«السَّاعي على الأرْمَلةِ والمسكينِ كالمجاهدِ في سبيلِ اللهِ، أو القائمِ الليلَ الصائمِ النهارَ».
رواه البخاري برقم: (5353) واللفظ له، ومسلم برقم: (2982).
وفي لفظ للبخاري برقم: (6007)، ومسلم برقم: (2982): «كالقائمِ لا يَفْتُرُ، وكالصائمِ لا يُفْطِرُ»، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«السَّاعي»:
الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع الأرملة والمسكين. فتح الباري، لابن حجر (9/ 499).
وقال الحميدي -رحمه الله-:
الوَالِي، وكل مَن وَلِيَ شيئًا على قومٍ فهو ساعٍ عليهم. تفسير غريب ما في الصحيحين (ص: 76).
«الأرْمَلة»:
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الأَرْمَلة: التي مات عنها زَوْجُها: سُمِّيت أرملةً لذَهاب زادِها، وفَقْدها كاسِبها، ومَن كان عيشُها صَالحًا بِهِ؛ ومن قَول العَرب: أَرْمَلَ الرَّجُلُ، إِذا ذهب زادُه. وقال ابن السكيت: الأرامل: المَساكين، من جمَاعَة رِجَالٍ ونِساء، قال الشاعر:
هذي الأرامل قد قَضَّيْتَ حاجَتَها *** فمَن لحاجةِ هذا الأَرْمَلِ الذَكَرِ؟تهذيب اللغة للأزهري (15/ 148، 149)، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية(4/ 1713).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
والأَرملة بفتح الميم: مَن لا زوج لها، غَنِيَّة كانت أو فقيرة، تزوَّجَت قبلَ ذلك أم لا. شرح مصابيح السنة(5/290).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
وقيل: هي التي فارقت زوجها بموت أو طلاق. الكوكب الوهاج (26/397).
شرح الحديث
قوله: «السَّاعي على الأرْمَلة والمسكين»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «الساعي على الأرملة» أي: الكاسِب لها، والعامل لِقُوْتِهَا. إكمال المعلم (8/531).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «الساعي على الأرملة» أي: الذي يسعى ويَجِدُّ في تحصيل المال؛ لينفقه على الأرملة. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/2).
وقال النووي -رحمه الله-:
المراد بالساعي: الكاسِب لهما، العامل لِمُؤْنَتِهِمَا، والأرملة مَن لا زوج لها، سواء كانت تزوجت أم لا، وقيل: هي التي فارقت زوجها. شرح مسلم (18/ 112).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وإنما كان معنى «الساعي على الأرملة» ما قاله (أي: النووي): لأنه -صلى الله عليه وسلم- عدَّاه بـ«على» مُضَمِّنًا فيه معنى الإنفاق. الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3175-3176 ).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
الأرملة: المرأة التي لا زوج لها سواء كانت غَنِيَّةً أو فقيرةً. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (9/417).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«الأرملة» هي: مَن لا زوج لها، سواء كانت تزوجت أم لا، وقيل: هي التي فارقت زوجها.
قال ابن قتيبة: سُمِّيت أرملة لما يحصل لها من الإِرْمَال، وهو الفقر، وذهاب الزاد بِفَقْدِ الزوج، يقال: أَرْمَلَ الرَّجُل إذا فني زادُه. الكوكب الوهاج (26/397).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قلتُ: وهذا (الإشارة إلى كلام ابن قتيبة السابق) مأخَذٌ لطيف في إخراج الغَنِيَّة من عموم الأرملة. مرقاة المفاتيح (7/3101).
وقال الأزهري -رحمه الله-:
ولا يقال للمرأة التي لا زوج لها وهي مُوسِرَة: أرملة. تهذيب اللغة (15/148).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
وقال ابن السكيت: الأرامل: المساكين من الرجال والنساء.
قال: ويقال لهم: أرَامِلُ إن لم يكن فيهم نساء، والأَرْمَلُ: الرَّجُل الذي لا امرأة له. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (28/310).
