الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

«نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عن الكَيِّ، وكان ‌يَكره ‌شُرب ‌الحميم، وكان إذا اكتحل اكتحل وترًا، وإذا استجمر استجمر وترًا».


رواه أحمد برقم: (17426)، والطبراني في الكبير برقم: (932)، من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (4680).  


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الكي»:
إِحراقُ الجلد بحديدة ونحوها. لسان العرب، لابن منظور (15/ 235).

«الحميم»:
هو الماء الحار. النهاية، لابن الأثير (1/ 445).

«وترًا»:
‌الوتر: الفرد، وتكسر واوه، وتفتح. النهاية، لابن الأثير (5/ 147).

«استجمر»:
الِاسْتِجْمَار هُوَ: التمسح بالأحجار عِنْد الْحَاجة؛ مَأْخُوذ من الِجمار الَّتِي يتمسح بهَا، وَهِي الْحِجَارَة الصغار... وَقد قيل فِي قَوْله: «من ‌استجمر فليوتر» أَنه البخور؛ مَأْخُوذ من الْجَمْر الذي يُوقد ويتبخّر بالبخور بِهِ. مشارق الأنوار، للقاضي عياض(1/ 152).


شرح الحديث


قوله: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الكي»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«‌نهى ‌عن ‌الكي» نهي تنزيه؛ لخطره، فإن اعتقد أنه علة للشفاء لا سبب له حرم. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 468).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«‌نهى ‌عن ‌الكي» نهي تنزيه حيث أمكن الاستغناء عنه بغيره؛ لأنه يشبه التعذيب بعذاب الله الذي نهى عنه، ولما فيه من الألم الذي ربما زاد على ألم المرض، أما عند تعيينه طريقًا فلا يكره، فقد كوى النبي -صلى الله عليه وسلم- سعد بن معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن، وأُبي بن كعب المخصوص بأنه أقرأ الأمة. وأما قوله في وصف السبعين ألفًا: «لا يكتوون» محمول على ما إذا لم يضطر إليه، ومن اعتقد أن مثل سعد بن معاذ وأُبي بن كعب لا يصلح أن يكون منهم فقد أخطأ، كما ذكره القرطبي. فيض القدير (6/ 320).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
النهي عن الكي قد يحتمل وجوهًا: أحدها: أن يكون من أجل أنهم كانوا يعظِّمون أمره، ويقولون: آخر الدواء الكي، ويرون أنه يحسم الداء ويبرئه، وإذا لم يفعل ذلك عطب صاحبه وهلك، فنهاهم عن ذلك؛ إذا كان على هذا الوجه، وأباح لهم استعماله على معنى التوكل على الله سبحانه وطلب الشفاء، والترجي للبرء بما يحدث الله -عز وجل- من صنعه فيه، ويجلبه من الشفاء على أثره، فيكون الكي والدواء سببًا لا علة، وهذا أمر قد تكثر فيه شكوك الناس، وتخطئ فيه ظنونهم وأوهامهم، فما أكثر ما تسمعهم يقولون: لو أقام فلان بأرضه وبلده لم يهلك، ولو شرب الدواء لم يسقم، ونحو ذلك من تجريد إضافة الأمور إلى الأسباب وتعليق الحوادث بها دون تسليط القضاء عليها، وتغليب المقادير فيها، فتكون الأسباب أمارات لتلك الكوائن، لا موجبات لها، وقد بيَّن الله -جل جلاله- ذلك في كتابه حيث قال: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} النساء: 87، وقال تعالى حكاية عن الكفار: {وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} آل عمران: 15 الآية...
وفيه وجه آخر: وهو أن يكون معنى نهيه عن الكي هو أن يفعله احترازًا عن الداء قبل وقوع الضرورة ونزول البلية، وذلك مكروه، وإنما أبيح العلاج والتداوي عند وقوع الحاجة ودعاء الضرورة إليه، ألا ترى أنه إنما كوى سعدًا حين خاف عليه الهلاك من النزف...
فيشبه أن يكون النهي منصرفًا إلى النوع المخوف منه، والله أعلم. معالم السنن (4/ 217).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستأذن في الكي فقال: «لا تكتوِ». فقال: يا رسول الله، بلغ بي الجهد، ولا أجد بدًّا من أن أكتوي، قال: «ما شئتَ، أما إنه ليس من جرح إلا وهو آتي الله يوم القيامة يدمى، يشكو الألم الذي كان سببه، وأن جرح الكي يأتي يوم القيامة، يذكر أن سببه كان من كراهة لقاء الله. ثم أمره أن يكتوي». ففي هذا الحديث ‌نهى ‌رسول ‌الله -‌صلى ‌الله ‌عليه ‌وسلم- ‌عن ‌الكي، وإباحته إياه بعد ذلك، فاحتمل أن يكون ما في الآثار الأُوَل، كان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حال النهي المذكور في هذا الحديث، وما كان من الإباحة في الآثار الأُخَر، كان بعدما كانت منه الإباحة المذكورة في هذا الحديث، فتكون الإباحة ناسخة للنهي، وقد روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كوى سارقًا بعدما قطعه. شرح معاني الآثار (4/ 322).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
أما الكي فعلى خمسة أضرب:
أحدها: كيُّ الصحيح؛ لئلا يسقم، كما يفعل كثير من العجم.
والثاني: أن كثيرًا من العرب يعظِّمون أمر الكي على الإطلاق، ويقولون: إنه يحسم الداء، وإذا لم يفعل عطب صاحبه، فيكون النهي عن الكي على هذين الوجهين، وتكون الإباحة لمن طلب الشفاء، ورجا البرء من فضل الله -عز وجل- عند الكي، فيكون الكي سببًا لا علة.
والوجه الثالث: أن يكون نهي عن الكي في علة علم أنه لا ينجع فيها..
والوجه الرابع: كيُّ الجرح إذا نَغِلَ (أي: فسد) والعضو إذا قطع، فهذا دواء مأمور به كما يؤمر باتقاء الحر والبرد.
والوجه الخامس: استعمال الكي على وجه استعمال الدواء في أمر يجوز أن ينجح فيه، ويجوز ألا ينجح، كما تستعمل أكثر الأدوية، وربما لم يفد، فهذا يخرج المتوكل عن التوكل.
وعندنا أن ترك التداوي بالكي في مثل هذا الحال أفضل. كشف المشكل (1/ 481).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
قالت طائفة: النهي من باب ترك الأولى، ولهذا جاء في حديث السبعين الألف أنهم لا يكتوون ولا يسترقون، وفِعلُه يدل على إباحته، وهذا أقرب الأقوال. تهذيب سنن أبي داود (2/ 631).
وقال ابن قتيبة -رحمه الله-:
والكيُّ جنسان: أحدهما: كيُّ الصحيح لئلا يعتل، كما يفعل كثير من أمم العجم، فإنهم يكوون ولدانهم وشبانهم من غير علة بهم، يرون أن ذلك الكي يحفظ لهم الصحة، ويدفع عنهم الأسقام... وهذا هو الأمر الذي أبطله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال فيه: «لم يتوكل مَن اكتوى»؛ لأنه ظن أن اكتواءه، وإفزاعه الطبيعة بالنار -وهو صحيح- يدفع عنه قدر الله تعالى.
ولو توكل عليه، وعلم أن لا منجى من قضائه، لم يتعالج -وهو صحيح- ولم يكوِ موضعًا لا علة به، ليبرأ العليل.
الكي المباح:
وأما الجنس الآخر فكيُّ الجرح إذا نَغِل (أي: فسد)، وإذا سأل دمه فلم ينقطع.
وكيُّ العضو إذا قطع، أو حسمه، وكيُّ عروق مَن سقى بطنه وبدنه... وهذا هو الكي الذي قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن فيه الشفاء».
وكوى أسعد بن زرارة؛ لعلة كان يجدها في عنقه، وليس هذا بمنزلة الأمر الأول.
ولا يقال لمن يعالج عند نزول العلة به: لم يتوكل، فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتعالج، وقال: «لكل داء دواء»؛ لا على أن الدواء شافٍ لا محالة، وإنما يشرب على رجاء العافية من الله تعالى به، إذ كان قد جعل لكل شيء سببًا. تأويل مختلف الحديث (ص:462).
وقال الحليمي -رحمه الله-:
والدليل على صحته (أي: الاكتواء) أنّ سيد المتوكلين رسول رب العالمين يروى عنه أنه ‌اكتوى من الكَلْم الذي وقع بوجهه يوم أحد، وكوى سعد بن زرارة من الشوكة، وأمر أُبي بن كعب أن يكتوي من سهم أصابه يوم بدر، فدل ذلك على أنّ الاكتواءَ -الذي وصفه الله تعالى فلا يستشفى به مع التوكل على الله في أن موقعه موقع النفع، ويشفى به- أفضلُ من التوكل بلا اكتواء ولا غيره من صروف المعالجات. المنهاج في شعب الإيمان (2/ 9).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
النهي فيه محمول على الكراهة أو على خلاف الأولى؛ لما يقتضيه مجموع الأحاديث...
وحاصل الجمع (بين أحاديث جواز الكي ومنعه): أن الفعل يدل على الجواز، وعدم الفعل لا يدل على المنع بل يدل على أن تركه أرجح من فعله، وكذا الثناء على تاركه، وأما النهي عنه: فإما على سبيل الاختيار والتنزيه، وإما عما لا يتعين طريقًا إلى الشفاء، والله أعلم، من هذا في باب الشفاء في ثلاث.
ولم أرَ في أثر صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اكتوى، إلا أن القرطبي نسب إلى كتاب أدب النفوس للطبري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اكتوى...
قلتُ: والثابت في الصحيح في غزوة أُحُد أن فاطمة أحرقت حصيرًا، فحشت به جرحه، وليس هذا الكي المعهود، وجزم ابن التين بأنه اكتوى، وعكسه ابن القيم في الهدي. فتح الباري (10/155- 156).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
«نهي ‌عن ‌الكي» أي: من غير ضرورة داعية إليه، وبذلك تجمع الروايات، ويصح اكتواء الأصحاب -رضي الله عنهم-، وإلا فكيف يتصور عنهم مخالفة أمره -عليه السلام-. الكوكب الدري على جامع الترمذي (3/ 86).
وقال الشيخ موسى لاشين -رحمه الله-:
ومجمل القول في الكي: أنه جائز للحاجة، وأن الأولى تركه إذا لم يتعين علاجًا، وأنه إذا تعين رفع الحرج عمن يفعله بنفسه، وعمن يفعله بغيره، والله أعلم. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (2/ 64).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قد تبيّن أن الأَولى عدم الكيّ، لكن لو استعمله يجوز، فبهذا تجتمع الأحاديث في هذا الباب، والله تعالى أعلم. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (42/ 69).

قوله: «وكان يكره شُرب الحميم»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «وكان يكره شرب الحميم» أي: الماء الحار. حاشية السندي على مسند أحمد (4/206).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قيل: في الشرب يكرهه لا في الطهارة. وقيل: عام، والمراد إذا كان شديد الحرارة؛ لأنه يمنع من استيفاء الطهارة به. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 292).
وقال المناوي -رحمه الله-:
أي: الماء الحار، أي: استعماله في نحو شرب أو طهر، والمراد الشديد الحرارة لضرره، ومنعه الإسباغ. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 382).

قوله: «وكان إذا اكتحل اكتحل وترًا»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«كان إذا اكتحل اكتحل وترًا» ثلاثًا في كل عين، وقيل: ثنتين في واحدة، وواحدة في واحدة. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 241).
وقال العكبري -رحمه الله-:
«وترًا» فِي انتصابه وَجْهَان: أَحدهمَا: حَال أَي: موترًا، وَالثَّانِي: أَن يكون صفة لمصدر مَحْذُوف، أَي: اكتحالًا وترًا. إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث (ص:145).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
وفي لفظ: «مَن اكتحل فليوتر، مَن فعل ذلك فقد أحسنَ، ومَن لا فلا حرج» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
والإيتار أن يكتحل في كلِّ عين مرةً واحدةً، أو ثلاثًا، أو خمسًا، وقيل: هو أن يجعل في العينين ثلاثًا أو خمسًا: في اليمنى ثنتين، وفي اليسرى واحدة، أو في اليمنى ثلاثًا وفي اليسرى ثنتين؛ لما روى محمد بن سعد في الطبقات عن عمران بن أبي أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه «كان يكتحل في اليمنى ثلاثًا، وفي اليسرى ثنتين بالإثمد».
وعن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اكتحل يجعل في اليمنى ثلاثة مَراود، وفي اليسرى مِرْوَدَين».
والأول أصح؛ لما روى ابن عباس «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت له مُكحُلة، يكتحل منها كلَّ ليلة، ثلاثةً في هذه، وثلاثةً في هذه»، رواه أحمد وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن، وهذا أشهر وأثبت، وهو أشبه بالتسوية بين العينين في النفع والزينة. شرح عمدة الفقه (1/ 211).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وفي كيفية الإيتار بالاكتحال وجهان: أصحهما: في كل عين ثلاثة؛ لما رواه الترمذي وحسَّنه: «كان له مكحلة يكتحل منها كل عين ثلاثة أطراف» والثاني: يكتحل في عين وترًا وفي عين شفعًا ليكون المجموع وترًا؛ لما في الطبراني من حديث ابن عمر بسندٍ قال الولي العراقي: ضعيف: «أنه كان إذا اكتحل جعل في اليمنى ثلاثًا وفي اليسرى مرتين، فجعلهما وتره». وفي إيضاح التنبيه للأصبحي تفسير هذا الوجه قال: يكتحل في اليمنى أربعة أطراف وفي اليسرى ثلاثة، قال الولي العراقي: وهو تقييد غريب. فيض القدير (5/ 108).
وقال محب الدِّين الطبري -رحمه الله-:
وعن أنس -رضي الله عنه- «أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاثًا، وفي اليسرى اثنتين، بالإثمد».
وعن ابن سيرين أنه كان يقول: إذا اكتحلتَ في هذه العين ثلاثًا، وفي هذه العين ثلاثًا فهو شفع، وكان الحسن وقتادة يقولان: ثلاثًا ثلاثًا، أخرج ذلك كله البغوي في شرحه، وأخرج حديث أنس أبو نعيم، وقال: ثلاثة في هذه، وثنتين في هذه.
وعنه «أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكتحل وترًا»، زاد ابن وضاح: «اثنتين في كل عين، ويقسم بينهما واحدة»، وفي رواية: «وكان ابن سيرين يكتحل في كل عين مرتين، ويقسم بينهما واحدة»، أخرجهما أو نعيم. غاية الأحكام (1/486).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ووقع في بعض الأحاديث التي أشرت إليها كيفية الاكتحال، وحاصله: ثلاثًا في كل عين، فيكون الوتر في كل واحدة على حدة، أو اثنتين في كل عين، وواحدة بينهما، أو في اليمين ثلاثًا، وفي اليسرى ثنتين، فيكون الوتر بالنسبة لهما جميعًا، وأرجحها الأول، والله أعلم. فتح الباري (10/ 158).

