الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

«مَن آتاهُ اللهُ مِن هذا المالِ شيئًا، مِن غيرِ أنْ يسْأَلَهُ، فَلْيَقْبَلْهُ، فإنَّما هو رِزْقٌ ساقَهُ الله -عزَّ وجلَّ- إليه».


رواه أحمد برقم: (7921)، وإسحاق بن راهويه في مسنده برقم: (132)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (5921)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (842).


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «من آتاه الله من هذا المال شيئًا من غير أن يسأله فليقبله»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«من آتاه الله» فيه أن الله هو يسَخِّر القلوب حتى تعطي، «من هذا المال» كأن الإشارة إلى التحقير، أو إلى ما كان في أيدي الملوك. التنوير شرح الجامع الصغير (10/8).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«من هذا المال» أي: من جنسه، «شيئًا» أي: يظن حِلَّهُ «من غير أن يسأله» أي: يطلبه من الناس. فيض القدير (6/18).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «مِن هذا المال» كأنَّ الإشارة إلى نوع الحلال. حاشية السندي على مسند أحمد (2/523).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فليقبله» ظاهر الأمر الوجوب ما لم يعلم أنه حرام. التنوير شرح الجامع الصغير (10/8).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فليقْبَلْهُ» أي: ندبًا وإرشادًا لا وجوبًا. فيض القدير (6/18).

