«أَقِيمُوا الصُّفُوفَ، فإنَّما تَصُفُّونَ بصُفُوفِ الملائكةِ، وحاذُوا بينَ المناكبِ، وسُدُّوا الخَلَلَ، ولِينُوا في أيدي إخوانِكُم، ولا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ للشَّيطانِ، ومَنْ وصَلَ صفًّا، وصلَهُ اللهُ -تبارك وتعالى-، ومَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللهُ -تبارك وتعالى-».
رواه أحمد برقم: (5724)، واللفظ له، وأبو داود برقم: (666)، والنسائي برقم: (819)، والبيهقي في الكبرى برقم: (5186)، عن ابن عمر -رضي الله عنهما-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (743)، صحيح سنن أبي داود برقم: (672).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«أقيموا»:
الإقامة التسوية والتراصُّ، الْتِزَاق بعضهم إلى بعض.التنوير شرح الجامع الصغير، للصنعاني (3/ 27).
«حَاذُوا»:
الحذاء: الإزاء والمقابل. النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير(1/ 358).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
حَاذُوا بِالْمَنَاكبِ: أي: قَابِلُوا بعضها ببعض. مطالع الأنوار (2/ 250).
«المَنَاكِب»:
جمع مِنْكَب، وهو ما بين الكَتف والعُنق. النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير(5/113).
«الخَلَل»:
بفتح الخاء المعجمة واللام، وهو الفُرُجات. التنوير شرح الجامع الصغير، للمناوي(3/ 25).
«لِيْنُوا»:
بكسر اللام وسكون المثناة التحتية. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/277).
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: كونوا لَيِّنِين هَيِّنِين مُنْقَادين. مرقاة المفاتيح (3/854).
«فُرُجَات»:
جمع فُرْجَة، وهي الخلل الذي يكون بين المصلين في الصفوف، فأضافها إلى الشيطان تفظيعًا لشأنها، وحملًا على الاحتراز منها. النهاية في غريب الحديث (3/423).
شرح الحديث
قوله: «أقيموا الصفوف»:
قال العزيزي -رحمه الله-:
«أقيموا الصفوف» أي: سَوُّوها وعدِّلوها. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/277).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«أقيموا الصفوف» المراد بإقامة الصفوف: تسويتها واعتدالها وسَد الخلل فيها. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (3/613).
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «أقيموا» أي: عدِّلوا، يقال: أقام العُود، أي: عدَّله وسوَّاه.عمدة القاري(8/454).
وقال العيني -رحمه الله- أيضًا:
فيه: الأمر بتسوية الصفوف، وهي من سُنة الصلاة عند أبي حنيفة والشافعي ومالك، وزعم ابن حزم: أنه فرض؛ لأن إقامة الصلاة فرض، وما كان من الفرض فهو فرض، قال: فإن تسوية الصف من تمام الصلاة، فإن قلتَ: الأصل في الأمر الوجوب، ولا سيما فيه الوعيد على ترك تسوية الصفوف، فدل على أنها واجبة، قلتُ: هذا الوعيد من باب التغليظ والتشديد تأكيدًا وتحريضًا على فعلها، كذا قاله الكرماني، وليس بسديد؛ لأن الأمر المقرون بالوعيد يدل على الوجوب، بل الصواب أن يقول: فلتكُن التسوية واجبة بمقتضى الأمر، ولكنها ليست من واجبات الصلاة، بحيث إنه إذا تركها فسدت صلاته، أو نقصتها، غاية ما في الباب إذا تركها يأثم.عمدة القاري (8/455).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
تسوية الصفوف من سُنة الصلاة عند العلماء، وأنه ينبغي للإمام تعاهد ذلك من الناس، وينبغي للناس تعاهد ذلك من أنفسهم، وقد كان لعمر وعثمان رجال يُوكِلونهم بتسوية الصفوف، فإذا استوت كبَّرا، إلا أنه إن لم يقيموا صفوفهم لم تبطل بذلك صلاتهم.شرح صحيح البخاري (2/ 344).
وقال أبو الوليد الباجي -رحمه الله-:
أمره بتسوية الصفوف يقتضي من جهة اللفظ أمرين:
أحدهما: أن يأمر أهل الصفوف بذلك.
والثاني: أن يُوكِل بذلك من يسوِّي الناس في الصفوف...
وتسوية الصفوف مما كان يأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويندب إليه.
وقد روى أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «سَوُّوا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة»، حتى توعد عليها، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «لَتُسَوُّنَّ صفوفكم، أو ليُخَالِفن الله بوجوهكم».المنتقى شرح الموطأ (1/ 279).
وقال العراقي -رحمه الله-:
ذكر العلماء في معنى إقامة الصف أمورًا:
أحدها: حصول الاستقامة والاعتدال ظاهرًا كما هو المطلوب باطنًا.
ثانيها: لئلا يتخللهم الشيطان، فيُفسد صلاتهم بالوسوسة، كما جاء في ذلك الحديث.
ثالثها: ما في ذلك من حُسن الهيئة.
رابعها: أن في ذلك تمكُّنهم من صلاتهم، مع كثرة جَمْعِهم؛ فإذا تراصُّوا وَسِعَ جميعهم المسجد، وإذا لم يفعلوا ذلك ضاق عنهم.
خامسها: أن لا يشغل بعضهم بعضًا بالنظر إلى ما يشغله منه إذا كانوا مختلفين، وإذا اصطفوا غابت وجوه بعضهم عن بعض، وكثير من حركاتهم، وإنما يلي بعضهم من بعض ظهورهم.طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 326).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
واعلم أنَّ صفوفَ المصلِّين لمَّا كانت على صفوف الملائكة عند ربهم..، بولِغَ في الأمر بالتسوية والتَّرَاصِّ؛ لتكون الحكاية على شاكلة المَحْكِيِّ عنه؛ ولكونها أكمل طريق لأداء العبادة؛ ولِذا امتازت به الأمَّةُ المرحومةُ، حتى قيل: إن عبادةَ بني إسرائيل كانت على طريق الحَلَقَة، ولم يكن الصّف فيهم.فيض الباري على صحيح البخاري(2/ 300).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قالوا: ومن خصائص نبينا -صلى الله عليه وسلم-: الصف في الصلاة، كصفوف الملائكة.فيض القدير (2/ 98).
قوله: «فإنما تصفون بصفوف الملائكة»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«بصفوف الملائكة» جاء بيانه في خبر: «كيف تصف الملائكة؟ قال: يُتِمُّون الصفوف المقدمة ويَتَراصُّون». فيض القدير (2/ 75).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «فإنما تصفون بصفوف الملائكة» أي: اقتداءً بهم، أي: فينبغي أنْ تكون صفوفكم كصفوفهم. حاشية السندي على مسند أحمد (2/148-149).
قوله: «وحاذُوا بين المناكب»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«وحاذُوا» قابِلوا. فيض القدير (2/ 75).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «حاذُوا» أي: ساوُوا. شرح سنن أبي داود (3/217).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«بين المناكب» أي: اجعلوا منكب كلٍّ من المصلين مُسَامِتًا لمنكب الآخر. فيض القدير (2/ 75).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«بين المناكب» أي: بحيث يكون منكب كل واحد من المصلين موازيًا لمنكب الآخر، ومُسَامِتًا له، فتكون المناكب والأعناق والأقدام على سَمْتٍ واحد. شرح سنن أبي داود (4/153).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وحاذُوا بين المناكب» بعدم الاختلاف في المواقف أو بالتقارب. مرقاة المفاتيح (3/854).
قوله: «وسُدُّوا الخلل»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «وسُدُّوا الخلل» أي: الثُّلمة والفُرجة. شرح سنن أبي داود (3/217).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«وسُدُّوا الخلل» أي: الفُرَج التي في الصفوف؛ وذلك بأن تتراصُّوا حتى لا يبقى فيها فُرْجَة ولا سَعَة، والفرق بينهما: أن الفرجة خلاء ظاهر، والسعة أن يكونوا بحيث لو دخل بينهم آخر لَوَسِعَه من غير مشقة تحصل لأحد. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6/573).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«وسُدُّوا الخلل» بخاء معجمة ولام مفتوحتين، أي: الفُرَج التي في الصفوف إذا كانت تَسَعُ المصلي بلا مزاحمة مؤذية للمصلين، مانعة من مجافاة المرفقين. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/277).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «وسُدُّوا الخَلل» الظاهر أن المراد الفرجات بين الناس في الصفوف، وعلى هذا فقوله: «ولا تَذَرُوا فُرُجات للشيطان» بمنزلة التأكيد.
ويحتمل: أن المراد نقصان الصفوف، أي: إذا رأيتم صفًّا ناقصًا فأولًا أتموا ذلك النقصان. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (1/418).
وقال ابن الهمام -رحمه الله-:
وبهذا يُعلم جهل من يَسْتَمْسِك عند دخول داخل بجنبه في الصف، ويظن أنَّ فسحه له رياء؛ بسبب أنه يتحرك لأجله، بل ذاك إعانة له على إدراك الفضيلة، وإقامة لسد الفُرُجات المأمور بها في الصف، والأحاديث في هذا شهيرة كثيرة. فتح القدير (1/ 360).
قوله: «ولِيْنُوْا في أيدي إخوانكم»:
قال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «ولِيْنُوْا» بالتخفيف، وقد يشدد، أي: مناكبكم، والصواب هو الأول كذا قيل.لمعات التنقيح (3/228).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ولِيْنُوْا» بكسرٍ فسكون، مِن لَان يلين لينًا فهو لَيِّن، ومنه خبر: «خياركم أَلْيَنُكم مناكب»، فأفعل التفضيل لا يستعمل إلا من ثلاثي. فيض القدير (2/ 75).
وقال أبو داود -رحمه الله-:
معنى: «ولِيْنُوْا بأيدي إخوانكم» إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه، فينبغي أن يَلِيْنَ له كل رَجُل مَنكبيه، حتى يدخل في الصف. سنن أبي داود (1/ 179).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«ولِيْنُوْا بأيدي إخوانكم» أي: إذا أخذوا بها ليقدِّموكم أو يؤخِّروكم حتى يستوي الصف؛ لتنالوا فضل المعاونة على البِرِّ والتقوى، ويصح أن يراد: لِيْنُوْا بيد من يجرُّكم من الصف، أي: وافقوه لتزيلوا عنه وصَمْةَ الانفراد المبطِلة للصلاة عند بعض. دليل الفالحين (6/573).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«بأيدي إخوانكم» أي: إذا جاء من يريد الدخول في الصف فوضع يده على منكبه لَانَ وَأَوْسَع له ليدخل، ومن زعم أن معنى لين المنكب السكون والخشوع فقد أبعد. فيض القدير (2/ 75).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
فَلْيَلِنْ له ويوسع له ليدخل ولا يمنعه. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/277).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«بأيدي إخوانكم» لا تعصوهم عن الانقياد إلى التسوية. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 25).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -رحمه الله-:
قوله: «لِيْنُوْا بأيدي إخوانكم» والمراد أن يتحرك إذا طلب منه، وأن يتعاون مع إخوانه في تسوية الصفوف. شرح سنن أبي داود (89/14).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
ذهب أكثر أصحاب الشافعي إلى أن من لم يجد فُرْجَة ولا سَعة في الصف يَجْذِب إلى نفسه واحدًا، ويستحب للمَجْذُوب أن يساعده، ولا فَرْقَ بين الداخل في أثناء الصلاة والحاضر في ابتدائها في ذلك.
وكرهه الأوزاعي ومالك وأحمد وإسحاق؛ لأنه لو جَذَب إلى نفسه واحدًا لفوَّت عليه فضيلة الصف الأول، ولوقع الخلل في الصف، واستدل الأولون بما رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط والبيهقي (ج3 ص105) من حديث وابصة بن معبد: «أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل صلى خلف الصف: أيها المصلي وحده، هلَّا دخلت في الصف، أو جَرَرْتَ رجلًا من الصف، أَعِدْ صلاتك»، وفيه السري بن إسماعيل، وهو ضعيف، قاله الهيثمي، وقال الحافظ: إنه متروك، وله طريق أخرى في تاريخ أصبهان، وفيها قيس بن ربيع، وفيه ضعف، وأخرج الطبراني عن ابن عباس، قال الحافظ: بإسناد واهٍ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا انتهى أحدكم إلى الصف وقد تم فليجذب إليه رجلًا يُقِيْمَه إلى جنبه»، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وقال: لا يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بهذا الإسناد، وفيه بشر بن إبراهيم، وهو ضعيف جدًّا، ولأبي داود في المراسيل من رواية مقاتل بن حيان مرفوعًا: «إِنْ جاء رجل فلم يجد خللًا أو أحدًا فليَخْتَلِج إليه رجلًا من الصف فليقم معه، فما أعظم أجر الْمُخْتَلَجِ». مرعاة المفاتيح (4/20).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وأما مشروعية انجذاب مَن في الصف الْمُنْسَدِّ لمن لَحِقَ ولم يجد من يَنْضَم إليه فلم يثبت ما يدل على ذلك بخصوصه، ولا يصح الاستدلال بما أخرجه أبو داود في المراسيل بلفظ: «إذا انتهى أحدكم إلى الصف وقد تم فلْيَجْبِذ إليه رجلًا يقيمه إلى جنبه»؛ لأنه مع كونه مرسلًا في إسناده مقاتل بن حيان، وفيه مقال، ولم يثبت له لقاء أحد من الصحابة، فثم انقطاع بينه وبين الصحابي، فهو مرسل معضَل. السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار (161).
قوله: «ولا تذروا فُرُجَاتٍ للشيطان»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«ولا تذروا» تَدَعُوا. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 25).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فُرُجَاتٍ» بالتنوين جمع فُرْجَة، وهي كل فُرجة بين شيئين. فيض القدير (2/ 75).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«للشيطان» إبليس أو أعم، وفيه إيماء إلى منع كل سبب يؤدي لدخوله، كما أمر بوضع يده على فِيْهِ عند التَّثَاؤب. فيض القدير (2/ 75).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«للشيطان» أضيفت إليه لأنها محل تردده للإغواء. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6/573).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «ولا تذروا فُرُجَاتٍ للشيطان» أي: لا تتركوا فتحات في الصفوف فيدخل منها الشيطان فيوسوس. المنهل العذب المورود (5/57).
وقال العيني -رحمه الله-:
ومعنى «فُرُجَاتِ الشيطان» أنه إذا وجد بين الصفوف موضعًا خاليًا يدخل فيه ويوسوس. شرح سنن أبي داود (3/217).
قوله: «ومَن وصل صفًّا، وصله الله -تبارك وتعالى-»:
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «مَن وصل صفًّا» "من" شرطية، والجواب «وصله الله» إلخ، ووصْلُ الصف بأن يَسُدَّ فُرْجَةً فيه، أو يكمله إن كان ناقصًا. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (5/1685).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ومَن وصل صفًّا» بوقوفه فيه. فيض القدير (2/ 75).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ومن وصل صفًّا» أي: من انضم إلى صف لِيَصِلَهُ. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 25).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -رحمه الله-:
قوله: «ومَن وصل صفًّا» أي: أن يقرب بعضهم من بعض، وإذا كانت هناك فُرْجَة في الصف فإنه يدخل فيها ويسدها، فكل هذا مِن وصل الصفوف. شرح سنن أبي داود (89/14)
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«وصله الله» أي: بإِدْرَارِ أصناف رحمته، وإغداق هَوَامِع نعمته، والجملة مستأنفة. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6/573).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وصله الله» برحمته، ورفْعِ درجته، وقُرْبِه من منازل الأبرار ومواطن الأخيار. فيض القدير (2/ 75).
قوله: «ومن قطع صفًّا قطعه الله -تبارك وتعالى-»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«ومن قطع صفًّا» بأن يخرج منه، أو بأن يراه محتاجًا إلى الوصل فلم يصله. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 25).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«ومن قطع صفًّا» بأن كان فيه فخرج منه لغير حاجة، أو جاء إلى صف وترك بينه وبين من بالصف فُرْجة بلا حاجة. شرح سنن أبي داود (4/155).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
«ومن قطع» أي: بالغِيْبَةِ، أو بعدم السدِّ، أو بوضع شيء مانع. عون المعبود (2/258).
وقال السندي -رحمه الله-:
والقطع أنْ يعقد بين الصفوف بلا صلاة، أو منع الداخل من الدخول في الفرجات مثلًا. حاشية السندي على مسند أحمد (2/149).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«قطعه الله -عز وجل-¬» أي: عن ثوابه ورحمته؛ إذ الجزاء مِن جنس العمل، وهذا يحتمل الدعاء والخبر. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/277).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«قطعه الله» أي: أبعده من ثوابه ومزيد رحمته؛ إذ الجزاء من جنس العمل، فيُسَنُّ انضمام المصلين بعضهم لبعض ليس بينهم فُرْجَة ولا خَلَل كأنهم بُنْيَان مرْصُوص. فيض القدير (2/ 75).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«قطعه الله» أي: عن مواسم الخيرات وحقائق المبرات. دليل الفالحين (6/573).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«ومن قطع صفًّا» بأن لم يَسُدَّ فُرْجَة فيه تَسَعَه، أو منع غيره من الدخول فيه بدون ضرر يلحقه بذلك، أو جلس في وسط الصف بلا صلاة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (10/288).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -رحمه الله-:
قوله: «ومن قطع صفًّا قطعه الله» أي: يتسبب في قطع الصف، فالأول يوصله الله بالثواب، والثاني يقطعه من الثواب، أو يحصل له الإثم، أو يعاقبه بضرر يحصل له كما جاء في الحديث: «أو ليخالفنَّ الله بين قلوبكم»، فتكون هناك مُنَافرة بين القلوب، فهذه عقوبة للقلب، أو تكون عقوبة للوجه كما في الرواية الأخرى، فتحصل مخالفة بين الوجوه. شرح سنن أبي داود (89/14).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد ورد الأمر بسدِّ خلل الصف والترغيب فيه في أحاديث كثيرة، أجمعها حديث ابن عمر. فتح الباري (2/211).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وفيه أبلغ حثٍّ على وصل الصفوف بِسَدِّ فُروجها وتكميلها، بأن لا يشرع في صف حتى يكمل ما قبله، وأبلغ زجر عن قطعها؛ بأن يقف في صف وبين يديه صف آخر ناقص أو فيه فرجة، ومَن تأمَّل بركة دعائه للواصل، وخطر دعائه المقبول الذي لا يُرَدُّ على القاطع، وكان عنده أدنى ذرة من الإيمان بادر إلى الوصل، وفرَّ عن القطع ما أمكنه. دليل الفالحين (6/573).
وقال الفاكهاني -رحمه الله-:
فهذه الأحاديث كلها تدل على طلب الأمرين جميعًا؛ أعني: اعتدال القائمين في الصف، وسد الخلل الكائنة فيه.
والظاهر: أنه طَلَبُ ندبٍ لا وجوب؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- قال: «فإن ذلك من تمام الصلاة»، وتمام الشيء أمر زائد على وجود حقيقته التي لا يتحقق إلا بها اصطلاحًا مشهورًا، وإن كان قد يطلق في بعض الوضع على بعض الحقيقة، ولكن المشهور في الاصطلاح: الأول، ولم يذكر -عليه الصلاة والسلام- أنه من واجبات الصلاة، ولا من أركانها. رياض الأفهام (2/75-76).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وفيه: دليل على وجوب سَدِّ الفُرَجِ في الصفوف، وترغيب في وصلها؛ لما فيه الخير العظيم، وتحذير من قطعها؛ لما فيه من الوعيد الشديد؛ ولذا عدَّه ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي -رحمه الله- من الكبائر في كتابه الزواجر. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (10/288).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وهذا دليل على وجوب كل ما ذُكر، وقد أعرض عنه الناس بالكلية. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 25).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: الحث على وصل الصفوف وتكميلها، والزجر عن قطعها. تطريز رياض الصالحين (632).
وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا) و (هنا)