أنَّ رجالًا مِن أصحابِ النبي -صلى الله عليه وسلم-، أُرُوا ليلةَ القَدْرِ في المنامِ في السَّبْعِ الأواخِرِ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قد تَوَاطَأَتْ في السَّبعِ الأواخِرِ، فمَنْ كان مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا في السَّبعِ الأواخِرِ».
رواه البخاري برقم: (2015)، ومسلم برقم: (1165) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«أُرُوا»:
على صيغة المجهول، أي: رأوا في المنام. عمدة القاري (24/ 137).
«رُؤْيَاكُمْ»:
الرُّؤْيَا: ما يُرَى في المنام، وهو فُعلى، وقد يُخفَّف فيه الهمزة، فيقال: بالواو. المفردات في غريب القرآن (ص: 375).
وقال محمد اليفرني -رحمه الله-:
تقول: رأيتُ رؤيةً: إذا عاينتَ ببصرِك، رأيتَ رأيًا: إذا اعتقدتَ شيئًا في قلبك، رأيتَ رؤيًا: إذا رأيتَ شيئًا في منامك، وقد تُستعمل الرؤيا مصدرًا في اليقظة. الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب (2/ 497).
«تَوَاطَأَتْ»:
أي: اتَّفَقَتْ. تفسير غريب ما في الصحيحين (ص: 273).
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
وهو مِن المُوَاطَأَةِ: الموافَقَة، وحَقيقَتُه كأنَّ كُلًّا منهما وَطِئَ مَا وَطِئه الآخَر. النهاية (5/ 202).
«مُتَحَرِّيهَا»:
أي: طالبها وقاصدها؛ لأن التَّحرِّي: القصد والاجتهاد في الطلب. عمدة القاري (11/ 131).
شرح الحديث
قوله: «أنَّ رجالًا مِن أصحابِ النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «أنَّ رجالًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-» لم أقف على تسمية أحدٍ من هؤلاء. فتح الباري (4/ 256).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«أنَّ رجالًا من أصحاب النبي -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم-» لم يُسمَّ أحدٌ منهم. إرشاد الساري (3/ 431).
قوله: «أُرُوا ليلةَ القَدْرِ في المنامِ»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «أُرُوا ليلةَ القدر» أُروا -بضم أوله على البناء للمجهول-، أي: قيل لهم في المنام: إنَّها في السبع الأواخر. فتح الباري (4/ 256).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «أُرُوا» -بضم الهمزة، مجهول فعل ماضٍ-: من الإراءة، وقال بعضهم: أي: قيل لهم في المنام: في السبع الأواخر.
قلتُ: هذا التفسير ليس بصحيح؛ لأنه يقتضي أنَّ ناسًا قالوا لهم: إنَّ ليلة القدر في السبع الأواخر، وليس هذا تفسير قوله: «أُرُوا ليلة القَدْر في المنام» بل تفسيره: أنَّ ناسًا أَرَوْهُم إياها، فرأوا، وعلى تفسير هذا القائل أُخْبِرُوا بأنها في السبع الأواخر، ولا يستلزم هذا رؤيتهم. عمدة القاري (11/ 131).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أُرُوا» -على بناء المفعول-: من الإراءة، وأصله: (أُرِيُوا) أي: أراهم اللهُ «ليلةَ القدر» أي: تعيينها «في المنام». مرقاة المفاتيح (4/ 1436).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «أُرُوا» -بضم الهمزة والراء-، أصله: (أُرِيُوا)؛ فنُقِلَت ضمةُ الياء إلى الراء، وحُذِفَت؛ لسكونها، وسكون واو الجمع. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 51).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «أُرُوا» أصله: (أريوا) من الرؤيا، أي: خُيِّل لهم في المنام. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1621).
وقال القاضي البيضاوي -رحمه الله-:
«أُرُوا» فعل ما لم يُسمَّ فاعله: من الرؤيا، أي: خُيِّل لهم أنَّ الليلة ليلة القَدْر، ومُثِّل لهم بعض صفاتها، وأحوالها. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 511).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
قوله: «ليلةَ القَدْر في المنام» أي: خُيِّل لهم في المنام ذلك، بعضُهم رآها في ليلة الثالث والعشرين، وبعضُهم رآها في ليلة الخامس والعشرين، وكذلك رأوها جميعهم. شرح المصابيح (2/ 555).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
«أُرُوا» -بضم الهمزة-: مبنيًا للمفعول تنصب مفعولين: أحدَهما: النائب عن الفاعل، والآخر: قوله: «ليلةَ القَدْر» أي: أراهم اللَّهُ ليلةَ القَدْر في المنام. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (4/ 29).
وقال الشيخ أحمد النجمي -رحمه الله-:
قوله: «أُرُوا ليلة القَدْر» أي: في النوم؛ وذلك يدل على اعتنائهم بها، وتعظيمهم لها، وكثرة ارتباط عقولهم بذلك. تأسيس الأحكام (3/ 228).
قوله: «في السَّبْعِ الأواخِرِ»:
قال البرماوي -رحمه الله-:
قوله: «في السبعِ» ليس ظَرْفًا لـ «أُرُوا» أي: بل لحالٍ محذوفٍ، أي: كائنةً أو موجودةً. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (6/ 483).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«السبع الأواخر» يُحتمل: أنْ يُراد بها: السبع التي تلي آخر الشهر، وأنْ يُراد بها: السبع بعد العشرين، وحمْلُه على هذا أمثل؛ لتناوله إحدى وعشرين وثلاث وعشرين. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1621).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
الظاهر: أنَّ المراد به: أواخر الشهر، وقيل: المراد به: السبع التي أولها ليلة الثاني والعشرين، وآخرها ليلة الثامن والعشرين، فعلى الأول لا تدخل ليلة إحدى وعشرين، ولا ثلاث وعشرين، وعلى الثاني تدخل الثانية فقط، ولا تدخل ليلة التاسع والعشرين. فتح الباري (4/ 256).
وقال المغربي -رحمه الله-:
والسبع الأواخر المراد بها: أواخر الشهر، كما هو الظاهر، وقيل: المراد به: السبع التي أولها الثاني والعشرون، وآخرها ليلة الثامن والعشرين، فعلى الأول لا تدخل فيه ليلة إحدى وعشرين، ولا ليلة ثلاث وعشرين، وعلى الثاني تدخل ليلة ثاني وعشرين، ولا تدخل ليلة التاسع والعشرين.
ويرجِّح الوجه الأول: حديث ابن عمر: «التمسوها في العشر الأواخر، فإنْ ضَعُفَ أحدُكُم أو عجز، فلا يُغْلَبَنَّ على السبع البواقي» أخرجه مسلم، وقد أخرجه البخاري في باب التعبير بلفظ: «أنَّ ناسًا أُرُوا ليلة القدر في التسع الأواخر، وأنَّ ناسًا أُرُوا أنها في العشر الأواخر»، وفي رواية أحمد بلفظ: «رأى رجل أنَّ ليلة القَدْر ليلة سبع وعشرين، أو كذا وكذا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: التمسوها في العشر البواقي في الوتر منها»، ورواه أحمد من حديث علي مرفوعًا: «إنْ غُلِبْتُم فلا تُغْلَبُوا في السبع البواقي».
ويُجمَع بين الروايات: بأنَّ العشر للاحتياط فيها، والتسع كذلك، والسبع لأنَّ ذلك من الْمَظِنَّة، وهو أقصى ما يُظَنُّ فيه الإدراك. البدر التمام شرح بلوغ المرام (5/ 150-151).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
ولعل أَخذ الإيتار من دليل آخر، وأراد بالسبع: السبع المحقق، وإلا فأول السبع الأواخر إنما هو الرابع والعشرون، أو الثاني والعشرون، بناء على دور أول الشهر، كما أنَّ الأول مبني على دور آخره. مرقاة المفاتيح (4/ 1436).
قوله: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قد تَوَاطَأَتْ في السَّبعِ الأواخِرِ»:
قال العراقي -رحمه الله-:
قوله: «أَرَى» -بفتح الهمزة-: الظاهر أنه بمعنى: أعلم، ويُحتمل: أنَّه من الرؤية البصرية مجازًا.
