الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«أَقِيمُوا صُفوفَكُم لا يَتَخَلَّلُكُمْ كأولادِ الحَذَفِ»، قيل: يا رسولَ اللهِ، وما أولادُ الحَذَفِ؟ قال: «سُودٌ جُرْدٌ، تكونُ بأرضِ اليَمَنِ».


رواه أحمد برقم: (18618)، والحاكم برقم: (786)، والطبراني في الصغير برقم: (330)، وابن أبي شيبة برقم: (3526)، من حديث البراء -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (1192).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أقيموا»:
الإقامة التسوية والتراصُّ، الْتِزَاق بعضهم إلى بعض.التنوير شرح الجامع الصغير، للصنعاني (3/ 27).

«يتَخَلَّلُكُم»:
الخلل -بفتح الخاء المعجمة واللام أيضًا-: هو ما يكون بين الاثنين من الاتساع عند عدم التراص. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (2/230).

«الحَذَف»:
بحاءٍ مهملةٍ، وذالٍ معجمة، مفتوحتين، ثُمَّ فاءٌ، وهي: غَنَمٌ سُودٌ صغارٌ تَكُونُ بِالْيَمنِ. رياض الصالحين، للنووي (ص: 328).
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
هي الغنم الصغار الحجازية، واحدتها حذفة بالتحريك، وقيل: هي صغارٌ جردٌ، ليس لها آذان ولا أذناب، يجاء بها من جُرَش اليمن (بلدة في اليمن). النهاية في غريب الحديث (1/ 356).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
كأنها سميت حَذَفًا لأنها محذوفة عن مقدار الكبار، ونظيره قولهم للقصير: حطائط، قيل: لأنه حط عن مقدار الطويل. الفائق في غريب الحديث (1/ 269-270).

«جُرْدٌ»:
ليس لها آذان ولا أذناب. النهاية في غريب الحديث (3/ 218).


شرح الحديث


قوله: «أقيموا صفوفكم»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «أقيموا» أي: عدِّلوا، يقال: أقام العُود، أي: عدَّله وسوَّاه.عمدة القاري(8/454).
قال محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله-:
«أقيموا صفوفكم» والمراد بـ«أقيموا» سَوُّوا. كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (9/71).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«أقيموا صفوفكم» الإقامة التسوية. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 27).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«أقيموا صفوفكم» أي: عدِّلوها، يقال: أقام العود: إذا عدَّله، وسواه. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (10/252).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«أقيموا صفوفكم» أي: داوموا على إقامتها، واعتَنُوا بها؛ لِعِظَم جدواها وشرف غايتها، هذا إن كان صدر منه بعد تمام الإقامة، وإن كان قبلها فمعناه: اجعلوها كذلك. دليل الفالحين (6/570).
وقال النووي -رحمه الله-:
«أقيموا صفوفكم» أَمَرَ بإقامة الصفوف وهو مأمور به بإجماع الأُمَّة، وهو أمرُ نَدْبٍ، والمراد تسويتها والاعتدال فيها، وتتميم الأول فالأول منها، والتراص فيها. شرح النووي على مسلم (4/ 119).
وقال العيني -رحمه الله-:
فيه: الأمر بتسوية الصفوف، وهي من سُنة الصلاة عند أبي حنيفة والشافعي ومالك، وزعم ابن حزم: أنه فرض؛ لأن إقامة الصلاة فرض، وما كان من الفرض فهو فرض، قال: فإن تسوية الصف من تمام الصلاة، فإن قلتَ: الأصل في الأمر الوجوب، ولا سيما فيه الوعيد على ترك تسوية الصفوف، فدل على أنها واجبة، قلتُ: هذا الوعيد من باب التغليظ والتشديد تأكيدًا وتحريضًا على فعلها، كذا قاله الكرماني، وليس بسديد؛ لأن الأمر المقرون بالوعيد يدل على الوجوب، بل الصواب أن يقول: فلتكُن التسوية واجبة بمقتضى الأمر، ولكنها ليست من واجبات الصلاة، بحيث إنه إذا تركها فسدت صلاته، أو نقصتها، غاية ما في الباب إذا تركها يأثم.عمدة القاري (8/455).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
تسوية الصفوف من سُنة الصلاة عند العلماء، وأنه ينبغي للإمام تعاهد ذلك من الناس، وينبغي للناس تعاهد ذلك من أنفسهم، وقد كان لعمر وعثمان رجال يُوكِلونهم بتسوية الصفوف، فإذا استوت كبَّرا، إلا أنه إن لم يقيموا صفوفهم لم تبطل بذلك صلاتهم.شرح صحيح البخاري (2/ 344).
وقال أبو الوليد الباجي -رحمه الله-:
أمره بتسوية الصفوف يقتضي من جهة اللفظ أمرين:
أحدهما: أن يأمر أهل الصفوف بذلك.
والثاني: أن يُوكِل بذلك من يسوِّي الناس في الصفوف...
وتسوية الصفوف مما كان يأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويندب إليه.
وقد روى أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «سَوُّوا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة»، حتى توعد عليها، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «لَتُسَوُّنَّ صفوفكم، أو ليُخَالِفن الله بوجوهكم».المنتقى شرح الموطأ (1/ 279).
وقال العراقي -رحمه الله-:
ذكر العلماء في معنى إقامة الصف أمورًا:
أحدها: حصول الاستقامة والاعتدال ظاهرًا كما هو المطلوب باطنًا.
ثانيها: لئلا يتخللهم الشيطان، فيُفسد صلاتهم بالوسوسة، كما جاء في ذلك الحديث.
ثالثها: ما في ذلك من حُسن الهيئة.
رابعها: أن في ذلك تمكُّنهم من صلاتهم، مع كثرة جَمْعِهم؛ فإذا تراصُّوا وَسِعَ جميعهم المسجد، وإذا لم يفعلوا ذلك ضاق عنهم.
خامسها: أن لا يشغل بعضهم بعضًا بالنظر إلى ما يشغله منه إذا كانوا مختلفين، وإذا اصطفوا غابت وجوه بعضهم عن بعض، وكثير من حركاتهم، وإنما يلي بعضهم من بعض ظهورهم.طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 326).

قوله: «لا يَتَخَلَّلُكُم كأولاد الحَذَفِ، قيل: يا رسول الله، وما أولاد الحَذَفِ؟ قال: سُودٌ جُرْدٌ، تكون بأرض اليمن»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «كأولاد الحَذَفِ» بفتح حاء مهملة، وذال معجمة: هي الغنم الصغار الحجازية، جمع حَذَفَةٍ أيضًا، والمراد: الشياطين، فإنها تدخل في أوساط الصفوف، كأولاد الحَذَفِ، «جُرْدٌ» أي: ليس على جلدها شَعْرٌ، والله أعلم. حاشية السندي على مسند أحمد (4/362-363).
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله-:
حَذَفٌ: هي هذه الغنم الصغار الحجازية واحدتها حَذَفَة، ويُقال: هي النَّقَد أيضًا، واحدتها نَقَدَةٌ، وقد جاء تفسير الحَذَفِ في بعض الحديث عن النَّبِيّ -صلي اللَّه عليه وسلم- إنَّه قال: «أقِيمُوا صفوفكم لَا يتخللكم الشَّيَاطِين كأولاد الحَذَف، قيل: يَا رَسُول اللَّه، وَمَا أَوْلَاد الحذَف؟ قال: ضَأْن سودٌ جُرْدٌ صغَار تكون باليمن»، وهو أحب التفسيرين إليّ؛ لأن التَّفسير في نفس الحديث. غريب الحديث (1/ 161).
وقال الجوهري -رحمه الله-:
والنَّقَد بالتحريك: جنس من الغنم، قِصَار الأرجل، قِبَاح الوجوه، تكون بالبحرين، الواحدة نَقَدَة، ويقال: أَذَلّ من النَّقَد، قال الأصمعي: أجْوَدُ الصوف صوف النَّقَدِ. الصحاح في اللغة (2/ 106).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
والحَذَفُ: غنمٌ سُودٌ صغار، ويقال: إنها أكثر ما تكون باليمن. معالم السنن (1/ 184).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وهي غنمٌ سُودٌ صغار تكون باليمن، أو بالحجاز، واحدُهُ حَذَفَةٌ بالتحريك، سميت بذلك: لأنها محذوفة عن مقدار غالب جِنسها. دليل الفالحين (6/ 424).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فشبَّه الشياطين الداخلة في خلل الصفوف بالغَنمِ الصغار. شرح سنن أبي داود (11/ 465).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«كأنها الحَذَفِ» وهو دليل على تجسم الشياطين وتشكلهم في أشكال الحيوانات، وأنهم يحضرون مواقف الطاعات لإفسادها. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 27).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فكأن الشيطان يَتَصَغَّر حتى يدخل في تضاعيف الصفِّ. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/338).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
ومعنى هذا: أن الإنسان لا يدع فُرْجَة بين الصفوف يدخل منها الشيطان؛ لأن الشيطان يريد من الناس ألا يتَّبِعُوا السُّنة، وألا يمتثلوا ما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والرسول -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بالتراصِّ والتقارب في الصفوف، فعدم ذلك يعجب الشيطان؛ لأن فيه مخالفة لما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ ولهذا فإن الشياطين تدخل من الخَلَل أو الفجوات التي تكون بين الصفوف كأنها صغار الغنم. شرح سنن أبي داود (89/17).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
يستفاد منه ما يأتي:
أولًا: مشروعية إقبال الإمام على المصلين قبل تكبيرة الإحرام، وأَمْرِهِم بتسوية الصفوف، والإشراف عليهم.
ثانيًا: مشروعية تسوية الصفوف، وهي سنة عند الجمهور، واجبة عند الظاهرية؛ لأمره -صلى الله عليه وسلم- بها، والأصل في الأمر الوجوب؛ ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: «أو ليخالفن الله بين وجوهكم»، وهذا الوعيد لا يترتب إلا على ترك واجب. منار القاري (2/151).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا