الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«ما يزالُ الرجلُ يسألُ الناسَ حتى يأتي يومَ القيامةِ ليس في وجهِهِ مُزْعَةُ لحمٍ».


رواه البخاري برقم: (1474)، ومسلم برقم: (1040)، من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«مُزْعَة لحم»:
«مُزْعَة» بضم الميم، وحُكي كسرها وسكون الزاي بعدها مهملة أي: قِطْعَة، وقال ابن التين: ضبطه بعضهم بفتح الميم والزاي، والذي أحفظه عن المحدِّثين الضم. فتح الباري، لابن حجر (3/339).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«مُزْعَة لحم» أي: قِطْعَة يسيرة من اللحم. الكاشف عن حقائق السنن (5/1511).


شرح الحديث


قوله: «ما يزال الرجل يسأل الناس»:
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«يزال» مضارع (زال)، و(زال) لها مضارِعَات ثلاثة: يزول، يزال، يزيل، فهنا «يزال»، وليست (يزول)، وهي من أفعال الاستمرار إذا دخل عليه النفي، فمعنى لا يزال يفعل كذا، أي: أنَّ فِعْلَه مستمر دائم، وهي من أخوات (كان) ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، فـ«الرَّجُل» هنا اسمها، والخبر «يسأل». فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/122-123).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يسأل الناس» أموالهم. سبل السلام (1/547).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«ما يزال الرَّجُل» منكم وكذا المرأة. الكوكب الوهاج (12/145).
وقال ابن حجر الهيتمي-رحمه الله-:
«ما يزال الرَّجُل» أي: مثلًا. فتح الإله في شرح المشكاة (6/296).
وقال المغربي -رحمه الله-:
في قوله: «ما يزال» إشارة إلى كثرة السؤال، وأنَّ المسألة تؤثِّر في الوجه فلا يزال اللحم ينقص مع المسألة حتى ينتهي إلى ذهابه بالكلية، وظاهر الحديث: أنَّ السؤال مطلقٌ على هذه الكيفية، وقد ورد التخصيص للبعض ؛ ولذا فإن البخاري ترجم الباب بباب مَن سأل مُكْثِرًا، يعني: مَنْ سأل وهو غني لأجل يكثِّر مالَه، وأما مَن سأل وهو مضطر فهو مباح، فلا يُعاقب عليه. البدر التمام شرح بلوغ المرام (4/377).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«ما يزال الرَّجُل يسأل» وفي رواية: «لا تزال المسألة بأحدكم»، وفي ذلك إشارة إلى أن الحكم موقوف على تكرار السؤال وكثرته. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (4/395).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«يسأل الناس» أي: من غير استحقاق بلسان القال أو بيان الحال. مرقاة المفاتيح (4/1309).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«ما يزال الرَّجُل يسأل» أي: يسأل الناس المال، والمراد سؤال التَّكثُّر من غير حاجة ولا ضرورة؛ لما في صحيح مسلم من طريق أبي زُرْعَة، عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، مرفوعًا: «مَن سأل الناس أموالهم تَكَثُّرًا فإنما يسأل جمرًا، فليستقِلَّ أو ليستكثر». ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (23/ 170).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
ولفظ: «الناس» عام مخصوص بالسلطان. سبل السلام (1/547).

قوله: «حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مُزْعَة لحم»:
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «حتى يأتي يوم القيامة»، فـ«يوم» هنا فيها إشكال فهي هنا منصوبة، وهل الفاعل يكون منصوبًا؟ لا يكون منصوبًا، إذن كيف جاء منصوبًا هنا؟ الفاعل هنا مستتر تقديره هو، و«يوم» ظرف. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/123).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«ليس في وجهه مُزْعَة لحم» بل كلُّه عَظْمٌ. إرشاد الساري (3/63).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
وهذا لا شك أنه مثال بَشِعٌ منفِّر محسوس، تصوَّر الإنسان بدون لحم، عظام فقط، تنظر الجمجمة كيف تكون إذا كانت من عظام فقط، يعني مقزِّزة منفِّرة، فهذا المثال يدل على تحريم السؤال لا سيما إذا كان لغير الحاجة، أما إذا كانت هناك حاجة تدعو إلى السؤال وهو من أهل الحاجة الذين لا يستطيعون التكسُّب فمثل هذا يسأل بقدر حاجته. شرح المحرر في الحديث (55/26).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وخصَّ الوجه بهذا النوع لأن الجناية به وقعت؛ إذ قد بذل مِن وجهه ما أُمِرَ بصونه عنه، وتصرَّف به في غير ما سُوغ له. المفهم (3/85).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال عبد الواحد: عُوقِب في وجهه بأنْ جاء لا لحم فيه، فجازاه الله من جنس ذنبه حين بَذَلَ وجهه وعنده كفاية.
قال المهلب: والْمُزْعَة: القطعة من اللحم، فإذا جاء لا لحم في وجهه فتؤذيه الشمس في وجهه أكثر من غيره. شرح صحيح البخاري (3/ 512-513).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
محمول على الحقيقة، يفعل الله ما يشاء، أو مجاز عن الذلة، يقال: فلان ليس له وجه عند الناس؛ أي: قَدْرٌ، وهذا متعارف بين الناس. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (3/ 472).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وهذا (أي: معنى «وليس في وجهه مُزْعَة لحم») قد يحتمل وجوهًا:
منها: أنه يأتي يوم القيامة ذليلًا ساقطًا لا جاه له ولا قدْرَ، كنَّى بالوجه عن الجاه والقَدْر، على معنى قول الناس: لِفُلان وجهٌ عند الناس، أي: قَدْرٌ ومنزلة.
ومنها: أن يكون وجهه الذي يلقى به عظمًا لا لحم عليه، إما بأن يكون قد نالَتْهُ العقوبة في وجهه فعُذِّب حتى سقط لحمه على معنى مشاكَلة عقوبة الذنوب مواضع الجناية من الأعضاء كقوله: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} البقرة:275 يريد أن الربا الذي أكلوه رَبَا في بطونهم وأَثْقَلَهُم...
وإما أن يكون ذلك علامة له وشعارًا يُعرف به، وإن لم يكن مِن عقوبة مَسَّتْهُ في وجهه، وقد جاء في بعض الروايات في هذا الخبر أنه قال: «يأتي اللهَ يوم القيامة ووجهُه عَظْمٌ كلُّه». أعلام الحديث (2/802-803).
وقال ابن حجر -رحمه الله- معقبًا:
الأول (من الأوجه التي ذكرها الخطابي) صرفٌ للحديث عن ظاهره، وقد يؤيده ما أخرجه الطبراني والبزار من حديث مسعود بن عمرو مرفوعًا: «لا يزال العبد يَسألُ وهو غني حتى يَخْلَقَ وجهُه فلا يكون له عند الله وَجْهٌ».
وقال ابن أبي جمرة: معناه: أنه ليس في وجهه من الحُسْنِ شيء؛ لأن حُسْنَ الوجه هو بما فيه من اللحم.
ومالَ المهلبُ إلى حَمْلِهِ على ظاهره، وإلى أن السِّر فيه أن الشمس تدنو يوم القيامة، فإذا جاء لا لحم بوجهه كانت أذية الشمس له أكثر من غيره. فتح الباري (3/339).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
قد عَرَّفَنا الله تعالى أن الصُّوَر في الدار الآخرة تختلف باختلاف المعاني، قال الله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} آل عمران: 106، فالذي يَبْذُل وجهه لغير الله في الدنيا من غير بأس وضرورة، بل للتوسُّع والتكثُّر يصيبه شَيْنٌ في وجهه بإذهاب اللحم عنه؛ ليظهر للناس عنه صورة المعنى الذي خفي عليهم منه. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/433).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وأقول: يمكن أن يحقِّق المعنى الثاني، فإنَّ كثرة اللحم في الوجه ونتوءه يدل على صفاقة الوجه ووقاحته، وهو أمارة الإلحاح، فيُعاقَب بنزعه عنه. الكاشف عن حقائق السنن (5/1512).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقد يكون عندي قوله: «لقي الله وما في وجهه مُزْعَة لحم» على ضرب الْمَثَل والاستعارة لحاله في الدنيا، من ذهابِ الحُرمة عن وجهه، والصَّون بِذُلِّ السؤال حتى مات ولم يبقَ له وَجْهٌ عند الناس ولا قَدْرٌ. إكمال المعلم (3/575).
وقال القاضي البيضاوي -رحمه الله-:
المراد به: ما يلحقه في الآخرة من الهوان، وذُلِّ السؤال. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 481).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
وإنْ قلتَ: وهو إما كناية عن غاية الذل والحقارة، وعدم الجاه والمآل، من قولهم: لفلان وجه عند الناس، أي: جاهٌ ومنزلة رفيعة، أو على حقيقته بأنْ يُحشر بوجه عَظْمٍ محض، لا يستره شيء من لحم؛ ليشتهر بين أهل الموقف بهذه الصفة الشنيعة الدالة على سوء صفته، وقبح طويته، ويظهر لهم ما خفي عنهم من قبائحه.
وتجويز أنه شعار يُعرف به، لا لعقوبة، يَرُدُّه أنَّ هذا إنما سِيق لذَمِّه، وهو لا يُناسِب إلا أحد المعنيين لا غير.
وفي ذلك إشارة إلى أنَّ الأعمال يَظْهَر حُسْنُها وقُبْحُها على وجوه عامليها يومئذٍ {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} آل عمران: 106، وهذا فيما يُميِّز المسلم على الكافر، وأما ما يُميِّز مراتب المسلمين فهو أنواع أُخر، منها: طول أعناق المؤذِّنِين، والغُرَّة والتحجيل، ووجْهٌ بلا لحم، وغير ذلك. فتح الإله في شرح المشكاة (6/296).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وذلك بأن يكون علامة له يَعْرِفه الناس بتلك العلامة أنه كان يَسْأَل الناس في الدنيا، فيكون تفضيحًا لحاله، وتشهيرًا لمآله، وإذلالًا له، كما أذلَّ نفسه في الدنيا، وأراق ماء وجهه بالسؤال، ومن دعاء الإمام أحمد: اللهم كما صُنتَ وجهي عن سجود غيرك، فصُنْ وجهي عن مسألة غيرك. مرقاة المفاتيح (4/ 1309).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
حَمْلُ الحديث على ظاهره هو الأولى، ولا ينافيه حديث الطبراني والبزَّار المذكور؛ لأن المعنى: أنه يأتي يوم القيامة وقد سقط لحم وجهه، ومع ذلك لا يكون له وجه، أي: شَرَفٌ عند اللَّه تعالى، وقد أورد البخاري -رحمه اللَّه تعالى- مؤيّدًا حمل الحديث على ظاهره بعد أنْ أورد حديث ابن عمر المذكور حديثه في الشفاعة، فقال: «وقال: إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العَرَق نصف الأُذْن، فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم، ثم بموسى، ثم بمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم-»، وزاد عبد اللَّه بن صالح: حدثني الليث، حدثني ابن أبي جعفر: «فيَشْفَع ليُقضَى بين الخلق، فيمشي، حتى يأخذ بحلقة الباب، فيومئذٍ يبعثه اللَّه مقامًا محمودًا، يحمده أهل الجَمْعِ كلُّهم».
ووجه ذلك: أنَّ الشمس إذا دَنَت يكون مَن لا لحم على وجهه أشدُّ تأذّيًّا بها من غيره.
والحاصل: أنَّ ظاهر الحديث هو المقصود، وبقية المعاني لا تنافيه، فيُبعث لا لحم على وجهه، ويكون لا قَدْرَ له عند اللَّه تعالى، ويعذَّب بتساقط لحمه.
