«أضلَّ الله عن الجمعة مَن كان قبلنا، فكانَ لليهودِ يومُ السَّبتِ، وكان للنَّصارى يومُ الأحدِ، فجاءَ الله بنا فهدانا اللهُ ليومِ الجمعة، فجعلَ الجمعة والسَّبتَ والأحدَ، وكذلك هم تَبَعٌ لنا يومَ القيامةِ، نحن الآخِرون مِن أهلِ الدُّنيا، والأوَّلونَ يومَ القيامةِ، المقضيُّ لهم قبلَ الخلائقِ».
وفي روايةِ واصلٍ: «المقضيُّ بينهم».
رواه مسلم برقم: (856)، من حديث حذيفة -رضي الله عنه-.
ورواه بنحوه البخاري برقم: (896)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«أضلَّ»:
الضَّلالة والضَّلاَلُ: ضِد الرشاد...، وأضَلَّهُ: أضاعه وأهلكه. مختار الصحاح، للرازي (ص: 403).
وقال ابن السكيت-رحمه الله-:
ويُقال: أَضْلَلتُ فَرَسِي وبَعِيري: إذا ذَهَبَ منك، وقد ضلَلِتُ المسجد والدار: إذا لم تَعرف موضعهما. إصلاح المنطق(ص: 86).
«المقضيُّ لهم»:
أي: تُقْضَى حوائج أُمَّتي مِن الحساب والجواز على الصراط ودخول الجنة قبل قضاء حوائج الخلائق. شرح المصابيح، لابن الملك (6/ 185).
شرح الحديث
قوله: «أضلَّ اللهُ عن الجُمُعةِ مَن كان قبلنا»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«أَضَلَّ الله» -عز وجل-؛ أي: حَكَم اللهُ تعالى بالضلال والخطأ، «عن» مُوافَقَةِ تعظيم يوم «الجمعة مَن كان قبلنا» مِن أهل الكتابين. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (7/ 41-42).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«أَضَلَّ الله» -عز وجل-، أي: خَلَقَ فيهم الضلال، وهو ضد الهداية. وفيه نسبة الإضلال إلى الله تعالى، فالهداية والضلال من الله -سبحانه وتعالى-، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، كما نطق به الكتاب في غير ما آية: {يُضِلُّ مَن يَشَاءُ ويَهْدِي مَن يَشَاءُ} النحل: 93...
«عن الجمعة» أي: عن تعظيمها وعبادة الله تعالى فيها، «مَن كان قبلنا» المراد به: اليهود والنصارى. البحر المحيط الثجاج (17/ 183).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «أَضَلَّ الله عن الجمعة» أي: بأنْ خيَّرهم بينها وبين يوم آخر، ثم وفَّقهم لاختيارها، فاختاروا يومًا آخر مقامها. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 335).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
إنَّما وقع إضلال القوم بمخالفة نبيهم، قال ابن عباس: قال موسى لقومه: تفرَّغوا لله -عز وجل- في كل سبعة أيام يومًا، فاعبدوه يوم الجمعة، فقالوا: لا، إلا يوم السبت، وقيل: كان سبب اختيارهم السبت أنهم زعموا أنَّ الله تعالى فرغ يوم السبت من الخَلْق، فقالوا: فنحن نستريح فيه مِن عَمَل الدنيا، ونتشاغل بالتَّعبد والشكر، فأُلْزِمُوه عقوبة لهم. كشف المشكل (1/ 397).
وقال النووي -رحمه الله-:
فيه: دلالة لمذهب أهل السنة أنَّ الهدى والإضلال والخير والشر كله بإرادة الله تعالى، وهو فعله، خلافًا للمعتزلة. شرح النووي على مسلم (6/ 144).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
ليس فيه دليل أنَّ يوم الجمعة فُرِضَ عليهم بعينه فتركوه؛ لأنه لا يجوز لأحد أن يترك فرْض الله عليه وهو مؤمن، وإنَّما يدل -والله أعلم- أنَّه فُرِضَ عليهم يوم من الجمعة، وَوُكِلَ إلى اختيارهم؛ ليقيموا فيه شريعتهم، فاختلفوا في أي الأيام يكون ذلك اليوم، ولم يهدهم الله إلى يوم الجمعة، وذَخَره لهذه الأُمّة، وهداهم له؛ تفضلًا منه عليها، ففُضِّلت به على سائر الأمم؛ إذ هو خير يوم طَلَعَت فيه الشمس، وفضَّله الله بساعةٍ يُستجاب فيها الدعاء. شرح صحيح البخاري (2/ 476).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قال بعض المشايخ ما معناه: إنه ليس في الحديث دليلٌ أَنَّ يوم الجمعة فُرِض عليهم تَعْيِينه فتركوه؛ لأنه لا يجوز لأحد أنْ يترك فرضًا فُرِضَ عليه، والظاهر: أنَّه فرض عليهم يوم الجمعة يعظمونه بغير تعيين، وُوُكل إلى اختيارهم تعينه؛ ليقيموا فيه شريعتهم، فاختلف اجتهادهم، ولم يهدهم الله ليوم الجمعة، وذكره لهذه الأُمة، وبيَّنه لهم، ولم يَكِلْه إلى اجتهادهم، ففازوا بفضيلته.
وقد جاء في بعض الأخبار أَنَّ موسى أمرهم بالجمعة فأخبرهم بفضلها، فناظروه أنَّ السبت أفضل، فقال له الله: دعهم وما اختاروا، وقد يُستدل على هذا بقوله: «هذا يوم الجمعة الذى كتبه الله علينا، هدانا الله له»، وفي الآخر: «فهدانا الله لِمَا اختلفوا فيه من الحق»، ولو كان منصوصًا عليه لم يصح اختلافهم. بل كان يقول: خالفوا فيه. إكمال المعلم (3/ 250).
وقال النووي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قلتُ: ويمكن أنْ يكون أُمِروا به صريحًا، ونصَّ على عينه، فاختلفوا فيه، هل يلزم تعيينه أم لهم إبداله؟ وأبدلوه، وغلطوا في إبداله. شرح النووي على مسلم (6/ 143-144).
وقال المازري -رحمه الله-:
في هذا الحديث: إشارة إلى فساد تعلق اليهود والنصارى بالقياس في هذا الموضع؛ لأن اليهود عظَّمت السبت لما كان فيه فراغ الخليقة، وظنَّت ذلك فضيلة تُوجِب تعظيم اليوم، وعظَّمت النصارى الأحد؛ لما كان فيه ابتداء الخليقة، فاعتقدت أنَّ ذلك تعظيم لذلك اليوم، واتبع المسلمون الوحي والشرع الوارد بتعظيم يوم الجمعة، فعظَّمُوه. المعلم بفوائد مسلم (1/ 471).
وقال الشيخ محمد الأُبي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قلتُ: الأظهر أنَّه عُيِّن لهم؛ لأن السياق دل على ذمِّهم في العدول عنه، فيجب أنْ يكون عُيِّن لهم؛ لأنَّه لو لم يُعيَّن، ووُكل التعيين إلى اجتهادهم؛ لكان الواجب عليهم تعظيم يومٍ لا بعينه، فإنْ اختار المكلف واحدًا منها بأنْ أدى الاجتهاد أنَّه السبت أو الأحد، لم يُذم المجتهد فيما أدى الاجتهاد إليه، ونظير هذا خصال الكفارة، فإنَّ الواجب منها عند أهل الحق واحدٌ لا بعينه، فإنْ اختار المكلف واحدًا منها لم يأثم في العدول إلى غيره، ويشهد لكونه عُيِّن لهم: قوله في الطريق الآخر: «هذا يومهم الذي فَرَضَ الله عليهم، فاختلفوا فيه»؛ فإنَّه ظاهر، أو نَصٌّ في التعيين. (إكمال إكمال المعلم (3/13-14)].
قوله: «فكانَ لليهودِ يومُ السَّبتِ»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «فكان لليهود يوم السبت» أي: بدلًا عن الجمعة. البحر المحيط الثجاج (17/ 183).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «كان لليهود يوم السبت» أي: كان يومٌ لهم، يوم زيادة العبادة باختيارهم. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 335).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
قالت اليهود: هو يوم السبت؛ لأن الله تعالى فَرَغَ فيه عن الخَلْق. مبارق الأزهار (3/16).
قوله: «وكان للنَّصارى يومُ الأحدِ»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «وكان للنصارى يوم الأحد» أي: بدلًا من الجمعة أيضًا. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (16/ 67).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
اختارت النصارى الأحد، وقالوا: هو أول يوم بَدَأَ الله فيه الخَلْق، فهو أولى بالتعظيم. كشف المشكل (1/397- 398).
قوله: «فجاءَ اللهُ بنا، فهدانا اللهُ ليومِ الجُمُعةِ»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«فجاء الله بنا» يعني: خَلَقَنا بعدهم، «فهدانا ليوم الجمعة» بأنْ عيَّنه عناية لنا، مع أنَّ المعاني فيه شواهد بارزة على مزيد فضله؛ لأنه يومٌ خُلِق فيه نفس الإنسان، وفي سائر الأيام خُلِق ما يعود نفعه إلى الإنسان، والشكر على نعمة الوجود يكون أهم بالتقديم؛ ولأنه يوم الكمال بأنْ تم فيه الخَلْق. مبارق الأزهار (3/16).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فجاء الله» -عز وجل- «بنا» أي: خَلَقَنا وأوجدنا بعد هؤلاء، «فهدانا الله ليوم الجمعة» أي: دلَّنا على تعظيمه، وعبادته فيه، ووفقنا لامتثال أمره؛ فضلًا ونعمة، فله الحمد والثناء. البحر المحيط الثجاج (17/ 184).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
فهدانا الله ليوم الجمعة، وهو اليوم الذي خُلِقَ فيه آدم، وهو سابق السبت والأحد، فنحن السابقون لهم في التعبد، وأُمَّتنا -وإنْ تأخر وجودهم- فهم السابقون إلى الفضل، وإلى دخول الجنة. كشف المشكل (1/397- 398).
قوله: «فجعلَ الجُمُعةَ والسَّبتَ والأحدَ»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «فجعل الجمعة والسبت والأحد» هذا فيه دلالة: أنَّ أول الأسبوع الشرعي يوم الجمعة. البحر المحيط الثجاج (17/ 184).
وقال العراقي -رحمه الله-:
ويُحتمل أنْ يُستدل به على أنَّ الجمعة أول الأسبوع، ولا أعلم قائلًا به والله أعلم. طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 157).
قوله: «وكذلك هم تَبَعٌ لنا يومَ القيامةِ»:
قال ابن الملك -رحمه الله:
«وكذلك هم تَبَعٌ لنا» يعني: أنَّ ما اختاروه من الأيام تابعان ليوم الجمعة، يجيئان بعده، فكذلك هم تابعون لنا. مبارق الأزهار (3/17).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«وكذلك هم تَبَعٌ لنا يوم القيامة» أي: كما أنَّهم تَبَعٌ في هذه الأيام المذكورة، هم تبع لهذه الأُمَّة يوم القيامة، بحيث يكونون بعدها في الحساب والميزان والقضاء، ودخول الجنة، وغير ذلك مما يقع في ذلك اليوم. البحر المحيط الثجاج (17/ 184).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «تَبَعٌ» أي: لنا يوم الجمعة، فهم لنا تبعٌ؛ لتقدُّم الجمعة على يومهم. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 335).
قوله: «نحن الآخِرون مِن أهلِ الدُّنيا»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
هذا استئناف جواب لمن قال: كيف يكونون تبعًا لنا ونحن جئنا بعدهم؟ يعني: نحن الآخِرون ظهورًا في الدنيا، والأولون فضلًا وكرامة، والاعتبار للمعاني، لا للتقدم الزماني. مبارق الأزهار (3/17).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «الآخِرون» اللام فيه موصولة، و«من أهل الدنيا» حال من الضمير الذي في الصلة. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1263).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«نحن الآخِرون» بكسر الخاء المعجمة؛ أي: المتأخرون وجودًا، «من أهل الدنيا» الجار والمجرور حال من «الآخِرون» أي: حال كوننا من جملة أهل الدنيا. البحر المحيط الثجاج (17/ 184).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«نحن» معاشر الأُمَّة المحمدية «الآخِرون من أهل الدنيا» خَلْقًا وإيجادًا. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (7/ 42).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «نحن الآخِرون» أي: زمانًا في الدنيا. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 335).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «نحن الآخِرون» أي: وجودًا وخِلْقة في الدنيا. مرعاة المفاتيح (4/ 421).
قوله: «والأوَّلونَ يومَ القيامةِ»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «والأوَّلون» أي: بعثًا ومَرْتَبة «يوم القيامة»، والعبرة بذلك اليوم ومواقفه. مرعاة المفاتيح (4/ 421).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «والأولون يوم القيامة» أي: المتقدِّمون على جميع الأمم في الفضل الذي يكون هناك، وأَهَمُّه: الإراحة من هول الموقف. البحر المحيط الثجاج (17/ 184).
وقال السندي -رحمه الله-:
المراد أنَّ هذه الأُمَّة وإنْ تأخَّر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة إياهم في الآخرة، بأنهم أوَّل مَن يُحشر، وأوَّل مَن يحاسَب، وأول من يُقضى بينهم، وأول من يدخل الجنة.
وقيل: المراد بالسبق: إحراز فضيلة اليوم السابق بالفضل، وهو يوم الجمعة، وقيل: المراد بالسبق إلى القبول والطاعة التي حُرِمَها أهل الكتاب فقالوا: سمعنا وعصينا، والأول أقوى. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/335- 336)
قوله: «المقضيُّ لهم قبلَ الخلائقِ»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «المقضي لهم» صفة «الآخِرون»، والضمير في «لهم» راجع إلى اللام؛ لأن المعنى: الآخِرون الذين يُقضى لهم قبل الناس؛ ليدخلوا الجنة قبلهم، كأنَّه قيل: نحن الآخِرون السابقون. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1263).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «المقضي لهم» في دخول الجنة «قبل» دخول جميع «الخلائق» الجنة، ولله الحمد والشكر على هذا الفضل والمنة. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (7/ 42).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وقوله: «المقضي لهم» أي: على جميع الأمم؛ لأن حجَّتهم تُوجِب على مَن سبقهم أنْ يتبعهم. كشف المشكل (1/ 398).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
ومن كرامة هذه الأُمة أنه جعَلَها آخر الأمم، وقَصَّ عليها أخبار المتقدِّمين، فعَرَفت كل ما جرى لهم، ولم يعرف أحدٌ منهم ما جرى لها، فتمَّم الله تعالى على هذه الأُمّة نعمته في فصل القضاء بينها وبينه سبحانه سرًّا عن غيرها، فيَقضي لهم قبل الناس كلهم، حتى لا يَشْهَد أحد من الناس شيئًا من أقضيتهم، إلا بعد الفراغ منه. الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 244).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«قبل الخلائق» متعلق بـ«المقضي» أي: الذين يُقضى لهم قبل الناس؛ ليدخلوا الجنة. البحر المحيط الثجاج (17/ 184).
وفي روايةِ واصلٍ: «المقضيُّ بينهم»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «وفي رواية واصل: المقضي بينهم» يعني: أنَّ شيخه أبا كريب رواه بلفظ: «المقضي لهم»، وشيخه واصلًا رواه بلفظ: «المقضي بينهم» والمعنى متقارب، والله تعالى أعلم بالصواب. البحر المحيط الثجاج (17/ 184).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«وفي رواية واصل: المقضي بينهم» أي: الذي يُقضى بينهم فيما يتعلَّق بحقوقهم. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (10/ 306).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث: أنَّ الله تعالى يُكْرِم من يشاء؛ بأنْ يدَّخر له ما يشاء، فقد مَنَّ الله تعالى على هذه الأُمَّة بأنْ جعل لها الجمعة، وجعل بعدها لليهود السبت، وبعد السبت الأحد للنصارى، فلولا أنَّ الله تعالى ادَّخر الجمعة لنا لكان لنا يوم الاثنين، ولكن الله -عز وجل- أبى إلا أنْ يجعلنا الأولين في مقام عبادته، وإنْ تأخر زماننا بعدهم، وهذا مما يُدلِّل على أنَّه إذا أراد الله أنْ يُقدِّم مُتأخِّرًا، أو يٌؤخِّر مُقدَّمًا فعل به هكذا، وهذه مقدمةُ ما يفعل في القيامة؛ لأن القيامة يوم الجمعة. الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 244).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده:
1. منها: بيان وجوب الجمعة.
2. ومنها: أنَّ الهداية والإضلال من الله تعالى، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة.
3. ومنها: أنَّ فيه دليلًا قويًّا على زيادة فضل هذه الأُمّة على الأمم السالفة.
4. ومنها: أنَّ سلامة الإجماع من الخطأ مخصوص بهذه الأُمّة.
5. ومنها: بيان سقوط القياس مع وجود النص؛ وذلك أنَّ كِلَا الفريقين قال بالقياس مع وجود النص، فضلوا بذلك.
6. ومنها: أنَّ استنباط معنىً من الأصل يعود عليه بالإبطال باطل.
7. ومنها: أنَّ الاجتهاد في زمن نزول الوحي جائز.
8. ومنها: أنَّ الجمعة أول الأسبوع شرعًا، ويدل على ذلك تسمية الأسبوع كله جمعة، وكانوا يسمون الأسبوع سبتًا؛ وذلك أنهم كانوا مجاورين لليهود، فتبعوهم في ذلك.
9. ومنها: أنَّ فيه بيانًا واضحًا لمزيد فضل هذه الأُمَّة على الأمم السابقة، زادها الله تعالى شرفًا وفضلًا، والله تعالى أعلم بالصواب. البحر المحيط الثجاج (17/ 176-177).