الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«أتموا الركوعَ والسجودَ، فو الذي نفسي بيدِهِ إني لأراكم من بعدِ ظهري إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم».


رواه البخاري برقم: (6644) واللفظ له، ومسلم برقم: (425)، من حديث أنس -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أَتِمُّوا»:
أي: أكملوا. التوشيح شرح الجامع الصحيح، للسيوطي (2/ 735).


شرح الحديث


قوله: «أتموا الركوع والسجود»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«أتموا» أيها المؤمنون، أي: عَدِّلوا «الركوع والسجود» بشروطهما وهيئاتهما. الكوكب الوهاج (7/214).
وقال محمد الأمين الهرري -رحمه الله- أيضًا:
«الركوع والسجود» خصهما بالذكر؛ لوقوع الإخلال فيهما غالبًا. الكوكب الوهاج (7/ 213).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«أتموا الركوع والسجود» هو خطاب لمن يصلي خلفه مؤتمًّا به، كما يرشد إليه قوله: «فو الذي نفسي بيده إني لأراكم من وراء ظهري». التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 351).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«أتموا الركوع والسجود» أي: أكمِلُوهما بمراعاة الطمأنينة والاعتدال. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (13/172).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«أتمُّوا الركوع والسجود» أي: ائتوا بهما تامَّيْن كاملَين بشرائطهما وسننهما وآدابهما، وأَوْفُوا الطمأنينة فيهما حقها، فتجب الطمأنينة فيهما في الفرض وكذا في النفل عند الشافعية؛ وذلك بأن تستقر أعضاؤه في محلها.
قال الحرالي: الإتمام التوفية لما له صورة تلتئم من أجزاء وآحاد. فيض القدير (1/145).

قوله: «فو الذي نفسي بيده»:
قال ابن بطال -رحمه الله-:
قوله: «والذي نفسي بيده» و«لا ومقلب القلوب» فهذه أيمان النبي -عليه السلام-، فالسُّنة أن يُحْلَف بهما وبما شابههما من أسماء الله وصفاته تعالى. شرح صحيح البخاري (6/ 95).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فو» الله «الذي نفسي بيده» أراد بالنفس ذاته وجُمْلَته، وباليد قُدرة الله تعالى وتصرفه.
فيه: إشارة إلى أن إرادته وتصرفه (صلى الله عليه وسلم) مغموران في إرادة الله وتصرفه.
وفيه: جواز القسم بما ذكره ونحوه من كل ما يُفهم منه ذات الله تعالى؛ تأكيدًا للأمر وتفخيمًا للشأن. فيض القدير (1/145).
وقال الشيخ عبد الرحمن البراك -حفظه الله-:
«والذي نفسي بيده» وهذا القسَم كثيرًا ما يُقْسِم به النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعناه: والذي نفسي في ملْكِه يتصرف فيها بقدرته ومشيئته. هذا هو معنى الكلام مركبًا، فإذا أراد الحافظ أو غيره بقولهم: "المراد باليد هنا القُدرة" المعنى المراد من جملة القَسَم كان صحيحًا، وإن أراد أنَّ يد الله المراد بها قُدْرَتُه؛ فهذا جارٍ على مذهب أهل التأويل مِن نُفَاةِ الصفات الذين ينفون عن الله -عز وجل- حقيقة اليدين، ويُؤَوِّلُون ما ورد في النصوص بالقدرة أو النعمة، وهو تأويل باطل مبني على باطل، وهو: اعتقاد نَفْيِ حقيقة اليدين عن الله -عز وجل-، وهذا التأويل صَرْفٌ للنصوص عن ظاهرها، كقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ص: 75، فلو كان المراد باليدين القدرة لما كان بين آدم وإبليس فَرْقٌ؛ إذ الكل مخلوق بالقدرة، والحافظ -رحمه الله- جارٍ في صفة اليد لله تعالى على طريق النُّفاة.تعليقات الشيخ البراك على المخالفات العقدية في فتح الباري (1/ 352).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فيه القسم بيد الله -عز وجل-؛ لأن اليد صفة من صفات الله تعالى التي أثبتها لنفسه في كتابه، وأثبتها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه الصحيحة، فهي صفة ثابتة على ما يليق بجلاله، بدون تأويلها إلى القدرة، كما يقول به بعض الناس. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (13/ 40).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
«بيده» فيه إثبات اليد لله -جلَّ وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، «ونفس» معناها: روحي، وكثير من الشرح يقول: روحي في تصرفه، فرارًا من إثبات الصفة لله -جلَّ وعلا- بالتفسير بلازم، وهذا خلاف ما عليه أهل السنة من إثبات اليد لله -جلَّ وعلا-.شرح كتاب الصيام من تقريب الأسانيد (1/ 20) .
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
فيه إِثبات صفة اليد لله -عزَّ وجلَّ-، ولازم ذلك أن كل شيء في ملكه وتحت تصرفه، فإذا فسر مثل هذا اللفظ بأن كل شيء في ملكه وتحت تصرفه وكان المقصود به عدم إثبات اليد فهذا تأويل باطل، وإذا أثبتت اليد وأثبت لازمها وأثرها الذي هو أَنّ كل شيء في يد الله وفي قبضة الله فإن ذلك كله يكون حقًا، وإنما المحذور إذا لم تثبت اليد لله -عزَّ وجلَّ، وهذا مثل قوله -عزَّ وجلَّ-: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} الملك:1، فإذا أريد به أن الملك ملكه وكل شيء في قبضته وكل شيء في يده -سبحانه وتعالى- مع إثبات اليد فإن ذلك يكون كله حقًا.شرح سنن أبي داود (176/23) .
وقال الشافعي -رحمه الله-:
لله تبارك وتعالى أسماء وصفات ‌جاء ‌بها ‌كتابه. ‌وأخبر بها نبيه -صلى الله عليه وسلم- أمته ... وأن له يدين بقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} المائدة: 64.
وأن له يمينًا بقوله: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} الزمر: 67. ينظر: طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (1/ 283 -284).
وقال عبد الغني المقدسي -رحمه الله-:
ومن صفاته سبحانه الواردة في كتابه العزيز، الثابتة عن رسوله المصطفى الأمين: اليدان. الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي (ص112-113).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
إنَّ للهِ تعالى يَدينِ مُختصَّتَين به، ذاتيَّتَين له، كما يَليق بجلاله. مجموع الفتاوى (6/ 363).

قوله: «إني لأراكم من بَعْدِ ظهري»:
قال البرماوي -رحمه الله-:
«إني لأراكم» بدل من جواب القَسَم، أو بيان له، وهو بفتح الهمزة. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (3/ 165).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
جواب القسم أكَّد الكلام بـ(أن) والقَسَم، مع أن كلامه مع الصحابة المعترِفين بأنه الصادق المصدوق؛ لغرابة الحُكم وكونه خارقًا للعادة. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (2/97).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«إني لأراكم من بعد ظهري» أي: مِن خلف ظهري. الكوكب الوهاج (7/214).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«من بعد ظهري» أي: من ورائه. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (9/ 556).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقوله في الرواية الأخرى: «من بعدي» يحتمل أن يريد مِن بَعد وفاته، وهذا بعيد من سياق الحديث. إكمال المعلم (2/ 337).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وقوله: «مِن بعد ظهري» أو «من بعدي» أي: من خلفي كما تقدم. المفهم (2/ 58).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «من بعدي» أي: من خلفي، وقال الداودي: يعني: من بعد وفاتي، يعني: إنَّ أعمال الأُمَّة تُعرض عليه، ويَرُدُّهُ قوله: وربما قال: «مِن بَعْدِ ظهري». عمدة القاري (5/ 281).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«إني لأراكم مِن بَعْدِ ظهري» هذه معجزة؛ لأنه أمر خارق للعادة. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (10/256).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
قوله: «وإِني لأَرَاكُمْ»... إلخ، وكانت رؤيته من وراء الظَّهْر معجزةً منه، كذا نُقِلَ عن أحمد -رحمه الله تعالى-، وَثَبَتَ الآن في الفلسفة الجديدة: أنَّ القوة الباصرة في الأعضاء كلِّها. فيض الباري على صحيح البخاري (2/ 334).
وقال القاضي البيضاوي -رحمه الله-:
«إني لأراكم من بعد ظهري» حثٌّ على الإقامة، ومنع عن التقصير؛ فإنَّ الـتقصير إذا لم يَخْفَ على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فكيف يخفى على الله تعالى؟! والرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما عِلْمه بِإِطْلَاعِ الله تعالى إياه، وكشفه عليه. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 292).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
والمعنى: هل تظنون أني لا أراكم؛ لكون قِبْلَتي في هذه الجهة؟ لأن مَن استقبل شيئًا استدبر ما وراءه، لكن بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رؤيته لا تختص بجهة واحدة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (13/172).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
واعلم أنه اختلف العلماء هل يرى ذلك بعينين له في ظهره، أو بمعنًى يخلقه الله فيه؟
ولا دليل إلا أنه كان يراهم مِن ورائه، والله أعلم بماذا كانت تلك الرؤية. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 351).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال أحمد بن حنبل في هذا الحديث: إنه كان يرى مِن ورائه كما يرى بعينه.شرح صحيح البخاري (2/71).
وقال المازري -رحمه الله-:
قال بعض المتكلمين: يمكن أن يكون خَلَقَ الباري إدراكًا في قفاه -صلى الله عليه وسلم- أبْصَرَ به مِن ورائه، وقد انخرقت العادة له -صلى الله عليه وسلم- بأكثر من هذا فلا يُستنكر هذا، وإنما يَستنكر هذا المعتزلة؛ لأنها تشترط في خلق الإدراك بُنْية مخصوصة، والردُّ عليهم مستقصًى في كتب علم الكلام. المعلم بفوائد مسلم (1/ 399).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
اشتراط هذا من المتكلِّمين أن يكون الإدراك في قفاه ارتباطًا بذلك المذهب الاعتزالي الذي أنكره؛ لأن في ضِمْنِه اشتراط المقابلة للمرئي ونحن لا نشترطه، وقد تقدَّم مِن هذا في كتاب الإيمان والقَدَر، وقد قالت عائشة في هذا: "زيادة زادهُ الله إياها في حُجَّته"، وقال بَقِي بن مَخْلَد: "كان -عليه السلام- يرى في الظُّلْمة كما يرى في الضوء"، وذهب أحمد بن حنبل وجمهور العلماء: أنَّ هذه رؤية عين حقيقية، قال بعضهم: خاصية له -عليه السلام-، وذهب بعضهم بِرَدِّها إلى العلم، وتظاهُر الظواهر يخالفه، ولا يحيله عقل على مذاهب أهل الحق في الرؤية.
وقال الداودي: قوله: «أراكم» أي: أخبركم أو أقتدي بما أرى على ما وراء ظهري. إكمال المعلم (2/ 336-337).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وأغرب الداودي الشارح، فحمل البَعْدِيَّة هنا على ما بعد الوفاة، يعني: أنَّ أعمال الأُمَّة تُعرض عليه، وكأنه لم يتأمَّل سياق حديث أبي هريرة، حيث بيَّن فيه سبب هذه المقالة. فتح الباري (2/ 226).
وقال ابن حجر -رحمه الله- أيضًا:
وقد اختُلف في معنى ذلك، فقيل: المراد بها العلم، إما بأن يوحى إليه كيفية فعلهم، وإما أن يُلْهَم، وفيه نظر؛ لأن العلم لو كان مرادًا لم يقيِّده بقوله: «مِن وراء ظهري».
وقيل: المراد أنه يرى مَن عن يمينه ومَن عن يساره ممن تدركه عينه مع التفاتٍ يسير في النادر، ويوصف مَن هو هناك بأنه وراء ظَهْرِه، وهذا ظاهر التكلُّف، وفيه عدول عن الظاهر بلا موجب.
والصواب المختار: أنه محمول على ظاهره، وأن هذا الإبصار إدراك حقيقي خاص به -صلى الله عليه وسلم- انخرقت له فيه العادة، وعلى هذا عمل المصنِّف فأخرج هذا الحديث في علامات النبوة، وكذا نقل عن الإمام أحمد وغيره، ثم ذلك الإدراك يجوز أن يكون برؤية عينه انخرقت له العادة فيه أيضًا، فكان يرى بها من غير مقابَلَة؛ لأن الحق عند أهل السنة أن الرؤية لا يشترط لها عقلًا عضو مخصوص ولا مقابَلَة ولا قُرْب، وإنما تلك أمور عادية يجوز حصول الإدراك مع عدمها عقلًا؛ ولذلك حكموا بجواز رؤية الله تعالى في الدار الآخرة خلافًا لأهل البدع لوقوفهم مع العادة.
وقيل: كانت له عينٌ خَلْفَ ظَهْرِه يرى بها مِن ورائه دائمًا.
وقيل: كان بين كتفيه عينان مثل سَمِّ الخياط يُبصِر بهما لا يحجبهما ثوب ولا غيره.
وقيل: بل كانت صورهم تنطبع في حائط قِبْلَتِه كما تنطبع في المرآة، فيرى أمثلتهم فيها، فيشاهد أفعالهم. فتح الباري (1/514-515).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
هذه الأقوال الثلاثة (يعني: الأخيرة التي ذكرها ابن حجر) تحتاج إلى دليل، بل القول الثاني أبشع، لا ينبغي حكايته إلا للتعجب منه، فالحقُّ أن نَكِلَ العلم في كيفية إبصاره -صلى الله عليه وسلم- إلى العليم الخبير الذي أعطاه تلك المعجزة، فتَبَصَّر. البحر المحيط الثجاج (10/180).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
مذهب أهل السنة من الأشعرية وغيرهم أن هذا الإبصار يجوز أن يكون إدراكًا خاصًّا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- محقَّقًا، انخرقت له فيه العادة، وخُلق له وراءَه، أو يكون الإدراك العيني انخرقت له العادة، فكان يرى به من غير مقابَلة؛ فإن أهل السنة لا يشترطون في الرؤية عقلًا بُنْيَة مخصوصة، ولا مقابَلة، ولا قُرْبًا ولا شيئًا مما يشترطه المعتزلة وأهل البدع، وأن تلك الأمور إنما هي شروط عادية يجوز حصول الإدراك مع عدمها؛ ولذلك حكموا بجواز رؤية الله تعالى في الدار الآخرة، مع إحالة تلك الأمور كلها؛ ولما ذهب أهل البدع إلى أن تلك الشروط عقلية استحال عندهم رؤية الله تعالى فأنكروها، وخالفوا قواطع الشريعة التي وردت بإثبات الرؤية، وخالفوا ما أجمع عليه الصحابة والتابعون، ويؤيد هذا قول عائشة -رضي الله عنها- في هذا: "زيادة زاده الله إياها في حُجَّته". المفهم (2/57-58).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معلقًا:
هذا الذي حققه القرطبي -رحمه الله- مِن حَمْلِ الرؤية على الرؤية الحقيقية، كما هو ظاهر النص تحقيق نفيس جدًّا. البحر المحيط الثجاج (10/180).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء: معناه: أن الله تعالى خَلَقَ له -صلى الله عليه وسلم- إدراكًا في قفاه يُبْصِرُ به مِن ورائه، وقد انخرقت العادة له -صلى الله عليه وسلم- بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع، بل ورد الشرع بظاهره، فوجب القول به. شرح مسلم (4/149-150).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال الزين ابن المنير: لا حاجة إلى تأويلها؛ لأنه في معنى تعطيل لفظ الشارع من غير ضرورة. فتح الباري (2/207).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
الأَوْلَى بالمؤمن الإيمان بأنه -صلى الله عليه وسلم- يراهم، وليس عليه بيان بماذا كانت الرؤية، وإثبات ما لا دليل زيادة في خلقته -صلى الله عليه وسلم-. التحبير لإيضاح معاني التيسير (5/330).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
والذي نرتضيه: أنَّ الله تعالى أعطى رسوله -صلى الله عليه وسلم- إحساسًا وإدراكًا لِمَا خلْفَه، وشعورًا بالحركات الخفيفة التي لا تراها عينُه، وهذا أمر يعطي الله قَدْرًا منه للأعمى؛ تعويضًا عما فَقَدَ من البَصر، لكن لا يُقال: إنه يُبْصِر بعينيه، بل يقال: إنه يُبصر ببصيرته، ويقوِّي هذا الفهم بقية الروايات، ولفظها: «فو الله ما يخفى عليَّ ركوعكم ولا سجودكم، إني لأراكم وراء ظهري»، «إني لأراكم من بعد ظهري»، بل ذهب بعض العلماء إلى أنَّ المراد أنه -صلى الله عليه وسلم- يرى ركوع أُمَّتِه وسجودها بعد موته، وهو فهم غريب بعيد جدًّا عن مرمى الحديث. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (2/ 584).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد سئل عن الحكمة في تحذيرهم من النقص في الصلاة برؤيته إياهم، دون تحذيرهم برؤية الله تعالى لهم، وهو مقام الإحسان المبيَّن في سؤال جبريل -عليه السلام-، كما تقدم في كتاب الإيمان: «اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
فأجيب: بأن في التعليل برؤيته -صلى الله عليه وسلم- لهم تنبيهًا على رؤية الله تعالى لهم، فإنهم إذا أحسنوا الصلاة لكون النبي -صلى الله عليه وسلم- يراهم، أيْقَظَهم ذلك إلى مراقبة الله تعالى، مع ما تضمَّنه الحديث من المعجزة له -صلى الله عليه وسلم- بذلك؛ ولكونه يُبعث شهيدًا عليهم يوم القيامة، فإذا علموا أنه يراهم تحفَّظوا في عبادتهم؛ ليشهد لهم بحسن عبادتهم. فتح الباري (2/226).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: علَّل بهذا وأنه يلزم أنهم يراقبونه في صلاتهم، ويخافون رؤيته لهم دون الله -عزَّ وجلَّ-.
قلتُ: قد عُلِمَ يقينًا أن طاعته -صلى الله عليه وسلم- طاعة لله، فلا بأس بمراقبته ومخافة أن يرى انشغالهم في عبادتهم. التحبير لإيضاح معاني التيسير (5/330-331).
وقال شبير أحمد العثماني -رحمه الله-:
ومعلوم أنَّ الخطاب في الحديث للذين كانوا لا يحسنون الصلاة، وهم لعدم بلوغهم إلى درجة الإحسان ما كان يسهل عليهم استحضار رؤية اللَّه -سبحانه وتعالى-، فنُبِّهوا على رؤية الرسول التي كان استحضارها أسهل في حقهم؛ ليَعْرُجُوا منها إلى مقام الإحسان الذي هو منتهى منازل السائرين إلى اللَّه، واللَّه أعلم. فتح الملهم (3/ 247).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وظاهر الحديث أن ذلك يختص بحالة الصلاة، ويحتمل: أن يكون ذلك واقعًا في جميع أحواله، وقد نُقل ذلك عن مجاهد، وحكى بقي بن مَخْلَد أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يُبْصِر في الظُّلمة كما يبصر في الضوء. فتح الباري (1/515).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في كون الإبصار خاصًّا بالصلاة مما يدل عليه ظاهر الحديث عندي نظر، بل الاحتمال الثاني هو الظاهر، فالأَوْلَى حَمْلُه على العموم، كما نُقل عن مجاهد -رحمه الله-، فتأمل. البحر المحيط الثجاج (10/181).

قوله: «إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«إذا ما ركعتم» «إذا» ظرف مجرد عن معنى الشرط متعلق بـ«أراكم»، و«ما» زائدة، وكذا يقال في قوله: «وإذا ما سجدتم» أي: إني لأراكم وقت ركوعكم ووقت سجودكم، فلا يخفى عليّ ركوعُكم ولا سجودكم عدَّلْتُمُوهما أم لم تعدِّلوهما.
