«إذا اسْتَيْقَظَ فليقُلِ: الحمدُ للَّهِ الذي عافاني في جَسَدِي، وردَّ عليَّ رُوحِي، وأَذِنَ لي بِذِكْرِهِ».
رواه الترمذي برقم (3401)، والنسائي في الكبرى برقم: (10636) وفي عمل اليوم والليلة برقم: (866)، وابن السني في عمل اليوم والليلة برقم: (9)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (716).
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «إذا استيقظ»:
قال الكماخي -رحمه الله-:
«إذا استيقظ» أي: من نومه. المهيأ في كشف أسرار الموطأ (4/ 271).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إذا استيقظ أحدكم» أي: رَجعت رُوحه لبدنه بعد نومه. فيض القدير (1/ 280).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
معنى ذِكر الله عند الصباح؛ ليكون مفتتح الأعمال وابتداؤها ذِكر الله، وكذلك ذِكر الله عند النوم؛ ليختم عَمله بذكرهِ تعالى، فتكتب الحفظة في أول صحيفته عملًا صالحًا، وتختمها بمثله، فيرجى له مغفرة ما بين ذلك من ذنوبه. شرح صحيح البخاري (10/ 91).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وفائدته إذا أصبح؛ ليكون أول عمله تجديد الإيمان بالله وذِكرهِ، والاعتراف بأن الأمور كلها له وبيده، ويفتح يومه بالكلام الطيب. إكمال المعلم (8/ 212).
قوله: «فليقل: الحمد لله الذي عافاني في جسدي»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«فليقل» ندبًا: «الحمد لله» أي: الثناء على الله -سبحانه وتعالى-. فيض القدير (1/ 280).
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
هو الثناء بالجميل؛ يعني: أُثني عليه بسبب جميله وإحسانه، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الحَمد ليس بثناءٍ، الثَّناء شيءٌّ والحمدٌّ شيءٌّ آخر.فتح ذي الجلال والإكرام(2/٣٣٣)
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
الحَمد: هو وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيمًا، ولا يمكن لأحدٍ أَن يستحق هذا الحَمد على وجه الكمال إلا الله -عز وجل-.
وقول بعضهم: الحَمد: هو الثناء بالجميل الاختياري، أي: أَن يُثني على المحمود بالجميل الاختياري، أي: الذي يفعله اختيارًا من نفسه، تعريف غير صحيح. يبطله الحديث الصحيح: «أنَّ الله قال: قَسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله ربِّ العالمين، قال: حَمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أَثنى علي عبدي»، فجعل الله تعالى الثناء غير الحمد؛ لأن الثناء تكرار الصفات الحميدة.
و «أل» في الحمد للاستغراق، أي: جميع أنواع المحامد لله وحدهُ، المحامد على جَلب النّفع، وعلى دفعِ الضرر، وعلى حصول الخير الخاص والعام، كُلها لله على الكمال كُله.الشرح الممتع(7/١٠٧ ـ ١٠8).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وعافاني» سلمني من الآفات والبلاء «في جسدي» أي: بدني، وظاهره: أنَّه يقوله وإنْ كان مريضًا، أو مبتلى؛ لأنه ما من بلاء إلا وفوقه أعظم منه. فيض القدير (1/ 280).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «وعَافاني فِي جَسَدِي» المراد من المفاعلة هنا أصل الفعل، أي: جعل جسدي ذا عافية، فهو من باب المفاعلة على قصد المبالغة؛ لعدم صحة إرادة المغالبة...، ويصح حمل المفاعلة على بابها. الفتوحات الربانية (1/ 292).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
والمعافاة: هي أنْ يعافيك الله من الناس، ويعافيهم منك، أي: يغنيك عنهم، ويغنيهم عنك، ويصرف أذاهم عنك، وأذاك عنهم، وقيل: هي مفاعلة من العفو، وهو أنْ يعفو عن الناس ويعفو هم عنه. النهاية (3/ 265).
وقال ابن علان -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
غير أنَّه بهذا المعنى لا يستقيم عند ذكر العضو المعافى. الفتوحات الربانية (1/ 292).
وقال النووي -رحمه الله-:
العافية هي مِن الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والباطن، في الدِّين والدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العافية العامة لي ولأحبائي ولجميع المسلمين. شرح مسلم (12/ 46).
وقال الفيروزآبادي -رحمه الله-:
عافاهُ اللهُ تعالى من المَكْرُوهِ عِفاءً ومعافاةً وعافِيةً: وَهَبَ له العافِيَةَ من العِلَلِ والبَلاءِ. القاموس المحيط (ص:1313).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
ولما كان الليل مظنة الأسقام، وفيه يَرِدُ على الأبدان الآلام، كما قيل في الحمى:
وَزَائِرَتِي كَأَنَّ بِها حَيَاءً *** فَلَيْسَ تَزُورُ إِلَّا في الظَّلامِ
شرع للقائم أن يضم إلى الحمد على رد روحه قوله: «وعافاني في جسدي». التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 562).
قوله: «وردّ عليَّ روحي»:
قال المظهري -رحمه الله-:
رد علينا القوة والحركة بعد أن أزالهما مِنَّا بالنوم. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 205).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
رد أنفسنا بعد أن قبضها عن التصرف بالنوم، أي: الحمد لله شكرًا لنيل نعمة التصرف في الطاعات، بالانتباه من النوم الذي هو أخو الموت، وزوال المانع عن التقرب بالعبادات. إرشاد الساري (10/ 377).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«رد عليَّ روحي» إلى بدني. والنوم أخو الموت. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 72).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«الذي رد عليَّ روحي» إحساسي وشعوري، والنوم أخو الموت، قال الله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} الزمر: 42، الآية، ومن ثم قيل: النوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل. فيض القدير (1/ 280).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وردَّ أرواحنا بعد قبضها، فإن النوم هو الموت الأصغر. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 314).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«رد عليَّ روحي»: لما كان النوم أحد الوفاتين... فإذا هبَّ العبد من منامه فقد رد الله عليه روحه؛ فاستحب له الحمد على هذه النعمة؛ فلذا علَّق الحمد عليها. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 561، 562).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «الذي رَدَّ عَلَى رُوحي» المراد بالروح هنا روح اليقظة، وهي الروح التي أجرى الله تعالى العادة أنَّها إذا كانت في الجسد كان الإنسان مستيقظًا، وإذا خرجت نام الجسد، ورأت الروح المنامات. الفتوحات الربانية (1/ 291-292).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«ورد عليَّ روحي» أي: روحي المميزة برد تميزها الزائل عنها بنومها. مرعاة المفاتيح (8/ 116).
قوله: «وأذن لي بِذكرهِ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
أي: فيه، بأن أيقظ قلبي وأجرى لساني به، وفيه ندب الذكر عند الانتباه من النوم، وأفضله المأثور، وهو كثير، ومنه هذا المذكور. فيض القدير (1/ 280).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وأذن لي بذكره» أي: أقدرني عليه، أو أمرني به. لتنوير شرح الجامع الصغير (1/ 562).
وقال الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله-:
وفي هذا (الحديث) حمدُ الله -عزَّ وجلَّ- على المعافاة في الجسد، والسلامة من الأمراض والأسقام، وحمده سبحانه على ردِّ الروح على العبد؛ ليتمكَّن من الزيادة في الطاعة، والإكثار من العبادة، والعناية بالذكر؛ ولهذا قال: «وأذِن لي بذكره» أي: وفَّقني لذلك، وأعانني عليه، والمرادُ بالإذن هنا أي: الإذن الكوني القدري؛ لأنَّ الإذنَ إذا ورد في النصوص تارةً يُرادُ به الإذنُ الكونيُّ القدريُّ، وتارةً يراد به الإذنُ الشرعيُّ الدينيُّ، ومن المعلوم أنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- أذن للعباد جميعِهم شرعًا ودينًا بذكره، ولزومِ طاعتِه، لكنَّه سبحانه لَم يأذن بذلك كونًا وقدرًا إلا لمن أنعم عليهم بالإيمان، وهداهم للإسلام، ووفَّقهم للخير، وعليه فإنَّ مَن أذِن الله له بذكره كونًا وقدرًا، فقد أكرمه بأعظم كرامةٍ، وهداه بتوفيقه ومنِّه سبحانه إلى الخير، وهذا من أعظم ما يستوجب الحمدَ؛ ولهذا شُرع للمسلم أن يحمد اللهَ -عزَّ وجلَّ- على هذه النعمة العظيمة، ويشكرَه سبحانه على هذا العطاء والفضل.
وتأمّل أخي: الآذن بالذِّكر هو الله، والمستفيد من الذِّكر هو العبد، والمثيب على الذِّكر هو الله، فهو سبحانه من عظيم فضله وواسع إنعامه يبتدئُ عبادَه بالنعم، ويثيبُهم عليها أعظمَ الثواب، فله الحمدُ شكرًا، وله المنُّ فضلًا، وله سبحانه الحمدُ في الآخرة والأولى. فقه الأدعية والأذكار (3/ 84-85).