الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إنَّ اللهَ قد أجَارَ أمتي أنْ تَجْتَمِعَ على ضَلَالةٍ».


رواه ابن أبي عاصم في السُّنة برقم: (82)، من حديث كعب بن عاصم الأشعري -رضي الله عنه-، ورواه ابن أبي عاصم أيضًا في السُّنة برقم: (83)، والضياء في المختارة برقم: (2559)، من حديث أنس -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (1786)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1331).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أَجَارَ»:
حمَى وأنقذ ومنع.
يُقال: أَجَارَه اللْهُ مِن العذابِ: أَنْقَذَه...، وأَجَارَه: أَعَاذَه، قال أبو الهَيْثَم (الرازي): ومَن عاذَ بِاللَّه، أي: استجار به أَجارَه اللهُ، ومَن أجارَه اللهُ لم يوصَلْ إليه، {وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} المؤمنون: 88، أي: يُعِيذُ، وقال الله تعالى لنَبِيِّه: {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} الجن: 22، أي: لن يَمْنَعَنِي. [تاج العروس، للزبيدي (10/ 486).

«ضلالة»:
الضَّلالُ والضَّلالَةُ: ضدُّ الرَّشاد، وقد ضَلَلْتُ أضِلُّ...، فهذه لغة نجد، وهي الفصيحة، وأهل العالية يقولون: ضَلِلتُ بالكسر أضلُّ، وهو ضالٌّ تالٌّ، وهي الضَّلالَةُ والتَّلالَةُ، وأَضَلَّهُ أي: أَضاعَهُ وأهلكه، يقال: أُضِلَّ الميِّتُ: إذا دُفن. الصحاح، للجوهري (5/ 1748).
قال الداني -رحمه الله-:
فأمَّا الضَّلال إذا كان بمعنى الحَيْرَة والجَور عن القصد، فهو بالضاد؛ وذلك نحو قوله -عزَّ وجلَّ-: {فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} النساء: 116...، وما كان مثله، يقال: ضلَّ يضِلُّ، بكسر الضَّاد، وضلَّ يضَلُّ، بفتحها: لغتان، فمن قال في المستقبل بفتح الضَّاد، قال في الماضي: ضَلِلْتُ بكسر اللَّام؛ وبذلك قرأ يحيى بن وثَّاب في جميع القرآن، نحو قوله -عزَّ وجلَّ-: {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا} الأنعام: 56،... وشِبْهَهُ، ومن قال في المستقبل بكسر الضَّاد، قال في الماضي: ضَلَلْتُ بفتح اللَّام؛ وبذلك قراءة العامة، ويقال: ضلَّ عن القصد، أي: جار عنه، وأضلَّ ناقته: إذا فقدها. الفرق بين الضاد والظاء (ص: 55).


شرح الحديث


قوله: «إنَّ اللهَ قد أجَارَ أُمَّتِي»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إنَّ الله تعالى قد أجار» في رواية بإسقاط (قد). فيض القدير (2/ 245).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«إنّ الله تعالى قد أجار أُمَّتِي» أي: حَفِظَ علماءها. فيض القدير (2/245).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«أُمَّتِي» أي: أُمَّة الإجابة. فيض القدير (2/241).

قوله: «أنْ تَجْتَمِعَ على ضَلَالةٍ».
قال المناوي -رحمه الله-:
«أن تجتمع على ضلالة» أي: مُحَرَّم، ومن ثم كان إجماعهم حُجَّة قاطعة، فإنْ تنازَعُوا في شيء ردُّوه إلى الله ورسوله؛ إذ الواحد منهم غير معصوم، بل كل أحد يُؤخذ منه ويُرد عليه إلا الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وَنَكَّر «ضلالة»؛ لتعم، وأفردها؛ لأن الإفراد أبلغ. فيض القدير (2/245).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«أَن تَجْتَمِع» أي: من أَن تَجْتَمِع «على ضلالة» أَي: محرّم، وَمن ثمَّ مِنْهُم فممكن، بل وَاقع. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 256).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «تَجْتَمع على ضلالة» أي: الكُفر أو الفِسق أو الخطأ في الاجتهاد. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (2/464).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
وهذا قبل مجيء الريح التي تأتي قُرْب القيامة. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (23/323).
وقال المظهري -رحمه الله-:
هذا دليل على أنَّ إجماع الأُمَّة حق، والإجماع: هو إجماع المسلمين، ولا اعتبار لإجماع العوامِّ؛ لأن قول العوام لا يكون عن عِلم، وما لا يكون عن عِلم لا عبرة به، وإذا لم يكن إجماع العوام معتبرًا يبقى إجماع العلماء.
فالمراد بقوله: «لا تجتمع هذه الأُمَّة على ضلالة» هم العلماء، فإذا لم يكن اجتماع هذه الأُمَّة ضلالة، يكون حقًّا لا محالة. المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 281).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «إن أُمَّتي لن تجتمع» في قول ولا فعل ولا ترك «على ضلالة» هي ضد الهدى، والأصل فيها الكفر، أي: لن تجتمع على الكفر. التنوير شرح الجامع الصغير (3/585).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
في حديث: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء...» فإن قلتَ: قد عارضه حديث: «أنَّ الأُمَّة لا تجتمع على ضلالة» فإن هذا يقضي بإجماعهم عليها.
قلتُ: قد تخبَّط الناس في وجه الجمع بين هذين الحديثين، فقيل: انتزاع العلماء لا يكون إلا آخر الزمان بعد نزول عيسى -صلى الله عليه وسلم- ووفاته.
وقيل: هذا محمول على المبالغة؛ إذ لو بقي عالم أو أكثر، ولم ينتفع به الناس، كان كأنه قد قُبض كل عالم؛ إذ المراد بالقبض قبض نفع العلماء، ونفوذ أقوالهم.
وهذه الأجوبة مبنية على أنه لم يرد بالضلالة الكفر، وقدَّمنا لك أنه المراد فلا يرد الإشكال، فإنه وإن قُبِضَ العلماء وبقيت الرئاسة للجهال، فإنه لا تجتمع الأُمَّة على الكفر.
وإن أريد بالضلالة ما عدا الكفر، فالجواب: أن المراد بالأُمَّة في حديث: «لا تجتمع الأُمَّة على ضلالة» المجتهدون من علماء الأُمَّة، كما قاله الأصوليون، وجعلوه دليلًا لحقيَّة الإجماع، فإذا قُبض المجتهدون، وبقيت العامة على ضلالة لم ينافِ ذلك؛ لأن المنفي إجماعهم عليها، والفرض أنهم قد انقرضوا، والباقون ليسوا المرادين. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 359-360).
وقال الصرصري -رحمه الله-:
ودلالته -أي الحديث-: قاطعة في وجوب اتباع الإجماع، فصار في قوة النَّص القاطع إسنادًا ومتنًا على المطلوب، فيجب اتباعه. التعيين في شرح الأربعين (253).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
كأنه أراد بذلك إجماع الصحابة، ومن اتبعهم. مجموع الفتاوى (7/336).
وقال ابن تيمية -رحمه الله- أيضًا:
بل لا تزال في هذه الأُمَّة طائفة ظاهرة على الحقِّ إلى يوم القيامة، ولا يجتمعون على ضلالة؛ فلا تزال فيهم أُمَّةٌ يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون. النبوات (1/ 413).
وقال البعلي -رحمه الله-:
والأُمَّة لا تجتمع على ضلالة كما لو اجتمعت على موجِب عموم أو مطلق، أو اسم حقيقة، أو على موجب قياس، فإنها لا تجتمع على خطأ، وإن كان الواحد منهم لو جرد النظر إليه لم يؤمَن عليه الخطأ، فإن العصمة تثبت بالنسبة الإجماعية، كما أن خبر التواتر يجوز الخطأ والكذب على واحد من المخبرين بمفرده، ولا يجوز على المجموع، والأُمَّة معصومة من الخطأ في روايتها ورأيها ورؤياها. مختصر الصواعق المرسلة (ص: 562).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
مما خَصَّ الله به الأُمَّة لحفظ دينها الذي بعث الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-: أن لا تجتمع على ضلالة، بخلاف الأمم السَّالفة...، وهذه الأمَّة عصمها الله عن الاجتماع على ضلالة، فلا بد أن يكون فيها من يُبَيِّنُ أمر الله ورسوله، ولو اجتهدت الملوك على جمع الأُمَّة خلافه لم يتم لهم أمرهم، كما جرى مع المأمون والمعتصم والواثق؛ حيث اجتهدوا على إظهار القول بخلق القرآن، وقتلوا الناس، وضربوهم وحبسوهم على ذلك، وأجابهم العلماء تقية وخوفًا، فأقام الله إمام المسلمين في وقتهم أحمد بن حنبل، فرد باطلهم حتى اضمحل أمرُهم، وصار الحق هو الظاهر في جميع بلاد الإسلام والسُّنة. الحكم الجديرة بالإذاعة (36 - 37).
وقال ابن رجب -رحمه الله- أيضًا:
فإن هذه الأُمَّة لا تجتمع على ضلالة، ولا يظهر أهل باطلها على أهل حقها، فلا يكون الحق مهجورًا غير معمول به في جميع الأمصار والأعصار.جامع العلوم والحكم (1/204 - 205).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
وقد نَزَّه الله هذه الأمَّة المحمدية وحَفِظها من أن تجتمع على ضلالة، وصح عنه -صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث الكثيرة أنه قال: «لا تزال طائفة من أُمَّتي على الحق منصورة»، فيستحيل أن تجتمع الأمُّة في أشرف قرونها على باطل، وهو خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، ولا يقول هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر، كما لا يقوله مَن له أدنى بصيرة بحكم الإسلام، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. مجموع الفتاوى (3/ 325).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
وقد استدل به الغزالي وغيره من أهل الأصول على كون الإجماع حجة. اهـ.، وهو من خصائص هذه الأُمَّة. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/347).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
لا يمكن أن يكون الحق مشتبهًا على جميع الأمَّة، بل لا بد أن يكون في الأمَّة من هو عالم بالحق ولو واحدًا، أما أن يشتبه الحق على جميع الأمَّة فهذا مستحيل؛ لأن هذه الأمَّة لا تجتمع على ضلالة، ولو اشتبه الحق على جميع الأمَّة لم يكن القرآن بيانًا، ولا السَّنة بيانًا. فتح ذي الجلال والإكرام (6/ 315).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
إجماع الأمَّة على شيء إما أن يكون حقًّا، وإما أن يكون باطلًا، فإن كان حقًّا فهو حجة، وإن كان باطلًا فكيف يجوز أن تجمع هذه الأمَّة التي هي أكرم الأمم على الله منذ عَهْدِ نَبِيِّهَا إلى قيام الساعة على أمر باطل لا يرضى به الله؟! هذا من أكبر المحال. الأصول من علم الأصول (ص: 65)


ابلاغ عن خطا