الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إذا انْقَطَعَ شِسْعُ أحدِكُم» أو «مَنِ انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِهِ، فلا يَمْشِ في نَعْلٍ واحدةٍ حتَّى يُصْلِحَ شِسْعَهُ، ولا يَمْشِ في خُفٍّ واحدٍ، ولا يأكل بشماله، ولا يَحْتَبِي بالثوب الواحدِ، ولا يَلْتَحِفِ الصَّمَّاءَ».


رواه مسلم برقم: (2099)، من حديث جابر -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«شِسْع»:
بكسر الشين المعجمة، وسكون المهملة: أحد سُيور النَّعل، وهو الذي يَدخل بين الأصبعين، ويدخل طَرفه في الثّقْب الذي في صدر النعل المشدود في الزِّمام، والزِّمامُ: السيْرُ الذي يعقد فيه الشِسْع. النهاية، لابن الأثير (2/ 472) وشرح السيوطي على مسلم (5/ 140).

«يحتبي»:
أي: يَنصب ساقيه، ويحتوي على ملتقى ساقيه وفخذيه بيديه، أو بثوب، والحَبوة: بضم الحاء وكسرها لغتان هي ذلك الفعل. التبيان، للنووي(ص: 215).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
والاحتباء: هو أن يضمَّ الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب، ويجمعهما مع ظهرهِ ويشدهُ عليهما، وقد يكون ‌الاحتباء باليدين عوض الثوب. النهاية في غريب الحديث (1/ ٣٣٥).

«يلتحف الصَّمَّاءَ»:
هو أنَّ يتجلل الرجل بإزاره، ولا يرفع فيه جانبًا، وإنما قيل لذلك: ‌الصماء؛ لأنه إذا اشتملها شد على بدنه ويديه المنافذ كلها، فكأنها لا تصل إلى شيء، ولا يصل إليها شيء كالصخرة ‌الصماء التي ليس فيها صدع ولا خرق. غريب الحديث، لابن قتيبة (1/ 182)
وقال ابن منظور -رحمه الله-:
هو أن يشتمل الثوب حتى يُجلل به جسده، ولا يرفع منه جانبًا، فيكون فيه فُرْجَة تخرج منها يده، وهو التَّلَفُّع. لسان العرب (11/ 368).


شرح الحديث


قوله: «إذا انقطع شِسْع أحدكم» أو «مَن انقطع شِسْع نعله»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«أحدكم» فيه حذف تقديره: إذا انقطع شسع نعلَيْ أحدكم كما لمسلم. شرح سنن أبي داود (16/ 431).

قوله: «فلا يمش في نعل واحدة»، «ولا يمش في خف واحد»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«‌في ‌نعل ‌واحدة» أي: في الأخرى. مرقاة المفاتيح (7/ 2811).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فلا يمشِ في نعل واحدة»؛ مخافة السقوط من مشيه، كذلك لارتفاع الرجل المنتعلة من الرجل الحافية. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (21/ 418).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
لأنه قد يشق المشي بنعل واحدة، ولا يأمن عند ذلك من العثار، ويندرج تحته ما هو في معناه من الجوربين أو الخفين، أو نحوهما، وهذا نهي تنزيه لا تحريم، أو هو مختص بمسافة يلحق الرجل الحافية مشقة منها، فأما المشي القليل كمن البيت إلى المسجد المتقاربين فلا بأس به. شرح المصابيح(5/ 48).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
لأن مَن لبس ‌نعلًا واحدة، أو خفًّا واحدًا كان بذلك عند الناس سخيفًا، وسخروا منه، فمثل هذا لو لم يكن فيه نهي وجب أن ينتهي عنه. شرح مشكل الآثار (3/ 389).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وهذا قد يجمع أمورًا؛ منها: أنه قد يشق عليه المشي على هذه الحال؛ لأن وضع أحد القدمين مِنه على الحفاء إِنما يكون مع التّوقي والتهيب لأذى يصيبه، أو حجر يصدمه، ويكون وضعه القدم على خلاف ذلك من الاعتماد به والوضع له من غير محاشاة أو تقية، فيختلف من أجل ذلك مشيه، ويحتاج معه إلى أن ينتقل عن سجية المشي وعادته المعتادة فيه، فلا يأمن عند ذلك ‌العِثَارُ (السقوط) ‌والعنت، ‌وقد ‌يتصور ‌فاعله عند الناس بصورة من إحدى رجليه أقصر من الأخرى، ولا خفاء بقبح منظر هذا الفعل، وكُل أَمرٍ يشتهره الناس ويرفعون إليه أبصارهم فهو مكروه، مرغوب عنه.معالم السنن(4/ 204).
وقال الخطابي -رحمه الله- أيضًا:
وقد يدخل في هذا المعنى كل لباس ينتفع به، كالخفين وإدخال اليد في الكمين والتردي بالرداء على المنكبين، فلو أرسله على إحدى المنكبين، وعرَّى منه الجانب الآخر كان مكروهًا على معنى الحديث، ولو أخرج إحدى يديه من كمه وترك الأخرى داخل الكم الآخر كان كذلك في الكراهة، والله أعلم. معالم السنن (4/ 204).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال الأبهري -رحمه الله-: كُرِهَ ذلك -والله أعلم- لأن الماشي في نعل واحد ينسب إلى اختلال الرأي وضعف المسير، وقال غيره: إنما كُرِهَ ذلك -والله أعلم- لأنه لم يعدل بين جوارحه، وهو من باب المثلة. شرح صحيح البخاري (9/ 127).
وقال البيهقي -رحمه الله-:
ويحتمل أن يكون نهيه -صلّى الله عليه وسلّم- عن المشي في نعل واحدة أو خُفٍّ واحد؛ لما في ذلك من ‌القبح ‌والشهرة، ولسداد الأبصار إلى من يُرى ذلك منه، وكل لباس صار صاحبه به شهرة في القبح فحكمه أن يُتقى ويجتنب؛ لأنه في معنى المثلة. شعب الإيمان (5/ 179).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث: كراهية أن يمشي الرجل في نعل واحدة؛ وذلك منافٍ لاستعمال العدل بين الرجلين، والعدل في ذلك أن ينعلهما معًا أو يحفهما معًا؛ ولأن الشيطان قد يمشي في نعل واحدة. الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 293).
وقال النووي-رحمه الله-:
يُكرهُ المشي في نعلٍ واحدةٍ أو خُفٍّ واحدٍ أو مَداسٍ واحدٍ لا لعذر. ‌ودليله ‌‌الأحاديث ‌التي ‌ذَكرها ‌مسلم. قال العلماء: وسببه أَنّ ذلك تشويه ومُثله ومخالف للوقار، ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأُخرى فيعسر مشيهُ، وربما كان سببًا للعثار. وهذه الآداب الثلاثة التي في المسائل الثلاث مجمعٌ على استحبابها وأنها ليست واجبة، واذا انقطع شَسعه ونحوه فليخلعهما، ولا يمشى في الأُخرى وحدَها حتى يُصلحها، وينعلها كما هو نص في الحديث.شرح صحيح مسلم(14/٧٥)
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وأما النهي عن المشي في نعل واحدة والأمر بأن ينعلهما جميعًا أو يخلعهما جميعًا؛ فلما في ذلك من التشويه والمثلة، ومخالفة زي الوقار، واختلال الحال في المشي باختلاف حال الرجلين، فربما عثر، وزال العدل من جوارحه. إكمال المعلم (6/ 616).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وقد اختلف علماؤنا في ذلك، فقال مالك بظاهر هذا الحديث: أنّ مَن انقطع نَعله لم يمش في الأخرى، ولا يقف فيها، وإن كان في أرض حارة ليحفها، ولا بد حتى يصلح الأخرى إلا في الوقوف الخفيف والمشي اليسير. وقد رخَّص بعض السلف في المشي في نعل واحدة، وهو قول مردود بالنصوص المذكورة، ولا خلاف في أن أوامر هذا الباب ونواهيه إنما هي من الآداب المكملة، وليس شيء منها على الوجوب ولا الحظر عند معتبر بقوله من العلماء، والله تعالى أعلم. المفهم (5/ 415، 416).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
يكره المشي في نعل واحدة أو خف واحد أو مداس واحد إلا لعذر، وقال العلماء: وسببه أن ذلك تشويهٌ ومُثْلَةٌ ومخالفٌ للوقار؛ ولأن الرِّجل المنتعلة تصير أرفع من الأخرى، فيعسر عليه مشيه، وربما كان مشيًا للعثار، وكما لو لبس خُفًّا أبيض وآخر أسود، أو خضب نصف لحية، أو حلق بعض رأسه، وخرج على الناس كذلك حاسرًا لِرجْل. وقال بعضهم: إن إحدى الرجلين تكتسب الحرارة والبرودة دون الأخرى فيتأذى البدن بذلك، وإذا انقطعت إحدى نعليه أو خفيه وهو في طريق المسجد أو غيره استحب أن ينزع الأخرى؛ لنهيه -صلى الله عليه وسلم- أن يمشي الرَّجُل في نعل واحدة. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب(1/ 737).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
النهي عن المشي في الواحدة لمشقة ذلك؛ ولعدم الأمن من العثار مع سماجته في الشكل، وقبح منظره في العيون؛ إذ يخيل للناس أن إحدى رجليه أقصر من الأخرى. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (14/ 453).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
لأن ذلك من باب التشويه والمُثلة؛ ومخالف لزي أهل الوقار؛ ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأخرى، لا سيما في القبقاب ‌والتَّاسُومَةِ المرتفعة فتغير مشيه، ورُبما كان سببًا للعثار، وليس من المواساة إكرام إحدى الرجلين بالنعل دون الأخرى. شرح سنن أبي داود (16/ 430).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قيل: لأنها مشية الشيطان، وقيل: لأنها خارجة عن الاعتدال، وهو إذا تحفَّظ بالرجل الحافية تعثر بالأخرى. عارضة الأحوذي (7/ 199).
وقال الحسين المغربي -رحمه الله-:
وهو إرشاد إلى المصلحة، وتنبيه على ما يخفف المشقة؛ فإن الحافي المديم للمشي يلقى من الآلام والمشقة بالعثار وغيره ما يقطعه عن المشي، ويمنعه من الوصول إلى مقصده، بخلاف المنتعل فإنه لا يمنعه من إدامة المشي، فيصل إلى مقصده كالراكب، فلذلك شُبِّه به. البدر التمام شرح بلوغ المرام (10/ 179).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
مَن مَشى في نعلٍ أو خُفٍّ واحدة، أو بدأ في انتعاله بشماله، ‌فقد ‌أَساء ‌وخالف ‌السُّنة، وبئسما صنع، إذا كان بالنهي عالمًا، ولا يحرم عليه مع ذلك لباس نَعله ولا خُفه، ولكنه لا ينبغي له أن يعود، فالبركة والخير كُله في اتباع أَدب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وامتثال أمره. التمهيد (11/ 439).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-:
أقول: الصحيح مِن هذه الأقوال، هو الذي حكاهُ ابن العربي(وغيره) أَنها مشية الشيطان.
وتصديره إِياه بقوله: (قيل) مما يُشعر بتضعيفه، وذلك معناه أَنه لم يقف على هذا الحديث الصحيح («إنّ الشيطان يمشي في النعل الواحدة») المؤيد لهذا (القيل)، ولو وقف عليه لما وسِعه إلا الجَزم به. وكذلك سُكوت الحافظ (ابن حجر) عليه يُشعرنا أَنّه لم يقف عليه أيضًا، وإلا لذَكرهُ على طريقته في جمع الأحاديث وذَكر أطرافها المناسبة للباب، لاسيما وليس في تعيين العلة وتحديدها سِواه.
فخذها فائدة نفيسة عزيزة رُبّما لا تراها في غير هذا المكان، يعود الفضل فيها إلى الإمام أَبي جعفر الطحاوي، فهو الذي حفظها لنا بإسناد صحيح في كتابه دون عشرات الكُتب الأخرى لغيره.
(تنبيه)، أَمّا الحديث الذي رواه ليث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: «ربما مشى النبي -صلى الله عليه وسلم في نعل واحدة». فهو ضعيف لا يحتج به.
أخرجه الترمذي(1/329) من طريق هريم بن سفيان البجلي الكوفي والطحاوي من طريق مندل كلاهما عن ليث به. سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 684).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله- أيضًا:
والحكمة في هذا النهي أنه تشبه بالشيطان، ‌فقد ‌صح ‌في ‌بعض ‌طرق الحديث: «إنّ الشيطان يمشي في النعل الواحدة» وهو مخرج في الصحيحة (348).
(مختصر الشمائل ص 55 في الحاشية).جامع تراث العلامة الألباني(17/٦٩٦)

قوله: «حتى يُصلح شَسعه»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
ومعنى «حتى» أَنه لا يمشي في نعل واحدة إذا قطع شِسْع نعله الأخرى ‌حتى ‌يصلح ‌شِسْعه، فيمشي بالنعلين. الكاشف عن حقائق السنن (9/ 2922).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«‌حتى ‌يصلح ‌شِسْعه» المنقطع، ويعيده إلى النعل. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (21/ 418).

قوله: «ولا يأكل بشماله»:
قال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «ولا يأكُل» بالرفع: خبر في معنى النهي، وبالجزم بلفظ نهي الغائب. لمعات التنقيح (7/ 399).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
النهي عن ‌الأكل ‌بالشمال من باب أدب الأكل، فمن أكل بشماله فقد عصى، ولا يحرم عليه طعامه بذلك. بشرح صحيح البخاري (1/ 244).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
وفيه النهي عن الأكل بالشمال، وهو مكروه؛ لأنه يشبه أفعال الشياطين، فينبغي اجتناب ما يشبه أفعالها. فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام (ص: 546).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فالأكل بها مكروه تنزيهًا. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 489).
وقال الكلاباذي -رحمه الله-:
وشمال المسلم مِن يده من ناحية الشمال وجهته وحده، فهي لِمَا تحت الإزار من موضع الحدث، وتناول الخبائث من الأنجاس والأقذار، والاستطابة بها، وهي التي يعطى الكافر بها كتابه فيأخذه بها، فيدعو ثبورًا، ويصلى سعيرًا، وهو من أصحاب الشمال والمشأمة، أي: الشؤم، فهو مع المشائم الملاعين الخبيثين الأنجاس. وأما الشيطان فكلتا يديه شمال وشؤمى؛ لأنه من أصحاب الشمال والمشأمة، وهو أشأم المشائم، وأخبث الخبيثين، وأنجس الأنجاس، وأقذر الأقذار، وكل ما يفعله قذر نجس، والذي يأكله خبيث رجس، فبأي يديه أكل فهي الشؤمى والشمال، وهو يأكل باليد التي هي له من ناحية الشمال، فيمينه شمال، وشماله شمال؛ لأنهما مشؤومتان منحوستان، قذرتان نجستان. مبارق الأزهار (1/ 455).
قال ابن الملك -رحمه الله-:
ويجوز أن يقال: ‌النهي ‌عن ‌الأكل ‌بالشمال؛ ‌لأن ‌فيه ‌استهانة بنعمة الله تعالى؛ لأن الشيء إذا حُقِّرَ يُتناول بالشمال عادةً. مبارق الأزهار (1/ 455).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وليس في ‌الأكل ‌بالشمال ما يحتاج إلى تفسير؛ لأن كل سامع له يستوون في فهمه.
وكذلك النهي عن المشي في نعل واحدة، يستوي أيضًا لفظه ومعناه في الفهم.
ومن فعل شيئًا من ذلك، عالمًا بالنهي، مستخفًّا به، فهو لله عاصٍ، وأمره إليه، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه، فلا ينبغي للمرء أن يمشي في نعل واحدة. التمهيد (8/ 21).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
ومحل النهي عن ‌الأكل ‌بالشمال حيث لا عذر يمنع من الأكل باليمين من مَرض أو قطع، وإلا فلا كراهة حينئذٍ. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 421)