وهذا كلُّه فيمَن سأل تكثُّرًا، وهو غني، لا تحلُّ له الصدقة، وأما مَن سأل وهو مضطرٌّ فذلك مباحٌ له، فلا يتناوله الوعيد المذكور؛ للأدلة الأخرى التي تدلُّ على عدم دخوله فيه. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (23/ 171-172).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
وهذا يدل على الوعيد لمن سأل سؤالًا كثيرًا، والبخاري فهم أنه وعيد لمن سأل تكثُّرًا، والفرقُ بينهما ظاهر، فقد يسأل دائمًا وليس متكثرًا؛ لدوام افتقاره واحتياجه، لكن القواعد تُبيِّن أنَّ المتوعَّد هو السائل عن غنى وكثرة؛ لأن سؤال الحاجة مباح، وربما ارتفع عن هذه الدرجة، وعلى هذا نزَّل البخاري الحديث، وقد عَلِمْتَ أنَّ الناس يقولون في المجاز: أراق السؤالُ ماءَ وجهه، وقلتُ في هذا المعنى:
قَال لِي إِذ أَرَاقَ مَاءَ المحَيَّا *** وَتَعَاطى السُّؤَالَ مِنْ غَيْرِ فَاقَهْ
لِيَ عِرْض مطَهَّرٌ، قلتُ: لَكِنْ *** أَنْتَ نَجَّستَهَ بتِلْكَ الإِرَاقَهْ.
فتوعَّد هذا السائل من جنس المجاز المستعمل، لكن بالحقيقة الإشارة إلى أنَّ لحمَ وجهه يذهب، فكيف بمائِهِ؟! مصابيح الجامع (3/ 437).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: ليس في الباب ما يدل على التكثُّر كما ترجم له (البخاري)؟ قلتُ: قيل: أشار إلى ما رواه مسلم: «مَن سأل الناس تَكَثُّرًا» ولا حاجة إلى ذلك؛ فإنَّ قوله: «ما يزال الرَّجُل يسأل» دالٌّ عليه؛ ولذلك لم يبقَ في وجهه مزعة لحم. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (3/472- 473).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
قلتُ: ظاهر الحديث يدل على ذم تكثير السؤال وقُبْحِه، وإنَّ كلَّ مسألة تُذهب من وجهه قطعةَ لحم، حتى لا يبقى فيه شيء؛ لقوله: «لا يزال». مرعاة المفاتيح (6/ 255).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «مُزْعَة» بمعنى: قِطعة؛ لأن وجْهَه -والعياذ بالله- حيث أَذَلَّه أمام الناس في سؤال الدنيا جاء يوم القيامة وقد أُزِيل لحْمُه حتى كان عظامًا -والعياذ بالله-؛ عقوبة له على ما حصل منه في الدنيا من إذلال وجهه، هذا هو الصحيح في تفسير الحديث وهو ظاهره. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/123).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
في هذا الحديث: أن هذا الوعيد يختصُّ بمن أكثر السؤال، لا مَن نَدَر ذلك منه. فتح الباري (3/340).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وهذا فيمَن سأل لغير ضرورة وتَكَثُّرًا، كما جاء في الحديث الآخر: «مَن سأل لغير ضرورة وتكثرًا»، وكما جاء في الحديث الآخر: «مَن سأل تكثرًا فإنما هو جَمْرٌ» يعني: معاقبته عليه بالنار، إذ غر من نفسه، وأخذ باسم الفقر ما لا يحل له. إكمال المعلم (3/575).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
وأما مَن سأل مضطرًّا فقيرًا فمباح له المسألة، ويُرجى له أن يُؤجَر عليها إذا لم يجد عنها بدًّا، ورضي بما قسم الله له، ولم يسخط قَدَرَه. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (10/498).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال المهلب: فيه ذَمِّ السؤال وتقبيحه. شرح صحيح البخاري (3/ 512).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
ولا يَحلّ للفقير أن يُظْهِر من المسألة أَكثر مما به. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (10/498).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ويُؤخذ منه جواز سؤال غير المسلم؛ لأن لفظ «الناس» يَعم، قاله ابن أبي جمرة، وحُكي عن بعض الصالحين أنه كان إذا احتاج سأل ذميًّا؛ لئلا يُعَاقَب المسلم بسببه لو رَدَّهُ. فتح الباري (3/340).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قال العلماء: لا يحل لأحد أن يسأل شيئًا إلا عند الضرورة، إذا اضطر الإنسان فلا بأس أن يسأل، أما أن يسأل للأمور الكماليات؛ لأجل أن يسابق الناس فيما يجعله في بيته؛ فإن هذا لا شك في تحريمه، ولا يحل له أن يأخذ ولا الزكاة حتى لو أعطيها، فلا يأخذ الزكاة من أجل الكماليات التي لا يريد منها إلا أن يسابق الناس ويُمَارِيهم، أما الشيء الضروري فلا بأس به. شرح رياض الصالحين (3/389-390).
