«مَن عَالَ جاريتينِ حتى تَبْلُغَا جاء يومَ القيامةِ أَنا وهو، وضمَّ أصابعَهُ».
رواه مسلم برقم: (2631)، من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«عَالَ»:
أي: قام عليهما بالمؤُونة والتربية، ونحوهما، مأخوذ من العَوْلِ، وهو القوت، ومنه «ابْدَأْ بمن تَعُولُ». شرح صحيح مسلم، للنووي(16/ 180).
«جاريتين»:
أَيْ: بِنْتَيْنِ. رياض الصالحين، للنووي(ص: 117).
شرح الحديث
قوله: «مَن عَالَ جاريتين حتى تَبْلُغَا»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«مَن» شرطية مبتدأ، خبره «جاء... إلخ». البحر المحيط الثجاج (41/ 182).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«مَن أعال جاريتين» قام بكفايتهما وتربيتهما ومصالحهما. التنوير شرح الجامع الصغير (10/307).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«مَن عال جاريتين» يعني: مَن ربَّى صغيرتين. شرح مصابيح السنة (5/ 290).
وقال النووي -رحمه الله-:
ومعنى عَالَهُمَا: قام عليهما بالمؤُونة والتربية، ونحوهما، مأخوذ من العَوْلِ، وهو القوت، ومنه «ابْدَأْ بمن تَعُولُ». شرح صحيح مسلم (16/ 180).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
«جَارِيَتَيْنِ» أَيْ: بِنْتَيْنِ. رياض الصالحين (ص: 117).
وقال ابن علان -رحمه الله- مُعقبًا:
فسَّر المصنف (النووي) الجاريتين المذكورتين في الخبر بقوله: "أي: بنتين"، ولا يظهر وجه قصر الجاريتين في الخبر على البنتين؛ فإنَّ الجارية في اللغة لا تختص بالبنت...، فلا يختص الفضل المذكور في الخبر بالبنتين، بل يعمهما وغيرهما، ففي مسند الفردوس للديلمي عن أبي المحبر قال: قال رسول الله: «مَن عال بنتين أو أختين أو خالتين أو جدتين أو عمَّتَين، فهو معي في الجنة كهاتين» الحديث أخرجه أحمد في المسند. دليل الفالحين (3/ 87).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«مَن عال جاريتين» أي: ربَّى صغيرتين، وقام بمصالحهما من نحو نفقة وكسوة. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 430).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
والمراد بنتين له، أو أعم من ذلك. التنوير شرح الجامع الصغير (10/307).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
وقوله: «مَن عال جاريتين» كأنه إذا كان للرَّجُل البنت الواحدة وكانت مع ذَكَرٍ لم يكن تَبَرُّمه بها كما إذا كانتا اثنتين، فالاثنتان على الرَّجُل أشد من الواحدة، وهذا إنما ذَكَرَهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه جَمَعَ أنثى إلى أنثى، فهو ضم شيء إلى شيء، حتى قال فيه قوم: إنه أقل الجمع، فيدل نُطْقُ هذا الحديث أن مَن كان له ثلاث بنات أو أربع أو أكثر كان قُرْبُه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنسبة ذلك إذا عَالَهُنَّ. الإفصاح عن معاني الصحاح (5/337).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
والعَوْلُ في الغالب يكون بالقيام بمؤونة البدن؛ من الكسوة والطعام والشراب والسكن والفراش ونحو ذلك، وكذلك يكون في غذاء الروح؛ بالتعليم والتهذيب والتوجيه والأمر بالخير والنهي عن الشر وما إلى ذلك. شرح رياض الصالحين (3/106).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«حتى تبلغا» أي: تصيرا بالِغَتَيْن. شرح مصابيح السنة (5/ 290).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وبلوغها إما بالسن أو بالحيض أو بالاحتلام، ويقدر بلوغها قبل الولادة بستة أشهر. دليل الفالحين (3/86).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وقوله: «حتى تبلغا» يعني: حتى تَصِلَا إلى سن البلوغ، وهو خمس عشرة سنة، أو غير ذلك من علامات البلوغ في المرأة؛ كأنْ تحيض ولو قبل خمس عشرة سنة، أو نَبَتَتْ لها العانة، أو احْتَلَمَت. شرح رياض الصالحين (3/106).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«حتى تبلغا» أي: تُدْرِكَا البلوغ، أو تَصِلَا إلى زوجهما. مرقاة المفاتيح (7/ 3101).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ويعني ببلوغهما: وصولهما إلى حال يستقِلَّان بأنفسهما؛ وذلك إنما يكون في النساء إلى أن يدخل بهن أزواجهن، ولا يعني ببلوغها إلى أن تحيض وتُكَلَّف؛ إذ قد تتزوج قبل ذلك فتستغني بالزوج عن قيام الكافل، وقد تحيض وهي غير مستقِلَّة بشيء من مصالحها، ولو تُرِكَت لضاعت وفَسَدَت أحوالُها، بل هي في هذه الحال أحق بالصيانة والقيام عليها؛ لتكمل صيانتها فيرغب في تزويجها، ولهذا المعنى قال علماؤنا: لا تسقط النفقة عن والد الصبيَّة بنفس بلوغها، بل بدخول الزوج بها. المفهم (6/636-637).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
والظاهر: أنَّ الثواب المذكور إنما يحصل لفاعله إذا استمر إلى أنْ يحصل استغناؤهن عنه بزوج أو غيره، كما أُشِير إليه في بعض ألفاظ الحديث، والإحسان إلى كل أحد بحسب حاله، وقد جاء أنَّ الثواب المذكور يحصل لمن أحسن لواحدة فقط. فتح الباري (10/ 428).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
هذا الوَعد خاص بمن ابتلي بأكثر مِن واحدة ويؤكدهُ ما جاء عند أحمد من حديث أم سلمة «من أنفق على ابنتين أو أختين أو ذاتي قَرابة يحتسب عليهما»، لكن هناك من الأحاديث ما يفيد شُمول الوَعد مَن أَحسن إلى واحدة، ففي رواية «فقال رَجلٌ من الأعراب: أو اثنتين فقال: أو اثنتين» وفي رواية «فرأى بعض القوم أنْ لو قال وواحدة لقال وواحدة» وعند الطبراني: «مَن كانت له ابنة فأَدَّبها ، وأَحسن أَدبها وعلَّمها فأحسن تعليمها وأَوسع عليها من نِعمة الله التي أوسع عليه» الحديث. وهل هذا الوعد خاص بالإحسان أو يكفي أداء الواجب والصبر؟
الظاهر الأول فروايتنا «فأحسن» وشقّ التمرة وعدم الأكل منها إحسان فوق الواجب وعند ابن ماجه «فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكَساهنَّ» وعند الطبراني «فأنفق عليهن وزوجهن وأحسن أدبهن» وفي الأدب المفرد «يؤدبهن ويرحمهن ويكفلهن» وعند الترمذي «فأحسن صُحبتهن واتقي الله فيهن» وهذه الأوصاف يجمعها لفظ الإِحسان وليس الاقتصار على الواجب إحسانًا في مثل هذه الحالة، وإن ْكان له ثوابه وأَجرهٌ؛ فالمناسب تفسير الإحسان هُنا بأنه فعل معروف لم يكن واجبًا أو فعل معروف زائد على الواجب، وشرط الإحسان أن يكون الفعل موافقًا للشرع.
وفي الرواية الثانية: «إنَّ الله قد أَوجب لها بها الجنة أو أَعتقها بها من النار» أي: بالتمرة التي شقتها بين ابنتيها.
وفي الرواية الثالثة «جاء يوم القيامة أَنا وهو وضم أصابعه» أي: جاء يوم القيامة أَنا وهو كهاتين أي: مُتصاحبين مُتجاورين.فتح المنعم، شرح صحيح مسلم(10/132)
قوله: «جاء يوم القيامة أنا وهو، وضَمَّ أصابعه».
قال ابن علان -رحمه الله-:
«جاء يوم القيامة» معي وبِقُرْبِي. دليل الفالحين (3/86).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«أنا وهو» «أنا» مبتدأ، وهو معطوف عليه، وخبره «هكذا»، والجملة حال بغير واو، أي: جاء مصاحبًا لي، وقيل: فيه تقديم وتأخير، تقديره: جاء هو وأنا؛ لأن في «جاء» ضمير يعود إلى «مَن»، فكلمة «هو» تأكيد له، «وأنا» معطوف عليه، قدِّم «أنا» لشرفه؛ أو لكونه أصلًا في تلك الخصلة. مبارق الأزهار شرح مشارق الأنوار (1/132).
