«أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء ذاتَ يومٍ والسرورُ يُرَى في وجهِهِ، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّا لنرى السرورَ في وجهِكَ، فقال: إنه أتاني مَلَكٌ فقال: يا محمدُ، أَما يُرضيك أنَّ ربَّكَ -عزَّ وجلَّ يقولُ: إنه لا يُصلي عليك أحدٌ من أُمَّتِكَ إلا صَلَّيتُ عليه عشرًا، ولا يُسلِّمُ عليك أحدٌ من أُمَّتِكَ إلا سلَّمتُ عليه عشرًا؟ قال: بلى».
رواه أحمد برقم: (16363)، ورقم: (16361) واللفظ له، والنسائي برقم: (1295)، ورقم (1283)، والطبراني في الكبير برقم: (4724)، والدارمي برقم: (2815)، من حديث أبي طلحة الأنصاري -رضي الله عنه-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (829)، صحيح سنن النسائي برقم: (1216).
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء ذات يوم والسرور يُرى في وجهه»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«ذات» مُقحمة، أي: يومًا من الأيام، ووقتًا من الأوقات. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/ 97).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء ذات يوم» أي: ساعة من النهار. مرقاة المفاتيح (2/745).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«والبشرى في وجهه» (رواية النسائي) مبتدأ وخبره، والجملة في محل نصب على الحال من فاعل «جاء» أي: جاء -صلى الله عليه وسلم- والحال أنَّ الفرح والاستبشارَ يُرى في وجهه. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/ 97).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «والبِشْر» (رواية النسائي) بكسر الباء اسم من الاستبشار، أي: الطلاقة وآثار السرور في وجهه. حاشية السندي على سنن النسائي (3/44).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«في وجهه» أي: لائح في بَشْرَتِهِ، وجُعل ظرفًا ومكانًا له إعلامًا بتمكُّنه وعظمة وقعه. مرقاة المفاتيح (2/745).
قوله: «فقالوا: يا رسول الله، إنا لنرى السرور في وجهك»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فقلنا: إنا لنرى البشرى في وجهك» المراد: بشرى لم يروه قبل ذلك، ففي رواية الدارمي: «فقيل له: يا رسول الله، إنا لنرى في وجهك بِشْرًا لم نكن نراه؟ قال:...» الحديث. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/ 97).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وإيراد كلمة «في» للدلالة على تمكُّنه فيه تمكنًا تامًّا حتى جُعل وجهه ظرفًا له. لمعات التنقيح (3/67).
قوله: «فقال: إنه أتاني مَلَكٌ فقال: يا محمد، أما يرضيك أن ربك -عزَّ وجلَّ- يقول: إنه لا يصلي عليك أحد من أُمَّتِكَ إلا صَلَّيتُ عليه عشرًا»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«فقال» أي: بعد سؤال الصحابة كما في رواية للنسائي: «فقلنا: إنا لنرى البِشْرَ في وجهك، فقال: إنه» إلخ.
وعند الدارمي: «جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا وهو يُرَى البِشْرُ في وجهه، فقيل: يا رسول الله: إنا لنرى في وجهك بِشْرًا لم نكن نراه، قال:...» الخ. مرعاة المفاتيح (3/278).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«إنه» أي: الشأن. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/ 97).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «الْمَلَك» الظاهر أنه جبريل -عليه السلام-، فهو المعروف بالسفارة بالوحي بين الله ورسوله. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/312).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«أتاني الْمَلَكُ» أي جبريل؛ لما يأتي... من طريق عبد الله بن المبارك، عن حماد بن سلمة... فقال: «إنه جاءني جبريل -صلى الله عليه وسلم-، فقال: أما يرضيك...» الحديث.
«فقال: يا محمد، إن ربك يقول: أما يرضيك؟» بضم حرف المضارعة، من الإرضاء. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/ 97).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «أما يُرضيك؟» هذا بعض ما أُعطي من الرضا في قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} الضحى:5، وهذه البشارة في الحقيقة راجعة إلى الأُمَّة. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 1045).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
ويؤيد (أي: ما استنبطه الطيبي من كون البُشرى راجعة إلى الأُمَّة) ما جاء في بعض طرق الحديث: أنه جاء جبريل فقال: «بَشِّرْ أُمَّتكَ أنه مَن صلى عليك صلاة كَتَبَ الله له بها عشر حسنات، وكفَّر بها عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات، وردَّ الله -عزَّ وجلَّ- عليه مثل قوله». مرقاة المفاتيح (2/745).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«أنه لا يصلي عليك أحد» بفتح همزة «أن»؛ لكونها وقعت في محل الفاعل؛ لأنه في تأويل المصدر فاعل «يرضيك»، وفي رواية ابن المبارك المذكورة زيادة: «مِن أُمَّتِكَ».