وفي حديث سعيد بن أبي عروبة وروايته: «إذا ركعتم، وإذا سجدتم» بحذف (ما) الزائدة، وهذه الرواية تدل على أنَّ (ما) في الرواية الأولى زائدة، وهذا موافق للقاعدة المطَّرِدَةِ عند النحاة، وهو قولهم: (ما) بعد (إذا) زائدة، ولكن لا تخلو عن فائدة؛ لأن العرب لا تضع شيئًا بلا فائدة، وفائدتها: توكيد ما قبلها وهو لفظ (إذا)، ويُسمى هذا توكيدًا لفظيًّا بالمرادف، فكأنه قال: إني لأراكم وقت وقت ركوعكم، ووقت وقت سجودكم، والله سبحانه وتعالى أعلم. الكوكب الوهاج (7/214).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم» أي: إذا ركعتم وإذا سجدتم. إرشاد الساري (9/374).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفي اختصاص هذه الرؤية بحال الصلاة دليل على عظمة شأن الصلاة، وإنما لم يقل: فإن الله يراكم؛ لأنَّ سبب الحديث أنه قال رَجُلٌ: لأفعل في صلاتي كذا، أَنْظُرُ هل يعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك أم لا؟ فذكره، وقيل: النكتة غير ذلك. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 351).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وفيه حجة لمن لا يوجب الطمأنينة؛ لأن النبي -عليه السلام- أنكر عليهم ترك إقامة ركوعهم وسجودهم ولم يأمرهم بالإعادة، وقد يحتمل: أن إنكاره إنما كان لترك اعتدال الظهر في الركوع وتجافيه في السجود ونحو هذا من سنن ذلك وهيئاته وفضائله لا في فرائضه؛ فلذلك لم يأمرهم بإعادة، بدليل قوله فيه: «ألَا تُحْسِن صلاتك؟». إكمال المعلم (2/ 337).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وفي حديث هذا الباب النهي عن نقصان الركوع والسجود؛ لتوعُّد الرسول لهم على ذلك.
وفيه: دليل أن الطمأنينة والاعتدال في الركوع والسجود مِن سُنن الصلاة وليس من فروضها؛ لأن الرسول لم يأمر هؤلاء الذين قال لهم: «لم يَخْفَ عليَّ ركوعكم ولا سجودكم» بالإعادة، ولو كان من فروض الصلاة ما سَكَتَ عن إعلامهم بذلك؛ لأن فرضًا عليه البيان لأُمَّته. شرح صحيح البخاري (2/ 360).
وقال العراقي -رحمه الله-:
وذهب أكثر العلماء إلى وجوب الطمأنينة والاعتدال، وهو قول سفيان الثوري والأوزاعي، والشافعي وأبي يوسف وأحمد، وإسحاق وابن وهب وغيرهم، وليس لمن استدل بالحديث حُجَّة على قوله؛ لأنه ليس في الحديث أنهم لم يطمئنُّوا في الركوع والسجود، والذي ورد التصريح به إنما هو مسابقته بالركوع والسجود لا ترك الطمأنينة كما عند مسلم ومسند أحمد، ولا يتصور منهم ترك الطمأنينة؛ لأنهم كانوا مأمومين وراءه، وكان -صلى الله عليه وسلم- يَطْمَئِنُّ في صلاته قطعًا، فلو تركوا الطمأنينة وراءه لَلَزِمَ منه مفارقتهم له، وإنما كان بعضهم يُسَاوِقُهُ أو يُبَادِرُه فنهاهم عن ذلك، وقد أمَرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- المسيء صلاته بالإعادة بقوله: «صلِّ فإنك لم تصلِّ»، وبيَّن له فرض الطمأنينة بقوله: «ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» وهو صحيح متفق عليه، وبوَّب عليه البخاري: باب أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي لم يتم ركوعه بالإعادة.
وقول المهلب: إنه لم يأمره أن يعيد الصلاة التي نقصها إجراء على الصفة التي عليه، ولم يقل: لا يجزيك حتى تصلي هذه الصلاة على هذه الصفة، وإنما علَّمه كيف يصلي فيما يستقبل، كلام مردود عليه، فقد أمره بالإعادة في آخر مرة بقوله: «صلِّ»، ونفى صلاته بقوله: «فإنك لم تصلِّ»، ثم علَّمه كيف يفعل ما أمره به، فلا يحتاج أن يقول له بعد التعليم: صلِّ هكذا، فإنَّ أَمْرَهُ بالصلاة لم يخرج عنه إلى الآن، ولا يحتاج أن يقول له: لا يجزيك حتى تصلي هذه الصلاة على هذه الصفة، على أنه قد جاء في حديث رفاعة بن رافع في حديث المسيء صلاته: «لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك»، وروى أصحاب السنن من حديث أبي مسعود البدري مرفوعًا: «لا تُجْزِئُ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود»، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. طرح التثريب (2/375).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
منها (أي: من فوائد الحديث): الأمر بإتمام الركوع، ومعنى إتمامه: أن يطمئن المصلي فيه بحيث تعود مفاصله إلى مواضعها، ويستقر كل عضو مكانه، والأمر للوجوب، فالطمأنينة في الركوع، وكذا في سائر أفعال الصلاة من فرضها التي لا تتم إلا بها، فالخلاف في هذه المسألة ضعيف جدًّا. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (13/174-175).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وفي الحديث: الحث على الخشوع في الصلاة، والمحافظة على إتمام أركانها وأبعاضها، وأنه ينبغي للإمام أن ينبِّه الناس على ما يتعلق بأحوال الصلاة، ولا سيما إن رأى منهم ما يخالف الأَوْلَى. فتح الباري (1/515).
وقال ابن حجر -رحمه الله- أيضًا:
واستُدل بالحديث على أنه (أي: الخشوع في الصلاة) لا يجب؛ إذ لم يأمرهم بالإعادة، وفيه نظر. فتح الباري (2/226).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وفيه: حث على الإقامة، ومنع التقصير وترك الطمأنينة فيهما. شرح مصابيح السنة (2/5).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
وهذا فيه الحث على الطمأنينة الكاملة في الركوع والسجود، وكونه يراهم في الركوع والسجود، وهذا من الخصائص في الصلاة. الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري (4/295).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفيه: الأمر بإحسان الصلاة والخشوع وإتمام الركوع والسجود.
وجواز الحلف بالله تعالى من غير ضرورة، لكنَّ المستحب تركه إلا لحاجة كتأكيد أمر وتفخيمه والمبالغة في تحقيقه وتمكينه من النفوس، وعلى هذا يُحْمَل ما جاء في الأحاديث من الحَلِفِ. شرح مسلم (4/150).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وفيه: جواز الكلام بين الإقامة والدخول في الصلاة....
وفيه: مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم، وتحذيرهم من المخالفة. فتح الباري (2/208).
وقال العراقي -رحمه الله-:
قال المهلب بن أبي صفرة: في هذا الحديث النهي عن نقصان الركوع والسجود؛ لتوعده -عليه السلام- لهم على ذلك. طرح التثريب (2/374).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
ومنها (أي: من فوائد الحديث): وجوب إتمام السجود.
ومنها: وجوب اهتمام المصلي بالمحافظة على إتمام أركان الصلاة، وأبعاضها.
ومنها: أنه ينبغي للإمام أن ينبِّه الناس على ما يتعلق بأحوال الصلاة، ولا سيما إن رأى منهم ما يخالف الأَوْلَى. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (13/174-175).
وقال العراقي -رحمه الله-:
فيه معجزة للنبي -صلى الله عليه وسلم- في أنه كان ينظر مِن ورائه كما ينظر مِن بين يديه، وهو محمول على الحقيقة، لا أن المراد به العلم دون الرؤية كما حَمَلَ بعضهم الحديث عليه. طرح التثريب (2/376).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
فيه: أنه ينبغي للإمام إذا رأى أحدًا مقصِّرًا في شيء من أمر دِينه، أو ناقصًا للكمال منه أنه ينهاه عن فعله، ويَحُضَّه على ما له فيه جزيل الحظ؛ ألا ترى أن الرسول وبَّخَ مَن نقص كمال الركوع والسجود، ووعظهم في ذلك بأنه يراهم؟ وقد أخذ الله على المؤمنين ذلك إذا مكَّنهم في الأرض بقوله تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ} الحج:41. شرح صحيح البخاري (2/71).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
فيه: تحذير لهم من التقصير في الصلاة وراءه، فإنهم لو كانوا بين يديه لم يقصِّروا في الصلاة، فكذا ينبغي أن يُصَلُّوا مِن خلفه فإنه يراهم. فتح الباري (3/148).
وقال ابن رجب -رحمه الله- أيضًا:
وفيه: تنبيه على أن مَن كان يُحْسِنُ صلاته لعلمه بنظر مخلوقٍ إليه فإنه ينبغي أن يحسنها لعلمه بنظر الله إليه، فإن المصلي يناجي ربه، وهو قريب منه، ومطَّلع على سرِّه وعلانيته. فتح الباري (3/148).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
(فيه) بيان أن الله خصَّ نبيَّه بمنزلة عظيمة، وهو أن يرى مَن خلفه كما يرى مَن أمامه في الصلاة...
وفيه شاهد لِعِظَةِ الإمام. الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري (1/132).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)   


ابلاغ عن خطا