الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«ما بالُ أقوامٍ يرفعونَ أبصارَهُم إلى السماءِ في صلاتِهِم؟ فاشتدَّ قولُهُ في ذلك، حتى قال: لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك، أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارُهُم».


رواه البخاري برقم: (750)، من حديث أنس -رضي الله عنه-.
ورواه مسلم برقم: (428)، من حديث جابر بن سَمُرَة -رضي الله عنه- بنحوه.
ورواه مسلم -أيضًا- برقم:(429)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بلفظ: «عند الدُّعاءِ في الصلاةِ».


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«لَتُخْطَفَنَّ أبْصَارُهُم»:
أي: لَتُسْلَبنَّ أبصارُهم إن لم ينتهوا عن ذلك. شرح المصابيح، لابن الملك (2/ 56).


شرح الحديث


قوله: «ما بالُ أقوامٍ؟»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«ما بالُ أقوام؟» أي: ما حالهم وشأنهم؟
فـ«ما» استفهامية مبتدأ، و«بالُ أقوام» مضاف ومضاف إليه خبره، أو بالعكس، والاستفهام إنكاري. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (14/ 185).
وقال المغربي -رحمه الله-:
قوله: «لَيُنْتَهيَنَّ» في رواية المستملي والحموي للبخاري بضم الياء، وسكون النون، وبفتح المثناة والهاء والياء، وتشديد النون على البناء للمفعول، والنون للتأكيد، وللباقين بفتحِ أوَّله، وسكون النون، وضم الهاء على البناء للفاعل، وهو الضمير المحذوف.
«أقوام» فاعل أيضًا على لغة: (أكَلُوني البراغيث). البدر التمام شرح بلوغ المرام (2/385).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
إنما أَبْهَمَ الرافع ولم يقل: ما بالُ فلانٍ؛ لئلا ينكسر خاطره؛ إذ النصيحة على رؤوس الأشهاد فضيحة. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (1/117).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
قوله: «ما بالُ أقوام» على دأْبِه في المواعظ لم يعيِّن المخاطَب؛ لئلا يخْجَل بين الناس مع كونه أعم فائدة. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (2/382).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يُواجِه أحدًا بمكروه، بل إن رأى أو سمع ما يكره عمَّم كما قال: «ما بالُ أقوام يشترطون شروطًا»، «لينتهينَّ أقوام عن كذا». نيل الأوطار (2/221).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
كان من عادته -صلى الله عليه وسلم- ومن هديه وحُسن خُلُقه أنه إذا وقعت مخالفة من بعض الناس تحتاج إلى تنبيه وبيان فإنه يأتي بكلام عام دون أن يسميهم؛ ليستفيد من كلامه الذين حصل منهم الخطأ والذين لم يحصل منهم. شرح سنن أبي داود (116/17).

قوله: «يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
جملة «يرفعون» في مـحل جر صفة لـ«أقوام» أو حال منه، وإن كان نكرة؛ لوقوعه بعد استفهام إنكاري...
«إلى السماء» متعلق بـ«يرفعون».
«في صلاتهم» متعلق به أيضًا، أو بحال مقدَّر أي: حال كونهم كائنين في صلاتهم، وفي نسخة: «في الصلاة». ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (14/ 185).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «في صلاتهم» زاد مسلم عن أبي هريرة: «عند الدعاء»، فإن حمل المطلق على هذا المقيد اقتضى اختصاص الكراهة بالدعاء الواقع في الصلاة. فتح الباري (2/ 233).
وقال العيني -رحمه الله- معلقًا:
ليس الأمر كذلك (يريد كلام ابن حجر) بل المطلق يجري على إطلاقه والمقيد على تقييده، والحكم عام في الكراهة، سواء كان رفع بصر في الصلاة عند الدعاء أو بدون الدعاء، والدليل عليه ما رواه الواحدي في أسباب النزول من حديث ابن علية عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة «أن فلانًا كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزلت: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُون} المؤمنون:2»، ورفْعُ البصر في الصلاة مطلقًا ينافي الخشوع الذي أصله هو السكون. عمدة القاري (5/309).
