«خمسٌ تجبُ للمسلمِ على أخيهِ: ردُّ السلامِ، وتشميتُ العاطسِ، وإجابةُ الدعوةِ، وعيادةُ المريضِ، واتِّبِاعُ الجنائزِ».
رواه البخاري برقم: (1240)، ومسلم برقم: (2162) واللفظ له، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«تَشْمِيْتُ العاطس»:
الدعاء له، وكُل داعٍ بخير فهو مُشَمِّتٌ، ومُسَمِّت بالسين. مختار الصحاح، لزين الدين الرازي (168).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
التَّشْمِيْتُ بالشين والسين: الدعاء بالخير والبركة. النهاية (2/499).
«الدَّعوة»:
بفتح الدّال في الطعام هو اسم مِن دَعُوتَ الناس إذا طلَبْتَهم ليأكلوا عندك، فقال: نحن في دعوة فلان ومَدْعَاتِه بمعنى. دليل الفالحين، لابن علان (6/370).
«عيادة المريض»:
أي: زيارته في مرضه، وإن كان رمدًا. التيسير، للمناوي (1/ 951).
وقال العيني -رحمه الله-:
عيادة المريض: مِن عُدْتُ المريض أَعُودُهُ عيادةً: إذا زُرْتُه، وسألتُ عن حاله، وعاد إلى فلان يعودُ عودةً وعَوْدًا إذا رَجَعَ، وفي المثل: العَوْدُ أَحْمَدُ، وأصل عيادة: عوادة، قُلبت الواو ياء؛ لكسرة ما قبلها طلبًا للخِفَّة. عمدة القاري(8/ 6).
«اتِّبَاعُ»:
الاتِّبَاعُ: افتعال مِن اتَّبَعْتَ القوم إذا مشيتَ خلْفَهُم، أو مرُّوا بك فمَضَيْتَ معهم، وكذلك تَبِعْت القوم بالكسر تبعًا وتِبَاعة، واتباع الجنازة: المضي معها. عمدة القاري، للعيني (8/ 6).
«الجَنَائِز»:
الجِنَازةُ: بالكسرِ واحدةُ الجَنَائِزِ، والعامَّةُ تَفْتَحُهُ، ومعناه: المَيِّتُ على السَّرِيرِ، فإذا لم يكن عليه المَيِّتُ فهو سَرِيرٌ وَنَعْشٌ. مختار الصحاح، لزين الدين الرازي (ص: 62).
شرح الحديث
قوله: «خمس تجب للمسلم على أخيه»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«خمس» أي: الذي يجب للمسلم على أخيه المسلم خمس. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/498).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
والعدد لا مفهوم له، فلا يفيد تحديد المأمورات، وفي حديث: «أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبع»، والأمر بعدد لا ينافي الأمر بعدد آخر في وقت آخر، وتمييز العدد محذوف، أي: خمس خصال، أو خمس فضائل. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (8/483).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «خمس تجب للمسلم» وهذا فيه التصريح بالوجوب. شرح سنن أبي داود (571/15).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«تجب» أي: تُسْتَحَقُّ بما يشمل الاستحباب. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (8/483).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «تجب للمسلم» ظاهر الحديث الوجوب، ومَن لا يقول بالوجوب في البعض أو الكل يحمل الوجوب على ما يَعُمُّ الندب المؤكَّد، ويحمله على الندب المؤكد. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (4/641).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
والظاهر: أنَّ المراد به هنا وجوب الكفاية. فتح الباري (3/ 113).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
ظاهرُ الأمرِ في هذه الأشياء الوجوبُ، وقد وردتْ صيغةُ الوجوب في بعضها عن حديث الزُّهْرِيِّ، عن ابن المُسَيِّبِ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خَمْسٌ تجبُ للمُسْلِم على أخيه: ردُّ السَّلامِ، وتَشْميتُ العاطسِ، وإجابةُ الدَّعوةِ، وعِيادةُ المريضِ، واتِّباعُ الجَنازةِ» والله أعلم. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (2/ 62).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «للمسلم على أخيه» ومعنى هذا: أن هذا الحق إِنما هو للمسلم وليس لغيره. شرح سنن أبي داود (571/15).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
والأخ يشمل الأخت. فتح المنعم شرح صحيح مسلم(8/483).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
هذا الأسلوب من الأساليب التي جاءت في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو كونه يذكر العدد أولًا ثم يذكر المعدود بعد ذلك؛ لأن هذا فيه تحفيز السامع إلى أن يتهيأ لاستيعاب هذا العدد، وألا يفوته منه شيء، وأنه إن قصر عن استيعابه فمعناه أنه فاته شيء، وهذا من كمال بيانه وكمال نصحه لأُمَّته -عليه الصلاة والسلام-، فإنه يأتي بمثل هذه العبارات التي تحفز السامعين إلى أن يعنوا وأن يهتموا بما يُلْقَى بعد ذكر هذه الخمس، بخلاف ما لو جاء المعدود بدون ذكر العدد في الأول، فإن الإنسان قد يفوته شيء ولا يدري أنه قد فاته.