وقال ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
في هذا تحذير للسائلين من أن يسألوا ما لا يستحقون، ولكن بالنسبة للمسؤول فإنه يعطي ما دام يغلب على ظنه أن هذا الرَّجُل فقير في هيئته ولباسه، فإن غَلَب على ظنِّه أنه غني فهل يعطيه أو لا؟
ينظر في ذلك للمصلحة، إن كان في إعطائه مصلحة أعطاه وإلا منعَه ونصحَه، بل حتى وإن أعطاه فلينصحه، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يُسأل شيئًا إلا أعطاه، حتى كان يعطي المؤلفة قلوبهم الشيء الكثير من الإبل والغنم والمتاع والدراهم؛ تأليفًا لقلوبهم، فإذا جاء هذا السائل ورأيتَ من المصلحة أن تؤلِّف قلبه بإعطائه وإن كنتَ يغلب على ظنك أنه ليس أهلًا فإنَّ إعطاءه لا بأس به؛ لأن بعض الناس قد يسأل وهو غني، فإذا لم تُعْطِه ذهبَ يُسيء إليك، ينشر اسمك بالسوء بين الناس؛ فإذا أعطيتَه اتِّقَاءَ شرِّه، وتأليفًا لقلبه فهذا لا بأس به. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/123).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
ففي هذا الحديث عدة فوائد:
منها: أن سؤال الناس من كبائر الذنوب، وجْهُهُ: الوعيد عليه، وأن الإنسان السَّؤول الذي لا يزال يسأل الناس يعاقب بهذه العقوبة العظيمة.
ومنها: إثبات البعث؛ لقوله: «حتى يأتي يوم القيامة».
ومنها: أن الجزاء من جنس العمل؛ لأن هذا الرَّجُل لمَّا أذلَّ وجهه في الدُّنيا أمام عباد الله أذلَّه الله يوم القيامة أمام عباد الله؛ وذلك بنزع لحم وجهه.
ومنها: أنه يجب على الإنسان إذا سأل أن يسأل الله؛ لأن الإنسان لا بد أن يكون في حاجة، فإذا كان ممنوعًا من سؤال الناس فمَن يسأل؟ يسأل الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس: «إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله»، فأنت إذا ألْجَأَتْكَ الضرورة فلا تسأل إلا الله فإنه هو الملاذ، وهو الذي يُؤمَّل في كشف الضر وجلب الخير. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (3/123).
وقال الشيخ أبو بكر الجزائري -رحمه الله-:
إن موضع العِبرة في هذا الحديث الشريف الصحيح هو ما يلي:
1-الرغبة الشديدة في المال مكروهة.
2-سؤال المال وطلبُه ليس محمودًا إلا لضرورة، وعلى شرط ألا يهلك في هذه الفتنة.
3-المال فتنة فليحذرها طالبُه؛ وليكن على نور من ربه؛ حتى لا يهلك في هذه الفتنة.
4-حرمة سؤال الناس المالَ والإلحاح في ذلك؛ إذ يُسْلَبُ صاحبُه إيمانه، ويُبعث يوم القيامة وليس في وجهه قطعة لحم؛ وذلك لكثرة سؤاله الناس المال، والإلحاح عليهم في ذلك.
5-المال الذي يأخذه العبد من يدِ غيره فإنْ كان بِطِيْبِ نفسٍ بُوْرِكَ له فيه، ومَن أخذه بغير طيبِ نفسِ مَن أعطاه لم يُبارَك له فيه، ويصبح صاحبُه كالذي يأكل ولا يشبع. عظات وعبر من أحاديث سيد البشر (12).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
منها: ما بوَّب له المصنِّف (النسائي) -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان ذمِّ المسألة.
ومنها: بيان عقوبة مَنْ أكثر من سؤال الناس، وهو أنه يأتي يوم القيامة، وليس على وجهه قطعة لحم.
ومنها: أن يوم القيامة هو يوم وقوع الجزاء الأوفى مِن ثواب أو عقاب. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (23/ 172).

وللاستفادة من الراوية الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا