«اليومُ الموعودُ يومُ القيامةِ، واليومُ المشْهُودُ يومُ عرفةَ، والشَّاهِدُ يومُ الجُمُعةِ، وما طَلَعَتِ الشمس ولا غَرَبَتْ على يومٍ أفضلَ منه، فيه ساعةٌ لا يُوَافِقُهَا عبدٌ مؤمنٌ يدعو الله بخيرٍ إلا استجاب الله له، ولا يَسْتَعِيذُ مِنْ شيءٍ إلا أعاذهُ الله منه».
رواه الترمذي برقم: (3339) واللفظ له، والطبراني في الأوسط برقم: (1087)، والبغوي في شرح السنة برقم: (1047)، ورواه أحمد مختصرًا برقم: (7973)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (8201)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1502).
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «اليومُ الموعودُ يومُ القيامةِ»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
واعْلَم أنَّه وقع الإجماع على أنَّ المراد باليوم الموعود المذكور في سورة البروج، هو يوم القيامة. مرعاة المفاتيح (4/ 435).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «اليومُ الموعودُ يوم القيامة»؛ لأن اللَّه تعالى وَعَدَ الناسَ بإتيانه، أو لأنه وَعَدَ المؤمنين بعد إتيانه بنعيم الجنة. لمعات التنقيح (3/ 487).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
قوله: «اليومُ الموعودُ» المقْسَم به أولًا في أول سورة البروج «يوم العيد»؛ لأن أهل البوادي يتواعدون لحضوره في المصر. فتح الإله في شرح المشكاة (5/219).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- مُعلِّقًا:
«اليومُ الموعودُ» أي: الذي ذكره الله في سورة البروج «يوم القيامة»، ووقع في أصل ابن حجر «يوم العيد» وهو غلطٌ فاحشٌ، وعلَّله بأنَّ أهل البوادي يتواعدون لحضوره في المصر. مرقاة المفاتيح (3/ 1017).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«اليومُ الموعودُ يوم القيامة» كما سلف، وهو إخبارٌ للعبادِ بالجِدِّ في العمل، فإنَّه موعدُ أجور عمل العاملين. التنوير شرح الجامع الصغير (11/ 210).
قوله: «واليومُ المشْهُودُ يومُ عرفةَ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«واليومُ المشهودُ يوم عرفة»؛ لأنه يشهده أهل الدِّين غالبًا. مرقاة المفاتيح (3/ 1017).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«واليومُ المشهودُ» المقْسَم به ثالثًا «يوم عرفة»؛ لأنه يشهده أهل الدنيا، ومن ثَمَّ لم يجب حضوره بأصل الشرع في العام إلا مرة؛ ليُتَذَكَّر به موقف القيامة. فتح الإله في شرح المشكاة (5/219).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
«واليومُ المشهودُ يوم عرفة»؛ لأن المؤمنين يشهدونه، ويحضرون فيه من الآفاق، وكذا تشهده الملائكة. لمعات التنقيح (3/ 487).
وقال السندي -رحمه الله-:
وكأنَّ وجه التخصيص هو: أنَّ يوم عرفة لكثرة مَن يَشْهَدُه، أي: يَحْضُره، ويجتمع فيه، اعتُبر كأنَّه هو الشاهد، بخلاف يوم الجمعة، فإنَّه مشهود؛ لأن الناس يشهدونه، أي: يحضرونه، ويجتمعون فيه، ويحتمل: أنَّ المراد: أنَّه يَشْهَد لمن حَضَرَه، والله تعالى أعلم. حاشية السندي على مسند أحمد (2/540).
قوله: «والشَّاهِدُ يومُ الجُمُعةِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «والشاهد يوم الجمعة» ولعل في تقديم اليوم المشهود مع أنَّ في القرآن {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} البروج: 3، إشارة إلى أعظمية يوم عرفة، وأفضليته، أو إلى أكثرية جمعيَّته، فَتُشَابِهُ القيامة بالجمعيَّة والهيئة الإِحْرَامِيَّة، فكأنها قيامة صغرى، وهم مُعرَوضُون على ربهم كالعَرْضَة الكبرى.
ولعل نكتة الآية في تقديم الشاهد على المشهود: مراعاة الفواصل، كالأخدود، أو لأجل تقدمه غالبًا في الوجود. مرقاة المفاتيح (3/ 1017-1018).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «والشاهد يوم الجمعة» يعني: أنَّه تعالى أَعْظَمَ شَأْنَه في سورة البروج، حيث أقسم به، وأوقعه واسطة العقد لقلادة اليومين العظيمين، ونكَّره لِضَربٍ من التفخيم، وأَسْنَدَ إليه الشهادة على سبيل المجاز؛ لأنَّه مشهودٌ فيه، نحو: نهارُهُ صائمٌ، وليلُهُ قائمٌ، يعني: وشاهد في ذلك اليوم الشريف الخلائق؛ لتحصيل السعادة الكبرى. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1267).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- مُعلِّقًا:
والأظهر: أنَّه يَشْهَد لمن حضره من المصلين والذاكرين والداعين، وسيأتي أنَّه مشهود تشهَده الملائكة، فهو شاهد ومشهود، كما قيل في حقه تعالى: هو الحامد وهو المحمود. مرقاة المفاتيح (3/ 1018).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«واليوم الشاهد» المقُسَم به ثانيًا «يوم الجمعة»، ففي الإقسام به وإيقاعه بين ذينِك اليومين العظيمين؛ ليكون واسطة عِقْدهما، غاية الفخامة والتشريف له، وأورده بتنوين التعظيم، وإثبات الشهادة له، بتحصيل السعادة الكبرى للخلائق المتعبِّدِين فيه. فتح الإله في شرح المشكاة (5/219-220).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة» فإنْ اتفق جمعة وعرفة اتفق الشاهد والمشهود؛ ولذا كان وقفة الجمعة لها مزية على غيرها من الأيام.
وأما حديث: «أنَّها إذا كانت الوقفة الجمعة كانت الحِجَّة بسبعين حِجَّة» فهو حديث غير صحيح، كما بيَّن ذلك ابن القيم في أوائل الهدي النبوي. التنوير شرح الجامع الصغير (11/ 210).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
«والشاهد يوم الجمعة»، وكأنَّه إنَّما سُمِّي يوم عرفة مشهودًا، ويوم الجمعة شاهدًا؛ لأن الخلائق يذهبون إلى عرفة، ويشهدون فيها، فكان مشهودًا، وفي يوم الجمعة هم على مكانهم، اليوم جاءهم وحضر، فكان شاهدًا. لمعات التنقيح(3/ 487).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
{وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} البروج: 3، ومَن يشهد في ذلك اليوم من الخلائق، وما أُحضر فيه من العجائب، وتنكيرهما للإبهام في الوصف، أي: وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ لا يكتنه وصفهما، أو المبالغة في الكثرة، كأنَّه قيل: ما أفرطت كثرته من شاهد ومشهود، أو النبي -عليه الصلاة والسلام- وأُمَّته، أو أُمَّته وسائر الأمم، أو كل نبي وأُمَّته، أو الخالق والخلق أو عكسه، فإنَّ الخالق مطَّلع على خلقه، وهو شاهد على وجوده، أو الْمَلَك الحفيظ والمكلَّف، أو يوم النحر، أو عرفة والحجيج، أو يوم الجمعة والجمع، فإنَّه يشهد له، أو كل يوم وأهله. أنوار التنزيل (5/ 300).
وقال الدهلوي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
والظاهر: أنَّ هذه تأويلات مِن مُحْتَمَلات اللفظ، يمكن حَمْلُه عليها، والتفسير هو الذي أُسْنِدَ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. لمعات التنقيح (3/ 488).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«والشاهد يوم الجمعة»؛ لأنه يشهد لمن حَضَرَ صلاته، أو لأنه يشهد على كل عاملٍ بما عَمِلَ فيه. مرعاة المفاتيح (4/ 435).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله- أيضًا:
اختلفوا في تفسير الشاهد والمشهود على أقوال، والراجح ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم: أنَّ الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة؛ لحديث الباب، وهو وإنْ كان ضعيفًا فله شاهد من حديث أبي مالك الأشعري عند ابن جرير والطبراني وابن مردويه. مرعاة المفاتيح (4/ 435).
قوله: «وما طلعتِ الشمسُ ولا غربت على يومٍ أفضلَ منه»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «وما طلعت الشمس ولا غربت» في الثاني زيادة تأكيد للأول، «على يوم» أي: على موجودِ يومٍ وساكنِه، أو في يومٍ، «أفضل منه» أي: من يوم الجمعة. مرقاة المفاتيح (3/ 1018).
وقال المظهري -رحمه الله-:
والضمير في «منه» راجعٌ إلى يوم الجمعة. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 318).
قوله: «فيه ساعَةٌ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «فيه ساعةٌ» وقد اختلف السلف والخلف في هذه الساعة على أقوال عديدة، وأقربها: أنَّها بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس. التنوير شرح الجامع الصغير (11/ 210).
وقال الباجي -رحمه الله-:
«فيه ساعةٌ» يقتضي جزءًا من اليوم، غير مُقدَّر ولا مُعيَّن. المنتقى شرح الموطأ (1/ 200).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يعني: فيها ساعةٌ شريفةٌ، يُستجابُ فيها الدعاءُ، وهي غير معلومةٍ، والحِكْمَةُ في إخفائِها: ليشتغِلَ الناسُ بالعبادِة والدعاءِ في جميعها؛ رجاءَ أنْ يوافِقَ دعاؤُهم تلك الساعةَ. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 315).
قوله: «لا يُوَافِقُهَا عبدٌ مؤمنٌ»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
«لا يوافقها» أي: يصادفها، وهو أَعمُّ من أنْ يقصد لها، أو يتفق له وقوع الدعاء فيها. فتح الباري (2/ 416).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«لا يُصَادِفُهَا» كذا في مسند الشافعي، ورواية في الموطأ، ورواية مسلم: «لا يوافقها» والمصادفة والموافقة سواء.شرح سنن أبي داود(5/ 451).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«لا يُوافِقُها» يُوفَّق للدعاء فيها. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 27).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «عبدٌ مؤمنٌ» من باب التَّفَنُّن في العبارة، فبالحديثين (أي: هذا الرواية وراوية: «عبدٌ مسلمٌ») عُلِمَ أنَّ المؤمن والمسلم واحد في الشريعة، كقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِن المؤْمِنين فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيرَ بِيْتٍ مِن المُسْلِمِينَ} الذاريات: 35 - 36. مرقاة المفاتيح (3/ 1018).
قوله: «يدعو اللَّهَ بخيرٍ إلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ له»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «يدعو الله بخيرٍ» فيه، تفسير لقوله: «يصلي» مع زيادة التقييد بالخير، ثم الدعاء يشمل الثناء، وهما يكونان باللسان، وقد يقتصران على الجَنَان، «إلا استجاب الله له» أي: بنوعٍ من الإجابة. مرقاة المفاتيح (3/ 1018).
قوله: «ولا يَسْتَعِيذُ مِنْ شيءٍ إلَّا أَعاذهُ اللَّهُ منه»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «ولا يستعيذ» لفظًا أو قلبًا «من شيء» أي: من شرِّ نفسٍ أو شيطان أو إنسان، أو معصية أو بليَّة، أو عارٍ أو نار «إلا أعاذه» أي: أجاره «منه» بِقِسْمٍ (بنوع) من الإعاذة. مرقاة المفاتيح (3/ 1018).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
والحديث من أدلة فضل يوم الجمعة. مرعاة المفاتيح (4/ 435).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)