الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«‌إِذَا ‌رَأَى ‌أَحَدُكُمُ ‌الرُّؤْيَا ‌الحَسَنَةَ، فَلْيُفَسِّرْهَا ويُخْبِرْ بها، وإذا رَأَى الرُّؤْيَا القَبيحَةَ، فلا يُفَسِّرْهَا ولا يُخْبِرْ بها»


رواه ابن المقرئ في معجمه برقم:(866)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (548)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1340).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الرؤيا»:
هو ما يراهُ النائم في منامِه، تقول: رأيتُ رؤيةً، إذا عاينتَ ببصرك، ورأيتُ رأيًا إذا اعتقدت شيئًا في قلبك، ورأيتُ رؤيا إذا رأيتَ شيئًا في منامك، وقد تُستعمل الرؤيا مصدرًا في اليقظةِ، كما قال الراعي:
وكبَّر للرؤيا وهشَّ فؤاده *** وبشَّرَ نفسًا كان قبل يلومها.
والأبيات قبله تدلُّ على أنَّها رؤية اليقظةِ. القبس، لابن العربي (ص: 1135).


شرح الحديث


قوله: «إذا رأى أحدكم الرؤيا الحسنة»:
قال الزمخشري -رحمه الله-:
الرؤيا بمعنى الرؤية، إلا أنَّها مختصة بما كان منها في المنام دون اليقظة، فُرِّق بينهما بحرفي التأنيث، كما قيل: القربة والقربى. الكشاف (2/ 419).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«‌إذا ‌رأى ‌أحدكم ‌الرؤيا ‌الحسنة» وهي ما فيه بشارة. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 119).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «الحسنة» وهي ما فيها بشارة، أو نذارة، أو تنبيه على تقصير أو غفول، أو نحو ذلك. فيض القدير (1/ 348).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إذا رأى أحدكم» في منامه «الرؤيا الحسنة» التي يظهر له حسنها، وإلا فإن من المرائي ما لا يُعرف معناه إلا بالتعبير. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 54).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الرؤيا ‌والحُلْم ‌عبارة ‌عمّا ‌يراهُ ‌النائم في نومه من الأشياء، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغُلِّب الحُلْم على ما يراه من الشر والقبيح، ومنه قوله تعالى: {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} يوسف: 44، ويستعمل كل واحد منهما موضع الآخر، وتضم لام الحلم وتسكن. النهاية (1/ 434).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «الرؤيا» الرؤيا على وزن: فُعْلى، بلا تنوين، وجمعها: رؤى، مثل: رعى، يقال: رأى في منامه رؤيا، وفي اليقظة: رأى رؤية، قيل: إن الرؤيا أيضًا تكون في اليقظة، وعليه تفسير الجمهور في قوله -سبحانه وتعالى-: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} الإسراء: 60 إن الرؤيا ها هنا في اليقظة. عمدة القاري (15/ 179- 180).
وقال المازري -رحمه الله-:
كثر كلام النّاس في حقيقة الرؤيا، وقال فيها غَير الإسلاميّين أقَاويل كثيرةً منكرةً لمّا حَاولوا الوقوف على حقائق لا تعلم بالعَقل، ولا يقوم عليها برهان، وهم لا يصدّقون بالسمع؛ فاضطربت لذلك مقالاتهم.
فمَن ينتمي إلى الطبّ يَنسب جمَيع الرّؤيا إلى الأخلاط، ويستدلّ بالمنامات على الِخلطِ الغالب، ويقول: مَن غلب عليه البلغم رأى السِّباحة في الماء أو ما يشبهه؛ لمناسبة الماء في طبيعته طبيعة البلغم، ومَن غلب عليه الصّفراء رأى النّيران والصعود في الجوّ وشِبهِهِ؛ لمِناسبة النّار في الطّبيعة طبيعة الصفراء؛ ولأنّ خفّتها واتّقادها يخيّل إليه الطَّيرَان في الجوِّ والصُّعود في العلوّ، وهكذا يصنعون في بقيّة الأخلاط، وهذا مذهَب وإن جوّزه العقل وأمكن عندنا أن يجرِيَ البَاري -جلَّت قدرته- العادة بأن يخلق مثلما قالوه عند غلبةِ هذه الأخلاط، فإنّه لم يقم عليه دليل ولا اطَّردت به عادة، والقطع في موضع التّجويز غَلط وجَهالة، هذا لو نسبوا ذلك إلى الأخلاط على جهة الاعتياد، وأما إن أضافوا الفعل إليها فإنّا نقطع بخطئهم، ولا نجَوّز ما قالوه؛ إذ لا فَاعل إلا الله سبحانه.
ولبعض أئمة الفلاسفة تخليط طويل في هذا، وكأنّه يرى أنّ صور ما يجري في الأرض في العالم العلويّ كالمنقوش، وكأنه يدور بدوران الكرة، فما حَاذى بعض النّفوس منه انتقش فيها، وهذا أوضَح فَسَادًا من الأوّل مع كونه تحكّمًا بما لم يقع عليه برهان، والانتقاش من صِفَات الأجسَام، وكثِير ما يجري في العالم الأعراض، والأعراض لا تنتقش، ولا يُنتقش فيها.
والمذهب الصّحيح ما عليه أهل السنّة وهو أنّ الله سبحانه يخلق في قلب النّائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليَقظان، وهو -تبارك اسمه- يفعل ما يشاء، ولا يمنعه من فعله نوم ولا يقظة، فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنّه سبحانه جعلها عَلَمًا على أمورٍ أُخَر يخلقها في ثاني حال، أو كان قد خلقها، فإذا خلق في قلب النّائم اعتقاد الطّيران وليس بطائر، فقصارى ما فيه أنّه اعتقد أمرًا على خلاف ما هو عليه، وكم في اليقظة مَن يعتقد أمرًا على غَير ما هو عليه، فيكون ذلك الاعتقاد عَلَمًا على غيره كما يكون خلق الله سبحانه للغيم عَلَمًا على المطر، والجميع خَلْقُ الله سبحانه، ولكن يخلق الرؤيَا والاعتقادات التي جَعَلها عَلمًا على ما يسرّ بحضرة الملَك أو بغير حضرة الشيطان، ويخلق ضِدّها مِمَّا هو عَلَم على ما يضرّ بحضرة الشيطان، فتنسب إليه مجازًا واتّساعًا. المعلم بفوائد مسلم (3/ 199- 201).
وقال الغزالي -رحمه الله-:
الرؤيا ومعرفة الغيب في النوم من عجائب صنع الله تعالى، وبدائع فطرة الآدمي، وهو من أوضح الأدلة على عالم الملكوت، والخلق غافلون عنه، كغفلتهم عن سائر عجائب القلب، وعجائب العالم، والقول في حقيقة الرؤيا من دقائق علوم المكاشفة، فلا يمكن ذكره علاوة على علم المعاملة، ولكن القدر الذي يمكن ذكره ها هنا مثال يفهمك المقصود، وهو أنْ تعلم أنَّ القلب مثاله مثال مرآة تتراءى فيها الصور وحقائق الأمور، وأن كل ما قدره الله تعالى من ابتداء خلق العالم إلى آخره مسطور ومثبت في خلْقٍ خلقه الله تعالى؛ يُعبَّر عنه تارة باللوح، وتارة بالكتاب المبين، وتارة بإمام مبين، كما ورد في القرآن، فجميع ما جرى في العالم، وما سيجري مكتوب فيه ومنقوش عليه نقشًا، لا يشاهد بهذه العين، ولا تظنن أنَّ ذلك اللوح من خشب أو حديد أو عظم، وأن الكتاب من كاغد (قرطاس) أو رق، بل ينبغي أنْ تفهم قطعًا أنَّ لوح الله لا يشبه لوح الخَلْق، وكتاب الله لا يشبه كتاب الخَلْق، كما أنَّ ذاته وصفاته لا تشبه ذات الخَلْق وصفاتهم، بل إنْ كنتَ تطلب له مثالًا يقربه إلى فهمك، فأعلم أنَّ ثبوت المقادير في اللوح يضاهي ثبوت كلمات القرآن وحروفه في دماغ حافظ القرآن وقلبه، فإنه مسطور فيه، حتى كأنه حين يقرؤه ينظر إليه، ولو فتشت دماغه جزءًا جزءًا لم تشاهد من ذلك الخط حرفًا، وإن كان ليس هناك خط يشاهد، ولا حرف ينظر، فمن هذا النمط ينبغي أنْ تفهم كون اللوح منقوشًا بجميع ما قدره الله تعالى وقضاه، واللوح في المثال كمرآة ظهر فيها الصور، فلو وضع في مقابلة المرآة مرآة أخرى لكانت صورة تلك المرآة تتراءى في هذه، إلا أن يكون بينهما حجاب، فالقلب مرآة تقبل رسوم العلم، واللوح مرآة رسوم العلم كلها موجودة فيها، واشتغال القلب بشهواته، ومقتضى حواسه حجاب مرسل بينه وبين مطالعة اللوح الذي هو من عالم الملكوت، فإن هبت ريح حركت هذا الحجاب ورفعته، تلألأ في مرآة القلب شيء من عالم الملكوت، كالبرق الخاطف، وقد يثبت ويدوم، وقد لا يدوم، وهو الغالب، وما دام متيقظًا فهو مشغول بما تورده الحواس عليه من عالم الملك والشهادة، وهو حجاب عن عالم الملكوت، ومعنى النوم أنْ توكد الحواس عليه، فلا تورده على القلب، فإذا تخلص منه ومن الخيال وكان صافيًا في جوهره ارتفع الحجاب بينه وبين اللوح المحفوظ، فوقع في قلبه شيء مما في اللوح، كما تقع الصورة من مرآة في مرآة أخرى، إذا ارتفع الحجاب بينهما إلا أن النوم مانع سائر الحواس عن العمل، وليس مانعًا للخيال عن عمله، وعن تحركه، فما يقع في القلب يبتدرهُ الخيال، فيحاكيه بمثال يقاربه، وتكون المتخيلات أثبت في الحفظ من غيرها، فيبقى الخيال في الحفظ، فإذا انتبه لم يتذكر إلا الخيال، فيحتاج المعبر أن ينظر إلى هذا الخيال حكاية أي معنى من المعاني، فيرجع إلى المعاني بالمناسبة. إحياء علوم الدين (4/504- 505).

قوله: «فليفسرها ويُخبر بها»:
قال العزيزي -رحمه الله-:
«فليفسرها» أي: فليقصها وليظهرها، «وليخبر بها» حبيبًا أو عارفًا. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 119).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فليفسرها» يطلب تفسيرها إن لم يعلمه «وليخبر بها» سيأتي تقييد الإخبار بأنه يخبر مَن يحب، فإنه يأتي من حديث أبي قتادة: «ولا يخبر بها إلا مَن يحب». التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 54).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فليفسرها» أي: فليقصها ندبًا، «وليخبر بها» وادًّا أو عارفًا، كما يأتي في خبر، ولا يستلزم أحد المعطوفين الآخر، فقد يُراد بالثاني الإخبار على وجه الحكاية عما يسر، لا لطلب التفسير. فيض القدير (1/ 348).

قوله: «وإذا رأى الرؤيا القَبِيحَةَ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«وإذا رأى الرؤيا القبيحة» أي: التي يظن قبحها، وإلا فرب رؤيا يظن حسنها تكون قبيحة في التعبير والعكس، إلا أن الحديث خرج مخرج الغالب، وأنه لا يخفى ذلك على الرائي. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 54).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وإذا رأى الرؤيا القبيحة» ضد الحَسنة. فيض القدير (1/ 348).

قوله: «فلا يفسرها ولا يُخبر بها»:
قال العزيزي -رحمه الله-:
«فلا يفسرها ولا يخبر بها» بل يستعيذ بالله مِن شَرِّها وشرِّ الشيطان، ويتفل عن يساره ثلاثًا، ويتحول لجنبه الآخر. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 119).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فلا يفسرها ولا يخبر بها» إن قلتَ: قد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- رأى قبل وقعة أُحُد تلك الرؤيا، وفيها أنه رأى بقرًا يذبح وثلمة في سيفه، ثم أوّلها بذبح جماعة من أصحابه، وإصابة أحد قرابته، فكان كما قال، وأخبر بها أصحابه، فهذه رؤيا قبيحة، قد فسرها وأخبر بها.
قلتُ: رؤياه -صلى الله عليه وسلم- وحي، وليست من قبيل الأحلام البشرية بل هي نوع من الوحي وإخبار بما قضاه الله تعالى، والإخبار إخبار بما لا بد من وقوعه، والفائدة التي في طي الإخبار بالرؤيا المكروهة وعدم الإخبار بها إنما هو لدفع شرها، وهذه الفائدة لم تبقَ في رؤياه -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك إخباره أنه رأى رسول -صلى الله عليه وسلم- سوارين من ذهب فأهمه شأنهما، فنفخهما، أخبر بها وفسرها بالكذَّابَيْن: الأسود العنسي ومسيلمة من هذا القبيل، على أن رؤياه التي أخبر بها في قصة أُحُد اشتملت على بشرى هي أنه أدخل يده درعًا حصينة، وكذلك الرؤيا الأخرى اشتملت على البشرى على أنه نفخهما. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 54).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فلا يفسرها» أي: لا يقصها على أَحد؛ ليفسرها له، «ولا يخبر بها» أحدًا، فيكره ذلك، بل يستعيذ بالله من شرها، وشر الشيطان، ويتفل عن يساره ثلاثًا، ويتحول لجنبه الآخر، قيل: ويقرأ آية الكرسي...، وقد أكثر الناس من الكلام في حقيقة الرؤيا من الإسلاميين وغيرهم بما ينبو عن نطاق الحصر. فيض القدير (1/ 348).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
أي: لأنه ربما فسرها بما يحزنه في الحال أو في المآل. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (16/ 512).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
لأنه ربما فسرها وأخطأ في تفسيرها، والمنام كما وقع في الحديث لأول عابر، وهو على رجل طائر. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (10/ 469).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
فائدة: الرؤيا المكروهة هي التي تكون عن حديث النفس وشهواتها، وكذلك رؤيا التحزين والتهويل والتخويف يدخله الشيطان على الإنسان؛ ليهوش عليه في اليقظة.
وقد يُجمع هذان الشيئان، أعني: هموم النفس وتحزين الشيطان، وهذا النوع هو المأمور بالاستعاذة منه؛ لأنه من تخيلاته، فإذا فعل المأمور به صادقًا أذهب الله عنه ما أصابه من ذلك، وتحوُّلُه إلى الجانب الآخر؛ ليكمل استيقاظه، وينقطع عن ذلك المنام المكروه. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (19/ 216).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا