الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«إنَّ المسألةَ كَدٌّ يَكُدُّ بها الرَّجل وجهه، إلا أنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا، أو في أَمْرٍ لا بُدَّ منه».


رواه أحمد برقم: (20106) ورقم: (20219)، والترمذي برقم: (681)، والنسائي برقم: (2600)، من حديث سَمُرَة بن جُنْدُب -رضي الله عنه-.
صحيح الترغيب والترهيب، برقم: (792) صحيح الجامع برقم: (1947)


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«كَدٌّ يَكُدُّ»:
(كَدٌّ) بتشديد الدال، أي: قَشْرٌ للجلد عن الوجه (يَكُدُّ) ضُبِطَ بضم الكاف. حاشية السندي على مسند أحمد (5/20).
وقال أبو موسى المديني -رحمه الله-:
والكدُّ: الإتعاب كأنه يشير إلى الحديث الذي فيه: «جاءت مسألته خدوشًا في وجهه»؛ لأن الوجه إذا خدش فقد أتعب. المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث لأبي موسى المديني (3/ 21).


شرح الحديث


قوله: «إن المسألة كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ»:
قال الحسين المغربي -رحمه الله-:
«المسألة» أي: السؤال من الناس أموالهم. البدر التمام شرح بلوغ المرام (4/ 379).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
المراد هنا سؤال الرجل أموال الناس. مرعاة المفاتيح (6/ 265).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الكَدُّ: الْإِتْعَابُ، يُقال: كَدَّ يَكُدُّ فِي عَمَله كَدًّا، إِذَا اسْتَعْجل وتَعِب، وَأَرَادَ بالوَجْه مَاءَهُ ورَوْنَقَه. النهاية (4/ 155).
وقال النووي -رحمه الله-:
الكَدُّ: الخدش ونحوه. رياض الصالحين (ص: 183).
وقال الحسين المغربي -رحمه الله-:
والكَدُّ: هو الخدش، وهو الأثر. البدر التمام شرح بلوغ المرام (4/ 379).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
«كَدٌّ يَكُدُّ بها الرجل وجهه» يلوث بها وجهه، فيذهب بذلك نوره ورونقه وماؤه وحياؤه. شرح المحرر (55/ 30).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وجهه»، ويسعى في ذهاب عرضه بالسؤال، ويريق ماء وجهه فهي كالجراحة له. مرقاة المفاتيح (4/ 1312).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وخصَّ ‌الوجه ‌بهذا ‌النوع؛ ‌لأن ‌الجناية به وقعت؛ إذ قد بذل من وجهه ما أمر بصونه عنه، وتصرف به في غير ما سوغ له. المفهم (3/ 85).
وقال العيني -رحمه الله-:
فإن قيل: ما معنى تخصيص الوجه بالذكر من بين سائر الأعضاء؟ قلتُ: لأن السائل أول ما يستقبل بوجهه، فلذلك اختص بهذا الفعل؛ ولأن الكدوح في الوجه أبشع وأفظع. نخب الأفكار (8/ 35).

قوله: «إلا أن يسأل الرجل سلطانًا»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
هو أن يسأل حقّه من بيت المال الذي في يده، وليس هذا على معنى استباحة الأموال التي تحويها أيدي بعض السلاطين من غصب أملاك المسلمين. معالم السنن (2/ 66).
وقال العيني تعقيبًا على كلام الخطابي -رحمهما الله-:
قلتُ: عموم اللفظ يدل على أن الرجل إذا سأل سلطانًا ومَن في معناه يباح له ذلك، سواء كان حقه من بيت المال، أو من غيره؛ وذلك بعد أن يعرف أن غالب أمواله من وجه حل، وكذلك يجوز قبول هدية السلاطين والأمراء إذا كان غالب أموالهم حلالًا، وأما إذا عرف أن غالب أموالهم حرام، أو كلها، لا يجوز سؤاله منهم شيئًا ولا قبول هديتهم. شرح سنن أبي داود (6/ 383).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
هو أصل عند العلماء في سؤال السلطان خاصة، وقبول جوائزه وأعطيته على كل حال، ما لم يعلمه حرامًا بعينه. وعموم هذا الحديث يقتضي جميع السلاطين والأمراء؛ بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: «سيكون بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها» الحديث. الاستذكار (8/ 608).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما عطية السلطان، فحرَّمها قوم، ‌وأباحها ‌قوم، وكرهها قوم، والصحيح أنه إن غلب الحرام فيما في يد السلطان حرمت، وكذا إن أعطى من لا يستحق، وإن لم يغلب الحرام فمباح، إن لم يكن في القابض مانع يمنعه من استحقاق الأخذ. شرح مسلم (7/ 135).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«سلطانًا» أي: ما وجب له من الزكاة، أو ما وجب من الخمس أو في بيت المال ونحو ذلك. شرح سنن أبي داود (7/ 677).
وقال العيني -رحمه الله-:
«سلطانًا» أي: ذا يد وقوة؛ وذلك مثل: الخلفاء، والملوك، ومن يلي من جهتهم. شرح سنن أبي داود (6/ 383).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
أي: ذا ملك وسلطنة بيده بيت المال، فيطلب حقه منه، وأما أخذ الأموال من الملوك والسلاطين من غير حق له في بيت المال مما يحوي أيديهم من الغصب والظلم فله حكم آخر، وهو إن غلب الحرام فيما أيديهم حرمت، وإن غلب المباح فمباح، وإلا فهو من قبيل الشبهة بعد ما كان الآخذ مستحقًا. لمعات التنقيح (4/ 310).
وقال الحسين المغربي -رحمه الله-:
يعني: يعطيه ما يستحقه من بيت المال، فهو خارج عن مذمة السؤال؛ لأن السائل لم يسأل إلا ما يستحقه، والسلطان ليس له مِنَّة عليه. البدر التمام شرح بلوغ المرام (4/ 379).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وأما سؤاله من السلطان فإنه لا مذمة فيه؛ لأنه إنما يسأل مما هو حق له في بيت المال، ولا منة للسلطان على السائل؛ لأنه وكيل، فهو كسؤال الإنسان وكيله أن يعطيه من حقه الذي لديه، وظاهره أنه وإن سأل السلطان تكثرًا فإنه لا بأس فيه ولا إثم؛ لأنه جعله قسيمًا للأمر الذي لا بد منه، وقد فسَّر الأمر الذي لا بد منه حديث ‌قَبِيصَةَ وفيه: «لا يحل السؤال إلا لثلاثة: ذي فقر مدقع، أو دم موجع، أو غرم مفظع» الحديث. سبل السلام (1/ 548).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «إلا أن يسأل الرجل سلطانًا» فيه دليل على جواز سؤال السلطان من الزكاة أو الخمس أو بيت المال أو نحو ذلك، يخص به عموم أدلة تحريم السؤال. نيل الأوطار (4/ 193).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
أي: ذا حكم وسلطة بيده بيت المال فيسأل حقه، أي: ولو مع الغناء؛ لأن السؤال مع الحاجة دخل في قوله: «أو في أمر لا بد منه». مرعاة المفاتيح (6/ 266).