قوله: «فإنما هو رزق ساقه الله -عَزَّ وَجَلَّ- إليه»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«فإنما هو رزق ساقه الله إليه» قال ابن جرير: فمن أُعطي ممن تجوز عطيَّته سلطانًا أو غيره عدلًا أو فاسقًا فلا على الإنسان في قبوله، ثم أخرج بسنده أن عبد العزيز بن مروان كتب إلى ابن عمر: ارفع إليَّ حوائجك، فقال: لست بسائلك ولا برادٍّ عليك ما رزقني الله منك، فبعث بألف دينار، فقَبِلَها. فيض القدير (6/18).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«رزق ساقه الله» هذا إذا لم يعلم كونه حرامًا أو شبهة، فالأول يحرم، والثاني صفة المؤمن الوقف عنده، وقد قُيِّد في غير هذا بعدم استشراف النفس إليه أي: تطلُّعها إلى إتيانه. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 580).
وقال الغزالي -رحمه الله-:
وليس عليك أنْ تتيقن بواطن الأمور، بل عليك أن تحترز مما تعلم أنه حرام أو تظن أنه حرام، ظنًّا حصل من علامة ناجزة مقدرة بالمال؛ أما المعلوم فظاهر، وأما المظنون بعلامة فهو مال السلطان وعُمَّالِه، ومال من لا كَسْبَ له إلا من النياحة، أو بيع الخمر، أو الربا، أو المزامير؛ وغير ذلك من آلات اللهو المحرمة، فإنَّ مَن عَلِمْتَ أنَّ ‌أكثر ‌ماله ‌حرام قطعًا، فما تأخذه من يده -وإن أمكن أن يكون حلالًا نادرًا- فهو حرام؛ لأنه الغالب على الظن. بداية الهداية (ص:56).
وقال السندي -رحمه الله-:
«فإنما هو رزق» أي: فالإعراض عنه إعراض عن رزق الله، وهو غير محمود، مع ما في ترك القبول من الاشتهار، والله تعالى أعلم. حاشية السندي على مسند أحمد (2/523).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
معنى الحديث: أن من أعطي شيئًا من المال أو الطعام أو نحو ذلك بقصد الصدقة أو الهدية أو الهبة من غير مسألة ولا تَطَلُّع لذلك المال فلا يَرُدّه بل يقبله؛ فإنما هو رزق ساقه الله -عزَّ وجلَّ- إليه ليوسع على نفسه به. الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد (15/ 162).
وقال النووي -رحمه الله-:
اختلف العلماء فيمن جاءه مال هل يجب قبوله أم يندب؟ على ثلاثة مذاهب، حكاها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وآخرون.
والصحيح المشهور الذي عليه الجمهور: أنه يستحب في غير عطية السلطان، أما عطية السلطان فحرَّمها قوم وأباحها قوم وكرهها قوم.
والصحيح: أنه إن غَلَبَ الحرام فيما في يد السلطان حَرُمَتْ، وكذا إن أعطى من لا يستحق، وإن لم يغلب الحرام فمباح إن لم يكن في القابض مانع يمنعه من استحقاق الأخذ.
وقالت طائفة: الأخذ واجب من السلطان وغيره.
وقال آخرون: هو مندوب في عطية السلطان دون غيره. شرح مسلم (7/134-135).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
التحقيق في المسألة: أنَّ من عُلِمَ كون ماله حلالًا فلا تُرَدُّ عطيَّته، ومَن عُلِمَ كون ماله حرامًا فتحرم عطيَّته، ومن شُكَّ فيه فالاحتياط ردُّه وهو الورع، ومَن أباحه أخذ بالأصل. فتح الباري (3/338).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
وقد احتج بعض من رخَّص ذلك (أي: في أخذ العطية ممن ماله حرام) بقول الله -عزَّ وجلَّ- لما ذكر اليهود، قال: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} الآية المائدة:42، وقد رهن النبي -صلى الله عليه وسلم- درعه عند اليهودي. الإشراف على مذاهب العلماء (6/ 151).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
أرجح الأقوال عندي في مسألة القبول: القول بالوجوب؛ لظواهر النصوص؛ إذ هي بصيغة الأمر، ولا صارف له إلى الندب، وما ادعاه بعضهم من الإجماع على الندب غير صحيح؛ لما عرفت من الخلاف. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (20/24).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
فإن قال قائل: فإن كان الأمر كما وَصَفْتَ من أنه لا يحرم على امرئ قبولُ عطيةِ أحدٍ يجوز حكمُه في مالِه إلا عطية حرَّم الله قبولها، فما وجه فعل مَن رَدَّ عطايا السلاطين، وامتنع من قبول هدايا الأمراء، وقد نَدَبَ -صلى الله عليه وسلم- إلى قبول عطية كل أحد؟
قيل له: إنَّ مَن رد من ذلك شيئًا إنما كان على من كان الأغلب من أمره أنه لا يأخذ المال من وجهه، فرأى أن الأسلم لدينه والأبرأ لعرضه ترك قبوله، إذا كان الأمر بالقبول غير حَتْمٍ واجب، وإنما هو ندب إلى قبول ما لا شك في حِلِّه، فإذا كان فيه لَبْسٌ فالحق ترك قبوله، وما لم يكن حلالًا يقينًا فلم يدخل في أمره -صلى الله عليه وسلم- عمر بقبوله (يقصد حديث: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال لعمر: «ما آتاك الله من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فاقبله»)، فأحلَّه محل الشبهات التي مَن وَاقَعَهَا لم يُؤْمَن منه مُواقَعَة الحرام. شرح صحيح البخاري (3/509).
وقال ابن بطال -رحمه الله- أيضًا:
فإن قيل: فما تقول فيمن قَبِلَ ممن لم يتبين من أين أخذ المال ولا فيما وضعه؟
قيل: ذلك ينقسم إلى ثلاثة أقسام: فما علمتُ يقينًا أنه حلال فلا أسْتَحِبُّ ردَّه، وما علمتُ يقينًا أنه حرام فلا أسْتَحِلُّ قبوله، وما لم أعلم وجْهَ مصيره ولا سبب وصوله إليه، فذلك ما قد وَضَعَ عنِّي تَكَلُّفَ البحث عن أسبابه، وألْزمَنِي في الظاهر الحكم بأنه أولى به من غيره، ما لم يستحقه عليه مستحق، كما أَحْكُمُ بما في يد أعدل العدول أنه أولى بما في يده ما لم يستحقه عليه مستحِق، فسوى -عزَّ وجلَّ- بين حكم أفضل خلقه في ذلك وأفجرهم، فالواجب عليَّ التسوية في قبول عطية كل واحد منهما وردها من جهة ما يحل ويحرم، وإن اختلفا في أن البَرَّ أحق بأن يُسَرَّ بقبول عطيته من الفاجر.
فإن قيل: يجوز على هذا مبايعة من يخالط ماله الحرام وقبول هداياه؟
قيل: قد كره ذلك قوم وأجازه آخرون. شرح صحيح البخاري (3/ 510).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
فيه: دليل على أن الأشياء الواصلة إلى العباد على أيدي بعضهم هي من الأرزاق الإلهية لمن وصلت إليه، وإنما جعلها الله جارية على أيدي العباد لإثابة من جعلها على يده، فالمحمود على جميع ما كان من هذا القبيل هو الله تعالى. نيل الأوطار (5/415).
وقال القنازعي -رحمه الله-:
في هذا الحديث: رخصة أن يأخذ الرَّجُل ما أُعْطِيَه من غير مسألة ولا تعرُّض، وإن لم يكن من ذوي الحاجة. تفسير الموطأ (2/781).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وكان ‌مالك ‌يرى ‌ترك ‌ما ‌أَعْطَى الرَّجُل على جهة الصدقة أحب إليه من أخذه، وإن لم يسأله. شرح صحيح البخاري (3/ 505).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
أحاديث الباب تدل على مشروعية قبول العطية من المعطي إذا كانت من غير سؤال ولا إشراف نفس، سواء أكانت العطية مالًا أم غيره. الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد (9/ 120).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا