الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

«إنَّ اللهَ مع الدَّائنِ حتى يَقضي دينَهُ، ما لم يكن فيما يَكرَهُ اللهُ».


رواه ابن ماجه برقم: (2409)، والحاكم برقم: (2205)، والدارمي برقم: (2637)، من حديث عبد الله بن جعفر -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (1825)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1808).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الدَّائن»:
الذي يستدين، والدَّائن الذي يُجْرِي (أي: يعطي) الدَّين. لسان العرب، لابن منظور (13/ 168).
وقال الرازي -رحمه الله-:
صار (دَان) مشتركًا بين الإقراض والاستقراض، وكذا الدَّائن. مختار الصحاح (110).


شرح الحديث


قوله: «إنَّ الله مع الدائن»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «مع الدائن» في عَوْنِهِ؛ لأنه قد أعانَ أخاه المديون بالدَّين، هذا هو المتبادَر من اللفظ، لكنَّ كلام عبد الله بن جعفر يشير إلى أن الدَّائن بمعنى ذي الدَّين أي: المديون، ثم رأيتُ في الصحاح قال: دان يجيء بمعنى: أَقْرَضَ واستَقْرَض، وعلى هذا فكلام عبد الله مبني على أنه مِن دَانَ بمعنى: استقْرَض. حاشية السندي على ابن ماجه (2/ 75).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إنّ الله تعالى مع الدائن» أي: مَن أخذ الدَّين على نفسه؛ بإعانته على وفاء دَيْنِه. فيض القدير (2 /265).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إنّ الله تعالى مع الدائن»... أي: يعينه على أداء دَيْنِه. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 347).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
فالله يكون في عونه على قضائه، فإنْ مات قبْلَه، فإنَّ الله يُرضي غريمه مِن كَرَمِه. الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (3/ 9).

قوله: «حتى يقضي دَيْنَهُ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«حتى يقضي دَيْنَهُ» أي: يُوفِّيه إلى غريمه، ولا يعارضه استعاذة المصطفى -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من الدَّين؛ لأن كلامه هنا فيمَن استدان لواجب أو مندوب أو مباح وله قُدْرَة على وفائه غالبًا، ويريد قضاءه. فيض القدير (2/265).

