الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«السمعُ والطاعةُ على المرءِ المسلمِ فيما أَحبَّ وكَرِهَ، ما لم يُؤمرْ بمعصيةٍ، فإذا أُمِرَ بمعصيةٍ فلا سَمْعَ ولا طاعةَ».


رواه البخاري برقم: (7144) واللفظ له، ومسلم برقم: (1839)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
وفي لفظ للبخاري برقم: (2955) «السمعُ والطاعةُ حَقٌّ».


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «السمعُ والطاعةُ»:
قال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «السمع والطاعة» مبتدأ وخبره محذوف، أي: واجب. لمعات التنقيح (6/450).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«السمعُ» بالرفع على الابتداء «والطاعةُ» أي: واجبة «على المرء المسلم»، ويجوز النصب على الإغراء عند مَن يجوِّزه في الغائب، كقول بعضهم: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشَّوَاب، ويدل عليه رواية مسلم: «عليك السمع والطاعة». شرح سنن أبي داود (11/ 372).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «السمع والطاعة» يعني: سماع كلام الحاكم وطاعته واجب على كُلِّ مُسلم، سواء أَمره بما يوافق طبعه أو لم يوافقه، بشرط ألا يأمره بمعصية، فإن أمره بمعصية فلا تجوز طاعته، ولكن لا يجوز محاربة الإمام، بل يُخْبِرُ الإمام بأني لا أفعل هذا؛ لأنه معصية، فإن تركه من غير إيذاء فهو المراد، وإن قصد إيذائه فليفر منه. المفاتيح في شرح المصابيح (4/286-287).
وقال عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «السمع» الأُولى الأمر بإجابة أقوالهم، «والطاعة» لأوامرهم وأفعالهم. تحفة الأحوذي (5/298).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فإن قلتَ: ذكَر الأمر بالطاعة كافٍ، فما فائدة الأمر بالسمع معه؟
قلتُ: فائدته وجوب استماع كلامه؛ ليتمكن بالإصغاء إليه من طاعة أمره على الوجه الأكمل؛ ولذلك أَمَر بالإنصات عند تلاوة القرآن، وفي خطبة الجمعة، ونهى عن رفع الصوت على صوت صاحب الشرع؛ ليفهم كلامه، ويتدبر ما في طَيِّه، ويُطاع أَمره جملة وتفصيلًا. فيض القدير(1/513).

قوله: «على المرء المسلم»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «على المرء» وفي الجامع الصغير: «حقٌّ على المرء». مرقاة المفاتيح (6/ 2392).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«على المرء المسلم» جار ومجرور خبرٌ مقدَّم لقوله: «السمع». البحر المحيط الثجاج (32/70).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «على المرء» أي: ثابت وواجب عليه. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (24/196).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «على المرء» هذه كلمة تدل على الوجوب. شرح رياض الصالحين (3/652).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وخَصَّ المسلم؛ لأنه الأَحَقُّ بالتزام هذا الحق، وإلا فكلُّ ملتزمٍ للأحكام كذلك. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 114).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
وخَصَّ المسلم لأنه الأَحَقُّ بالتزام هذا الحق، فالذمي كذلك. السراج المنير شرح الجامع الصغير (3/ 291).

قوله: «فيما أَحبّ وكَرِهَ»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«فيما أَحَبَّ وكَرِهَ» أي: فيما يوافق طبعه وفيما لا يوافق طبعه. شرح مصابيح السنة (4/241).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «فيما أَحَبَّ وكَرِهَ» في رواية أبي ذر: «فيما أَحَبَّ أو كَرِهَ». فتح الباري (13/ 123).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فيما أَحَبَّ» ورضي ووافق هواه «و» فيما «كَرِهَ» وسخط كالجهاد. الكوكب الوهاج (20/ 58).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فيما أَحَبَّ» المسلم ووافق هواه «و» فيما «كَرِهَ» أي: ويجب السمع والطاعة فيما تكرهه نفس المسلم، ويشقّ عليها، مما ليس بمعصية. شرح سنن أبي داود (11/ 372).

قوله: «ما لم يُؤمَر بمعصية»:
قال عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
«ما لم يؤمر» أي: المسلم من قِبَل الإمام «بمعصية» أي: بمعصية الله. تحفة الأحوذي (5/298).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ما لم يُؤمر بمعصية» هذا يقيِّد ما أُطلق في الحديثين الماضيين من الأمر بالسمع والطاعة، ولو لحبشي، ومن الصبر على ما يقع من الأمير مما يكره، والوعيد على مفارقة الجماعة. فتح الباري (13/ 123).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «على المرء المسلم السمع والطاعة» ظاهر في وجوب السمع والطاعة للأئمة والأمراء والقضاة، ولا خلاف فيه إذا لم يأمر بمعصية. المفهم (4/38).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
والسمع والطاعة للأئمة والأمراء والقضاة واجبة؛ لظاهر الأمر، ولا خلاف فيه إذا لم يأمر بمعصية. شرح سنن أبي داود (11/369).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
فإنْ ظنَّ ظانٌّ أنَّ في حديث أنس وابن عباس -رضي الله عنهما- حُجَّة لمن أقدم على معصية الله بأمر سلطان أو غيره، وقد وردت الأخبار بالسمع والطاعة لولاة الأمر فقد ظنَّ خطأً؛ وذلك أن أخباره لا يجوز أن تتضادَّ، ونهيه وأمره لا يجوز أن يتناقض أو يتعارض، وإنما الأخبار الواردة بالسمع والطاعة لهم ما لم يكن خلافًا لأمر الله ورسوله، فإذا كان خلافًا لذلك فغير جائز لأحد أن يطيع أحدًا في معصية الله ومعصية رسوله، وبنحو ذلك قال عامة السلف. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (32/ 437).

قوله: «فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «فإذا أُمِر» على صيغة المجهول. عمدة القاري (24/225).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فإن أُمِرَ بمعصية» أتى به ظاهرًا والمقام للضمير (أي: مع أنَّ المقام يناسب الإضمار) زيادة في الإيضاح ورفع الإلباس، وبنى الفعل للمجهول ليَعُمَّ كل آمر من ولي أمر وأبوين وغيرهم. دليل الفالحين (5/126).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فلا سمع ولا طاعة» بالبناء على الفتح فيهما؛ لأن «لا» لنفي الجنس، والمراد: نفي الحقيقة الشرعية، لا الوجودية. البحر المحيط الثجاج (32/70).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فإذا أَمَرَ بمعصية» تعلمونها من دين الله، ولا تشتبه عليكم «فلا سمع ولا طاعة» فيما أَمَر، لكن إذا ظلموا لا يجوز الخروج عليهم ما لم يغيروا شيئًا من قواعد الإسلام، لكن يجب تغيير الظلم على مَن قدَرَ بيده أو بلسانه، فإن عَجَزَ فيَكْرَهه بقلبه، ولا يأثم بمجرد السكوت، بل إنما يأثم بالرضا، قاله النووي وغيره.
قال سهل بن عبد الله التستري: أطيعوا السلطان في سبعة: ضرب الدراهم والدنانير، والمكاييل، والأوزان، والأحكام، والحج، والجمعة، والعيدين، والجهاد، قال: وإذا نهى السلطان العالِم أن يفتي فليس له أن يفتي، فإذا أفتى فهو عاصٍ. شرح سنن أبي داود (11/ 372)].
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فلا سمع ولا طاعة» عليه في تلك الحال؛ لأن الطاعة إنما تجب في المعروف، كما جاء في الحديث الآتي، والمعصية منكر، فليس فيها سمع ولا طاعة، بل تحرم الطاعة على مَن كان قادرًا على الامتناع. الكوكب الوهاج (20/ 58).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «فلا سمع» أي: حينئذٍ، «ولا طاعة» لما مر فيما مضى (أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). عمدة القاري (24/225).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فلا سمع ولا طاعة» لبناء الاسمين استغراقًا لأفراد كل منهما، أي: فلا يطلب شيء من هذين حينئذٍ بوجهٍ، بل يحرم ذلك على مَن كان قادرًا على الامتناع، وهو نفي بمعنى الخبر، أي: فلا تسمعوا ولا تطيعوا، وهو أبلغ، كأنه امتثل وانتفى ما أُمر بتركه، فأخبر عنه بما يُخبِر به عن المنفي. دليل الفالحين (5/126).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فلا سمع ولا طاعة» لكن لا يحارب الإمام، بل يخبره أني لا أفعل؛ لأنه معصية. شرح مصابيح السنة (4/241).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» أي: لا يجب ذلك، بل يحرم على مَن كان قادرًا على الامتناع، وفي حديث معاذ عند أحمد: «لا طاعة لمن لم يطع الله»، وعنده وعند البزار في حديث عمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري: «لا طاعة في معصية الله» وسنده قوي، وفي حديث عبادة بن الصامت عند أحمد والطبراني: «لا طاعة لمن عصى الله تعالى». فتح الباري (13/123).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
فإن أَمَرَ بمعصية فلا تجوز طاعته في تلك المعصية قولًا واحدًا، ثم إن كانت تلك المعصية كفرًا وجب خلعه على المسلمين كلهم، وكذلك لو تَرَكَ إقامة قاعدة من قواعد الدِّين كإقام الصلاة وصوم رمضان وإقامة الحدود ومَنَعَ من ذلك، وكذلك لو أباح شرب الخمر والزنا ولم يمنع منها لا يُختلَف في وجوب خلعه، فأما لو ابتدع بدعة ودعا الناس إليها فالجمهور على أنه يُخلع.
وذهب البصريون إلى أنه لا يُخلع؛ تمسكًا بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «إلا أن تروا كفرًا بَوَاحًا عندكم من الله فيه برهان»، وهذا يدل على استدامة ولاية المتأوِّل وإن كان مبتدعًا، فأما لو أمر بمعصية مثل: أخذ مالٍ بغير حق، أو قتل، أو ضرب بغير حق فلا يطاع في ذلك ولا ينفذ أمره، ولو أفضى ذلك إلى ضرب ظهر المأمور وأخذ ماله؛ إذ ليس دم أحدهما ولا ماله بأولى من دم الآخر ولا ماله، وكلاهما يحرم شرعًا؛ إذ هما مسلمان، ولا يجوز الإقدام على واحد منهما لا للآمر ولا للمأمور؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق¬» كما ذكره الطبري؛ ولقوله هنا: «فإن أَمَرَ بمعصية فلا سمع ولا طاعة». المفهم (4/38-39).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وأما حديث الأمر بالسمع والطاعة ما لم تروا كفرًا بواحًا، فالمراد بيان وقت خلع مَن رأوا منه كفرًا بواحًا، وأنه يجب على كل مسلم القيام في ذلك، فمَن قدر على ذلك فله الثواب، ومَن داهن فعليه الإثم، ومَن عجز وجبت عليه الهجرة.
وهذه الأحاديث في الخليفة الآمر بالمعصية، فإنها لا تجب طاعته فيها ولا ينعزل، ويجب الخروج عليه بأمره بها. التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير (3/733-734).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال جماهير أهل السُّنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين: لا ينعزل (الإمام) بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يُخْلَع، ولا يجوز الخروج عليه بذلك، بل يجب وعْظه وتخويفه؛ للأحاديث الواردة في ذلك. شرح مسلم (12/ 229).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقد ادعى أبو بكر ابن مجاهد في هذه المسألة الإجماع.
وقد رد عليه بعضهم هذا بقيام الحسين وابن الزبير وأهل المدينة على بني أمية، وجماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول على الحجَّاج مع ابن الأشعث، وتأوَّلوا قوله: «وألَّا نُنَازِعَ الأمر أهله» في أئمة العدل وأهل الحق، وقيل: بل هذا مخاطبة للأنصار ألا يُنازعوا قريشًا الخلافة.
وحُجَّة الآخرين: أن قيامهم على الحجَّاج ليس لمجرد الفسق، بل لما غيَّر من الشرع وأظهر من الكفر، ولِبَيْعِهِ الأحرار، وتفضيله الخليفة (من بني أمية) على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقوله المشهور المنكر في ذلك.
وقيل: بل كان في هذا الخلافُ أولًا، ثم وقع الاتفاق بعدُ على ترك القيام. إكمال المعلم (6/ 247).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: وجوب السمع والطاعة والانقياد لقول ولي الأمر، سواء كان موافقًا لمراد المأمور، أو مخالِفًا له إلا في معصية الله. تطريز رياض الصالحين (429).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
يجب على المرء المسلم بمقتضى إسلامه أن يسمع ويطيع لولاة الأمور فيما أحَبَّ وفيما كَرِهَ، حتى لو أُمِرَ بشيء يكرهه فإنه يجب عليه أن يقوم به ولو كان يرى خلافه، ولو كان يَكْرَه أن ينفِّذه، فالواجب عليه أن ينفِّذَ، إلا إذا أُمِرَ بمعصية الله، فإذا أُمِرَ بمعصية الله فطاعة الله تعالى فوق كل طاعة، و «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
وفي هذا دليلٌ على بطلان مَسْلَكِ مَن يقول: لا نطيع ولاة الأمور إلا فيما أَمَرَنا الله به، يعني إذا أمرونا أن نصلي صلينا، إذا أمرونا أن نزكي زكينا، أما إذا أمرونا بشيء ليس فيه أمر شرعي فإنه لا يجب علينا طاعتهم؛ لأننا لو وجبت علينا طاعتهم لكانوا مشرِّعين، فإن هذه نظرة باطلة مخالفة للقرآن والسنة. شرح رياض الصالحين (3/652-653).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
أوامر ولاة الأمور تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يأمروا بما أمر الله به، فهنا تجب طاعتهم لوجهين:
الوجه الأول: أنه مما أمر الله به.
والوجه الثاني: أنه مما أمروا به كغيرهم من الناس، إذا أمرك شخص بالمعروف وهو واجب، فالواجب عليك أن تقوم به.
الثاني: أن يأمروا بمعصية الله، فهنا لا سَمْعَ لهم ولا طاعة مهما كان، وأنت إذا نالَك عذاب منهم بسبب هذا فسيُعاقَبون عليه هم يوم القيامة لوجهين:
الوجه الأول: لحق الله؛ لأن أَمْرَهُم بمعصية الله منابذة لله -عزَّ وجلَّ-.
الوجه الثاني: لحقِّك أنت؛ لأنهم اعتدوا عليك، وأنت وهم كلكم عبيد الله، ولا يحل لكم أن تعصوا الله.
الثالث: إذا أمروا بشيء ليس فيه أمر ولا نهي، فيجب عليك أن تطيعهم وجوبًا، فإن لم تفعل فأنت آثم، ولهم الحق أن يعزِّروك وأن يؤدبوك بما يرون من تعزير وتأديب؛ لأنك خالفتَ أمر الله في طاعتهم؛ ولهذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحَبَّ وكَرِهَ، ما لم يؤمر بمعصية، فإن أُمِرَ بمعصية فلا سمع ولا طاعة». شرح رياض الصالحين (3/655-656).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
اعلم أنه يجب عندنا طاعة الأمير في السياسيات إذا كان فيه مصلحة، أما إذا لم يشتمل على معنى صحيح أو مصلحة عامة أو خاصة فلا تجب عليهم طاعته، نحو: أن يأمرهم أن يصعدوا هذا الجبل، وينزلوا منه، فهذا الوجوب غير ما يكون في أبواب الفقه، أي: الفروع الاجتهادية والمسائل، وهذا معنى قوله: «إنما الطاعة في المعروف». فيض الباري على صحيح البخاري (6/478-479).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدّنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم. جامع العلوم والحكم (2/767).
وقال عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
وفيه: أن الإمام إذا أَمَرَ بمندوب أو مباح وَجَبَ. تحفة الأحوذي (5/298).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وهذا حثٌّ على السمع والطاعة للإمام ولو جائرًا؛ وذلك لما يترتب عليه من اجتماع الكلمة وعزِّ الإسلام، وقمع العدو وإقامة الحدود وغير ذلك.
وفيه: التسوية في وجوب الطاعة بين ما يشق على النفس وغيره، وقد بيَّن ذلك في رواية بقوله: «فيما أحَبَّ وكَرِهَ».
ووجوب الاستماع لكل مَن تجب طاعته كالزوج والسيد والوالد.
واُستُدل به على أن الإمام إذا أَمَرَ بعض رعيته بالقيام ببعض الحِرَف والصنائع من زراعة وتجارة وعَمَلٍ أنه يتعين على مَن عيَّنَه لذلك، وينتقل من فرض الكفاية إلى فرض العين عليه بتعيين الإمام.
قال جدنا الأعلى من جهة الأم الزين العراقي: حتى قاله بعض شيوخنا في الفلاحين المفردين لزراعة البلدان أنه أمر شرعي بتقرير الإمام ذلك عليهم.
نعم إن تعدَّى عليهم وأُلْزِمُوا بما لا يلْزَمُهم من إيجار الأرض بغير رضاهم لم يجز، لكن يكونون كالعمَّال يعملون ويستحقون أجر المثل. فيض القدير (1/513).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
احتَجَّ بهذا الحديث الخوارج، فرأوا الخروج على أئمة الجَور، والقيام عليهم عند ظهور جَوْرِهِم، والذي عليه جمهور الأُمَّة أنه لا يجب القيام عليهم، ولا خلعهم إلا بكفرهم بعد إيمانهم، أو تركهم إقامة الصلوات، وأما دون ذلك من الجَوْرِ فلا يجوز الخروج عليهم إذا استوطن أمرهم، وأَمْرُ الناس معهم؛ لأن في ترك الخروج عليهم تحصين الفروج والأموال، وحقن الدماء، وفي القيام عليهم تفرُّق الكلمة، وتَشَتُّت الألفة؛ ولذلك لا يجوز القتال معهم لمن خرج عليهم عن ظلم ظَهَرَ منهم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «فإذا أُمِرَ بمعصية فلا سمع ولا طاعة». شرح صحيح البخاري (5/126).
وقال العيني -رحمه الله-:
وقال ابن التين: فأما ما يأمر به السلطان من العقوبات فهل يسع المأمور به أن يفعل ذلك من غير ثَبتٍ أو علم يكون عنده بوجوبها؟
قال مالك: إذا كان الإمام عدلًا كعمر بن الخطاب أو عمر بن العزيز -رضي الله تعالى عنهما- لم تسع مخالفته، وإن لم يكن كذلك وثبت عنده الفعل جاز.
وقال أبو حنيفة وصاحباه: ما أَمَرَ به الولاة من ذلك غيرهم يسعهم أن يفعلوه فيما كان ولايتهم إليه، وفي رواية عن محمد: لا يسع المأمور أن يفعله حتى يكون الآمر عدلًا، وحتى يشهد بذلك عنده عَدْلٌ سواه، إلا في الزنا فلا بد من ثلاثة سواه، ورُوي نحو الأول عن الشعبي -رحمه الله-. عمدة القاري (14/ 221).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معلقًا:
عندي أنَّ ما ذهب إليه الإمام مالك -رحمه الله- في تفصيله المتقدِّم أرجح.
وحاصله: أنه إن كان الإمام عدلًا لم تسع مخالفته، وإلا فإنْ ثَبَتَ عند المأمور ذلك الأمر وسِعَهُ، وإلا فلا. البحر المحيط الثجاج (32/73).
وقال العراقي -رحمه الله-:
هذا الحديث وما في معناه مقيِّد لوجوب طاعة الأمراء، والسبب في الأمر بطاعتهم اجتماع كلمة المسلمين، فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم.
ويُستنتج من ذلك: أن مَن أطاع الأمير فقد أطاع الله؛ لأنه أطاع الرسول، ومَن أطاع الرسول فقد أطاع الله. طرح التثريب (8/82).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
فيه: بيان أن الطاعة إنما تجب بالمعروف دون المنكر.
وفيه: دليل على أن يمين المكرَه غير لازمة. أعلام الحديث (2/ 1415).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
والأحاديث الصحيحة فيها حُجَّة على مَنْعِ الخروج على أمراء الجور، ولزوم طاعتهم. شرح سنن أبي داود (16/668).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
منها: بيان وجوب الطاعة على المسلم لأولياء الأمور، سواء أَمَره بما وافق هواه، أو بما يُخالف.
ومنها: عدم جواز طاعة أحد فيما يُخالف شرع الله تعالى؛ إذ لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق.
ومنها: ما قاله القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: «على المرء المسلم السَّمع والطاعة» ظاهرٌ في وجوب السمع والطّاعة للأئمة، والأمراء، والقضاة، ولا خلاف فيه إذا لَمْ يأمر بمعصية، فإن أَمَر بمعصية فلا تجوز طاعته في تلك المعصية قولًا واحدًا. البحر المحيط الثجاج (32/ 71-72).


ابلاغ عن خطا