الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

عن أبي هريرة قال: لَقِيَتْهُ امرأة وَجَدَ منها ‌رِيحَ ‌الطِّيبِ ‌يَنْفَحُ، ولِذَيْلِهَا إِعْصَارٌ، فقال: يا أَمَةَ الجبارِ، جِئْتِ من المسجدِ؟ قالت: نعم، قال: وله تَطَيَّبْتِ؟ قالت: نعم، قال: إني سمعتُ حِبِّي أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا تُقبل صلاة لامرأة تَطَيَّبَتْ لهذا المسجدِ حتى تَرْجِعَ، فتغتسل ‌غُسْلَهَا مِن الجنابة» قال أبو داود: الإِعْصَارُ: غُبَارٌ.


رواه أحمد برقم: (7356) وأبو داود برقم: (4174) واللفظ له، وابن ماجه برقم: (4002) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (7385)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1031).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«ينفخ»:
نَفَحَ الطيبُ: نَفَحَ ‌ينفَح نَفْحًا ونَفَحَانًا: إذا شممت رائحته. جمهرة اللغة، لابن دريد (1/ 556).
قال الجوهري -رحمه الله-:
ونفح الطيب ‌ينفح، أي: فاحَ. الصحاح (1/ 412).

«ولذيلها»:
ذَيل المرأة: كل ثوب تلبسه إذا جرته على الأرض من خلفها. العين، للفراهيدي (8/ 197).
الذيل: واحد أذيال القميص... وذالت المرأة تذيل، أي: جرت ذيلها على الأرض، وتبخترت. الصحاح، للجوهري (4/ 1702).

«إِعْصَارٌ»:
الإعصار والعصرة: الغبار الصاعد إلى السماء مستطيلًا، وهي الزوبعة، قيل: وتكون العصرة من فوح الطيب، فشبهه بما تثير الريح من الأعاصير. النهاية، لابن الأثير (3/ 247).

«‌الجَنَابَةِ»:
أصل الجنابة في اللغة: البُعْد، وتطلق على الذي وجب عليه غسل بجماع أو خروج مني؛ لأنه يجتنب الصلاة والقراءة والمسجد، ويتباعد عنها. شرح النووي على مسلم (4/ 5).
«والجنابة» الاسم، وهي في الأصل: البعد، والجنب يبعد عن مواضع الصلاة. مجمع بحار الأنوار، للفتني (1/ 396).


شرح الحديث


قوله: «لقيته امرأة وجد منها ريح الطيب ينفح»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«لقيته امرأة» فـ«وجد منها ريح الطيب» ظاهرًا، وفي بعض النسخ زيادة «ينفح» أي: يظهر. شرح سنن أبي داود(16/ 508).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «امرأة» ولم أرَ من ذكر اسمها. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (24/ 121).
قوله: «ولذيلها إعصار» قال أبو داود: «الإعصار: غُبار»:
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
«إعصار» شبَّه ما كانت تثيره أذيالها من التراب بالإعصار، وهي الزوبعة. جامع الأصول (4/ 772).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
«ولذيلها عصرة» أَي: غُبَار أثاره سحب الذيل، وَتَكون العصرة من فوح الطّيب؛ شُبِّه بِمَا يثير الرّيح من الأعاصير. غريب الحديث (2/ 100).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«ولِذيلها إعصار»... أي: غبار يرفعه الريح من الأرض...، وفي رواية: «عَصَرة» يعني: بمهملات، أي: رائحة تفوح وترتفع من ذيلها، كما يرتفع الغبار الذي يثيره الريح، ويرفعه صاعدًا إلى السماء مستطيلًا، فشبَّه ريح ذيلها في ارتفاعه بارتفاع الزوبعة. شرح سنن أبي داود (16/ 509).
وقال السندي -رحمه الله-:
«ولذيلها إعصار» بكسر الهمزة غبار ترفعه الريح، فيصعد إلى السماء مستطيلًا، شبَّه ما يثيره الذيل من فوح الطيب بما يثيره الريح من الغبار، وقيل: شبَّه ما كان يثيره أذيالها من التراب بالإعصار. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (4/ 167).
قوله: «فقال: يا أَمَة الجبار، جئت من المسجد؟ قالت: نعم، قال: وله تطيبتِ؟ قالت: نعم»:
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
«يا أمة الجبار» إنما أضاف الأمة ها هنا إلى الجبار، دون باقي أسماء الله تعالى؛ لأن الحال التي كانت عليها المرأة من الفخر والكبرياء بالطيب الذي تطيبت به، وجر أذيالها، والعُجب بنفسها، اقتضى أن يضيف اسمها إلى اسم الجبار؛ تصغيرًا لشأنها، وتحقيرًا لها عند نفسها، وهذا من أحسن التعريض، وأشبهه بمواقع الخطاب. جامع الأصول (4/ 772).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «تطيبتِ لهذا المسجد» وليس المراد من هذه الإشارة: تخصيص ذلك بالمسجد، بل معناه: أيما امرأة تطيبت وخرجت إلى المسجد لا يقبل كمال صلاتها. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 220).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فقال: يا أمة الجبار» ولم يقل: أمة اللَّه؛ إشارة إلى تذكيرها بجبروت اللَّه تعالى وعظمته، وقدرته على العقوبة والانتقام منها؛ لترتدع وتحذر سطوته وشدة بطشه.
«جئت» الآن «من المسجد؟ قالت: نعم، قال: وله» أي: وللخروج إليه «تطيبتِ» بهذِه الرائحة العَبِقَة؟ «قالت: نعم» ولفظ ابن ماجه: «‌قال: أين تريدين؟ قالت: المسجد». شرح سنن أبي داود (16/ 509).
وقال السندي -رحمه الله-:
«يا أمة الجبار» ناداها بهذا الاسم «وله؟» أي: للمسجد. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (4/ 167).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«‌يا أمة الجبار‌» ناداها بهذا الاسم؛ تخويفًا لها وإنذارًا. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (24/ 121).

قوله: «قال: إني سمعتُ حبي أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«قال: إني سمعتُ حِبي» بكسر الحاء، أي: حبيبي «أبا القاسم» رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. شرح سنن أبي داود (16/ 509).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -رحمه الله-:
قوله: «حبي رسول الله» يعني: محبوبي؛ لأنَّ الحُب بمعنى المحبوب، ولهذا يقال لـ أُسامة بن زيد: حِبّه وابن حِبِّه، يعني: محبوبه وابن محبوبه.شرح سنن أبي داود (ص: 469).

قوله: «لا تُقبل صلاة لامرأة تَطَيَّبَتْ لهذا المسجدِ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «لا تقبل صلاة» امرأة، من الصلوات في المسجد ولا سُنة ولا غيرهما «لامرأة تطيبت» بطيب الرجال الذي تظهر رائحته «لهذا المسجد» ولا لغيره من بيوت اللَّه تعالى، وما في معناها من مُصلى العيد ونحوه. شرح سنن أبي داود (16/ 509).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«لا تقبل لامرأة صلاة» قبولًا كاملًا «تطيبت لهذا المسجد» إشارة إلى جنس المساجد لا إلى مسجد مخصوص. شرح المصابيح (2/ 97- 98).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
والطيب على النساء إذا لم يخرجن غير ممنوع. إكمال المعلم (7/ 193).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
هذا تشديد ومبالغة في المنع عن ذهابهن إلى المسجد متطيبات؛ فإنه يهيج الرغبات، ويفتن الناس. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 334).

قوله: «حتى ترجع فتغتسل غُسلها من الجنابة»:
قال البيضاوي -رحمه الله-:
وقوله: «فتغتسل غسلها من الجنابة» أي: مثل غسلها، والمراد: أن تغسل جميع بدنها؛ ليزول عنها ما عَبِقَ من الطيب، والله أعلم. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 334).
وقال المظهري -رحمه الله-:
ولا يحصل لها فضيلة تلك الصلاة حتى ترجع فتغتسل غسلًا كغسل الجنابة، هذا إذا كان طيبها شيئًا أصاب جميع بدنها، فتغسل حتى يزول الطيب من بدنها.
وإن كان الطيب في موضع مغسول تغسل ذلك الموضع فقط، وإن لم يكن في بدنها بل في ثيابها تبدل تلك الثياب المطيبة بثياب غير مطيبة. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 220).
وقال الطيبي -رحمه الله- بعد نقل كلام المظهري:
وأقول: شبَّه خروجها من بيتها متطيبة مهيجة لشهوات الرجال وفتح باب عيونهم التي هي بمنزلة رائد الزنا، وحكم عليها بما يحل على الزاني من الاغتسال من الجنابة؛ مبالغة وتشديدًا عليها...، وتقييده تطيبها بالمسجد مبالغة أيضًا، أي: إذا كان حكم المسجد هذا فما بال تطيبها لغيره؟ الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1131).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«حتى ترجع» إلى بيتها «فتغتسل ‌غسلها ‌من ‌الجنابة» كمن أصاب جسمه شيء من النجاسة ولم يعلم موضعها، فإنه يغسل جميع جسمه كما يغسله، غير أن غسل الجنابة يفتقر إلى نيتها، وهذا الغسل لا يفتقر إلى نية، وإن كانت النية أفضل، وتستغفر اللَّه تعالى وتتوب إليه من ذلك.
وفيه: أن من فعل بيده محرمًا أو مكروهًا من بناء أو زرع شجرة تضر بالمسلمين أنه لا تصح توبته، ولا تقبل صلاته حتى يهدم ذلك البناء، ويقطع تلك الشجرة، ويبطل فعله الذي كان فعله. شرح سنن أبي داود (16/ 509- 510).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«من الجنابة» ليزول عنها ذلك، هذا إذا طيبت جميع بدنها، وإن طيبت ثيابها تبدلها أو تزيل الطيب عنها، وهذا مبالغة في الزجر؛ لأن ذلك يهيج الرغبات، ويفتح باب الفتن. شرح المصابيح (2/ 97- 98).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قلتُ: ظاهر الحديث يدلُّ على الاغتسال في كلتا الصورتين، والله أعلم. عون المعبود وحاشية ابن القيم (11/ 154).
وقال الملا على القاري -رحمه الله- بعد نقل كلام ابن الملك:
وهذا إذا أرادت الخروج وإلا فلا. مرقاة المفاتيح (3/ 837).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وقيل: في التعبير بغسل الجنابة إيماء بأن استعمال الطيب خصوصًا إذا كان لدخول المسجد؛ لما كان للشهوة كان في حكم الجماع؛ ولهذا فسره في الخبر الآتي بالزنا. لمعات التنقيح (3/ 205).
وقال السندي -رحمه الله-:
«حتى ترجع فتغتسل» أي: حتى تبالغ في إزالة ذلك الطيب، ولعل ذلك إذا كان على البدن، وقيل: أمرها بذلك تشديدًا عليها وتشنيعًا لفعلها، وتشبيهًا له بالزنا؛ وذلك لأنها هيجت بالتعطر شهوات الرجال، وفتحت باب عيونهم التي بمنزلة بريد الزنا، فحكم عليها بما يحكم على الزاني من الاغتسال من الجنابة، والله تعالى أعلم. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (4/ 167).
وقال المنذري -رحمه الله-:
وإنما أُمرت بالغسل لذهاب رائحتها، والله أعلم. الترغيب والترهيب (3/ 60).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
واحتج به (بهذا الحديث) ابن خزيمة إن صح، وقد علمت أنه صح على إيجاب الغسل عليها، ونفي قبول صلاتها إن صلت قبل أن تغتسل، وليس المراد خصوص الغسل، بل إذهاب رائحتها (حيث ترجم: باب إيجاب الغسل على المتطيبة للخروج إلى المسجد ونفي قبول صلاتها إن صلت قبل أن تغتسل). الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 72).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«من ‌الجنابة» بأن تبالغ في الغسل من الطيب كما تبالغ في غسل الجنابة؛ حتى يزول عنها الطيب بالكلية، ثم تخرج إن شاءت. مرعاة المفاتيح (3/ 507).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
وكتب مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه -رحمه الله- (الكنكوهي): قوله: «‌فتغتسل غسلها من الجنابة» وهو وإن لم يفدها في تلك الخرجة، لكنه سيفيدها فيما بعدها من زوال الطيب، مع أنَّ لها فيه جزاء على ما صنعته، ومصادرة مالية حيث ذهب منها هذا القدر من الطيب، انتهى. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (12/ 204).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -رحمه الله-:
والحديث يدلُّ على ما دلّ عليه الحديث: (إذا استعطرت المرأة فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا. قال قولاً شديداً) من عدم جواز تعطر المرأة للخروج وسواء كان للمسجد أو لغير المسجد، وذلك لما فيه من الفتنة للرجال في الطريق، وكون ذلك وسيلة إِلى إِقدام بعض السُّفهاء على التّعرض لها، وتكون متسببة لذلك.
والحديث في إسناده ضعف؛ لأن فيه مَن هو مُتكلم فيه، ولو صح؛ فإنه يحمل على أنّ ذلك عقوبة لها، بمعنى: أَنها لا تثاب على تلك الصلاة التي صلتها، وأنها تحرم أَجرها وثوابها، وهي إِنما جاءت مِن أَجل أن تحصل الثواب فحصلت الإثم، وفات عليها تحصيل الأجر على تلك الصلاة التي صلتها.
وقد ذكرنا أَنه لا يلزم مِن كون الصلاة لا تُقبل أنّ الذي وصف بأن صلاته لا تقبل يعيدها، فهو قد أدّى الصلاة، وإنما هذا فيه بيان أنّ هذا فيه حرمانه من الثواب بسبب هذا الذّنب الذي ارتكبه واقترفه.شرح سنن أبي داود(ص: 469.

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)


ابلاغ عن خطا