وقد جاء هذا كثيرًا في أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، منها: «ثلاث مَن كُنَّ فيه وَجَدَ بهن حلاوة الإيمان»، ومنها: «أربعٌ مَن كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا»، ومنها: «خمس من الفطرة»، وهنا: «خمس تجب على أخيه المسلم»، ومنها: «كلمتان حبيبتان إلى الرحمن» يعني: ذكر أنهما كلمتان وذكر صفاتهما ثم ذكرهما في الآخر: «سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم».
فهذا الحديث من أمثلة ما اشتمل عليه كلامه -صلى الله عليه وسلم- من البلاغة، وما اتصف به -صلى الله عليه وسلم- من كمال النصح للأُمَّة، فهو أفصح الناس، وأنصح الناس للناس -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-. شرح سنن أبي داود (571/15).
قوله: «رَدُّ السلام»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«رَدُّ السلام» أي: جوابه. مرعاة المفاتيح (5/212).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«رَدُّ السّلام» أي: إذا سلّم مسلمٌ على مُسْلم يجب على المسلَّم عليه ردّ السلام، وهذا الوجوب على الكفاية، فإذا سلَّم على الجماعة فردَّ أحد منهم، يكفي عن الجماعة، وسقط الوجوب عنهم. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (13/424-425).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«رَدُّ السلام» أي: جوابه، وأما السلام فسُنَّة، وهو سُنة أفضل من الفرض؛ لما فيه من التواضع والتسبب لأداء الواجب. مرقاة المفاتيح (3/ 1120).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
واختُلف في ردِّ السلام وتشميت العاطس، هل هو فرض على الكفاية أو على العين. إكمال المعلم (7/46).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما ردُّ السلام فهو فرض بالإجماع، فإن كان السلام على واحد كان الردُّ فرض عين عليه، وإن كان على جماعة كان فرض كفاية في حقهم، إذا ردَّ أحدهم سقط الحرج عن الباقين. شرح مسلم (14/ 32).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
والأفضل أن يبتدئ الجميع بالسلام، وأن يردَّ الجميع، وعن أبي يوسف أنه لا بد أن يَرُدَّ الجميع، ونَقل ابن عبد البر وغيره إجماع المسلمين على أن ابتداء السلام سُنة، وأن ردَّه فرض.
وأقلُّ السلام أن يقول: السلام عليكم، فإن كان الـمُسلَّم عليه واحدًا فأقلُّه: السلام عليك، والأفضل أن يقول: السلام عليكم؛ ليتناوله ومَلَكَيْهِ، وأكمل منه أن يزيد: ورحمة الله، وأيضًا: وبركاته، ولو قال: سلامٌ عليكم أجزأه، واستدل العلماء لزيادة ورحمة الله وبركاته بقوله تعالى إخبارًا عن سلام الملائكة بعد ذكر السلام: {رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} هود:73، وبقول المسلمين كلهم في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
ويُكره أن يقول المبتدِئ: عليكم السلام، فإنْ قاله استحق الجواب على الصحيح المشهور، وقيل: لا يستحقه، وقد صح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقل: عليك السلام؛ فإن عليك السلام تحية الموتى» والله أعلم.
وأما صفة الرد: فالأفضل والأكمل أن يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فيأتي بالواو، فلو حذفها جاز وكان تاركًا للأفضل، ولو اقتصر على وعليكم السلام، أو على عليكم السلام أجزأه، ولو اقتصر على: عليكم لم يُجْزِهِ بلا خلاف، ولو قال: وعليكم بالواو ففي إجزائه وجهان لأصحابنا، قالوا: وإذا قال المبتدئ: سلام عليكم، أو السلام عليكم، فقال المجيب مثله: سلام عليكم، أو السلام عليكم كان جوابًا وأجزأه. شرح مسلم (14/ 141).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«رَدُّ السلام» فهو واجب كفاية من جماعةِ مَن سلَّم عليهم؛ لأن السلام معناه: الأمان، فإذا ابتدأ به أخاه فلم يُجِبْهُ توهَّم منه الشر، فوجب دفع ذلك التوهم بالرَّدِّ. فيض القدير (3/390).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وردُّ السلام فرض على الكفاية عند مالك والشافعي، وعند الكوفيين (الأحناف) فرض معيَّن على كل واحد من الجماعة. شرح صحيح البخاري (3/ 238).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «رَدُّ السلام»، ورد السلام واجب، وابتداؤه سُنة، وهذا مما يقال فيه: إن السُّنة فيه أفضل من الواجب؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»، فالذي يبدأ بالسلام ويبادِر إليه أحسن وأفضل ممن يُسْبَقُ بالسَّلام، ويكون شأنُه رادًّا وليس مبتدئًا، لكن كما هو معلوم جاءت أحاديث تبيِّن من الناس مَن يكون منه السلام، كأنْ يُسَلِّم الراكبُ على الماشي، والماشي على الجالس وهكذا. شرح سنن أبي داود (571/15).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«رَدُّ السلام» ما لم يكن في حال يمتنع معها رَدُّهُ ككونه في مُستراح أو جِمَاع أو خلاء أو نحوها. الكوكب الوهاج (22/98).
قوله: «وتشميت العاطس»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
هو الرد عليه... وأصله: الدعاء، وكل داعٍ بالخير فمُشَمِّتٌ. إكمال المعلم (7/ 47).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«تشميت العاطس» أي: الدعاء له بالرحمة إنْ حَمِدَ الله كما يجيء في حديث آخر. الكوكب الوهاج (22/98).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«وتشميت العاطس» أي: إذا عطس مسلم فحَمِدَ الله فيجب أن يُشَمِّتَه ويقول: يرحمك الله، وهذا الوجوب أيضًا على الكفاية. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (13/425).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وتشميت العاطس واجب وجوب سُنة. شرح صحيح البخاري (3/ 238).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
قال أهل الظاهر: تشميت العاطس واجب متعيِّن على كُل جليس سامع تحميدَ العاطس.
وقالت طائفة من الفقهاء: هو واجب على الكفاية كَرَدِّ السلام.
وقال آخرون: هو ندبٌ وإرشادٌ وأدبٌ، وليس منه شيء واجب. الاستذكار (8/ 482-483).
وقال النووي -رحمه الله-:
اجتمعت الأُمَّة على أنه (تشميت العاطس) مشروع، ثم اختلفوا في إيجابه، فأَوْجَبه أهل الظاهر وابن مريم من المالكية على كل مَن سمعه؛ لظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فحق على كل مسلم سَمِعَهُ أن يُشَمِّتَهُ». شرح مسلم (18/ 120).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
«فحق على كل مسلم سَمِعَهُ أن يُشَمِّتَه» هذا دليل ظاهر على وجوب التشميت، وقال القاضي عبد الوهاب: هو مستحب، والصحيح وجوبه؛ لهذا الخبر. عارضة الأحوذي (10/151).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وإلى وجوب التشميت لمن ذُكر ذهبت الظاهرية وابن العربي، وأنه يجب على كل سامع.
ويدل له ما أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: «إذا عطس أحدكم وحَمِدَ الله كان حقًّا على كل مسلم يسمعه أن يقول: يرحمك الله».
وكأنه مذهب أبي داود صاحب السنن؛ فإنه أخرج عنه ابن عبد البر بسند جيد: أنه كان في سفينة فسمع عاطسًا على الشطِّ فاكترى قاربًا بدرهم حتى جاء إلى العاطس فشمَّته ثم رجع، فسُئل عن ذلك فقال: لعلَّه يكون مجاب الدعوة، فلما رقدوا سمعوا قائلًا يقول لأهل السفينة: إن أبا داود اشترى الجنة من الله بدرهم. انتهى.
ويحتمل: أنه إنما أراد طلب الدعوة، كما قاله، ولم يكن يراه واجبًا. سبل السلام (2/ 612-613).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وقد تقدم حديث أبي هريرة وفيه: «فإذا عطس أحدكم وحَمِدَ الله كان حقًّا على كل مسلم سمعه أن يقول: يرحمك الله»، وترجم الترمذي على حديث أنس: باب ما جاء في إيجاب التشميت بحمد العاطس، وهذا يدل على أنه واجب عنده، وهو الصواب؛ للأحاديث الصريحة الظاهرة في الوجوب من غير معارض والله أعلم...، فهذه أربع طرق من الدلالة:
أحدهما: التصريح بثبوت وجوب التشميت بلفظه الصريح الذي لا يَحتمل تأويلًا.
الثاني: إيجابه بلفظ الحق.
الثالث: إيجابه بلفظة (على) الظاهرة في الوجوب.
الرابع: الأمر به، ولا ريب في إثبات واجبات كثيرة بدون هذه الطرق، والله تعالى أعلم. تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته (2/ 463-464).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
واختلفوا في حكمه.
قيل: هو سنة على الكفاية، وهو الذي اختاره النووي من الشافعية، وقيل: إنه فرض عين، وهو الذي اختاره جماعة من الشافعية، وقيل: إنه واجب على الكفاية، وهو مذهب الحنفية وجمهور الحنابلة.