وقال محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله- معلقًا:
قلتُ: العيني لم يتأمل اعتراضه؛ إذ كيف يصح أن يبقى المقيد على تقييده وتكون الكراهة عامة؟ فإن التقييد مُنَافٍ لعموم الكراهة، فمع اعتباره لا يصح عموم الكراهة. كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (9/155).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
حمله على إطلاقه هو الظاهر، وقد أخرجه ابن ماجه وابن حبان من حديث ابن عمر بغير تقييد، ولفظه: «لا ترفعوا أبصاركم إلى السماء» يعني في الصلاة. البحر المحيط الثجاج (10/210).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
أما خارج الصلاة ما في إشكال؛ للاعتبار، للاتعاظ هذا مطلوب، للتفكر مطلوب، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَاب} آل عمران:190، فالتفكر مطلوب، ومن ذلك النظر في السماء. شرح المحرر في الحديث (24/19).

قوله: «فاشتد قوله في ذلك»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فاشتد قوله في ذلك» أي: زاد شِدَّة قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأن رفع البصر إلى السماء. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (14/ 185).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
«فاشتد قوله في ذلك» إما بتكرير هذا القول أو غيره، مما يفيد المبالغة في الزجر. عون المعبود شرح سنن أبي داود (3/128).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«فاشتد في ذلك قوله» لم يَنْقُل مقالته إما لأنه لم يحفظها؛ أو نبَّه بلفظ «اشتد» على أنه بالَغَ في الإنكار. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (2/382).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «فاشتد قوله في ذلك» يعني: كان (و) هو يقول هذا الكلام يظهر عليه شدة الغضب -صلوات الله وسلامه وبركاته عليه-، مُنْكِرًا عليهم ذلك. شرح سنن أبي داود (116/17).

قوله: «حتى قال: لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارهم»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«لَيَنْتَهُنَّ» اللام هي الموطِّئَة للقسَم المقدر، أي: والله لَيَنْتَهُنَّ. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (14/ 185-186).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «لَيُنْتَهَيَنَّ» كذا للمستملي والحموي بضم الياء وسكون النون وفتح المثناة والهاء والياء، وتشديد النون على البناء للمفعول والنون للتأكيد، وللباقين «لَيَنْتَهُنَّ» بفتح أوله، وضم الهاء على البناء للفاعل. فتح الباري (2/234).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«لَيَنْتَهُنَّ»... هو بفتح الياء، وضم الهاء مبنيًا للفاعل، والفاعل واو الجماعة المحذوفة للالتقاء الساكنين؛ إذ أصله لينتهونن، ثم حذف نون الرفع؛ لتوالي الأمثال، وواو الجماعة لالتقاء الساكنين. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (14/ 185-186).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «لَيَنْتَهِيَنَّ أقوام» في هذه الجملة إشكال في إعراب الفعل؛ لأن الفعل الآن مفتوح ولم نرَ ناصبًا ينصبه؛ هذا فعل مضارع اتصَلَت به نون التوكيد المباشرة، متى يُبنى المضارع؟ يُبنى الفعل المضارع إذا اتصلَتْ به نون التوكيد أو نون الإناث... الجملة في قوله: «لَيَنْتَهِينَّ» جملة مؤكَّدة بثلاث مؤكَّدات: القسَم، واللام، والنون، والتقدير: والله لينتهينَّ؛ أي: يَتْرُكُنَّ. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/587).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«ليَنْتَهِيَنَّ» أي: لَيَنْزَجِرَنَّ. الكوكب الوهاج (7/222).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«عن ذلك» متعلِّق بما قبله، أي: عن رفع أبصارهم إلى السماء في الصلاة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (14/186).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
و«ذلك» إشارة إلى رفع البصر. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (1/117).

قوله: «عند الدعاء»:
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
لا فرق بين أن يكون عند الدعاء أو عند غيره؛ لأن الوعيد إنما تعلَّق به من حيث إنه إذا رفع بصره إلى السماء أعرض عن القبلة، وخَرَج عن سَمتِها، وعن هيئة الصلاة. المفهم (2/ 60).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
الراجح عندي: أن رفع البصر إلى السماء في الصلاة حرام؛ لهذا الوعيد الشديد، فإنه لا يكون إلا على فعل محرَّم، وسواء كان الرفع في حالة الدعاء، أم في غيره. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (14/ 187).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
في الحديث: النهي عن رفع البصر إلى السماء في الدعاء في الصلاة والوعيد في ذلك، وهذا بخلاف الدعاء في غير الصلاة؛ لأن حكم الصلاة استقبال القبلة والانتصاب إليها، وترك الالتفات والنظر إلى جهة، وفي رفع البصر إلى السماء إعراض عن القبلة، وخروج عن هيئة الصلاة.