قوله: «أو في أمر لا بد منه»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قيل: أي من حمالة، أو جائحة، أو فاقة. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1516).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فتحل المسألة فيما دعت الضرورة إليه. شرح سنن أبي داود (7/ 677).
وقال العيني -رحمه الله-:
أي: أو أن يسأل الرجل أحدًا في أمر لا يجد منه فراقه، وهو ضروري له، فحينئذٍ يباح له السؤال وإن كان غنيًّا، وصور هذا كثيرة، يستخرجها من له ذهن قوي مستقيم، أو فهم سليم. شرح سنن أبي داود (6/ 383).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: علاجًا آخر غير السؤال، أو لا يجد من السؤال فراقًا وخلاصًا كما في الحمالة والجائحة والفاقة، بل يجب حال الاضطرار في العري والجوع. مرقاة المفاتيح (4/ 1312).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
كدفع الفاقة ورفع الحاجة. لمعات التنقيح (4/ 310).
وقال المغربي -رحمه الله-:
وقوله: «لا بد منه» وذلك كالسؤال في الأمور التي أبيح السؤال فيها. البدر التمام شرح بلوغ المرام (4/ 380).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وقوله: «أو في أمر لا بد منه» أي: لا يتم له حصوله مع ضرورته إلا بسؤال. سبل السلام (1/ 548).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «أو في أمر لا بد منه» فيه دليل على جواز المسألة عند الضرورة، والحاجة التي لا بد عندها من السؤال؛ نسأل الله السلامة. نيل الأوطار (4/ 193).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
كالفقراء والمساكين، أو من تحمل حمالة، ومن غرم بمال، فإنهم يجوز لهم السؤال. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (6/ 489).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
أي: أو إلا أن يسأل شخصًا غير السلطان لأجل أمر لا يجد منه خلاصًا إلا بالسؤال، فيباح له السؤال، كما إذا تحمل دينًا لإصلاح ذات البين، أو أصابته فاقة شديدة، أو أصاب ماله جائحة. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (9/ 275).
قال ابن القيم -رحمه الله-:
والمسألة في الأصل حرام، وإنَّما أبيحت للحاجة والضرورة؛ لأنَّها ظلم في حقِّ الربوبيَّة، وظلم في حقِّ المسؤول، وظلم في حقِّ السائل.
أمَّا الأوَّل: فلأنَّه بذَلَ سؤاله وفقره وذلَّه واستعطاءه لغير الله؛ وذلك نوع عبوديَّة. فوضع المسألة في غير موضعها، وأنزلها بغير أهلها، وظلم توحيده وإخلاصه وفقره إلى الله وتوكُّله عليه ورضاه بقَسْمه، واستغنى بسؤال الخلق عن مسألته، وذلك كلُّه هضم من التوحيد، ويطفئ نوره، ويضعف قوَّته.
وأمَّا ظلمه للمسؤول: فلأنَّه سأله ما ليس له عنده، فأوجب له بسؤاله عليه حقًّا لم يكن عليه، وعرَّضه لمشقَّة البذل أو لؤم المنع، فإن أعطاه أَعطاهُ على كراهةٍ، وإِن منعه منعه على استحياء، هذا إذا سأله ما ليس عليه، وأمَّا إذا سأله حقًّا هو له عنده، لم يدخل في ذلك، ولم يظلمه بسؤاله.
وأمَّا ظلمه لنفسه: فإنَّه أراق ماء وجهه، وذلَّ لغير خالقه، وأنزل نفسه أدنى المنزلتين، ورضي لها بأبخس الحالتين، ورضي بإسقاط شرف نفسه وعزِّة تعفُّفِه وراحة قناعته، وباع صبرَه ورضاه وتوكُّله، وقَنَعَه بما قسم له، واستغناءَه عن الناس بسؤالهم، وهذا عينُ ظلمه لنفسه؛ إذ وضعها في غير موضعها، وأخمل شرفها، ووضع قدرها، وأذهب عزَّها، وصغَّرها وحقَّرها، ورضي أن تكون نفسه تحت نفس المسؤول، ويدُه تحت يده، ولولا الضرورة لم يُبَح ذلك في الشرع. مدارج السالكين (2/ 569).
وقال العراقي -رحمه الله-:
قال والدي -رحمه الله- في شرح الترمذي: ورد التخصيص في السؤال في أربعة أماكن، وهي: أن يسأل سلطانًا، أو في أمر لا بد منه، أو ذا رحم في حاجة، أو الصالحين، فأما السلطان فهو الذي بيده أموال المصالح، وأما الأمر الذي لا بد منه فهو الحاجة التي لا بد منها، وأما ذو الرحم فلما ورد في الصدقة على ذي الرحم من الفضل، ولذهاب بعض العلماء إلى وجوب النفقة عليه مع وصف الفقر والعجز فرخص في سؤاله، وأما سؤال الصالحين فهو في حديث ابن الفراسي أنه قال: أسأل يا رسول الله؟ فقال: «لا، وإن كنتَ سائلًا ولا بد فسل الصالحين» رواه أبو داود والنسائي، ثم يحتمل أن يراد بالصالحين: الصالحون من أرباب الأموال الذين لا يمنعون ما عليهم من الحق، وقد لا يعلمون المستحق من غيره، فإذا عرفوا بالسؤال المحتاج أعطوه مما عليهم من حقوق الله تعالى، ويحتمل أن يراد بهم من يتبرك بدعائه، وترجى إجابته إذا دعا الله له، ويحتمل أن يراد الساعون في مصالح الخلق بسؤالهم لمن علموا استحقاقه ممن عليه حق فيعطيهم أرباب الأموال بوثوقهم بصلاحهم. طرح التثريب في شرح التقريب (4/ 79).
وقال العراقي -رحمه الله- أيضًا مُتعقِّبًا كلام ابن العربي:
قال (والده): وأمّا تمثيل القاضي أبي بكر السؤال الواجب بالمريدين في ابتداء الأمر وبسؤال الأولياء للاقتداء، وتمثيله بسؤال موسى والخضر طعامًا مِن أهل القرية ففيه نظر، ولا يطلق على سؤال المريدين في ابتدائهم اسم الوجوب، وإنما جرت عادة المشايخ الذين يهذِّبون أخلاق المريدين بفعل ذلك لكسر أنفسهم إذا كان في ذلك صلاحهم، فأما الوجوب الشرعي فلا.
وأما سؤال الخضر وموسى فلا يلزم هذه الأمة الاقتداء بهما في ذلك، وإنما وقع ذلك من الخضر لحكمة أطلعه الله عليها؛ ليبين لموسى - عليه الصلاة والسلام - ما ينتهي الحال إليه في المرات الثلاث، انتهى. طرح التثريب في شرح التقريب (4/ 79).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قد أباح في هذا الحديث المسألة في كُل أمر لا بد من المسألة فيه؛ وذلك إباحة المسألة بالحاجة لا ‌بِالزَّمَانَةِ (العاهَة). شرح صحيح البخاري (3/ 522).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
دلّ الحديث على ذَمِّ المسألة عند عدم الحاجة، وجوازها عند الضرورة، وعلى جواز سؤال السلطان ولو عند عدم الحاجة. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (9/ 275).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
فيه: قبح السؤال، ورخَّص في سؤال السلطان؛ لأن للسائل في بيت المال حق، وكذلك السؤال للضرورة. تطريز رياض الصالحين(ص: 357).
وقال العيني -رحمه الله-:
ويُستفاد منه: حرمة السؤال لغير الحاجة والضرورة، وأنه حرامٌ وعذابٌ يوم القيامة، وجواز السؤال من ذي سلطان وإن كان غنيًّا. نخب الأفكار (8/ 35).

وللاستفادة من الراوية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا