الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

«مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ به، ومَنْ يُرائي يُرائي اللهُ به».


رواه البخاري برقم: (6499)، ومسلم برقم: (2987)، من حديث جُنْدُب -رضي الله عنه-، ورواه مسلم برقم: (2986)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
وزاد البخاري برقم: (7152): «يوم القيامة».  


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«سَمَّعَ»:
بالتشديد أي: مَن عَمِلَ للسُّمْعَة. عمدة القاري (24/ 229).
قال الزمخشري -رحمه الله-:
التَّسْمِعَة: أنْ يُسمِّع النَّاس عمْلَه، وينوِّه به على سبيل الرِّياء، ويُقال: إنَّما يفعل هذا تسمِعةً وترئِيةً، أي: ليُسْمَع به ويُرى. الفائق، الزمخشري (2/ 196).

«سَمَّع اللهُ به»:
قال الفيروز أبادي -رحمه الله-:
التَّسْميع: التَّشْنيع والتَّشْهِير. القاموس المحيط (ص: 731).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وقيل: الشَّتم، وإسماع القَبِيح، وقيل: إنَّ الله يُسَمِّع أسماع خلقه بهذا الرجل يوم القيامة...غريب الحديث (1/497-498).

«يُرائي»:
أي: يعمل عملًا لِيَرَاه الناس في الدنيا. مرقاة المفاتيح (8/ 3332).
قال الفيومي -رحمه الله-:
والرياء: هو إظهار العمل للناس ليروه، ويَظُنُّوا به خيرًا، فالعمل لغير الله، نعوذ بالله منه. المصباح المنير(1/ 247).
وقال المناوي-رحمه الله-:
الرياء: الفعل المقصود به رؤية الخَلْق غفلةً عن الخالق، وعماية عنه، ذكرهُ الحرالي. التعاريف(ص: 380).

«يُرائي اللهُ بِه»:
أي: يُطْلِع الناسَ أنه عَمِلَ عملَه للناس بفضحه على رؤوس الأشهاد. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 431).


شرح الحديث


قوله: «مَنْ سَمَّعَ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«مَن سمَّع» بالتشديد، أي: نوَّه بعمله، وشَهَّرَه ليراه الناس. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 424).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
«مَن سَمَّع» معناه: أي: بعمله الناس، وقصد به اتخاذ الجاه والمنزلة عندهم، ولم يرد به وجه الله. شرح صحيح البخاري (10/208).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
والمراد بها (أي: السمعة) نحو ما في الرياء، لكنها تتعلَّق بحاسة السمع، والرياء بحاسة البصر. فتح الباري (11/336).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
يقول: مَن عمل عملًا على غير إخلاص، وإنما يُريد أن يراه الناس ويسمعوه. أعلام الحديث (3/2257).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
أي: مَن يُحَدِّث بعمله رياء؛ ليُسَمِّع الناس. المفهم (6/616).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
معناه: مَن أذاع على مُسلمٍ عيبًا، وسمَّعه عليه. مطالع الأنوار (5/508).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقيل: المراد مَن قَصَدَ بعمله أنْ يسمعه الناس ويروه؛ ليعظموه، وتَعْلو منزلته عندهم. فتح الباري (11/337).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«مَن سمَّع» يعني: من قال قولًا يُتقرب بمثله إلى الله من أجل أن يَسمعه الناس فيمدحوه عليه. شرح كتاب الرقائق من صحيح البخاري (ص: 136).

قوله: «سَمَّع اللهُ به»:
قال المناوي -رحمه الله-:
أي: يملأ أسماعهم مما انطوى عليه؛ جزاءً وفاقًا. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 448).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
أي: يجعله حديثًا عند الناس الذي أراد نيل المنزلة عندهم بعمله، ولا ثواب له في الآخرة عليه. شرح صحيح البخاري(10/ 208).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«سمَّع الله به» أي: شَهَّره بين أهل العَرَصَات، وفضحه على رؤوس الأشهاد، وإنما سُمِّي فعل المرائي سمعةً ورياءً؛ لأنه يفعله ليسمع به...، قال بعض مَوالي الروم: وكلٌّ من هؤلاء القائلين خلط المسألتين في الحديث، فالظاهر أنه لا كذلك، وأن قوله: «من سمَّع سمَّع اللهُ به» مخصوص بالقول، وقوله: «من راءى راءى اللهُ به» بالفعل، وعليه فمعنى الأول: من أَمَر الناس بالمعروف، ونهاهم عن المنكر، فإما أن يَأمر نفسه بما أمر الناس به أو لا، فإن كان الأول سمَّع اللهُ به الناس بالخير يوم القيامة، أي: يُعطى ثوابه ويدخله الجنة، وإن كان الثاني سمَّع الله به الناس بالشر، أي: يُظْهِر فضيحته يوم القيامة، ويدخله النار إن لم يعف عنه.
ومعنى الثاني: مَن فعل فعلًا حسنًا وأراد الناس، فإما أن تكون إرادته إياهم بنية خالصة؛ بأن يرغِّبهم في ذلك الفعل الحسن؛ ليحوزوا ثوابه، أو ليُكرموه ويعظِّموه، فإن كان الأول: أُثيب عليه، أو الثاني: افتضح يوم القيامة. فيض القدير (6/ 201).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء: معناه:...سمَّع الله به يوم القيامة الناس وفضحه، وقيل: معناه: مَن سمَّع بعيوبه وأذاعها أظهر الله عيوبه، وقيل: أسمعه المكروه، وقيل: أراه الله ثواب ذلك من غير أن يعطيه إياه؛ ليكون حسرة عليه، وقيل: معناه: مَن أراد بعمله الناس أسمعه الله الناس، وكان ذلك حظه منه. شرح النووي على مسلم (18/ 116).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
معناه: أنه يُنَوّه بريائه، ويَقْرع به أسماع خَلْقِه؛ لِيَشْتَهر بأنه مُرَاءٍ، فيفتضح بين الناس. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (2/368).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
أي: فضحه الله يوم القيامة، وشَهَّره على رؤوس الأشهاد، كما جاء في غير كتاب مسلم: «يُسَمِّع اللهُ به سامِعَ خلقه يوم القيامة» أي: كل من يسمع. المفهم (6/616).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
أي: حصل له ما قصد، وكان ذلك جزاءه على عمله، ولا يثاب عليه في الآخرة...
وقيل: معنى «سمَّع الله به» شَهَّرَهُ، أو ملأ أسماع الناس بسوء الثناء عليه في الدنيا، أو في القيامة بما ينطوي عليه من خبث السريرة، قلتُ: ورد في عدة أحاديث التصريح بوقوع ذلك في الآخرة فهو المعتمد. فتح الباري (11/337).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
أي: أظهر الله عُيُوبه، وقيل: «سَمَّعَ اللهُ بِهِ» أَسْمَعَهُ المكروه. مطالع الأنوار (5/508).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قيل: أراد أن يفعل فعلًا صالحًا في السِّر ثم يظهره؛ ليسمعه الناس، ويُحمد عليه، فإن الله يسمِّع به؛ ويُظْهِر للناس غرضه، وأن عمله لم يكن خالصًا.
وقيل: مَن نسب إلى نفسه عملًا صالحًا لم يفعله، وادَّعى خيرًا لم يصنعه، فإن الله يَفْضحه، ويُظهر كذبه. التنوير شرح الجامع الصغير (10/266).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«سمَّع الله به» يعني: أظهر الله حاله للناس حتى أسمع الناس بعضهم بعضًا بحاله، فصار الناس يتحدثون به. شرح كتاب الرقائق من صحيح البخاري (ص: 136).

قوله: «ومن يُرائي»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ومَن يُرائي» بضم التَّحتية والمد وكسر الهمزة والثانية مثلها، وقد ثبتت الياء، -أي: وهما مجزومان-، في آخر كل منهما، أما الأُوْلى فللإشْبَاع، وأما الثانية فكذلك، أو التقدير: فإنه يُرائِي بِه اللهُ. فتح الباري (11/ 336).
وقال ابن حجر -رحمه الله- أيضًا:
المراد به: إظهار العبادة؛ لقصد رُؤية الناس لها؛ فيَحْمَدوا صاحبها. فتح الباري (11/ 336).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«ومَن يرائي» بأن فَعَلَ؛ لأن الرؤية تكون للفعل، والسماع يكون للقول...، إما قائل، وإما فاعل. شرح كتاب الرقائق من صحيح البخاري (ص: 136).
وقال السندي -رحمه الله-:
والاختلاف في التَّعْبِير بالماضي في «من سمَّع» وبالمضارع في «ومن يُرائي» من الرواة، وإلا فقد روي الثاني بالماضي أيضًا. حاشية السندي على صحيح البخاري (4/61).

قوله: «يُرائي الله به»:
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
أي: من راءى بعمله، فعَمِلَ شيئًا من القُرَبِ لغير الله، قابَلَه الله يوم القيامة بِعُقُوبة ذلك، فسمَّى العقوبة رياءً على جهة المقابلة، كما قال: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} آل عمران:54. المفهم (6/616).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
أي: أَطْلَعَهُم على أنه فعل ذلك لهم، ولم يفعله لوجهه، فاستحق على ذلك سخط الله، وأليم عقابه، وقد جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «يُقال للعبد يوم القيامة: فعلتَ كذا وكذا ليقال؛ فقد قيل، اذهبوا به إلى النار». شرح صحيح البخاري (10/208).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «يُرَائي اللهُ به» أي: أَظْهَرَ سريرته على رؤوس الخلائق. الكاشف عن حقائق السنن (11/3370).
وقال ابن بطال -رحمه الله -أيضًا-:
وفي الحديث من المعاني: أنَّ الـمُجَازَاة قد تكون من جِنْسِ الذَّنب، ألا ترى قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من سمَّع سمَّع الله به...». شرح صحيح البخاري (15/ 235).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يعني: مَن فعل فعلًا من الأفعال الصالحة ليراه الناس، ويُعطوه شيئًا، أو يمدحوه على فعله، جزاه الله يوم القيامة بذلك الفعل جزاء الـمُرَائين، بأن يقول له: اطلب جزاء فعلك ممن فعلته لأجله. المفاتيح في شرح المصابيح (5/314).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقيل: المعنى من يُرائي الناس بعمله أراه الله ثواب ذلك العمل وحَرَمَه إيَّاه...، قلتُ: ورد في عدة أحاديث التصريح بوقوع ذلك في الآخرة فهو المعتمد. فتح الباري (11/337).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يُرائي الله به» أي: يُطلع الناس أنه عمل عمله للناس؛ بفضحه على رؤوس الأشهاد.
التنوير شرح الجامع الصغير (10/431).
وقال المازري -رحمه الله-:
يريد أن من رَاءَى بعمله، وسمَّع به الناس؛ ليُكرموه ويُعَظموه، شَهَّره الله يَوم القيامة، حتى يرى الناس ويسمعوا ما يحل بِه من الفَضيحة. المعلم بفوائد مسلم (3/384).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
وجاء أيضًا في الصحيح: «من سَمَّع سَمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به» فلا ريبَ أن المُرائي يكون عملُه حابطًا، فلا يُثابُ عليه، وشِركُه دونَ شِركِ الذي يَعتقدُ دينًا ويَقصِده لغير الله، فإن المرائي والمسمِّع يَعلم من نفسه أنه إنما فعلَ وتقوَّلَ ليراه الناسُ، ويسمعوا ذلك، فهو يفعل ذلك للرغبة إليهم والرهبة. جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية (ص: 98).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فمن قال قولًا يرائي به ليَسْمَعَه الناس سمَّع الله به، ومن فعل فعلًا يرائي به ليراه الناس راءى الله به، وأظهر أمره، ففي هذا التحذير من الرياء والسمعة. شرح كتاب الرقائق من صحيح البخاري (ص: 136).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
وفي الحديث: التحذير من أن يكون الإنسان مُسمِّعًا بعمله أي: يقصد بعمله أن يَسْمَعه الناس من أجل أن يمدحوه؛ لأن هذا نوع من الرياء، والرياء إذا شارك العمل قَلَبَهُ إلى عملٍ حرامٍ فاسدٍ لا يُقبل؛ لقوله تعالى في الحديث القدسي: «أنا أغنى الشُّركاء عن الشرك، مَن عَمِلَ عملًا أشرك فيه معي غيري، تركتُه وشركه». فتح ذي الجلال والإكرام (4/610).
وقال الشيخ موسى شاهين لاشين -رحمه الله-:
وظاهر هذا أنَّ الجزاء في الدنيا، ويحتمل أن يكون ذلك في الدنيا والآخرة. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (10/ 593).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
والحديث لم يُقيد هل هو في الدنيا أو في الآخرة؟ فيمكن أنْ يُسمِّع الله به في الدنيا، فيكشف عيبه عند الناس، ويمكن أن يكون ذلك في الآخرة، وهو أشد -والعياذ بالله- وأخزى، كما قال الله تعالى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ} فصلت: 16. شرح رياض الصالحين (6/ 351).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وقد جاء لفظ: «يوم القيامة» صريحًا في حديث جندب -رضي الله عنه-. لمعات التنقيح (8/ 525).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فإذا قال قائل: قد يعرض للإنسان الرياء فلا يستطيع دفعه. قلنا: هذا صحيح، قد يعرض للإنسان فلا يستطيع دفعه، لكن له دواء، إذا عَرَضَ عليك الشيطان الرياء فأعرض عنه، وحدِّث نفسك بأنك قلتَ هذا ليُقْتَدى بك، فعلتَ هذا من أجل أن يُقتدى بك، لا من أجل أن تُمدح بأنك فاعل، فإذا أشعرت نفسك بأنك فعلته ليُقْتَدى بك زال عنك الرياء من وجه، وشعرتَ بالمسؤولية من وجه آخر أنك إمامٌ تريد أن يقتدي الناس بك؛ لأنك لو أطعْتَ الشيطان في قوله: إنك مراءٍ، ما فعلت فعلًا، دخل عليك بكل فعل، ولو أَطَعْتَ الشيطان في قوله: إنك مُسَمِّع، كذلك ما قلتَ قولًا تتقرب به إلى الله؛ لأن الشيطان سوف يقول لك: مسمِّع، فأنت أعرض عن هذا، وأَشْعِر نفسك بما ذكرت. شرح كتاب الرقائق من صحيح البخاري (ص: 136).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
وليُعلم أن الرياء يكون بالبدن: كإطراقه رأسه؛ ليُرى أنه مُتَخَشِّع، والهيئة: كإبقاء أثر السجود، والثياب: كلبسه خَشِنَها وقصيرها جدًّا، والقول: كالوعظ، وحفظ علوم الجدل، وتحريك شفتيه بحضور الناس، وكل واحد منها قد يُراءَى به باعتبار الدِّين، وباعتبار الدنيا، وحكم الرياء بغير العبادات حكم طالب المال والجاه. إرشاد الساري (9/287).
وقال القسطلاني -رحمه الله- أيضًا:
وحكم محض الرياء بالعبادة إبطالها، وإن اجتمع قصد الرياء وقصد العبادة أُعْطِي الحكم للأقوى، فيحتمل الوجهين في إسقاط الفرض به، والمصرُّ على إطْلَاعِ الغير على عبادته إن كان لغرض دنيوي كإفضائه إلى الاحترام أو شِبْهِه فهو مذموم، وإن كان لغرض أُخْرَوي كالفرح بإظهار الله جميله، وسِتْره قَبِيحه، أو لرجاء الاقتداء به فممدوح، وعليه يُحمل ما يُحَدِّث به الأكابر من الطاعات، وليس من الرياء سِتْر المعصية بل ممدوح، وإن عَرَضَ له الرياء في أثناء العبادة، ثم زال قبل فراغها لم يضر، ومتى عَلِمَ من نفسه القوَّة أظهر القُرْبَة. إرشاد الساري (9/287).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وفي الحديث: استحباب إخفاء العمل الصالح، لكن قد يُستحب إظهاره ممن يُقْتَدى به على إرادته الاقتداء به، ويُقَدَّر ذلك بقدر الحاجة. فتح الباري (11/ 337).
وقال الأمير الصنعاني -رحمه الله- مُعقِّبًا على ابن حجر:
قلتُ: بل وجوبه إن كان راءى؛ لأنه حرام إظهاره. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 266).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
والأحاديث الواردة في كون الرياء مُبْطِلًا للعمل، موجبًا للإثم كثيرة جدًّا، واردة في أنواع من الرياء: الرياء في العلم، والرياء في الجهاد، والرياء في الصدقة، والرياء في أعمال الخير على العموم، ومجموعها لا يفي به أي مصنَّف مستقل، والرياء هو أضر المعاصي الباطنة وأشرها، مع كونه لا فائدة فيه إلا ذهاب أجر العمل، والعقوبة على وقوعه في الطاعة، فلم يذهب به مجرد العمل، بل لزم صاحبه مع ذهاب عمله الإثم البالغ، ومن كان ثمرة ريائه هذه الثمرة، وعجز عن صرف نفسه عنه، فهو من ضعف العقل، وحمق الطبع بمكان فوق مكان المشهورين بالحماقة. قطر الولي على حديث الولي (ص: 441).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وقد قسم العلماء -رحمهم الله- مشاركة الرياء للعبادة إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون مصاحبًا للعبادة مِن أَوَّلها، ففي هذا القِسم لا تصحُّ العبادة؛ لأنه ليس فيها شيءٌ خالص لله هي من أَوَّلها رياء، فلا تصح.
والقسم الثاني: أن يطرأ على العبادة بعد أن بدأ بها خالصة لله طرأ عليه الرياء، فهذا إن دافعه وأَعْرَض عنه فالعبادة صحيحة؛ لأن هذا بغير اختياره، وبغير إرادته، وهو الآن يدافعه كأنما يدافع العدو، فصلاته صحيحة، ولا يؤثِّر ذلك في أجره شيئًا؛ لأنه مجاهد، وإن استمر فيه بإرادته فإنه ينظر:
إن كانت العبادة يَنْبَني آخرها على أوَّلها فسَدَت العبادة كالصلاة، فإذا طرأ عليه الرياء في الركعة الأخيرة ولم يدافعه، بل قَبِلَه واستلذَّه، فإن الصلاة تبطُل؛ لأنه إذا بَطُل آخرها بَطَل أولها.
وإن كانت العبادة لا يَنْبني آخرها على أولها، بل آخرها منفصل عن أولها، فإن ما وقع فيه الرياء لا يصح، وما كان خالصًا يصح.
مثال ذلك: رجل عنده مائة ريال أعدها للصدقة، فتصدَّق بخمسين منها بدون رياء، ثم طرأ عليه الرياء في الخمسين الباقية، فهنا تكون الخمسون الأولى صحيحة مقبولة، وتكون الخمسون الثانية باطلة؛ لأن المفسِد حصل فيها وهي لا تُنْبَني على أولها، بمعنى: أنه يمكن أن يصح الأول دون الآخر، والآخر دون الأول.
بقي علينا في القسم الأول: أنه لو شارك العبادة من أولها، نحن ذكرنا أنها تبطل، إلا أنه يُستثنى من ذلك ما إذا دافعه وعالج نفسه فإنه لا يضره؛ لأن هذا بغير اختياره، ويتعلق بهذا بحثٌ يَسْألُ عنه الناس كثيرًا، وهو أن بعض الناس يخشى من الرياء في عباداته، فيأتيه الشيطان ويقول: أنت إذا صليت فقد راءيت، إذا طلبت العلم فقد راءيت، إذا تصدَّقت فقد راءيت، كثيرًا ما يأتي الشيطان للإنسان، فما دواء هذا؟
دواء هذا أن تعرض عن ذلك، وأن تتناساه، وكأن شيئًا لم يكن؛ لأنك إن انخذلت أمامه لم يُبْقِ عليك الشيطان عبادة إلا أفسدها عليك، ولكن استمر وتعوَّذ من الشيطان، وابقَ على ما أنت عليه؛ لأنه في النهاية سيزول عنك الوسواس الذي يلقيه الشيطان عليك. فتح ذي الجلال والإكرام (4/610).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
فقه الحديث: دل هذا الحديث على التَّحذير الشَّديد من الرياء والسُمْعة؛ لأنَّهما يعودان على صاحبهما بالفضيحة في الدنيا، وفساد العمل، وبُطلانه في الآخرة. منار القاري (5/ 300-301).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث: التحذير العظيم من الرياء، وأن المرائي مهما كان، ومهما اختفى لا بد أنْ يتبين والعياذ بالله؛ لأن الله تعالى تكفل بهذا. شرح رياض الصالحين (6/ 351).


ابلاغ عن خطا