وقد حكى بعض العلماء الإجماع على النهي عن ذلك في الصلاة، وقد حكى الطبري كراهة رفع البصر في الدعاء إلى السماء في غير الصلاة، وحكى عن شريح أنه قال لمن رآه فعله: اكْفُفْ يديك، واخفض بصرك، فإنك لن تراه، ولن تناله، وقال غيره ممن أجازه -وهم الأكثرون-: إنَّ السماء قِبْلَةُ الدعاء، كما أنَّ الكعبة قِبْلَةُ الصلاة، فلا يُنْكَرُ رفعُ الأبصار والأيدي إلى جهتها، قال الله تعالى: {وَفي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدونَ} الذاريات: 22. إكمال المعلم (2/ 341).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معلقًا:
قوله (أي: عياض): "لأن السماء قبلة الدعاء" فيه نظر لا يخفى؛ إذ الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يستقبل القِبْلَة عند الدعاء، ولم يُنقل عنه أنه كان يتوجَّه في الدعاء إلى السماء، وتشبيهه برفع اليد غير صحيح؛ لأن رفع اليد في الدعاء ثبَتَ في النصوص الصحيحة، وأما رفع البصر إلى السماء في الدعاء فلم يرد، وأما الآية فليس فيها بيان كون السماء قِبْلة للدعاء، كما لا يخفى على بصير.
والحاصل: أن السُّنة في الدعاء هو التوجه إلى القبلة، لا إلى السماء. البحر المحيط الثجاج (10/212).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وفيه: أنَّ رفع اليد في الدعاء مأثور مأمور، ورفع البصر فيه منهي عنه. مرقاة المفاتيح (2/ 782).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وخُصّ حال الدعاء؛ لأنه كان الموضع الذي ترفع فيه الأبصار فيما أحسب فلا مفهوم له حتى يقال يجوز في غير حال الدعاء.التنوير، شرح الجامع الصغير(9/٣٠٦).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«أو لتُخْطَفَنَّ أبصارُهم» بضم حرف المضارعة، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الطاء المهملة والفاء والنون المشددة، مبنيًّا للمفعول، و«أبصارُهم» نائب فاعله.
والمعنى: لَتُسْلَبَنَّ أبصارُهم بسرعة، أي: إنَّ أحد الأمرين واقع لا محالة، إما الانتهاء منهم، أو خطف أبصارهم من الله عقوبة على فعلهم. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (14/ 186).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «أو لَيَخْطَفَنَّ الله» مِن الخَطْفِ؛ وهو السَّلْبُ والأخذ بسرعة. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (6/446).
وقال المناوي -رحمه الله-:
يحتمل كونها خطفةً حسيةً، ويحتمل معنويةً. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 334).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
«أَوْ لَتُخْطَفُنَّ أَبْصارُهُمْ» وليس يريد بذلك إذهابها بالعمى، وإنما يشير به إلى ذهاب فائدتها مِن العِبْرَةِ. القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (ص: 243).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
هذا وعيد شديد، والوعيد لا يكون إلا على كبيرة مِن الحرام، لا على مباح ومكروه أصلًا، ولا على صغيرة مغفورة، وقال بهذا طائفة من السلف، ومن العجب أن يكون الحنفيُّون يُبْطِلون صلاة مَن صلى خلف إمام وإلى جانبه امرأة تصلي بصلاة ذلك الإمام، وهو لا يَقْدِرُ على إزالتها، وصلاة مَن تكلَّم ساهيًا في صلاته، والمالكِيُّون يُبْطِلُون صلاة مَن صلى وقد توضأ بماء بُلَّ فيه خبز، والشافعيُّون يُبْطِلُون صلاة مَن صلى وعلى ثيابه شَعْرٌ مِن شَعْرِهِ نفسه قد سقط من لحيته ورأسه، وما جاء قطُّ نصٌّ ولا دليل على بطلان صلاة أحد من هؤلاء، ثم يجيزون صلاة مَن تعمَّد في صلاته عملًا صحَّ النص بتحريمه عليه، وشدَّة الوعيد فيه، وبالله تعالى التوفيق. المحلى بالآثار (2/ 331-332).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
واختلف العلماء -رحمهم الله- هل تَبْطُل الصلاة إذا رفع الإنسان بصره إلى السماء أو لا تبطل؟
أكثر العلماء على أن الصلاة لا تبطل.
وقال بعض العلماء -ومنهم الظاهرية-: إن الصلاة تَبْطُل؛ لأنه فَعَلَ فعلًا منهيًّا عنه في الصلاة، فكما تَبْطُل الصلاة بالكلام تَبْطُل برفع البصر إلى السماء، لكن القول الصحيح: ما عليه الجمهور؛ أن الصلاة لا تبطل، لكن الرَّجُل قد فعل محرَّمًا وعرَّض نفسه للعقوبة. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/587).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارهم»، ولمسلم من حديث جابر بن سَمرة: «أو لا ترجع إليهم» يعني: أبصارهم.
واختُلف في المراد بذلك فقيل: هو وعيد، وعلى هذا فالفِعْل المذكور حرام، وأَفْرَطَ ابن حزم فقال: يُبْطِل الصلاة.
وقيل: المعنى: أنه يُخشى على الأبصار من الأنوار التي تنزل بها الملائكة على المصلين كما في حديث أُسيد بن حُضير. فتح الباري (2/234).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
والمعنى: والله لَيَنْتَهِيَنَّ أقوام عن الرفع أو لَتُسْلَبَنَّ أبصارُهم؛ لأن ذلك يُوهِم نسبة العلو المكاني إلى الله تعالى، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. مرقاة المفاتيح (2/ 782).
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
قد اتفق أهل السنة والجماعة على أن الله تعالى مُستوٍ على عرشه، وعرشه فوق السماوات السبع، والاستواء هو الارتفاع والعلو، فالله تعالى عالٍ على عرشه، بائنٌّ مِن خلقِه، وعِلمه وقدرته في كل مكان، وكيفية استواءه مجهولة، ليس كمثله شيء. مرعاة المفاتيح (7/141).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان -حفظه الله-:
وإذا كانت صفة العلو والفوقية صفة كمال لا نقص ولا تستلزم نقصًا، ولا محذور فيها، ولا تخالف كتابًا، ولا سُنة، ولا إجماعًا، فنفي حقيقتها يكون عين الباطل والمُحال، الذي لا تأتي به شريعة أصلًا، فكيف إذا كان لا يمكن الإقرار بوجوده -تعالى-، وتصديق رسله، والإيمان بكتابه، وما جاء به رسوله، إلا بذلك؟
فكيف إذا انضم إلى ذلك شهادة العقول السليمة، والفطر المستقيمة، والنصوص الواردة، المتنوعة في الدلالة، على علو الله -تعالى- على خِلقه، وكونه فوق عباده، التي تقرب من عشرين نوعًا. شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (1/458).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
عُلو الله تعالى ثابت بالكتاب والسُّنة والعَقل والفِطرة والإجماع.القواعد المثلى (61-63).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«أو» هنا للتخيير، نظير قوله تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} الفتح: 16 أي: يكون أحد الأمرين: إما المقاتلة وإما الإسلام، لا ثالث لهما، وهو خبر في معنى الأمر...، والمعنى: ليكون منكم الانتهاء عن الرفع أو خَطْف الأبصار عند الرفع من الله -سبحانه وتعالى-. الكاشف عن حقائق السنن (3/1070-1071).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
والظاهر: أن رفع البصر حال الصلاة حرام؛ لأن العقوبة بالعمى لا تكون إلا عن مُحرَّمٍ.
والمشهور عند الشافعية أنه مكروه، وبالَغَ ابن حزم فقال: تبطل الصلاة به، وقيل: المعنى في ذلك أنه يُخشى على الأبصار من الأنوار التي تنزل بها الملائكة على المصلي كما في حديث أُسيد بن حضير في فضائل القرآن، وأشار إلى ذلك الداودي ونحوه في جامع حماد بن سلمة عن أبي مجلز أحد التابعين. نيل الأوطار (2/221).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وقد رأيتُ بعض الناس إذا رفع من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، رفع بصره ووجهه، وهذا حَرام عليه. شرح رياض الصالحين (6/508).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
والسؤال الذي يفرض نفسه والحالة هذه أن يقال: إذَنْ فما هي الهيئة المشروعة للنظر أثناء الصلاة؟
وقد أجاب عن ذلك الزين ابن المنير فقال: نَظَرُ المأموم إلى الإمام من مقاصد الائتمام، فإذا تمكَّن مِن مراقبته بغير التفاوت كان ذلك من إصلاح صلاته.