وقال عبد الرحمن المباركفوري رحمه الله-:
«والمسكين» هو مَن لا شيء له.
وقيل: مَن له بعض الشيء، وقد يقع على الضعيف، وفي معناه الفقير بل بالأَوْلَى عند بعضهم. تحفة الأحوذي (6/89).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
قوله: «الساعي على الأرملة» والوجه فيه: أنه جعل أوقاته معمورة من السعي عليها، فجُوزِي بأنْ كُتِبَ له أجرُ مَن جعل أوقاته معمورة بالعبادة، فكان كالصائم القائم لا يفتر. فيض الباري على صحيح البخاري (6/127).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
قوله: «الساعي على الأرملة والمسكين» لأنه يعمل لهم، ويجهد فيهم، وحاصِل المجاهد كذلك يجتمع في بيت المال لهؤلاء. الكوكب الدري على جامع الترمذي (3/ 59).
وقال الكرماني رحمه الله-:
قوله: «الساعي» أي: الكاسب عليها، العامل في مصلحتها، و«الأرملة» مَن لا زوج لها، وكالمجاهد، وكالذي يصوم، يحتمل أن يكون لفًّا ونَشْرًا، وأن يكون كل واحد ككليهما، وفي بعضها: «أو كالذي» بـ(أو) الفاصلة لا الواو الواصلة. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (21/168- 169).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«الساعي على الأرملة والمسكين» الذي يذهب ويجيء في مصالحهما، والأرملة: التي لا زوج لها، والمراد: الكافِل لهما، العامل لِمُؤْنَتِهِمَا الذي يذهب ويجيء في قضاء حوائجهما. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 459).
قوله: «كالمجاهد في سبيل الله»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«كالمجاهد» أي: فَضْلُه كفَضْلِ المجاهد «في سبيل الله»؛ لإعلاء كلمته ونشر دِينه، أي: يُثَاب بما قام به ثواب القائم بالجهاد في سبيل الله. الكوكب الوهاج (26/397).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«كالمجاهد في سبيل الله» المحارِب للكفار في ميادين القتال في حصول الثواب. المنهل الحديث في شرح الحديث (4/86).
وقال عبد الرحمن المباركفوري رحمه الله-:
«كالمجاهد في سبيل الله» أي: ثواب القائم بأمرهما وإصلاح شأنهما والإنفاق عليهما كثواب الغازي في جهاده؛ فإن المال شقيق الروح، وفي بذله مخالفة النفس، ومُطالَبة رضا الرب. تحفة الأحوذي (6/89).
قوله: «أو القائم الليل الصائم النهار»:
قال الكوراني -رحمه الله-:
«أو القائم الليل الصائم النهار» إما شكٌّ من الراوي، أو تنويعٌ في التشبيه كما في قوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء} البقرة: 19، بعد قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} البقرة: 17، وهذا أظْهَرُ وأحسن، يؤيِّده رواية ابن ماجه بالواو. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (9/69).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «أو القائم الليل» شكٌّ من الراوي.
وفي رواية مَعْنِ بن عيسى وابن وهب وابن بكير وآخرين عن مالك بلفظ: «أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل»، وفي رواية ابن ماجه عن الدراوردي عن ثور مثله، ولكن (بالواو) لا بـ«أو». عمدة القاري (21/13).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يعني: مَن أعانَ أرملةً، وأحسنَ إليها، يكونُ ثوابُه كثوابِ الغازي، وكثوابِ الذي يصومُ النهارَ ولا يُفْطِر، ويقومُ الليل ولا يَفْتُر؛ أي: ولا يتركُ العبادة. المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 213).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قال الأشرف (البقاعي شارح المصابيح): الألف واللام في كالقائم والصائم غير مُعَرِّفَين؛ ولذلك وصف كل واحد بجملة فعلية بعده كقول الشاعر:
ولقد أَمُرُّ على اللئيم يَسُبَّنِي *** ...................... مرقاة المفاتيح (7/3101).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«أو القائم الليل»... والليل والنهار يجوز فيه ثلاثة أوجه على إرادة الصفة المشبَّهَة مِن القائم والصائم مثل الحَسَن الوجه، فالرفع على الفاعلية المجازية، فإنه يقال: قام ليله وصام نهاره. والنصب على الظرفية. والجر على إضافتها للفاعل المعنوي المجازي. المنهل الحديث في شرح الحديث (4/86).
قوله: «كالقائم لا يَفْتُر، وكالصائم لا يُفْطِر»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«وكالقائم» أي: بالتهجُّد. دليل الفالحين (3/84)
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قوله: «كالقائم» يريد: المصلِّي، يقال: فلان يقوم الليل كله، إذا كان يصلي فيه. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (28/310).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«وكالقائم» بصلاة الليل الذي «لا يَفْتُرُ» ولا ينقطع عن قيامه، ولا يضعف عنه طول الليل. الكوكب الوهاج (26/397).
وقال العيني -رحمه الله-:
«ولا يَفْتُر» صفة للقائم. عمدة القاري (22/105).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«وكالصائم» صوم النفل في جميع أيامه، «لا يُفْطِر» عن صومه في بعض الأيام التي يجوز فيها الصوم. الكوكب الوهاج (26/397).
وقال السندي -رحمه الله-:
«ويصوم النهار» أي: على الدوام أو غالبًا؛ لما جاء في صوم الأبد (مِن النهي)، مثل: «لا صام مَن صام الأبد». حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/2).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «كالقائم لا يَفْتُر، وكالصائم لا يُفْطِر» هما عبارتان عن الصوم بالنهار والقيام بالليل، كقولهم: نهاره صائم وليله قائم، يريدون الديمومة. الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3176).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«وكالصائم الذي لا يُفْطِر» أي: هو كالْمُلازِم للعبادة ليلًا ونهارًا في دوام الثواب واستمراره بدوام العمل الصالح. دليل الفالحين (3/84).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وإنما شَبَّه الساعي على الأرملة بالمجاهد؛ لأن القيام على المرأة بما يُصْلِحُها وما يحفظها ويصونها لا يتصور الدوام عليه إلا مع الصبر العظيم، ومجاهدة النفس والشيطان؛ فإنهما يُكَسِّلان عن ذلك، ويُثَقِّلانه ويُفْسِدَان النِّيَّات في ذلك، وربما يَدْعُوَان بسبب ذلك إلى السوء، ويُسَوِّلَانِه؛ ولذلك قلَّ مَن يدوم على ذلك العمل، وأقلَّ مِن ذلك مَن يسلم منه، فإذا حصل ذلك العمل حصَلَت منه فوائد كَشْفِ كَرْبِ الضعفاء، وإبقاء رَمَقِهِم، وسَدِّ خُلَّتِهم، وصَوْنِ حُرْمَتِهم. المفهم (6/613).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
مَن عجز عن الجهاد في سبيل الله وعن قيام الليل وصيام النهار فليعمل بهذا الحديث، ولْيَسْعَ على الأرامل والمساكين؛ ليُحْشَر يوم القيامة في جملة المجاهدين في سبيل الله دون أن يخطو في ذلك خطوة، أو ينفق درهمًا، أو يلقى عدوًّا يَرْتَاع بلقائه، أو لِيُحْشَرَ في زمرة الصائمين والقائمين، وينال درجتَهم وهو طاعم نهاره، نائم ليله أيام حياته، فينبغي لكل مؤمن أن يحرص على هذه التجارة التي لا تبور، ويسعى على أرملةٍ أو مسكينٍ لوجه الله تعالى، فيربح في تجارته درجات المجاهدين والصائمين والقائمين من غير تعب ولا نَصَبٍ، ذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء. شرح صحيح البخاري (9/ 218).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
في هذا الحديث: فضل ما للسَّاعي لِقوَامِ عيشه وعيش مَن يقوم به، وابتغاء فضل الله الذي به قوام بَدَنِهِ لعبادة ربه، وقَوَام مَن يَمُونُه ويستر عوراتهم، وأجر نفقاتهم أنه كالمجاهد، وكالصائم القائم؛ وذلك أنه في كل تصرفٍ له في ذلك في طاعة ربه وامتثال أمره. إكمال المعلم (8/532).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: أنه أشار إلى فضل السعي، وأنه إذا كان لا عيالَ له؛ إذ لو كان له عيال لكان كَسْبُه عليهم فرضًا، وكان أعظم من هذا؛ ولكن إذا لم يكن له عيال فصَرَفَ كَسْبَهُ إلى الأرملة والمسكين كان كالصائم لا يُفْطِر، وكالقائم لا يَفْتُر، والمجاهد في سبيل الله.
والمراد: أن الله تعالى يجمع له ثواب الصائم والقائم والمجاهد في دفعة؛ وذلك أنه قام للأرملة مقام زوجها الذي سَلَبَهَا إياه القدر، وأرضاها عن ربها، وقام على ذلك المسكين الذي عجز عن قيامه بنفسه؛ فأَنْفَقَ هذا فَضْلَ قُوْتِه، وتَصَدَّق بِجَلَدِهِ؛ فكان نفعُه إذًا (يكافِئ) الصوم والقيام والجهاد. الإفصاح عن معاني الصحاح (6/267).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فوائده: منها:... بيان فضل السعي في تحصيل النفع للأرملة...
ومنها: أن بعض الأعمال يساوي الجهاد، وقيام الليل، وصيام النهار.
ومنها: أن معرفة مقدار ثواب الأعمال مفوَّض إلى الله -سبحانه وتعالى-، فرُبَّ عملٍ سهلٍ يُساوي فضل عملٍ شاقٍّ وبالعكس. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (23/117).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وفي هذا دليل على جهل أولئك القوم الذين يذهبون يمينًا وشمالًا ويَدَعُون عوائلهم في بيوتهم مع النساء، ولا يكون لهم عائل فيضيعون؛ لأنهم يحتاجون إلى الإنفاق، ويحتاجون إلى الرعاية وإلى غير ذلك، وتجدهم يذهبون يتَجَوَّلُون في القرى وربما في المدن أيضًا بدون أن يكون هناك ضرورة، ولكن لشيءٍ في نفوسهم، يظنون أن هذا أفضل من البقاء في أهليهم بتأديبهم وتربيتهم. وهذا ظن خطأ؛ فإنَّ بقاءهم في أهلهم، وتوجيه أولادهم مِن ذكور وإناث، وزوجاتهم ومَن يتعلق بهم أفضل من كونهم يَخْرُجون يزعُمون أنهم يُرْشِدون الناس وهم يتركون عوائلهم الذين هم أحق من غيرهم. شرح رياض الصالحين (3/100).
وقال الشيخ سليمان اللهيميد -حفظه الله-:
الفوائد (في الحديث):
1-فضل السعي على المرأة الأرملة، وكذلك على المسكين.
2-السعي على الأرملة واليتيم والإنفاق عليهما والقيام على أمورهما جهاد في سبيل الله.
3-مِن فضل السعي على الأرملة والمسكين: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شَبَّهَهُ بالمداوِم طوال الليل على القيام، وبالصائم الذي لا يُفْطِر، وهذا المقصود فيه المبالغة.
4-فضل الجهاد في سبيل الله.
5-أن الجهاد أنواع: فمنه الجهاد بالنفس، ومنه الجهاد بالمال، ومنه الجهاد بالكلمة.
6-ينبغي للمحْسِن أن يُحْسِن على المحتاجين؛ لقوله: «الساعي...»، وهذا يدل على حِرْصِهِ على الإحسان والإنفاق. قرة العينين في شرح أحاديث مختارة من الصحيحين (21).