قوله: «ولا يحتبي بالثوب الواحد»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«ولا يحتبي» بإثبات الياء فيه فقط، فيحتمل أنْ يكون من إجراء المعتل مجرى الصحيح، وهو لغة على ما قاله في همع الهوامع، وعليه قراءة قنبل: {إِنَّهُ مَن يَتَقِي وَيَصْبِرْ} يوسف: 90، بإثبات الياء في (يتقي) وجزم (يصبر)، والله تعالى أعلم. البحر المحيط الثجاج (35/ 21-22).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
كان مقتضى السياق أن يقول: «ولا يحتبِ» بالجزم، ولكن النسخ المتعددة الموجودة عندنا من المتون والشروح: يحتبي بعدم الجزم، وإثبات حرف العلة، ولعله أجرى المعتل مجرى الصحيح، فأَعربه بسكون مقدر على حرف العلة، منع من ظهوره اشتغال المحل بالسكون الأصلي، أو خبر بمعنى الإنشاء. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (21/ 419).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ولا يحتبي» بالنفي فقط «بالثوب الواحد» أي: إذا لم يكن على عورته شيء. مرقاة المفاتيح (7/ 2811).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «وأن يحتبي في ثوب واحد» كاشفًا عن فرجه، وكانت هذه عادة العرب في مجالسها أن يحتبي، فمنهم العظيم الموقر بردائه، ويشده على ركبتيه وظهره، كان عليه الإزار أو لم يكن، فإذا لم يكن انكشف فرجه مما يلي السماء لمن كان مُكَتَّفًا ومطلقًا عليه، فنهى النبي -عليه السلام- عن ذلك. إكمال المعلم (6/ 618-619).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
هو أن يحتبي بالثوب ورجلاه مُتجافيتان عن بطنه، فتبقى هناك -إذا لم يكن الثوب واسعًا قد أسيل شيئًا منه على فرجه- فرجةٌ تبدو منها عورته. أعلام الحديث(1/ 353).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فالاحتباء أن يَقعد الرجل على أليته، وينصب ساقيه، ويشتمل عليهما بالشملة التي تعرف بهذا الاسم «في الثوب الواحد» أي: بالثوب الواحد، ليس عليه غيره. شرح سنن أبي داود (10/ 503).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
الاحتباء: أن يجمع الإنسان ظهره وساقيه بعمامته، وقيل: أن يقعد على أليتيه، وينصب ساقيه، ويحتوي عليهما بثوب واحد. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (9/ 85).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
فيه كراهة الاحتباء في ثوب واحد، وأما الاحتباء بنصب الساقين وانضمامهما بالإِليتين ووضع يده اليُمنى على اليُسرى عوضًا عن الثوب المشدود، فهو جائز بل مستحب، وقد كان -عليه الصلاة والسلام- يجلس محتبيًا، وأما الجلوس كذلك، ووضع اليدين على الأرض فهو منهي عنه؛ لما فيه من التشبه بالكلاب. الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (5/ 385).
وقال ابن الأثير-رحمه الله-:
وإِنما نهى عنه؛ لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد رُبما تحرك أو زال الثوب فتبدو عورته. (1/ ٣٣٥).
وقال المظهري -رحمه الله-:
والنهي عن الاحتباء بثوب واحد لأجل ألا تنكشف عورته؛ لأنه إذا كان عليه إزار واحد، ورفع طرف إزارهِ وأخذه خَلف ركبته للاحتباء -كما ذكر- تنكشف عورته. المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 35).

قوله: «ولا يلتحف الصماء»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
هو أن يشتمل في ثوب واحد؛ يضع طرفي الثوب على عاتقه الأيسر، ويسدل شقه الأيمن، هكذا جاء تفسيره في الحديث. معالم السنن (3/ 89).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«ولا يلتحف» أحدكم، أي: لا يتلفف الالتفافة «الصماء» أي: التي لا منفذ لها لإخراج اليد. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (21/ 419).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
والصماء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب. شرح صحيح البخاري (9/ 101).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
وهو الالتفاف في ثوب واحد من رأسه إلى قدميه، يخلل به جسده، وتسمى الشملة الصماء أيضًا. الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (5/ 381).
وقال الفاكهاني -رحمه الله-:
والنهي عنه يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يخاف منه أن يدفع إلى حالة سادَّة لمتنفسه، فيهلك عما تحته إذا لم يكن فيه فُرجة.
والآخر: أنه إذا تخلل به، فلا يتمكن من الاحتراز إن أصابه شيء، أو نابه مؤذٍ، ولا يمكنه أنْ يتقيَه بيديه؛ لإدخاله إياهما تحت الثوب الذي اشتمل به. رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (3/ 486، 487).
وقال الباجي -رحمه الله-:
وقد ورد المنع منه في الصلاة، وهو أنْ يشتمل في الثوب على منكبيه، وتكون يداهُ تحت الثوب، فهذا منع في الصلاة لمن لم يكن عليه إزار، فلا بد أَن يباشر الأرض بيدهِ للسجود، وهو مأمور به، أو يخرج يديه لذلك فتبدو عورته. المنتقى شرح الموطأ (1/ 248).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا

وللاستفادة أكثر ينظر عِلة النهي عن الأكل بالشمال (هنا)

وينظر في الاحتباء (هنا)

 


ابلاغ عن خطا