وقال ابن بطال: يرى مالك أنَّ نَظَرَ المصلي يكون إلى جهة القبلة.
وقال الشافعي والحنفية: يُستحب للمصلي أن ينظر إلى موضع سجوده؛ لأنه أقرب للخشوع. المنهل الحديث في شرح الحديث (1/174).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ويمكن أن يُفَرَّق بين الإمام والمأموم، فيستحب للإمام النظر إلى موضع السجود، وكذا للمأموم إلا حيث يحتاج إلى مراقبة إمامه، وأما المنفرد فحكمه حكم الإمام والله أعلم. فتح الباري (2/232).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: فيلزم منه أن يكون حرامًا.
قلتُ: لولا الإجماع على عدم حرمته لوجب القول بذلك، فحُمِلَ على الكراهة. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (1/117).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
واستثنى بعض العلماء -رحمهم الله- من ذلك النظر إلى الإمام؛ ليقتدي به، لا سيما إذا كان الإنسان لا يسمع ولا يمكن اقتداؤه بإمامه إلا بالنظر فإنه ينظر إليه؛ لأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك، وقد صَعَدَ النبي -صلى الله عليه وسلم- المنبر وجعل يصلي عليه، وقال: «فعلتُ ذلك لِتَأْتَمُّوا بي، ولتَعَلَّمُوا صلاتكم»، ولا يمكن أن يحصل تعليم الصلاة إلا وهم ينظرون إليه؛ ولهذا كانوا يَحْكُون اضطراب لحيته في الصلاة السرية، مما يدل على أنهم كانوا ينظرون إلى إمامهم. شرح رياض الصالحين (6/509).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
إنما يُكره رفع البصر إلى السماء عبثًا، فأما لحاجة فيجوز، وقد أشارت عائشة لأختها أسماء إلى السماء في صلاة الكسوف.
وقد نص أحمد على أن مَن تَجَشَّأَ في صلاته فإنه يرفع رأسه إلى السماء؛ لئلا يتأذى مَن إلى جانبه برائحة جُشَائِه. فتح الباري (6/443).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وأما الرفع في الدعاء خارج الصلاة فمكروه؛ لمخالفته هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد ثبت في غير حديث أنه كان يستقبل القبلة في الدعاء، فلا ينبغي مخالفة هديه.
وأما رفع البصر في غير الدعاء فجائز؛ لأنه ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يرفع بصره إلى السماء، كما في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- حين بات عند خالته ميمونة -رضي الله عنها-، أنه -صلى الله عليه وسلم- قام من آخر الليل فخرج فنظر في السماء، ثم تلا هذه الآية في آل عمران {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} الآيات آل عمران: 190، متفق عليه، وغير ذلك من الأحاديث التي تدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يرفع بصره إلى السماء، وإن كان أكثر نظره إلى الأرض. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (14/ 187)
وقال العيني -رحمه الله-:
وقد بيَّن ابن ماجه سبب هذا الحديث، ولفظه: «صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا بأصحابه، فلما قضى الصلاة أقبل عليهم بوجهه» فذكره. عمدة القاري (5/309).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فإن قال قائل: الحديث «يرفعون أبصارهم» فما قولك فيما لو رفع وجهه وأغمض عينه؟
فالظاهر أنه لا فرق، وأن قوله: «يرفعون أبصارهم» من باب الأغلب أن الإنسان إذا رفع وجهه رفَعَ بصَره، وعليه رَفْعُ وجْهِهِ وهو مغمض عينيه دخل في النهي.