ثم إن التشميت إنما يجب أو يُسَنُّ إذا حَمِدَ العاطس كما في حديث أبي هريرة: «وإذا عطِس فحَمِدَ الله فسَمِّتْهُ»، فأما إذا لم يحمد العاطس لا يجب أو لا يسن التشميت، وكذلك الكافر لا يجب ولا يسن تشميته، لكن يستحب أن يُدعى له بالهداية كما ورد في حديث أبي موسى عند أبي داود: «كانت اليهود يَتَعَاطَسُون عند النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ رجاءَ أن يقول: يرحمكم الله، فكان يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم».
وهل يسمى ذلك تشميتًا؟
فيه خلاف؛ فمَن جعل التشميت خاصًّا بالدعاء بالرحمة لم يجعله تشميتًا، ومَن عمَّمه لكل دعاء سماه تشميتًا. الكوكب الوهاج (22/99).
وقال النووي -رحمه الله-:
إذا تكرر العُطاس من إنسان متتابعًا فالسُّنة أنْ يشمته لِكل مَرة إلى أن يبلغ ثلاث مرات. روينا في صحيح مسلم وأبي داود والترمذي عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- «أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- وعطس عنده رجل فقال له: يرحمك الله، ثم عطس أخرى، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الرجل مزكوم». الأذكار (445).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد خُصَّ من عموم الأمر بتشميت العاطس جماعة:
الأول: مَن لم يحمد.
الثاني: الكافر، فقد أخرج أبو داود وصححه الحاكم من حديث أبي موسى الأشعري قال: «كانت اليهود يَتَعاطَسُون عند النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ رجاء أن يقول: يرحمكم الله، فكان يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم»...
الثالث: المزكوم إذا تكرر منه العطاس فزاد على الثلاث، فإنَّ ظاهر الأمر بالتشميت يشمل مَن عَطَسَ واحدة أو أكثر، لكن أخرج البخاري في الأدب المفرد من طريق محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: يُشَمِّتْهُ واحدة وثنتين وثلاثًا وما كان بعد ذلك فهو زكام...
الرابع ممن يُخَصُّ من عموم العاطسين: مَن يَكره التشميت...
الخامس: قال ابن دقيق العيد: يُستثنى أيضًا مَن عطس والإمام يخطب، فإنه يتعارض الأمر بتشميت مَن سمع العاطس والأمر بالإنصات لمن سمع الخطيب، والراجح: الإنصات؛ لإمكان تدارك التشميت بعد فراغ الخطيب، ولا سيما إن قيل بتحريم الكلام والإمام يخطب، وعلى هذا فهل يتعين تأخير التشميت حتى يفرغ الخطيب، أو يشرع له التشميت بالإشارة، فلو كان العاطس الخطيب فحمد واستمر في خطبته فالحكم كذلك، وإن حمد فوقف قليلًا ليُشَمَّت فلا يمتنع أن يُشرع تشميته.
السادس ممن يمكن أن يُستثنى: مَن كان عند عطاسه في حالة يمتنع عليه فيها ذكر الله، كما إذا كان على الخلاء أو في الجماعة، فيؤخر ثم يحمد الله فيشمَّت، فلو خالف فحمد في تلك الحالة هل يستحق التشميت؟ فيه نظر. فتح الباري (10/604-607).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله-:
وذلك أن العُطاس نعمة من الله؛ لخروج هذه الريح المحتقنة في أجزاء بدن الإنسان، يَسَّرَ الله لها منفذًا تخرج منه فيستريح العاطس، فشَرع له أن يحمد الله على هذه النعمة، وشَرع لأخيه أن يقول له: «يرحمك الله»، وأَمَرَهُ أن يجيبه بقوله: «يهديكم الله ويصلح بالكم»، فمَن لم يحمد الله لم يستحق التشميت، ولا يلومنّ إلا نفسه، فهو الذي فوّت على نفسه النعمتين: نعمة الحمد لله، ونعمة دعاء أخيه له المرتب على الحمد. بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار (ص:82).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-
فإن عطِس ولم يحمد الله فلا تقل: يرحمك الله؛ تعزيرًا له على عدم حمدهِ لله -عزَّ وجلَّ-، يعني كما أنه لم يحمد الله فاحْرِمْهُ هذا الدعاء، فلا تقل له: يرحمك الله، ثم هل تذكُّره وتقول: قل: الحمد لله، أو لا تذكره؟
والجواب: من المعلوم أنه يحتمل أنه قد ترك الحمد تهاونًا، ويحتمل أنه تركه نسيانًا، فإن كان تركه نسيانًا فذكِّره، وقل له: احمد الله، وإن كان تركه تهاونًا فلا تذكِّره، ولكن مِن أين إلى العلم بذلك؟ وكيف أعلم أنه نسيان أو أنه تهاون؟ ظاهر الحديث «فحَمدَ الله» أنه إذا لم يحمد الله لا تشمِّته ولا تذكِّره مطلقًا، ولكن يمكنك فيما بعد أن تعلِّمه، وتقول له: إنّ الإنسان إذا عَطِس فإنه يحمد الله على هذا العطاس؛ لأن العطاس من الله، والتثاؤب من الشيطان، العطاس دليل على نشاط جسم الإنسان؛ ولهذا يجد الإنسان راحة بعد العطاس. شرح رياض الصالحين (2/ 603).
وقال النووي -رحمه الله-:
إذا عَطَسَ ولم يحمد الله تعالى فقد قدَّمنا أنه لا يُشمَّت، وكذا لو حمد الله تعالى، ولم يسمعه الإِنسان لا يشمِّته، فإن كانوا جماعة فسَمِعَه بعضُهم دون بعض، فالمختار أنه يُشمِّته مَن سَمِعَه دون غيره، وحكى ابن العربي خلافًا في تشميت الذين لم يسمعوا الحمد إذا سمعوا تشميتَ صاحبهم، فقيل: يشمّته؛ لأنه عرف عطاسه وحمده بتشميت غيره، وقيل: لا؛ لأنه لم يسمعه.
واعلم أنه إذا لم يحمد أصلًا يُستحبّ لمن عنده أن يذكِّره الحمد، هذا هو المختار.
وقد روينا في معالم السنن للخطابي نحوه عن الإِمام الجليل إبراهيم النخعي، وهو من باب النصيحة، والأمر بالمعروف، والتعاون على البرّ والتقوى، وقال ابن العربي: لا يفعل هذا، وزعم أنه جَهْلٌ مِن فاعلِه، وأخطأ في زعمه، بل الصواب استحبابه؛ لما ذكرناه، وبالله التوفيق. الأذكار (ص:274- 275).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
إذا لم يحمد الله فليس على سامعه تشميت، وكذلك روى أنس، قال أبو عيسى: حسن صحيح، ولا تقل له: الحمد لله مُذكِّرًا؛ لأنك توجه به على نفسك حقًّا لم يكن، وأشد من هذا أن يقول السامع: الحمد لله يرحمك الله، ففيه جهالتان:
إحداهما: أنه ينبهه فيُلْزِم نفسه -كما قلنا- ما ليس يلزمها.
والثانية: أن يشمِّته قبل أَن يحمد، وهذا جهل عظيم. عارضة الأحوذي (10 /152).
قوله: «وإجابة الدعوة»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «وإجابة الدعوة» يعني: إذا دَعا أحد لضيافة أو معاونة يجيبه ويطيعه في ذلك. المفاتيح في شرح المصابيح (2/386).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«إجابة الدعوة» أي: دعوة الداعي وجوبًا إن كانت إلى وليمة عرس ما لم يكن هناك لهوٌ ومزامير ونحوهما من المحرمات أو المكروهات، وندبًا إلى غيرها. الكوكب الوهاج (22/98).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «وإجابة الدعوة» آكد ما يكون فيها دعوة الزواج ووليمة العُرس، وكذلك إذا كانت الدعوة يترتب عليها مصلحة وفائدة كبيرة، ولا يترتب على الإنسان مضرة، أو لم يحصل فيه إخلال بعمل أو بموعد آخر أو ما إلى ذلك، فإن ذلك متأكد. شرح سنن أبي داود (571/15).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وأما إجابة الداعي: فإن كانت الدعوة إلى وليمة النكاح فجمهور العلماء يوجبونها فرضًا، ويوجبون الأكل فيها على مَن لم يكن صائمًا، إن كان الطعام طيبًا ولم يكن في الدعوة منكر، وغير ذلك من الدعوات يراه العلماء حسنًا من باب الألفة وحسن الصحبة. شرح صحيح البخاري (3/238).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد نقل ابن عبد البر ثم عياض ثم النووي الاتفاق على القول بوجوب الإجابة لوليمة العرس، وفيه نظر، نعم المشهور من أقوال العلماء الوجوب، وصرح جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين، ونص عليه مالك، وعن بعض الشافعية والحنابلة أنها مستحبة، وذكر اللخمي من المالكية أنه المذهب، وكلام صاحب (الهداية) يقتضي الوجوب مع تصريحه بأنها سنة، فكأنه أراد أنها وجبت بالسنة وليست فرضًا كما عرف من قاعدتهم، وعن بعض الشافعية والحنابلة هي فرض كفاية، وحكى ابن دقيق العيد في (شرح الإلمام) أن محل ذلك إذا عمت الدعوة، أما لو خَصّ كل واحد بالدعوة فإن الإجابة تتعين، وشرط وجوبها: أن يكون الداعي مكلفًا حرًّا رشيدًا، وأن لا يخص الأغنياء دون الفقراء، وسيأتي البحث فيه في الباب الذي يليه، وأن لا يظهر قصد التودد لشخص بعينه لرغبة فيه أو رهبة منه، وأن يكون الداعي مسلمًا على الأصح، وأن يختص باليوم الأول على المشهور، وسيأتي البحث فيه، وأن لا يَسبِق، فمن سبق تعينت الإجابة له دون الثاني، وإن جاءا معًا قدّم الأقرب رحمًا على الأقرب جوارًا على الأصح، فإن استويا أقرع، وأن لا يكون هناك مَن يتأذّى بحضوره مِن منكر وغيره، وأن لا يكون له عذر، وضبطه الماوردي بما يُرخص به في ترك الجماعة، هذا كُله في وليمة العرس. فتح الباري (9/ 242).
وقال ابن حجر-رحمه الله- أيضًا:
وأخرجه مسلم وأبو داود من طريق أيوب عن نافع بلفظ «إذا دَعا أَحدكم أَخاهُ فليجب عُرسًا كان أو نحوه» ولمسلم من طريق الزبيدي عن نافع بلفظ: «مَن دُعي إِلى عُرسٍ أو نحوه فليُجب» وهذا يُؤيد ما فهمه ابن عمر وأنَّ الأَمر بالإجابة لا يختص بطعام العُرس، وقد أخذ بظاهر الحديث بعض الشافعية فقالوا بوجوب الإجابة إلى الدعوة مطلقًا عرسًا كان أو غيره بشرطه. ونقله ابن عبد البر عن عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة وزعم ابن حزم أنه قول جمهور الصحابة والتابعين، ويعكر عليه ما نقلناهُ عن عثمان بن أبي العاص، وهو من مشاهير الصحابة أَنَّه قال في وليمة الختان لم يَكُن يُدعى لها لكن يمكن الانفصال عنه بأن ذلك لا يمنع القول بالوجوب لو دعوا. وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أَنه دَعا بالطعام، فقال رجلٌ من القوم اعفني، فقال ابن عمر: إنه لا عافية لك من هذا فَقُم. وأخرج الشافعي وعبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عباس أنَّ ابن صفوان دَعاهُ فقال: إني مشغول، وإن لم تعفني جئت. وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية، وبالغ السّرخسي منهم، فنقل فيه الإجماع، ولفظ الشافعي: إتيان دعوة الوليمة حقٌّ، والوليمة التي تُعرف وليمة العرس، وكُل دَعوة دُعي إليها رجُلٌ وليمة، فلا أُرخِّص لأحدٍ في تركها ولو تركها لم يتبيّن لي أَنه عاصٍ في تركها كما تبيّن لي في وليمة العرس.فتح الباري(9/٢٤٧)
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وأما إجابة الدعوة، ففي الوليمة فرض...، وفى غيرها ندبٌ، وقد يكره ذلك في غير الوليمة لأهل الفضل. إكمال المعلم (7/ 46).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
لا ينبغي التخلف عن إجابة الدعوة العامة كدعوة العرس والختان ونحوهما، وإذا أَجاب فقد فعل ما عليه أكَلَ أو لم يأكُل، وإن لم يأكل فلا بأس عليه، والأفضل أن يأكل إن كان غير صائم، ومَن دُعي إلى وليمة فوجد ثمة لعبًا أو غناء فلا بأس أن يقعد ويأكل، فإن قَدَرَ على المنع منَعَهم، وإن لم يكن يقدر صَبَرَ، وهذا إذا لم يكن مقتدَى به، أما إذا كان مُقتدى به ولم يَقدر على منعهم فإنه يخرج ولا يقعد معهم. الكوكب الوهاج (22/100).
قوله: «وعيادة المريض»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
وأما عيادة المريض فمندوب إليها إلا فيمَن لا قائم عليه، فعلى المسلمين فرض على الكفاية القيام عليه وتمريضه؛ لئلا يضيع ويموت جوعًا وعطشًا؛ وذلك أصل سُنة العيادة؛ لتفقد حال المرضى والقيام عليهم. إكمال المعلم (7/46).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وفيه: دلالة على مشروعية عيادة المريض، وهي مشروعة بالإجماع، وجزم البخاري -رحمه الله- بوجوبها، فقال: باب وجوب عيادة المريض. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (19/133).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
يحتمل: أن تكون عيادة المريض من فروض الكفاية، كإطعام الجائع وفكِّ الأسير، وهو ظاهر الكلام.
ويحتمل: أن يكون معناه: النَّدب والحض على المؤاخاة والألفة، كما قال -عليه السلام-: «مَثَلُ المؤمنين في تواصلهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا تداعى منه عضو تداعى سائره».
وقد جاء في فضل عيادة المريض آثار منها قوله -عليه السلام-: «عائد المريض على مَخَارِفِ الجنة». شرح صحيح البخاري (9/ 375).
وقال ابن حجر -رحمه الله- بعد ذكره لكلام ابن بطال:
وجزم الداودي بالأول، فقال: هي فرض يحمله بعض الناس عن بعض، وقال الجمهور: هي في الأصل ندب، وقد تصل إلى الوجوب في حق بعضٍ دون بعض، وعن الطبري تتأكد في حق مَن تُرجى بركتُه، وتُسَن فيمَن يراعَى حاله، وتُباح فيما عدا ذلك، وفي الكافر خلاف. فتح الباري (10/112-113).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «وعيادة المريض» يعني: كون الإنسان يعود أخاه في مرضه، فإنه يُدْخِلُ عليه السرور ويُؤْنِسُه، وهو في ظرف وفي حالة هو بحاجة إلى الإيناس، وإلى أن يُحسَن إليه وأن يُسَر؛ بأن يؤتى إليه ويدعى له ويُطَمْأَن. شرح سنن أبي داود (571/15).
وقال النووي -رحمه الله-:
أما عيادة المريض فسُنة بالإجماع، وسواء فيه مَن يعرفه ومَن لا يعرفه، والقريب والأجنبي، واختلف العلماء في الأوكد والأفضل منها. شرح مسلم (14/ 31).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
وعيادة مرضى المسلمين فرض ولو مرة على الجار الذي لا يشق عليه عيادته، ولا نخص مرضًا من مرض. المحلى بالآثار (3/ 402-403).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
أطلقوا القولَ باستحبابِ عيادة المريض، وأنَّه سُنَّةٌ، ولا شكّ في أنَّ تركَ عيادةِ مَن يَضِيع إذا لم يُعَدْ محرَّمٌ، والقيامَ عليه فرضُ كفاية، فإذا لم يتمَّ إلا بعيادته فعيادتُه فرضُ كفاية؛ لأن ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجب، فالإطلاق إذن بالنسبة إلى الأعمِّ الأغلبِ من غير نظرٍ إلى العوارض.
أما الظاهريُّ فإنَّه ذهبَ إلى أن عيادةَ مرضى المسلمين فرضٌ، ولو مرة على الجار الَّذي لا تَشُقُّ عليه عيادتُه.
فأمَّا قولُه: بالفرضيَّةِ فهو مقتضى ظاهرِ الأمر، وظاهرُ صيغةِ الوجوب التي رَويناها من حديثِ الزُّهْرِيِّ، عن ابن المسيِّب عن أبي هريرة.
وأمَّا تخصيصُه بالجارِ فليس في حديث البَراء ما يقتضيه، وكذلك الحديثُ الَّذي ذكره الظاهريُّ في هذه المسألة، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: «حقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ خَمْسٌ» لا يقتضي أيضًا التَّخصيصَ بالجار، فتخصيصُه بالجار يحتاج إلى دليل، وليس هذا التخصيصُ بالهيِّن؛ لأنه إذا خُصَّ الوجوبُ بالجار لا يتأدَّى الفرضُ بعيادة غيرِ الجار، وإذا عمَّمنا الوجوبَ تأدَّى الفرضُ بعيادة غيرِ الجار من المسلمين، بل نزيد ونقول: إنَّ قوله -صلى الله عليه وسلم-: «حقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ خَمْسٌ» يقتضي ثُبُوت هذا الحكم على المسلمِ، والمسلمُ أعمُّ من المسلمِ الجار، فصار اللفظُ دليلًا على عدمِ التَّخصيص.
وأمَّا تخصيصُه الوجوبَ بمرَّةٍ فظاهرٌ؛ لأنه مطلقٌ في عدد المرَّات، يتأدَّى بمرة واحدة، اللهم إلا أن يكونَ الوجوبُ ثابتًا لسبب مستمرٍّ كخوف الضَّيْعَةِ على المريض مثلًا، فيبقى الوجوبُ ما بقي سببُهُ.
وأما قولُه: الَّذي لا تشُقُّ عليه عيادتُه، فليس فيه تعريفٌ لمقدار المشقَّة المسقِطِ للوجوب، وليس كلُّ المشقَّاتِ مسقطًا. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (2/63- 64).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ونقل ابن الصلاح عن الفراوي: أن العيادة تستحب في الشتاء ليلًا، وفي الصيف نهارًا، وهو غريب. فتح الباري (10/ 113).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
وأما «عيادة المريض» فسُنة إذا كان له مُتَعَهِّد، وإلا فواجب. مرعاة المفاتيح (5/212).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«عيادة المريض» بشرط أن لا يطيل الجلوس عنده. الكوكب الوهاج (22/98).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
لا يخفى أن القول بوجوب عيادة المريض هو الحق، كما هو مذهب البخاري -رحمه الله-؛ لظواهر النصوص، لا سيما وقد صرح في مسلم بقوله: «خمس تجب للمسلم على المسلم»، وكذا قوله: «حق المسلم...» إلخ، وقوله: «عُوْدُوا المريض» بلفظ الأمر، والأمر للوجوب، ولكن الظاهر من الوجوب هو الوجوب الكفائي، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين. البحر المحيط الثجاج (40/419).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وإذا كانت (عيادة المريض) حقًّا للمسلم على المسلم، فسواء فيه مَن يعرفه ومَن لا يعرفه، وسواء فيه القريب وغيره، وهو عام لكل مرض، وقد استُثني منه الرَّمَد، ولكنه قد أخرج أبو داود من حديث زيد بن أرقم قال: «عادني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِن وَجَعٍ بعيني» وصححه الحاكم وأخرجه البخاري في الأدب المفرد.
وظاهر العبارة: ولو في أول المرض، إلا أنه قد أخرج ابن ماجه من حديث أنس «كان النبي - صلى الله عليه وسلم- لا يعود إلا بعد ثلاث» وفيه راوٍ متروك.
ومفهومه كما عرفت دال على أنه لا يُعاد الذِّمي، إلا أنه قد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- عاد خادمه الذمي وأسلم ببركة عيادته، وكذلك زار عمه أبا طالب في مرض موته وعرض عليه كلمة الإسلام. سبل السلام (2/ 613-614).
قوله: «واتباع الجنائز»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«اتباع الجنائز» أي: المشي معها. التنوير شرح الجامع الصغير (5/364).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
وهذا حق له بعد موته. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/499).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
فلا خلاف أن القيام بذلك على الجملة فرض، لكنه في الجنازة على الكفاية، حتى إذا لم يكن بالحَضْرَة عدة كثيرة إلا مَن يقوم تعين عليهم. إكمال المعلم (7/46).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«واتباع الجنائز» سُنة بالإجماع أيضًا، سواء فيه مَن يعرفه ومَن لا يعرفه، وقريبه وغيرهما، والظاهر أنَّ اتِّباع جنازة الغريب الذي لا يعرفه أفضل ممن يعرفه؛ إذ لا يخلص مِن مراءاة، فأما إن خلص منه فهو محل الخلاف. شرح سنن أبي داود (19/ 219).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«اتباع الجنائز» إلى أن يصلي عليها، وإنْ اتَّبَعَ إلى الدفن فهو أفضل. الكوكب الوهاج (22/98).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«واتباع الجنائز» أي: المضي معها، والمشي خلفها إلى حين دفنها بعد الصلاة عليها، وهو من الواجبات على الكفاية. مرعاة المفاتيح (5/212).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
«اتباع الجنائز» يحتمل: أن يراد به اتباعها للصلاة، فإنْ عبر به عن الصلاة فذلك فرض من فروض الكفاية عند الجمهور، ويكون التعبير بالاتباع عن الصلاة من باب مجاز الملازمة في الغالب؛ لأنه ليس من الغالب أن يُصلَّى على الميت، ويُدفن في محل موته.
ويحتمل: أن يراد بالاتِّباع: الرَّواح إلى محل الدفن لمواراته، والمواراة أيضًا من فروض الكفايات لا تسقط إلا بمن تتأدَّى به. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (39).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معلقًا:
الاحتمال الثاني هو الأقرب؛ لأنه حقيقة، فالحمل عليه أولى، كما أشار إلى ذلك الصنعاني -رحمه الله- في حاشيته. البحر المحيط الثجاج (35/500).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
اتباع الجنائز ودفنها والصلاة عليها من فروض الكفاية عند جمهور العلماء، واختلف أصحاب مالك في ذلك...، قال عبد الملك: الصلاة على الميت فريضة يحملها مَن قام بها، وحكى ابن سحنون عن أبيه مثله، وقال أصبغ بن الفرج: هي سنة. شرح صحيح البخاري (3/238).
وقال البغوي -رحمه الله-:
هذه المأمورات كلها من حق الإسلام، يستوي فيها جميع المسلمين، بَرُّهُم وفاجِرُهم، غير أنه يُخَصُّ البر بالبشاشة والمساءلة والمصافحة، ولا يفعلها في حق الفاجر المظهِر للفجور، ولو تَرَكَ الإجابة إذا دُعي لِحَقِّ الدَّين كان أولى. شرح السنة (5/ 211-212).
وللاستفادة من الراوية الأخرى ينظر (هنا)