ فإنَّ العقيقة سُنة عن النوعين.
وفيه ردٌّ على من زعم أنَّها لا تُسن العقيقة عن الأنثى. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 350).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
الضمير في «كن» عائد إلى الشاتين والشياه المذكورة، وغلَّب الإناث على الذكور تقديمًا للنِّعَاج في النَّسْلِ، وفيه: إشعار بأنَّ نحو شاة ونملة وحمامة مُشْتَرَك بين الذكور والإناث، وإنَّما يتبيَّن المراد بانتهاض القرينة. الكاشف عن حقائق السنن (9/ 2835).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
ويجوز فيها (أي: الشاة) الذَّكر والأنثى؛ لما رُوي في حديث أم كُرْز...، والذَّكَر أفضل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- عَقَّ عن الحسن والحسين بكبش كبش، وضحى بكبشين أقرنين، والعقيقة تجري مجرى الأضحية.
والأفضل في لونها البياض، على ما ذكرنا في الأضحية؛ لأنها تشبهها، ويُستحب استسمانها واستعظامها واستحسانها كذلك، وإنْ خالف ذلك أو عَقَّ بكبش واحد أجزأ. المغني (11/ 120).
وقال القيرواني -رحمه الله-:
قال ابن حبيب: والأحسن أنْ يوسِّع بغير شاة العقيقة؛ لإكثار الطعام، ودعاء الناس إليه، فروي أنَّ ابن عمر ونافع بن جبير كانا يدعُوَان إلى الولادة، قال النخعي: كانوا يستحِبُّون أنْ يُطْعِمُوا على الولادة، قال ابن حبيب: فجَمْعُ الناس لا يكون إلا على الكثير.
قال: ويَسْلُك بالعقيقة مَسْلَك الضحايا في اجتناب العيوب، وفي أسنانها، وفي النهي عن بيع شيء منها، فإنْ ذَبَحَ الأبُ غير شاة العقيقة يريد بها التوسعة في إطعام الناس، فإن لم ينوِ أنْ يجعلها عقيقة فله بيع جلودها، ولا يبالي فيها بعيب، ولا يراعي فيها ما ذكرنا. النوادر والزيادات على ما في المدونة (4/ 336).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
حكم العقيقة حكم الأضحية في سِنِّها، وأنه يمنع فيها من العيب ما يمنع فيها، ويستحب فيها من الصفة ما يستحب فيها، وكانت عائشة -رضي الله تعالى عنها- تقول: ائتوني به أَعْيَنَ أَقْرَنَ. وقال عطاء: الذكَر أحبُّ إليَّ من الأنثى، والضأن أحب إليَّ من المعز. فلا يجزئ فيها أقل من الجذَع من الضأن، والثَّنِي من المَعز. ولا تجوز العوراء البيِّن عَوَرُهُا، والعرجاء البيِّن ظَلْعُها، والمريضة البَيِّنُ مرضها، والعَجْفَاء (يعني: الهزيلة) التي لا تُنْقِي، والعضباء التي ذهب أكثر مِن نصف أُذنها وقرنها، قال: ويستحب استشراف العين والأذن، كما ذكرنا في الأضحية سواء؛ لأنها تشبهها، فتُقاس عليها. المغني (9/463).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
والعقيقة أخت الأضحية في الصفة والجنس والسلامة، لكن مالكًا قال: إنما يكون ذلك رأسًا واحدًا عن الذكر والأنثى، لا يَفْضُل في ذلك الذكَر (عن) الأنثى، وتُكسَر عظامها خلافًا لما كانت الجاهلية تفعله. المسالك في شرح موطأ مالك (5/331).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
ويجزى الذكَر والأنثى من كل ذلك؛ ويجزئ المعيب سواء كان مما يجوز في الأضاحي أو كان مما لا يجوز فيها، والسالم أفضل. المحلى (6/234).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
عندي أن اشتراط عدم العيب في العقيقة، بحيث لا يجزئ إلا ما أجزأ في الأضحية محل نظر؛ إذ الظاهر أن هذا من باب الاستحباب لا من باب الوجوب؛ إذ النَّص أطلق الشاة، فما يقع عليه اسم الشاة فهو مجزئ، إلا أن الأفضل اجتناب المعيبة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/ 351).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واستُدل بإطلاق الشاة والشاتين على أنَّه لا يُشترط في العقيقة ما يُشترط في الأضحية، وفيه وجهان للشافعية، وأصحهما يُشترط، وهو بالقياس لا بالخبر. فتح الباري (9/ 592-593).
«مُكَافِئَتَانِ»:
قال أبو عبيد -رحمه الله-:
«مكافِئتان» يقول: متساويتان، وأصحاب الحديث يقولون: «مكافَأَتان».
والصواب: «مكافِئتان» وكل شيء ساوى شيئًا حتى يكون مثله فهو مكافِئ له، والمكافأة بين الناس من هذا يقال: كافَأْتُ الرجل، أي فعَلْتُ به مثل ما فَعَلَ بي. غريب الحديث (2/103).
وقال الخطابي -رحمه الله- متعقبًا لأبي عبيد:
قلتُ: وهذا لا يقنع في معنى الخبر وفي بيان حكمه، وإن أَقْنَعَ في لفظه، وإنما أراد بالتكافُؤ التساوي في السِّن، يقول: لا يعق إلا بِمُسِنَّةٍ كما لا يجوز في الضحايا إلا مُسِنَّة، وأقل ذلك أن يكون جذعًا، فإن كانت إحداهما مُسِنَّة والأخرى غير مكافِئة لها في السِّن لم يجز، ولا فرق بين المكافِئتين والمكافَأتين؛ لأن كل واحدة منهما إذا كافَأَتْ صاحبَتْهَا، فقد كُوفِئَت من جهتها فهي مكافِئة ومكافأة. غريب الحديث (1/605).