وقال ابن حبان -رحمه الله-:
أراد به في الدخول والسبق، لا أنَّ مرتبة مَن عال ابنتين أو أختين في الجنة كمرتبة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- سواء. صحيح ابن حبان (2/ 192).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وقوله: «أنا وهو هكذا» جملة حالية بغير واو، أي: جاء مصاحبًا لي. الكاشف عن حقائق السنن (10/3175).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«أنا وهو» أي: مقرونان، فالخبر محذوف وجوبًا؛ لدلالة (واو) المعية عليه، وقيامها مقامه. دليل الفالحين (3/87).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفيه: فضيلة عظيمة لمن كان له ما ذُكر، ولا بد من تقييده بالصبر والاحتساب كما في غيره، فلا يتضجَّر من تربيتهما، فيُحْرَم مِن كفالتهما، كما يقع كثيرًا للأنام. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 307).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
«وضَمَّ أصابعه» جاء في غير الحديث: «كهاتين»، يريد: رَفَاقَتِه معه في الجنة، أو دخوله معه إياها في أول مَن يدخل، وكفى بهذا فضلًا، ولذلك في الحديث الآخر: «كُنَّ له حجابًا من النار». إكمال المعلم (8/111).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
«وضَمَّ أصابعه» أي: قَرَنَ بينهما. مطالع الأنوار على صحاح الآثار (4/344).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«وضَمَّ» أي: النبي -صلى الله عليه وسلم- «أصابعه» مشيرًا إلى قُرْبِ ذلك الرجل منه، وهذا من كلام الراوي. شرح مصابيح السنة (5/ 290).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «وضَمَّ أصابعه» المراد ضم أصبعيه السبابة والوسطى، ومقارنتهما واتصالهما كما يظهر من حديث سهل بن سعد.
والمراد الاقتران في دخول الجنة، أو السكنى فيه، أو الاجتماع في المحشر، أو جميع المواطن، وهو الأظهر والأنسب بقوله: «يوم القيامة». لمعات التنقيح (8/236).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قد جعل -عليه السلام- في هذه الأحاديث من الفضل لمن قام على البنات كُنَّ له أو لغيره، وقد جاء في الحديث الثاني في غير الأم: «مَن عال يتيمًا». إكمال المعلم (8/111).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث ما يدل على شَرف الإنفاق على العيال ولا سيما البنات؛ فإنهن لا يتعلق طمع الأب منهن من الاعتداد بهن، والصَّوْل على الأعداء بِقُوَّتهن، وإحياء اسمه، واتصال نسبه وغير ذلك كما يتعلق بالذَّكَر، فلما زاد الإناث على الذكور في درجة إخلاص المنفِق عليهن لله، فإنه يستر منهن عورات في البيوت، ويرزق منهن حرمًا لا يَطِقْنَ الكسب على أنفسهن.
فإذا بلغن فصَلَحْنَ للرجال كانت أنساب أولادهن لعصبات أزواجهن، فكان العَوْلُ للجاريتين منهن يبلغ بحسن النية من العبد المؤمن إلى أن يكون فاعل ذلك منْضَمًّا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انضمام الأصبع إلى الأصبع ليس بينهما حائل؛ ولأن العرب كان من شأنهم الأَنَفَة من البنات، حتى كان منهم الوَأْدُ الذي أخبر الله -عزَّ وجلَّ- به عنهم مِن قَتْلِهِم البنات، فإذا كان المؤمن على خلاف ما كانوا عليه وصَبَرَ على أن يعول بناته كان متمسكًا بشرع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، راغبًا عمَّا كانت الجاهلية عليه، فلما انضمَّ إلى شرعه انضم في القيامة إليه. الإفصاح عن معاني الصحاح (5/337).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: الثواب العظيم لمن قام على البنات بالمؤونة والتربية حتى يتزوَّجْنَ، وكذلك الأخوات. تطريز رياض الصالحين (198).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
أما هذا الحديث ففيه فضل عَوْلِ الإنسان للبنات؛ وذلك أن البنت قاصرة ضعيفة مَهِيْنَة، والغالب أن أهلها لا يَأْبَهُون بها، ولا يهتمون بها؛ فلذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَن عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين». شرح رياض الصالحين (3/105).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
ويؤخذ من هذا الحديث...أنه ينبغي للإنسان أن يهتم بالأمور التي تقرِّبه إلى الله، لا بالأمور الشَّكْلِيَّات، أو مراعاة ما ينفع في الدنيا فقط، بل يلاحِظ هذا ويلاحِظ ما ينفع في الآخرة أكثر وأكثر. شرح رياض الصالحين (3/106).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
تأكيد حق البنات لما فيهن من الضعف غالبًا عن القيام بمصالح أنفسهن بخلاف الذكور؛ لما فيهم من قوة البدن، وجزالة الرأي، وإمكان التصرف في الأمور المحتاج إليها في أكثر الأحوال. فتح الباري (10/ 429).