قوله: «ما لم يكن فيما يكره الله»:
قال المجددي -رحمه الله-:
«ما لم يكن فيما يكره الله» أي: إذا كان الدَّين في رضا الرَّب لنفقة الأهل والعيال والتصدُّق في نوائب الحق، ونيَّة القضاء. شرح سنن ابن ماجه(174).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ما لم يكن دَيْنُه فيما يَكْرَهُ الله» فإنه لا يكون معه ولا يعينه على قضاء دَيْنِه. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 347).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «ما لم يكن دَيْنُه فيما يَكْرهُ الله» فهو الذي يكون الله في عونه على قضائه، أما المستَدِين في مكروهٍ لله كراهةَ تحريم أو تنزيه، أو لا يجد لقضائه سبيلًا، أو نوى ترك القضاء فهو المستعاذ منه. فيض القدير (2 /265).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
قوله: «ما لم يكن دَيْنُه فيما يَكْرَهُ الله» أما إذا استدان لمحرَّم أو مباحٍ وعزمَ على عدم قضائه، أو لم يعزم لكن صَرَفَه فيما زاد على حاجته ولا يرجو له وفاء فلا يكون الله معه بل عليه، وهو الذي استعاذ منه -صلى الله عليه وسلم-. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 387).
وقال صفاء العدوي -حفظه الله-:
قوله: «ما لم يكن فيما يَكْرَهُ الله» أفاد أن حصول معيَّة الله وعونه للمديون مقيَّدة بما إذا استقرض لحاجة، وعَلِمَ الله منه تعففًا عن أموال الناس، وتجنبًا لطلب التوسع في العيش بالاستدانة من الخلق، وأنـه ما استدان إلا لحاجة، وأن له نية حسنة في الوفاء، وأنه يسعى جاهدًا في البحث عن سُبل للكسب الحلال؛ ليؤدي ما عليه من دَين، أعانه على أدائه، وفرَّج كَرْبَه، فإذا عَلِمَ الله تعالى منه هذا الصدق، واطَّلع على ما في قلبه من الهم بالدَّين، ومفهوم ذلك: أنَّ مَن استدان ليتوسع في عيشه، ويترفَّه بأموال الناس، مفرِّغًا قلبه من الهم بالدَّين، غير ساعٍ للكسب لسداده، مفهومه: أنَّ هذا المــــــرء لا يكون له هذه المعية، ولا يحصل له الإعانة على السداد.
وأما ما يتبادر من السياق من صنيع عبد الله بن جعفر من أنه كان يستدين لا لحاجة؛ بل ليتعرض لمعية الله تعالى وعونه، فليس في الحديث ما يؤيده، وليس فيـه ما يرغِّب في الوقوع في الدَّين، حتى وإن كان لهذا الاعتبار الملحوظ من عبد الله بن جعفر، بل إنَّ الأحاديث الصحيحة تعارضه وتأباه، فقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو في الصلاة: «اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم»، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! فقال: «إن الرجل إذا غَرِمَ حدَّث فكذب، ووعد فأخْلَف». إهداء الديباجة بشرح سنن ابن ماجه (3/371).
وقال العيني -رحمه الله-:
فإنْ قيل: يُعارِض التعوذ بالله عن المغْرَمِ ما رواه جعفر بن محمد عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر يرفعه: «إنَّ الله مع الدائن حتى يقضي دَيْنَه، ما لم يكن فيما يَكْرَهُ الله -عزَّ وجلَّ-» وكان ابن جعفر يقول لخادمه: فاذهب فخذ لي بدَين؛ فإني أكره أن أبيت الليلة إلا والله معي، قال الطبري: وكلا الحديثين صحيح، قلنا: الغرم الذي استعاذ منه إما أن يكون في مباح، ولكن لا وجه عنده لقضائه، فهو متعرِّض لهلاك مال أخيه، أو يستدين وله إلى القضاء سبيل، غير أنه يَرى ترك القضاء.
وهذا لا يصح إلا إذا نزل كلامه -عليه السلام- على التعليم لأُمَّته، أو يستدين من غير حاجة؛ طمعًا في مال أخيه، ونحو ذلك، وحديث جعفر، فيمَن كان محتاجًا إليه احتياجًا شرعيًّا، فيستدين ونيته القضاء، وإن لم يكن له سبيل إلى القضاء في ذلك الوقت؛ لأن «الأعمال بالنيات»، و«نية المؤمن خير من عمله». شرح أبي داود (4/93- 94).
وقال السمرقندي -رحمه الله-:
لا بأس بأنْ يستدين الرَّجُل إذا كانت له حاجة لا بد منها، وهو يريد قضاءها، ولو أنه استدان دَينًا وقصد أن لا يقضيه، فهو آكل السحت، وروي عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها كانت تستدين، فقيل لها: ما لك وللدَّين؟ فقالت: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَن كان عليه دَين ينوي قضاءه كان معه من الله تعالى عون»، فأنا ألتمس من الله تعالى عونًا، وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «تعرَّضوا للرزق، فإنْ غُلِبَ أحدكم فليسْتَدِنْ على الله وعلى رسوله».
وروي عن محمد بن علي أنه كان يستدين، فقيل له: لمَ تستدين ولك من المال كذا وكذا؟ فقال: لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ الله مع المديون حتى يَقضي دَينه، فأحبُّ أن يكون الله معي»، وأما إذا استدان ونيَّته أن لا يُؤدِّي فهو آكل السحت. بستان العارفين (ص: 359).


ابلاغ عن خطا