فإن قال قائل: لو رَفَعَ بصره إلى السماء دون وجْهِهِ هل يدخل في الحديث؟
الظاهر أنه يدخل في الحديث، وإن كان الأغلب أن المعنى رفع البصر مع الوجه. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/587- 588).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
لما كان المأخوذ على المتعبِّد في الصلاة أن يخشع، والخشوع: التذلل والتواضع، ناسَبَ هذا الوعيد سوء الأدب. كشف المشكل (1/455).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ومن فوائد هذا الحديث: الإنكار على مَن نشاهدهم إذا رفعوا رؤوسهم من الركوع رفعوا وجوههم إلى السماء، وهذا غلط، وعلى مَن رآهم أن ينصحهم ويبين لهم؛ لأنهم جهال لا يعرفون، وأنت عالِمٌ فبَيِّن لهم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بلغوا عني ولو آية». فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/587).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
العلماء مجْمِعُون على القول بهذا الحديث، وعلى كراهية النظر إلى السماء في الصلاة، وقال ابن سيرين: كان رسول الله مما ينظر إلى السماء في الصلاة، فيرفع بصره حتى نزلت آية إن لم تكن هذه فما أدري ما هي؟ {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِم خَاشِعُونَ} المؤمنون: 2، قال: فوضع النبي رأسه. شرح صحيح البخاري (2/ 364).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفيه: وعيد شديد على رفع البصر إلى السماء في الصلاة؛ لأنه ينافي الخشوع، فدلَّ على تحريم رفع البصر إلى السماء حال الصلاة فتصح الصلاة ويأثم، وقيل: لا إثم. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 306).
وقال النووي -رحمه الله-:
فيه: النهي الأكيد، والوعيد الشديد في ذلك. شرح مسلم (4/152).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «أو لَتُخْطَفنَّ أبصارُهم» إشارة إلى أنَّ مَن أَذنبَ بعضوٍ فَلْيَخَفْ أن يَلْحَقَ ذلك العضوَ عقوبةٌ، كما قال في موضع آخر: «أما يخشى الذي يرفع رأسَه قبلَ الإمام أن يجعلَ الله رأسَه رأسَ حمارٍ». المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 184).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
إنَّ رفْع المُصلي بصره إلى السماء سوء أدب منه، فإنه ممثِّلًا نفسه قائمًا بين يدي خالقه، وليس من الأدب عند الوقوف بين يدي الملك برفع البصر إلى السماء، قال الله -عز وجل- واصفًا أَدَبَ نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء بقوله سبحانه: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ} النجم: 17، أي: ما التفتَ يمينًا وشمالًا، {وَمَا طَغَى} النجم: 17، أي: ما زاد في الارتفاع، فإذا رفع طَرْفَه إلى السماء في الصلاة فإنَّ ذلك طغيان مِن طَرْفِه...، فأما كون عقوبتهم أنْ تُخطَف أبصارُهم؛ فإنه من نحو قول جبريل -عليه السلام-: «لو تَقَدَّمْتُ أنْمُلَةً لاحْتَرَقْتُ». الإفصاح عن معاني الصحاح (8/45- 46).
وقال البهوتي -رحمه الله-:
قال أحمد في رواية مهنأ: إذا تجشأ الرجل ينبغي أن يرفع وجهه إلى فوق؛ لكي لا يخرج من فيه رائحة يؤذي بها الناس. كشاف القناع (/274).
وقال الرحيباني -رحمه الله-:
ولا يكره رفع بصره إلى السماء حال جُشَاء، وظاهره: ولو في غير جماعته خلافًا له، -أي: لصاحب الإقناع- حيث قيد كراهة الجشاء، حيث كان في جماعة، قال في الإنصاف: إذا تجشأ وهو في الصلاة ينبغي أن يرفع وجهه إلى فوق؛ لئلا يؤذي من حوله بالرائحة.
ونقل أبو طالب: إذا تجشأ وهو في الصلاة، فليرفع رأسه إلى السماء حتى يذهب الريح، وإذا لم يرفع آذى من حوله من ريحه. مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (1/ 475).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- متعقبًا:
وأما استثناء بعض العلماء ذلك (يعني: رفع الرأس إلى السماء في الصلاة عند التجشؤ) فإنما فعلوا هذا قالوا: لأن ‌المُتَجَشِّئِ تخرج منه رائحة كريهة في الغالب، فينبغي أن يرفع وجهه؛ لئلا يؤذي من حوله من المصلين، لكن هذا الاستثناء فيه نظر.
أولًا: أن ‌المُتَجَشِّئِ في الصف وجهه ليس إلى اليمين ولا إلى الشمال، إنما إلى الأمام فلن يؤذي أحدًا.
الثاني: إذا رفع وجهه إلى السماء عند ‌التّجشئ قد يكون قصيرًا فيؤذي الطوال، وما أكثر الطوال الذين يكونون عند القصار في الصلاة، فعلى كل حال هذا الاستثناء لما لم يكن عليه دليلٌ من الشرع صار مُنْخَرِمًا غير مُطَّردٍ. لقاء الباب المفتوح(161/20)
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وفيه: إشارة إلى أنَّ المعصية اللاحقة عن عضو يقع العذاب بذلك العضو، وإنما نُهُوا عن رفع الأبصار إلى نحو السماء لِمَا يُوهم ذلك مِنْ نِسْبَةِ العُلُوِّ المكاني إليه تعالى. شرح المصابيح (2/ 56).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
ومنها (أي: فوائد الحديث): بيان الوعيد الشديد لمن رَفَعَ بصرَه إليها بخَطْفِ بصره.
ومنها: تغليظ القول في زَجْرِ مُرْتَكِب المنكر لِيَرْتَدِعَ عن ذلك.
ومنها: عدم التصريح بذكر اسم المرتكِب عند الزجر، بل يكون بالإجمال- كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما بال أقوام»؛ وذلك لئلا يكون فضيحة له، فربما حَمَلَه ذلك على عدم قبول النصح، أو ارتكاب ما هو أشد من ذلك، فينبغي لمن يَنْهى عن المنكر أن يَسْلُك مسلك السِّتْرِ ما أمكن؛ فإن ذلك أدعى إلى قبول قوله، والانتفاع بإرشاده، فكثير ممن يتصدى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يَسلكون هذا المسلك، فيفسدون أكثر مما يصلحون، وقد قال الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} النحل: 125 الآية. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (14/ 187).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ومن فوائد هذا الحديث: تعظيم شأن الصلاة، وأن الإنسان يجب أن يكون فيها على كمال الأدب مع الله -عزَّ وجلَّ-، ومن فوائد هذا الحديث: بيان قدرة الله -تبارك وتعالى-؛ لأن ما هدَّد به النبي -صلى الله عليه وسلم- ممكن، وهو أن تُخطَف أبصارهم في لحظة، والله تعالى على كل شيء قدير.
ومن فوائد هذا الحديث: أن التحريم إذا كَفَّ الإنسان عن المحرم حَصَلَت به الفائدة، فإذا ترك الإنسان رفع البصر إلى السماء خوفًا من هذا لا نقول: إن الرجل مُرَاءٍ، أو إن الرَّجُل أراد بعمله الدنيا، بل نقول: إن الإسلام يُرَغِّب الناس ويُرِهِّبهم إما بما في الآخرة من ثواب أو عقاب، وإما بما في الدنيا من جزاء أو عقاب، أليست الحدود الشرعية على الزنا والقذف والسرقة موجِبة للكَفِّ عنها؟ فإذا كفَّ الإنسان عنها خوفًا من هذه العقوبة لا نقول: إنَّ الرَّجُل أراد بعمله الدنيا، أليس ذِكْرُ الغنيمة في الجهاد في سبيل الله والأسرى وما أشبه ذلك مما يرغِّب في الجهاد؟ فإذا أراد الإنسان هذه الأشياء مع ثواب الآخرة فإننا لا نقول: إنَّ الرَّجُل مراءٍ أو مشرك. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/588).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
ويستفاد منه ما يأتي:
أولًا: تحريم رفع البصر عمدًا في أثناء الصلاة لغير حاجة.
ثانيًا: أن مِن آداب النصيحة في المجالس العامة: عدم التعيين أو توجيه الخطاب المباشر؛ لما فيه من الاستفزاز المؤدِّي إلى عدم قبول النصيحة، وإنما يَتَكَلَّم عن الموضوع بصفة عامة، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو أنجح وأجدى. منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (2/160-161).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ومن فوائده: أنَّ رَفْعَ البصر إلى السماء في الصلاة محرَّم، بل (لو) قال قائل: إنه من الكبائر لم يكن قوله بعيدًا؛ لأنه رتِّبَ عليه وعيد. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/587).


ابلاغ عن خطا