الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«عبادَ اللهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُم، أو لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بينَ وُجُوهِكُم».


رواه البخاري برقم: (717)، ومسلم برقم: (436)، من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«لَيُخَالِفَنَّ»:
مخالفة الوُجوه: يريد أنَّ كلَّا منهم يَصرف وجهه عن الآخر، ويوقِع بينهم التباغض؛ فإنَّ إقبال الوجه على الوجه مِن أَثَرِ المودة والألفة، وقيل: أراد بها تحويلها إلى الأدبار، وقيل: تغيير صورها إلى صور أخرى. النهاية، لابن الأثير (2/ 67).


شرح الحديث


قوله: «عباد الله»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«عباد الله» بحذف حرف النداء. شرح مصابيح السنة (2/102).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«عبادَ اللهِ» لم ينهه (أي الرجل الذي تقدم بصدره في الصف) بخصوصه؛ جريًا على عادته الكريمة، مبالغة في الستر. فتح الإله في شرح المشكاة (4/365).

قوله: «لَتُسَوُّنَّ صفوفكم»:
قال الفاكهاني -رحمه الله-:
(اللام) في «لَتُسَوُّنَّ صفوفكم» جواب قسم محذوف، والتقدير: والله لَتُسَوُّنَّ صفوفكم. رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (2/80).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«لتسَوُّنَّ» جوابُ قَسَمٍ مقدَّرٍ؛ فلذلك أُكِّد بالنون. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (4/54).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«لَتُسَوُّنَّ» أصله: لتُسَوُوْنَ، بضم الواو الأولى، وسكون الثانية، ونون الجمع، فلما دخلت عليه نون التوكيد الثقيلة حُذفت نون الجمع؛ لتوالي الأمثال، ثم واو الجمع لالتقاء الساكنين، وفي نسخة: «تُسوَوُن» بفتح الواو الأولى، وضم الثانية، فلما دخلت عليه نون التوكيد حُذفت نون الرفع لما مر. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (2/430).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
الجملة الأولى «لَتُسَوُّنَّ صفوفكم»: مؤكَّدة بثلاثة مؤكدات: بالقسم المقدر، واللام، ونون التوكيد. شرح رياض الصالحين (2/288).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
تسوية الصفوف: اعتدال القائمين بها على سَمْتٍ واحد، وقد تدل تسويتها أيضًا على سدِّ الفُرَج فيها؛ بناء على التسوية المعنوية، والاتفاق على أن تسويتها بالمعنى الأول والثاني أمر مطلوب، وإن كان الأظهر: أن المراد بالحديث الأول. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (1/217).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«لَتُسَوُّنَّ صفوفكم» في الصلاة باتصال بعضكم ببعض من غير تقدُّم ولا تأخُّر، وسُدُّوا الفُرَج. التنوير شرح الجامع الصغير (7/198-199).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
«صفوفكم» بمحاذاة المناكب والأكْعُب، وإن لم تتحاذ أطراف الأصابع. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (2/229).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قوله: «عباد الله لَتُسَوُّنَّ صفوفكم» هذا تفسير لشدة مراقبته -عليه الصلاة والسلام- لهم في التسوية في الصفوف، والمحافظة على ذلك، وتنبيه المأمومين عليه، والأمر المؤكد لهم بها؛ فإنه أكده بلام الأمر ونون التوكيد، والتهديد على تركها باختلاف القلوب والأبشار. الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (2/521).

قوله: «أو لَيُخَالِفَنَّ الله بين وجوهكم»:
قال العيني -رحمه الله-:
«أو» في الأصل موضوعة لأحد الشيئين أو الأشياء، وقد تَخْرُج إلى معنى: (بل)، و(إلى) معنى: (الواو)، وهي حرف عطف ذكر المتأخرون لها معاني كثيرة، وها هنا لأحد الأمرين؛ لأن الواقع أحد الأمرين: إما إقامة الصفوف وإما المخالفة.
والمعنى: لَيُخَالِفَنَّ الله إن لم تقيموا الصفوف؛ لأنه قابَل بين الإقامة وبينه، فيكون الواقع أحد الأمرين. عمدة القاري (5/253).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وهذه الجملة أيضًا مؤكَّدة بثلاثة مؤكدات: بالقسم، واللام، والنون. شرح رياض الصالحين (2/288).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «لَيُخَالِفَنَّ الله» بفتح اللام الأولى؛ لأنها لام التأكيد، وبكسر اللام الثانية وفتح الفاء، ولفظ: «الله»، مرفوع بالفاعلية. عمدة القاري (5/253).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«أو لَيُخَالِفَنَّ» تقسيم يتضمن أن أحد الأمرين لازم، ووَجْهُهُ: أن الجزاء من جنس العمل، وأن نقيض التسوية المخالفة بإخراج صدره عن الصف، فيؤدِّي إلى الضغائن واختلاف القلوب. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (4/55).
وقال صفي الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «أو لَيُخَالِفَنَّ الله بين وجوهكم» أي: أحد الأمرين واقع لا محالة، إما تسوية الصفوف وتعديلها منكم، وإما إلقاء المخالفة بين وجوهكم من الله تعالى؛ عقوبة منه على عدم تسويتكم الصفوف. منة المنعم في شرح صحيح مسلم (1/ 290).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
إنَّ مثل هذا التركيب متضمن للأمر توبيخًا وتهديدًا. الكاشف عن حقائق السنن (4/1140).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «أو لَيُخَالِفَنَّ الله بين وجوهكم» يحتمل: أنه يكون كقوله: «أن يُحَوِّلَ الله صورته صورة حمار»، فيُخَالف بصفتهم إلى غيرها من المسوخ، أو يخالف بوجهِ مَن لم يُقِم صفَّهُ، ويُغَيِّر صورته عن وجه من أقامه، أو يخالف باختلاف صورها بالمسخ والتغيير. إكمال المعلم (2/346).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«أو لَيُخَالِفَنَّ الله بين وجوهكم» المراد به وجوه القلوب، فإن اختلاف القلوب قد يفضي بهم إلى اختلاف الوجوه، وإعراض بعضهم عن بعض؛ إذ الظاهر عنوان الباطن، فمخالفة الظاهر وأَمْرُ الشرع قد يؤدي إلى كدورة وعداوة فيما بينهم. شرح مصابيح السنة (2/102).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يعني: أدب الظاهر علامة أدب الباطن، فإن لم تتفقوا في الظاهر ولم تطيعوا أمر الله وأمر رسوله يقع مِن شُؤم المخالفة اختلافٌ وكُدُورةٌ في قلوبكم، بحيث يسري اختلاف قلوبكم وكُدُورتها إلى ظاهركم، فيقع بينكم عداوة بحيث يعرض بعضكم عن بعض، فهذا هو المراد بأن يخالف الله الوجوه.
ويحتمل أن يريد به: تقبيح الله وجوههم بشؤم مخالفة الرسول -عليه السلام-، كمن قال فيمن رفع رأسه قَبْلَ الإمام: «أما يخشى أن يُحَوِّلَ الله رأسه رأس حمار؟». المفاتيح في شرح المصابيح (2/223).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
«أو لَيُخَالِفَنَّ الله بين وجوهكم» أي: تفترقون، فيأخذ كل واحد وجهًا غير الذي أخذ صاحبه؛ لأن تَقَدُّم الشخص على غيره مَظِنَّة الكِبر المفسد للقلوب. مصابيح الجامع (2/336).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ويحتمل: أن يراد بالمخالفة في الجزاء، فيجازي المسوِّي بخير، ومن لا يسوي بشر. فتح الباري (2/ 207).
وقال ابن العربي رحمه الله:
«أو لَيُخَالِفَنَّ الله بين وجوهكم» يعني: بين مقاصدكم؛ فإن استواء القلوب يستدعي استواء الجوارح واعتدالها، فإذا اختلفت الصفوف دل على اختلاف القلوب، فلا تزال الصفوف تضطرب وتهمل حتى يبتلي الله باختلاف المقاصد، وقد فعل، ونسأل الله حسن الخاتمة. عارضة الأحوذي (2/25).
وقال النووي -رحمه الله-:
والأظهر -والله أعلم- أن معناه: يوقِع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب، كما يقال: تغيَّر وجه فلان عليَّ، أي: ظهر لي من وجهه كراهة لي، وتغيَّر قلبه عليَّ؛ لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن. شرح مسلم (4/157).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
يظهر لي في قوله: «أو لَيُخَالِفَنَّ الله بين وجوهكم» أنه راجع إلى اختلاف القلوب، وتغيُّر بعضهم على بعض؛ فإنَّ تقدُّم إنسان على الشخص، أو على الجماعة وتخليفه إياهم من غير أن يكون مقامًا للإمامة بهم قد يُوْغِر صدورهم، وهو موجب لاختلاف قلوبهم، فعبر عنه بمخالفة وجوههم؛ لأن المختلفين في التباعد والتقارب يأخذ كل واحد منهما غير وجه الآخر. إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام (1/218).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
الظاهر من قوله: «أو لَيُخَالِفَنَّ الله بين وجوهكم» أنه الوعيد المذكور في قوله تعالى: {أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} النساء: 47. كشف المشكل (2/213).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
لا داعي لدعوى المجاز، فالحق حَمْلُهُ على ظاهره، من تحويل خَلْق وجهه إلى خَلْقٍ آخر، ولا ينافيه ما في أبي داود (ولفظه: «أو ليخالفَنّ اللَّه بين قلوبكم»)؛ إذ يمكن الجمع بين العقوبتين، أو بعقوبة بعضهم بهذا، وبعضهم بهذا. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (10/263).