«إلا صَلَّيتُ عليه عشرًا» أي: عشر صلوات. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/ 97-98).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
والمعنى: أَمَا يرضيك عدم صلاة أحد إلا مقرونة بعشر صلوات مني. مرعاة المفاتيح (3/278).
قوله: «ولا يُسَلِّم عليك أحد من أُمَّتِكَ إلا سلَّمتُ عليه عشرًا، قال: بلى»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«ولا يُسَلِّمُ» من التسليم «عليك أحد إلا سَلَّمتُ عليه عشرًا». ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/ 98).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «إلا سلَّمتُ عليه عشرًا» يحتمل: أن المراد بالصلاة والسلام أنه يُكتب له بِكل صلاة عشر صلوات، وبالسلام كذلك، ثم تُضاعف الحسنة بعشر أمثالها، فتكون مائة صلاة ومائة سلام، يُكتب له أجرها. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/313).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
وأما السلام فقد جاء أيضًا في أحاديث مِن أشهرها: حديث عبد الله بن المبارك عن حمَّاد بن سلمة عن ثابت البُنَاني عن سليمان مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه جاء ذات يوم والبُشرى تُرى في وجهه فقال: «إنه جاءني جبرائيل فقال: أما يرضيك يا محمد أنه لا يصلي عليك أحد من أُمَّتِكَ إلا صلَّيتُ عليه عشرًا؟ ولا يُسَلِّمُ عليك أحد من أُمَّتِكَ إلا سلَّمتُ عليه عشرًا؟»، وقد روي في عدة أحاديث: أنَّ الله يصلي على كل مَن صلَّى عليه، ويُسلِّم على مَن يُسلِّم عليه، ولم يذكر عددًا، لكن الحسنة بعشر أمثالها، فالمقيَّد يُفسِّر المطلق. الإخنائية (ص: 256-257).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وفيه: دليل على أنَّ السلام كالصلاة، وأنَّ الله سبحانه يُسلِّم على مَن سلَّم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما يصلي على مَن صلَّى على رسوله عشرًا. تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين (ص: 45).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فيه: دليل على أن السلام على النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل الصلاة عليه؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- يُسَلِّم عشرًا على مَن سلَّم عليه، كما يصلي على مَن صلى عليه عشرًا. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/ 98).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
ومنها (أي: فوائد الحديث): بيان فضل الصلاة عليه -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-.
ومنها: استحباب الفرح بفضل الله تعالى، وظهور الاستبشار على الوجه؛ لقول الله -جل ذكره-: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ ممَّا يَجْمَعُون} يونس:58.
ومنها: تمام عناية الله -عزَّ وجلَّ- بحبيبه محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث يرضيه بهذه البشارة العظيمة، والمنة الجسيمة، قال تعالى: {وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} النساء: 113.
ومنها: بيان ما مَنَّ الله -عزَّ وجلَّ- على هذه الأُمَّة، من عظيم الفضل بصلاتها وسلامها على حبيبه الأعظم، وخليله الأفخم -صلى الله عليه وسلم-، حيث جعل جزاء صلاةٍ واحدة عشر صلوات، وجزاء تسليم واحد عليه عشر تسليمات {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم} الجمعة:4. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/ 100).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وهذا رمز إلى نوع من الشفاعة؛ فإذا كان الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- توجب هذه الكرامة من الله -سبحانه وتعالى- فما ظنك بقيامه وتَشَمُّره للشفاعة الكبرى؟ رزقنا الله إياها ولجميع المسلمين، آمين. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 1045).
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
تنبيه: فإن قيل: جاء في رواية عفّان أنّ البُشْرَى كانت مِن الله تعالى، ولفظه: «أتاني الملك، فقال: يا محمد إن ربّك يقول: أما يرضيك …» الحديث.
وهنا البُشْرى من جبريل، فكيف التوفيق بينهما؟
أُجيب: بأنه لا اختلاف بين الروايتين، لإمكان الجمع بينهما بأن صلاة جبريل تابعة لصلاة الله تعالى، فإذا صلّى الله تعالى على المصلي صلَّى جبريل عليه، فهو نظير الحديث المتفق عليه: «إذا أحبّ الله عبدًا نادى جبريلَ، إن الله يحبّ فلاناً، فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء…» الحديث.ذخيرة العقبى، شرح المجتبى(15/٢٠٠)>
وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا) و (هنا)