وقال السندي -رحمه الله-:
«مكافِئتان» بالهمزة أي: مساويتان في السن، بمعنى ألا ينزل سِنُّهما عن سن أدنى ما يجزئ في الأضحية، وقيل: مساويتان أو متقاربتان، وهو بكسر الفاء مِن كَافَأَهُ إذا ساواه. حاشية السندي على سنن أبي داود (7/164).
وقال ابن حجر-رحمه الله-:
قوله: «مكافِئَتان» فقال: متشابهتان تُذبحان جميعًا، أي: لا يؤخِّر ذبح ‌إحداهما ‌عن ‌الأخرى، وحكى أبو داود عن أحمد المكافئتان المتقاربتان، فتح الباري(9/ ٥٩٢).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«مكافِئَتان» أي: متساويتان في السن والحسن. فيض القدير (4/363).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
«مكافِئَتان» يعني: متشابهتان متقاربتان في السن والسِّمَن واللون، لا يكون بينهما تبايُن في شيء ظاهر، نعم لا يوجد مطابقة تامة، لكن تكون متقاربتان، ولعل هذا من باب التفاؤل، أن تكون أخلاقه متقاربة متوازنة، هذا مما ذكره أهل العلم في هذا. شرح بلوغ المرام (102/6).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
«مكافَأَتان» أي: كل واحدة منهما مساوية لصاحبتها في السِّن، ولا فرق بين المكافِئَتين والمكافَأَتين؛ لأن كل واحدة منهما إذا كافَأَتْ أختها فقد كوفِئَت، فهي مكافِئَة ومُكَافَأة، وهما معادِلَتَان لما يجب في الزكاة والأضحية من الأسنان.
ويحتمل: في رواية من روى «مكافَأتان» أن يُراد مذبوحتان، من قولهم: كافَأَ الرَّجُل بين بعيرين إذا وَجَأَ في لبَّة هذا، ثم في لبَّةِ هذا فنَحَرَهُما معًا.
قال الكُمَيْت يصف ثوارًا وكلابًا:
وعاث في عانة منها بعثعثة *** نحر المكافِئ والمكثور يهتبل. الفائق في غريب الحديث (3/267).
وقال ابن الأثير -رحمه الله- متعقبًا للزمخشري:
أو يكون معناه: معادِلَتان لما يجب في الزكاة والأضحية من الأسنان.
ويحتمل: مع الفتح أن يراد مذبوحتان، مِن كافَأَ الرَّجُل بين بعيرين، إذا نحر هذا ثم هذا معًا من غير تفريق، كأنه يريد شاتين يذبحهما في وقت واحد. النهاية (4/181).
وقال العراقي -رحمه الله- معلقًا على ابن الأثير:
وهذا الذي ذكره (يعني: ابن الأثير) آخرًا موافق لما حكاه عن زيد بن أسلم أن معنى: «‌مكافَأتان» أي تُذبحان جميعًا، وفي سنن النسائي قال داود بن قيس: سألت زيد بن أسلم عن المكافَأَتين، فقال: الشاتان المشتبهتان يُذبحان جميعًا، وفي رواية للطبراني وابن حبان والبيهقي قال ابن جريج: قلتُ لعطاء: ما المكافَأتان؟ قال: الْمِثْلَان.طرح التثريب (5/214).
وقال السندي -رحمه الله-:
مراد الزمخشري أن كُلًّا من الفتح والكسر يقتضي بظاهره اعتبار شيء ثالث يساويانه أو يساويهما، وإن اكتفى بمساواة كل واحدة منهما صاحبَتِهَا صحَّ الفتح والكسر، فليتأمل، والله تعالى أعلم. حاشية السندي على سنن أبي داود (7/164).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وقال الزمخشري: لا فرق بين الفتح والكسر؛ لأن كل واحدة إذا كافَأَتْ أختَها فقد كوفِئَت، فهي مكافِئَة ومكافَأَة، أو يكون معناه: معادِلَتان لما يجب في الأضحية، من الأسنان. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/349).
وقال ابن حجر -رحمه الله- متعقبًا الزمخشري:
وأولى من ذلك كله ما وقع في رواية سعيد بن منصور في حديث أم كرز من وجه آخر عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ: «شاتان مِثْلَانِ»، ووقع عند الطبراني في حديث آخر «قيل: ما المكافِئَتان. قال: الْمِثْلَانِ» وما أشار إليه زيد بن أسلم من ذبح إحداهما عقب الأخرى حَسَنٌ، ويحتمل: الحمل على المعنيين. فتح الباري(9/ ٥٩٢).
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
فيه: دلالة على أنه يستحب أَنْ تكون الشَّاتان مُتساويتين في السِّن والذُّكورة وغيرهما؛ لأنّ النّفس قد تُريد الأجود لها، فيختلف ما يأكله وما يتصدق به. شرح سنن أبي داود (/٢٦٤).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وفيه دليل على أنه لا فرق في العقيقة بين ذكور الشياه وإناثها. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/ 365).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
في الحديث دليل على تفضيل الغلام على الجارية في العقيقة. منحة العلام شرح بلوغ المرام (9/312).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)


ابلاغ عن خطا