وقال ولي الله الدهلوي -رحمه الله-:
والنُّكتة في خصوص مخالفة الوجوه: أنهم أساؤوا الأدب في إسلام الوجه لله، فجُوْزُوا في العضو الذي أساؤوا به...، أو اختلفوا صورة بالتقدم والتأخر. حجة الله البالغة (2/ 43).
وقال ابن حمزة الحسيني -رحمه الله-:
سببه (يعني: سبب الحديث) عنه (يعني: عن النعمان) قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسوِّي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القِدَاح حتى رأى أنَّا قد عَقَلْنَا عنه، ثم خرج يومًا فقام حتى كاد يكبِّر، فرأى رجلًا باديًا صدُره من الصف» فذكره. البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف (2/96).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
والوعيد في الحديث على عدم التسوية للتغليظ لا للتحريم، فهو نظير الوعيد فيمن رفع رأسه قبل الإمام «أن يجعل الله رأسه رأس حمار». منحة الباري بشرح صحيح البخاري (2/430).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
تسوية الصف إذا كان من إقامة الصلاة فهو فرض؛ لأن إقامة الصلاة فرض؛ وما كان من الفرض فهو فرض. المحلى بالآثار (2/ 375).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ويحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله: «سَوُّوا صفوفكم»، ومن عموم قوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، ومِن وُرُود الوعيد على تركه، فرَجَحَ عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب، وإن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن، ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة مَن خالَف ولم يسوِّ صحيحة لاختلاف الجهتين، ويؤيد ذلك أن أنسًا مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة. فتح الباري (2/ 210).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
وقد اختلف العلماء في حكم تسوية الصفوف على قولين:
الأول: أنها سنة مؤكدة تُقارِب الواجب، وهذا قول الجمهور من السلف والخَلَف، واستدلوا بما تقدم من قوله: «فإن تسوية الصف من تمام الصلاة» أي: كمالها، وفوات الكمال لا يستلزم البطلان.
القول الثاني: أن تسوية الصفوف واجبة، وهو قول ابن حزم الظاهري، وظاهر كلام ابن تيمية، وهو اختيار الصنعاني.
واستدلوا بما تقدم من قوله: «فإن تسوية الصف من إقامة الصلاة»...
والقول بالوجوب هو الذي فهمه الحافظ ابن حجر من تبويب البخاري: "باب إثم من لا يتم الصفوف"، حيث قال: يحتمل أن يكون أَخَذَ الوجوب من صيغة الأمر في قوله: «سَوُّوا صفوفكم»، ومن عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، ومن ورود الوعيد على تركه....
ثم إن الوعيد في حديث النعمان المتقدم يدل على الوجوب؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- توعّد على ترك التسوية بأن يُخَالِف الله بين قلوبهم، فتختلف وجهات نظرهم، ويحصل التفرق والاختلاف؛ لأن الجزاء من جنس العمل، ومعلوم أن مثل هذا الوعيد لا يكون إلا على ترك واجب. منحة العلام شرح بلوغ المرام (323).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وظاهر هذا الوعيد: يدل على تحريم ما توعد عليه. فتح الباري (6/267).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقوع الوعيد من جنس الجناية وهي المخالفة، وعلى هذا فهو واجب، والتفريط فيه حرام. فتح الباري (2/ 207).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وهذه العقوبة تدل على وجوب التسوية؛ لأنه لا عقوبة على ترك مندوب أو مسنون. التنوير شرح الجامع الصغير (7/199).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
في هذا: دليل على وجوب تسوية الصفوف، وأنه يجب على المأمومين أن تُسوَّى صفوفهم، وأنهم إن لم يفعلوا ذلك فقد عرضوا أنفسهم لعقوبة الله -والعياذ بالله-.
وهذا القول -أعني: وجوب تسوية الصف- هو الصحيح، والواجب على الأئمة أن ينظروا في الصف، فإذا وجدوا فيه اعوجاجًا أو تَقُدَّمًا أو تأخُّرًا، نبَّهوا على ذلك، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم أحيانًا- يمشي على الصفوف يسويها بيده الكريمة -عليه الصلاة والسلام-، من أول الصف لآخره، ولما كَثُرَ الناس في زمن الخلفاء أمر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رجلًا يسوِّي الصفوف إذا أقيمت الصلاة، فإذا جاء وقال: إنها قد سُوِّيَت كبَّر للصلاة، وكذلك فعل عثمان -رضي الله عنه-، وكَّلَ رجلًا يسوِّي صفوف الناس، فإذا جاء وقال: قد استوت كبَّر، وهذا يدل على اعتناء النبي -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين بتسوية الصف.
ولكن مع الأسف الآن نجد أن المأمومين لا يبالون بالتسوية، يتقدم إنسان ويتأخر إنسان ولا يبالي، وربما يكون مستويًا مع أخيه في أول الركعة، ثم عند السجود يحصل من الاندفاع تقدُّمٌ أو تأخُّرٌ، ولا يساوون الصف في الركعة الثانية، بل يبقون على ما هو عليه، وهذا خطأٌ، فالمهم أنه يجب تسوية الصف. شرح رياض الصالحين (2/289).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-:
ومن المؤسف أن هذه السُّنة من التسوية قد تهاوَن بها المسلمون بل أضاعوها إلا القليل منهم، فإني لم أرها عند طائفة منهم إلا أهل الحديث، فإني رأيتهم في مكة سنة (1368هـ) حريصين على التمسك بها كغيرها من سنن المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، بخلاف غيرهم من أتباع المذاهب الأربعة -لا أستثني منهم حتى الحنابلة- فقد صارت هذه السنة عندهم نَسْيًا مَنْسِيَّا، بل إنهم تتابعوا على هجرها والإعراض عنها؛ ذلك لأن أكثر مذاهبهم نصَّت على أن السنة في القيام التفريج بين القدمين بقدر أربع أصابع، فإن زاد كُرِهَ، كما جاء مفصلًا في الفقه على المذاهب الأربعة (1/ 207)، والتقدير المذكور لا أصل له في السُّنة، وإنما هو مجرد رأي، ولو صح لوجب تقييده بالإمام والمنفرد؛ حتى لا يُعَارَض به هذه السنة الصحيحة، كما تقتضيه القواعد الأصولية.
وخلاصة القول: إنني أهيب بالمسلمين -وبخاصة أئمة المساجد- الحريصين على اتباعه -صلى الله عليه وسلم-، واكتساب فضيلة إحياء سنته -صلى الله عليه وسلم- أن يعملوا بهذه السنَّة، ويحرصوا عليها، ويدعوا الناس إليها، حتى يجتمعوا عليها جميعًا؛ وبذلك ينجون من تهديد: «أو لَيُخَالِفَنَّ الله بين قلوبكم». سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/73).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
فيه جواز الحلف من غير تحليف. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (4/55).
وقال الفاكهاني -رحمه الله-:
فيه: جواز كلام الإمام بعد الإقامة وقبل الإحرام، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور؛ لحاجة تنزل مِن أَمْرِ الصلاة وغيرها بعد تمام الإقامة، خلافًا لأبي حنيفة في أنه يجب عليه تكبيرة الإحرام إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، وقد اختلف العلماء في جواز الكلام حينئذٍ وكراهته، وقال اللخمي من أصحابنا (المالكية): إن طال ذلك أعادها -يعني: الإقامة-. رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (2/82-83).
وقال فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
وفيه: مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم، وتحذيرهم من المخالفة. تطريز رياض الصالحين (631).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وهذه الأحاديث والوعيد الذي فيها دالة على وجوب ذلك، وهو مما تساهل فيه الناس كما تساهلوا فيما يفيده حديث أنس عنه -صلى الله عليه وسلم-: «أتموا الصف المقدَّم ثم الذي يليه، فما كان مِن نَقْصٍ فليكن في الصف المؤخَّر» أخرجه أبو داود، فإنك ترى الناس في المسجد يقومون للجماعة وهم لا يملؤون الصف الأول لو قاموا فيه، فإذا أقيمت الصلاة يتفرقون صفوفًا على اثنين وعلى ثلاثة ونحوه. سبل السلام (1/374).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
فيه: أنه ينبغي للإِمام والراعي أَمْر أتباعه بالخير، ومراقبته لهم في ذلك ظاهرًا وباطنًا، والشفقة عليهم في الدنيا والآخرة، ولا يُهْمِلُ واحدًا منهم، ولا يخصه بالمخاطبة، بل يعم جميعهم بالخطاب وإن وقعت من أحد منهم.
فيه: التحذير من المخالفة في الظاهر والباطن، والحث على الموافقة في الظاهر والباطن.
فيه: التهديد على المخالفة والتوكيد للتحذير. الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (2/522).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
وفيه: دليل على أن تسوية الصفوف من وظيفة الإمام، وبه صرح علماؤنا كغيرهم. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (2/232).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفيه: أن التَّهاجُر من العقوبات؛ لما فيه من تأليم القلوب، وسلب بركة الاتحاد والاتصال. التنوير شرح الجامع الصغير (7/199).
وقال حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
(فيه) التحذير من الصلاة في الصف الأعوج، والوعيد الشديد على ذلك بالمسخ وتشويه الوجه، وهذا يؤيد الظاهرية فيما ذهبوا إليه. منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (2/150-151).
وقال الشيخ البسام -رحمه الله-:
(وفيه) غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- على اختلاف الصف، فيقتضي الحذر من ذلك. تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (129).
وقال الشيخ إسماعيل الأنصاري -رحمه الله-:
يستفاد منه... التحذير من كل ما يُوقِع التباغض والتنافر. الإلمام بشرح عمدة الأحكام (1/ 107).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وقال المهلب: توعد من لم يُقِمِ الصفوف بعذاب من جنس الذنب وهو المخالفة بين وجوههم، لاختلافهم في مقامهم، كما أنَّ مَن قَتَلَ نفسه بحديدة عُذِّب بها، والمرأة التي قَتَلَت الهرَّة جوعًا عُذِّبت بها. شرح صحيح البخاري (2/344-345).
وقال العراقي -رحمه الله-:
فيه: الأمر بإقامة الصفوف في الصلاة، والمراد بالصف الجنس، ويدخل في إقامة الصف استواء القائمين على سَمْتٍ واحد، والتصاق بعضهم لبعض؛ بحيث لا يكون بينهم خلل، وتتميم الصفوف المقدمة أولًا فأولًا. طرح التثريب (2/ 324).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وفيه: استحباب تسوية الإمام الصفوف قبل الدخول في الصلاة، ويأمرهم به، ملتفتًا يمينه ويساره. شرح سنن أبي داود (4/147).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وفي هذا: دليل على أن الإمام يُسْتَحَب له أن يُقْبِلَ على المأمومين بعد إقامة الصلاة، ويأمرهم بتسوية صفوفهم. فتح الباري (6/270).
وقال العيني -رحمه الله-:
وبهذا الحديث قالت العلماء: إن إقامة الصف من حسن الصلاة، وينبغي للإمام أن يتعهد تسوية الصفوف، فقد كان لعمر وعثمان رجال وكَّلَاهُم بتسوية الصفوف. شرح سنن أبي داود (3/212).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
هذه الأحاديث فيها دلالة واضحة على اهتمام تسوية الصفوف، وأنها من إتمام الصلاة، وعلى أنه لا يتأخر بعض على بعض، ولا يتقدم بعضه على بعض، وعلى أنه يُلْزِق منكبه بمنكب صاحبه، وقَدَمَهُ بقدمِه، وركبته بركبته، لكن اليوم تُرِكَت هذه السُّنة، ولو فُعلت اليوم لنفر الناس كالحُمُر الوحشية. عون المعبود شرح سنن أبي داود (2/256).
وقال العراقي -رحمه الله-:
ذكر العلماء في معنى إقامة الصف أمورًا:
أحدها: حصول الاستقامة والاعتدال ظاهر كما هو المطلوب باطنًا.
ثانيها: لئلا يتخللهم الشيطان فيفسد صلاتهم بالوسوسة كما جاء في ذلك الحديث.
ثالثها: ما في ذلك من حسن الهيئة.
رابعها: أن في ذلك تمكُّنهم من صلاتهم مع كثرة جمْعِهم فإذا تراصوا وَسِعَ جَمِيْعَهُم المسجد، وإذا لم يفعلوا ذلك ضاق عنهم.
خامسها: أن لا يشغل بعضهم بعضًا بالنظر إلى ما يشغله منه إذا كانوا مختلفين، وإذا اصطفُّوا غابت وجوه بعضهم عن بعض، وكثير من حركاتهم، وإنما يلي بعضهم من بعض ظهورهم. طرح التثريب (2/ 326).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا