«الجُمُعَةُ على كُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّداءَ».
رواه أبو داود برقم: (1056)، والبيهقي في الكبرى برقم: (5581)، والدارقطني برقم: (1589)، من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (3112)، إرواء الغليل برقم: (593).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«النِّداء»:
أي: الأذان. كشف المشكل لابن الجوزي(3/٤٦٠).
قال النووي -رحمه الله-:
في النِّداء لغتان: كسر النون وضَمّها، والكِسر أَفصح وأَشهر. المجموع، شرح المهذب (4/٤٨٧)
وقال الراغب -رحمه الله-:
النِّدَاءُ: رفْعُ الصوت وظُهُورُهُ، وقد يُقال ذلك للصَّوْت المجرَّد...، وقوله: {وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} المائدة: 58، أي: دَعَوْتُمْ، وكذلك: {إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} الجمعة: 9، ونِدَاءُ الصلاة مخصوصٌ في الشَّرع بالألفاظ المعروفة. المفردات (ص: 796- 797).
شرح الحديث
قوله: «الجمعة على كُل من سمع النداء»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «الجُمعة على مَن سمع النداء» وفي أبي داود: «الجمعة على كل مَن سمع النداء»، ورواه الدارقطني ومن طريقه البيهقي بلفظ: «إنَّما الجمعة على مَن سمع النداء» أي: حقيقةً، أو حُكمًا. مرعاة المفاتيح (4/ 448).
وقال أبو داود -رحمه الله-:
روى هذا الحديثَ جماعةٌ عن سفيانَ، مقصُورًا على عبدِ اللَّهِ بن عمرٍو، ولم يرفعوهُ، وإنَّما أَسْنَدَهُ قَبِيصَةُ. سنن أبي داود (1/ 278).
وقال العيني -رحمه الله- مُعلِّقًا:
أشار بهذا الكلام إلى أنَّ الصحيح في هذا الحديث أنَّه موقوف على عبد الله بن عمرو، ولم يُسْنده غير قَبِيصَة بن عُقْبَة. شرح أبي داود (4/ 378).
وقال البيهقي -رحمه الله-:
وقَبِيصَةُ بن عُقْبَةَ مِن الثِّقَاتِ...، وله شاهدٌ مِنْ حديثِ عمرو بنِ شُعَيْبٍ عن أبيه عن جَدِّهِ. السنن الكبرى (3/ 247).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
روى أبو داود وغيره عن ابن عمرو أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الجمعة على مَن سمع النداء» والصحيح: أنَّه قول عبد الله. عارضة الأحوذي (2/243).
وقال عبد الحق الإشبيلي -رحمه الله-:
وخرَّج (أبو داود) عن عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الجمعةُ على مَن سمع النِّداء»، ورُوي موقوفًا، وهو الصحيح. الأحكام الوسطى (2/ 102).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
حديث: «الجمعة على مَن سمع النداء» قال عبد الحق: الصحيح أنَّه موقوف. تهذيب سنن أبي داود (1/ 176).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
فجميع طرق الحديث مُتكلَّم فيها، ولكن لكثرتها يقوِّي بعضها بعضًا، والموقوف في قوّة المرفوع؛ لأن مثله لا يقال من قِبَلِ الرأي. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (6/ 202).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «الجمعة على مَن سمع النداء» يعني: الجمعةُ واجبةٌ على مَن كان بين وطنِه، وبين الموضعِ الذي تُصلَّى فيه الجمعةُ مسافةٌ يسمعُ الأذان بوطنه من ذلك الموضع. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 319).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «الجمعةُ على من سمع النداء» أي: الجمعة تجبُ على من سمع الأذان يوم الجمعة، وبهذا الحديث أخذ محمد بن الحسن والشافعي وأحمد وإسحاق. شرح أبي داود (4/ 377).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «الجمعة» إنَّما تجب «على مَن سمع النداء» سواء كان داخل البلد أو خارجه عند الشافعي كالجمهور، وَقَصَر أبو حنيفة الوجوب على أهل البلد. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 489).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «الجمعة على مَن سمع النداء» استدلَّ به الشافعي على أنَّ الجمعة تجب على مَن كان خارج الْمِصَر وهو يسمع نداء المؤذن، في المكان الذي يُصلَّى فيه؛ خلافًا لأبي حنيفة، حيث قال: لا تجب إلا على أهل البلد، والحديث حُجَّة عليه. شرح سنن أبي داود (5/ 483).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
ويلزم المجيء إلى الجمعة مَن كان منها بحيث إذا زالت الشمس وقد توضأ قبل ذلك، ودخل الطريق إِثْرَ أول الزوال، ومشى مترسِّلًا، ويُدرك منها ولو السلام، سواء سمع النداء أو لم يسمع، فمن كان بحيث إنْ فَعَل ما ذكرنا لم يُدْرِك منها ولا السلام لم يلزمه المجيء إليها، سمع النداء أو لم يسمع، وهو قول ربيعة. المحلى بالآثار (3/ 259).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال الشافعي والأصحاب إذا كان في البلد أربعون فصاعدًا مِن أهل الكمال وجبت الجمعة على كُلِّ من فيه، وإن اتسعت خُطَّة البلد فراسخ، وسواءٌ سمع النداء أم لا وهذا مجمع عليه.المجموع، شرح المهذب(4/٤٨٧).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
ولا يختلف العلماء في وجوب الجمعة على مَن كان بالمصر بالغًا من الرجال الأحرار، سَمِعَ النداء أو لم يسمعه. الاستذكار (2/ 385).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
الترمذي ترجم الباب بقوله: «باب ما جاء مِن كم يُؤتَى إلى الجمعة؟» ولم يقل: «باب ما جاء من كم يجب أنْ يُؤتَى إلى الجمعة»؛ ولذلك اختلفوا في أقوالهم في تحديد ذلك، فقال بعضهم: الجمعة على مَن آواه الليل، وقال بعضهم: تجب الجمعة على مَن سمع النداء، فقال بعضهم -وهم الظاهرية-: لو كان رَجُلٌ في الْمِصْرَ ولم يسمع النداء لا تجب الجمعة عليه، والحق أنَّ ذلك لمن هو خارج المصر، ولا شُبهة في وجوب الجمعة على المصري سمع النداء أو لم يسمع، والمراد بما قالوا: من الجمعة على مَن سمع النداء، أنَّه إذا أذَّن على سُور البلد، وباب المصر، فالجمعة على مَن سمع النداء، وهذا أيضًا ليس تحديدًا، بل هو تقريب، وأما أهل المصر فمُسَلَّم وجوبها عليهم. الكوكب الدري على جامع الترمذي (1/ 416-417)
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال المهلَّب: نصُّ كتابِ الله يدلُّ على أنَّ الجمعة تجبُ على من سمع النداء وإنْ كان خارج المصر، وهذا أصح الأقوال. شرح صحيح البخاري(2/ 494).
وقال البخاري -رحمه الله-:
قال عطاءٌ: "إذا كُنْتَ في قريةٍ جامِعَةٍ فَنُودِيَ بِالصلاةِ مِن يوم الجمعة، فحقٌّ عليك أنْ تَشْهَدَهَا سمعت النداء أو لم تسمعه. صحيح البخاري (2/ 6).
وقال الكشميري -رحمه الله- مُعلِّقًا:
قوله: (سمعت النداء أو لم تسمعه) وهذا لداخلِ البلد، وما قلتُ من وجوب الجمعة على مَنْ سمع النداء فهو للخارج عن البلد، وإليه يشير إلى قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ} الجمعة: 9. فيض الباري شرح البخاري (3/ 135).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
ظاهر الآية ساقِط بالإجماع؛ لأنَّ الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْع} الجمعة: 9، وفي الصحيح أنَّ النبي -عليه السلام- قال للأعمى: «أتسمع حي على الصلاة؟ قال: نعم، قال: أَجِبْ»، وبلال وابن أم مَكْتُوم لا يَسمع أهلُ المدينة كلهم نداءَه، وكان السعي إلى الجمعة واجبًا على مَن سمِعَه ومَن لم يسمعه، ممن كان من أهل البلد، فدلَّ على أنَّ الظاهر مع أبي حنيفة، وتعليق الشافعي السّعي بسماع النداء، يُسْقِطُهُ عمن كان بالمصر الكبير إذا لم يسمعه، والمسألة محتملة، والله أعلم. عارضة الأحوذي (2/243).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وظاهره (الحديث): عدم وجوب الجمعة على مَن لم يسمع النداء، سواء كان في البلد الذي تُقام فيه الجمعة أو خارجه.
وقد ادَّعى في البحر الإجماع على عدم اعتبار سماع النداء في موضعها، واستدل لذلك بقوله: إذا لم تعتبره الآية، وأنت تعلم أنَّ الآية قد قُيِّد الأمرُ بالسعي فيها بالنداء؛ لِمَا تقرَّر عند أئمة البيان مِن أنَّ الشرط قَيْدٌ لحكم الجزاء، والنداء المذكور فيها يستوي فيه مَن في المصر الذي تُقام فيه الجمعة ومَن خارجه، نعم إنْ صح الإجماع كان هو الدليل على عدم اعتبار سماع النداء لمن في موضع إقامة الجمعة عند من قال بحجية الإجماع. نيل الأوطار (3/268- 269).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
الذي ذهبَ إليه الجمهور أنَّها تجب على مَن سمع النداء، أو كان في قوة السامع، سواء كان داخل البلد أو خارجه، ومحلُّه كما صرَّح به الشافعي ما إذا كان المنادي صَيِّتًا، والأصوات هادئة، والرَّجُل سميعًا. فتح الباري (2/ 385).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال ابن القصار: اعتلَّ الكوفيون (الأحناف) لقولهم: إنَّ الجمعة لا تجب على مَن كان خارج المصر (يعني: وإنْ سمع النداء) قالوا: لأنَّ الأذان علم لمن لم يحضر، والأذان بعد دخول الوقت، ومعلوم أنَّ مَن يسمع على أميال يأخذ في المشي فلا يلحق، فيقال لهم: معنى قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ} الجمعة: 9، أي: إذا قَرُبَ وقت النداء لها، بمقدار ما يدركها كل ساعٍ إليها، فاسعوا، وليس على أنَّه لا يجب السعي إليها إلا حين يُنادى لها، والعرب قد تضع البلوغ بمعنى المقاربة، كقوله: «إنَّ ابن أم مكتوم لا يُنادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت» أي: قارَب الصباح، ومثله: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} الطلاق: 2، يريد إذا قاربن البلوغ؛ لأنه إذا بلغت آخر أجلها لم يكن له إمساكها، وفي إجماع العلماء على أنَّ مَن كان في طرف المصر العظيم، وإنْ لم يسمع النداء، يلزمه السعي دليل واضح أنَّه لم يرد بالسعي حين النداء خاصة، وإنَّما أُريد قُرْبُه، وأما مَن كان خارج المصر إذا سمع النداء فهو داخل في عموم قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} الجمعة: 9، ولم يَخُصّ من في المصر أو خارجه. شرح صحيح البخاري (2/ 494-495).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
الذي يترجَّح عندي القول بوجوبها على مَن سمع النداء، أو كان في قوة مَن يسمع؛ لكونه داخل المدينة؛ لعموم قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} الجمعة: 9 الآية؛ ولحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند مسلم وغيره قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلٌ أعمى فقال: يا رسول الله، ليس في قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ يُرَخِّص له، فيُصلي في بيته، فرخَّص له، فلما ولَّى دَعَاه، فقال: «هل تسمع النداء بالصلاة؟» قال: نعم، قال: «فأَجِبْ»، وروى نحوه أبو داود بإسناد حسن عن ابن أم مكتوم...، وأما مَن لا يسمع النداء لبُعد مكانِه، أو لكونه خارج المدينة فلا يجب عليه إتيانها؛ لعدم السماع، بل يجب عليهم إقامتها في محلهم؛ لكونهم من أهل وجوب الجمعة، والله تعالى أعلم بالصواب. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (16/ 65).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
والصحيح أَنه ما دام يشمله اسم واحد فهو بلد واحد، ولو فرض أن هذا البلد اتسع وصار بين أطرافه أَميالٌ أو فراسخٌ فهو وطنٌ واحدٌ تلزم الجمعة مَن بأقصاهُ الشرقي كما تلزم من بأقصاهُ الغربي، وهكذا الشمال والجنوب؛ لأنه بلد واحد.الشرح الممتع(5/١٥).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
لكن يَخْرُجُ من هذا العموم الأربعة المذكورة في حديث طارق بن شهاب الآتي في باب الجمعة للمرأة والمملوك على ما يأتي بيانه: المرأة والعبد والصبي والمريض. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (6/ 200).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
والمراد بالنداء المذكور في الحديث هو النداء الواقع بين يدي الإمام في المسجد؛ لأنه الذي كان في زمن النبوة، لا الواقع على المنارات؛ فإنه مُحْدَث. نيل الأوطار (3/ 268-269).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
هو الأذان أوَّلَ الوقت، كما هو الآن في زماننا؛ ليَعلم الناس وقتَ صلاة الجمعة؛ ليحضُروا ويسعَوا إلى ذكر الله تعالى، وإنما زاد عثمان -رضي الله عنه- لينتهيَ الصوتُ إلى نواحي المدينة. شرح المصابيح (2/ 237).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «على مَن سمع النداء» وهو الأذان أول الوقت. مرقاة المفاتيح (3/ 1025).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله- مُعلِّقًا:
الظاهر عندي ما قاله الشوكاني. مرعاة المفاتيح (4/ 448).