قوله: «وإذا استجمر استجمر وترًا»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«وإذا استجمر» أي: تبخر بنحو عود «استجمر وترًا»، وإرادة الاستنجاء هنا بعيدة. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 241).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
ظاهر السياق أن المراد بالاستجمار التبخر بنحو عود، ويحتمل أن المراد الاستنجاء غير أن اقترانه بالاكتحال يبعده. فيض القدير (5/ 108).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وإذا استجمر استجمر وترًا» قد سلف ذلك مرارًا، والمراد اتخاذ أحجار ثلاث، فيمسح بكل واحدة، والمراد هنا المسحات. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 346).
وقال الهروي -رحمه الله-:
الاستجمار: هو التمسح بالجمار، وهي الأحجار الصغار، وبه سميت جمار مكة، وجمرتُ: رميتُ الجِمار. الغريبين في القرآن والحديث (1/ 362- 363).
وقال ابن القصار -رحمه الله-:
ويجوز أن نقول: إن ‌الاستجمار ها هنا لم يؤخذ من الجِمار بل أخذ من استعمال المجمرة؛ يكون الجمر فيها بالبخور لطيب الرائحة، فلمَّا كان الحجر يقلع العين التي منها الرائحة جاز أن نقول: قد استجمر، والله أعلم. عيون الأدلة في مسائل الخلاف (1/ 397).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقد اختلف قول مالك وغيره في معنى الاستجمار المذكور في الحديث، فقيل هذا، وقيل: هو في البخور أن يجعل منه ثلاث قطع، أو يأخذ منه ثلاث مرات، يستعمل واحدةً بعد أخرى، والأوَّل أظهر. إكمال المعلم (2/ 30).
وقال النووي -رحمه الله-:
أما الاستجمار فهو مسح محل البول والغائط بالجمار، وهي الأحجار الصغار، قال العلماء: يقال: الاستطابة والاستجمار والاستنجاء لتطهير محل البول والغائط؛ فأما الاستجمار فمختص بالمسح بالأحجار، وأما الاستطابة والاستنجاء فيكونان بالماء، ويكونان بالأحجار، هذا الذي ذكرناه من معنى الاستجمار هو الصحيح المشهور الذي قاله الجماهير من طوائف العلماء من اللغويين والمحدثين والفقهاء...، وقيل: المراد به في البخور أن يأخذ منه ثلاث قطع، أو يأخذ منه ثلاث مرات، يستعمل واحدة بعد أخرى...، والصحيح المعروف ما قدمناه (الأول)، والمراد بالإيتار أن يكون عدد المسحات ثلاثًا أو خمسًا أو فوق ذلك من الأوتار، ومذهبنا أن الإيتار فيما زاد على الثلاث مستحب، وحاصل المذهب أن الإنقاء واجب، واستيفاء ثلاث مسحات واجب، فإن حصل الإنقاء بثلاث فلا زيادة، وإن لم يحصل وجب الزيادة، ثم إن حصل بوتر فلا زيادة، وإن حصل بشفع كأربع أو ست استحب الإيتار، وقال بعض أصحابنا (الشافعية): يجب الإيتار مطلقًا لظاهر هذا الحديث، وحجة الجمهور الحديث الصحيح في السنن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن استجمر فليوتر، مَن فعل فقد أحسن ومَن لا فلا حرج». ويحملون حديث الباب «إذا استجمر أحدكم فليستجمر وترًا» على الثلاث وعلى الندب فيما زاد، والله أعلم. شرح مسلم (3/ 125- 126).
وقال العيني -رحمه الله-:
وقال ابن حبيب: وكان ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- يتأول الاستجمار هنا على إجمار الثياب بالمجمر، ونحن نستحب الوتر في الوجهين جميعًا، يقال في هذا: تجمر واستجمر، فيأخذ ثلاث قطع من الطيب أو يتطيب مرة واحدة، لما بعد الأولى، وحكي عن مالك أيضًا، والأظهر الأول، ويقال: إنما سمي به التمسح بالجمار التي هي الأحجار الصغار؛ ‌لأنه ‌يطيب ‌المحل كما يطيبه الاستجمار بالبخور، ومنه سميت جمار الحج؛ وهي: الحصيات التي يُرمي بها.عمدة القاري (3/ 15).


ابلاغ عن خطا