وقوله: «رؤياكم» أي: في المنام، والمشهور اختصاص الرؤيا بالمنام، فلا تُستعمل في غيره، وذكر بعضهم أنها تُستعمل مصدرًا لـ(رأى) مُطلقًا، ولو كانت في اليقظة، وهي هنا للمنام قطعًا.
وقوله: «قد تواطأت» أي: توافقت، والموطأة: الموافقة، كأنَّ كلًّا منهما وَطِئَ ما وَطِئَه الآخر، وروي: «تواطت» بترك الهمز. طرح التثريب في شرح التقريب (4/ 149).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «أرى رؤياكم» كذا جاء على الإفراد، والمراد به: (رؤاكم)؛ لأنها لم تكن رؤيا واحدة، ولكنه أراد الجنس. مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 277).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
قوله: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قد تَوَاطَأتْ» يعني: الجنس؛ لأنها كانت كثيرة من جماعة. مطالع الأنوار على صحاح الآثار (3/ 102).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
فهو مما عاقب الإفراد فيه الجمع؛ لأمن اللبس، وهو مسموع.
قال السفاقسي: كذا يرويه المحدِّثُون بتوحيد الرؤيا، وهو جائز؛ لأنها مصدر، وأفصحُ منه: (رُؤَاكُم) جمع رُؤْيا؛ ليكون جمعًا في مقابلة جمع. مصابيح الجامع (4/ 415).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
وقول بعضهم: إنَّ المحدِّثين يروونه بالتوحيد وهو جائز، وأفصح منه: (رُؤاكم) جمع رؤيا؛ لتكون جمعًا في مقابلة جمع أصحُّ.
نظَّر فيه بعضهم؛ لأنه بإضافته إلى ضمير الجمع، عُلِمَ منه التعدُّد، وانتفى اللَّبْس بالضرورة.
وإنما عبَّر بـ«أَرى» لتجانس «رؤياكم»، ومفعول «أرى» الأول: «رؤياكم»، والثاني: قولُه: «قد تواطأت» بالهمز. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (4/ 30).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أرى رؤياكم قد تواطت» أي: توافقت، وهكذا هو في النُّسَخ: بطاء ثم تاء، وهو مهموز، وكان ينبغي أنْ يُكتب بألف بين الطاء والتاء، صورة للهمزة، ولا بد من قراءته مهموزًا، قال الله تعالى: {لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} التوبة: 37. شرح النووي على مسلم (8/ 58).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
قوله: «أرى رؤياكم قد تواطأت» أي: توافقت، وأخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا أبو زكريا قال: قال أبو العلاء المعري: تواطأت في العربية أقوى من تواطت. كشف المشكل (2/ 494).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
قوله: «أرى رؤياكم قد تواطأت» يعني: في ذلك المنام -والله أعلم-، وبدليل سائر الأحاديث في ذلك. الاستذكار (3/ 416).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «قد تَواطَتْ في السَّبع الأواخر» تواطت: أصله: تواطأت، بالهمز بعد الطاء، فقُلِبت الهمزة ألفًا، وحُذفت الألفُ؛ لسكونها وسكون التاء.
ومعناه: توافقت، يعني: رأى جماعةٌ من الصحابة ليلةَ القَدْر في المنام، بعضُهم رآها في ليلة الثالث والعشرين، وبعضُهم في ليلة الخامس والعشرين، وكذلك جميعُهم رَأَوها في المنام في السَّبع الأواخر. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 52).
وقال القاضي البيضاوي -رحمه الله-:
قوله: «قد تواطأت» أي: توافقت، وأصل المواطأة: أنْ يطأ الرجل برجله موطئ صاحبه. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 511).
قوله: «فمَنْ كان مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا في السَّبعِ الأواخِرِ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «فمَنْ كان مُتَحَرِّيهَا» أي: مجتهدًا في طلبها؛ ليحوز فضلها. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 444).
وقال القاضي البيضاوي -رحمه الله-:
«فمن كان مُتَحَرِّيها» أي: طالبًا لها، من تَحَرَّى الشيء: إذا قصد حَرَاهُ -أي: جانبه-، أو طلب الأحرى، أي: فمن كان يريد طلبها في أحرى الأوقات بالطلب، فليطلب في السبع الأواخر، يعني: التي تلي آخر الشهر ومختتمه، أو السبع التي هي إثر العشرين؛ لأن السبع يطلق على السبع الأُول، والسبع التي هي نيف العشر، والتي هي نيف العشرين، وحمْلُه على الثاني أولى؛ لأنه يشتمل على الليالي الثلاثة التي ذهب أكثر أهل العلم إلى أنَّ ليلة القَدْر إحداها، وهي ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وسبع وعشرين، ولم يثبت أنه -عليه السلام- صرَّح بتعيين شيء منها، وما روي فيها فأمور استدلالية، ذكرها الصحابة باجتهادهم. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 511).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
قوله: «فمَن كان مُتَحَرِّيها» تحرَّى الشيء: إذا قصد حَرَاهُ، أي: جانبه، قال الله تعالى: {تَحَرَّوْا رَشَدًا} الجن: 14، أي: تَوَخَّوا وعمدوا، والتَّحرِّي بالياء: من طلب ما هو أحرى بالاستعمال.
والمعنى: مَن كان يتوخَّى تلك الليلة، فَلْيَتَوَخَّها في السبع الأواخر، ويكون معناه: فمَن كان يريد طلبها في أحرى الأوقات بالطلب، فليستعد له في السبع الأواخر.
والسبع الأواخر يُحتمل: أنَّه أراد بها: السبع التي تلي آخر الشهر، ويُحتمل: أنَّه أراد بها: السبع الأُول بعد العشرين؛ لأن السبع إنما يذكر في ليالي الشهر في أول العدد، ثم في سبعة عشر، ثم في سبع وعشرين.
وحمْلُه على السبع التي بعد العشرين أَمْثَلُ؛ لتناوله إحدى وعشرين وثلاث وعشرين.
وقوله: «فَلْيَتَحَرَّها في السبع الأواخر» أخصُّ من قوله: «فالتمسوها في العشر الأواخر»، ولا تنافي بين القولين. الميسر في شرح مصابيح السنة(2/ 481).
وقال الباجي -رحمه الله-:
ظاهره: أنَّ قول النبي -صلى الله عليه وسلم- إنَّما كان على غلبة الظن لرؤيا أصحابه، ولعله أنْ يكون هو -صلى الله عليه وسلم- قد رأى أيضًا ما قوَّى ذلك، أو بلغه اليقين، فأمر بِتَحَرِّيها في السبع الأواخر. المنتقى شرح الموطأ (2/ 89).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
مفهوم الحديث: أنَّ رؤياهم كانت قبل دخول السبع الأواخر؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: «فَلْيَتَحَرَّها في السبع الأواخر». كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (4/ 29).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
الاستناد إلى الرؤيا ههنا: في أمر ثبت استحبابه مطلقًا، وهو طلب ليلة القَدْر، وإنما ترجَّح السبع الأواخر لسبب الْمَرَائي الدالة على كونها في السبع الأواخر، وهو استدلال على أمر وجودي، إنه استحباب شرعي مخصوص بالتأكيد، بالنسبة إلى هذه الليالي، مع كونه غير منافٍ للقاعدة الكُلِّيَّة الثابتة من استحباب طلب ليلة القَدْر. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (2/ 38).
قوله: «فمَنْ كان مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا في السَّبعِ الأواخِرِ»:
قال البيهقي -رحمه الله-:
قال عبد الله بن دينار: أخبرني قال: سمعت ابن عمر يحدِّث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ليلة القدر: «من كان مُتَحرِّيًا فليَتَحَرَّها ليلة سبع وعشرين».
قال شعبة: وذكر لي رَجلٌ ثقة عن سفيان أنه كان يقول: إنما قال: «من كان متحريًا فليتحرها في السبع البواقي»، فلا أدري ذا أم ذا، شكَّ شعبة.
الصحيح رواية الجماعة دون رواية شُعبة. السنن الكبرى (4/ 512).
وقال العراقي -رحمه الله-:
وروى مسلم عن عقبة بن حريث عن ابن عمر مرفوعًا: «التمسوها في العشر الأواخر» يعني ليلة القدر، «فإنْ ضَعُفَ أحدكم أو عَجز فلا يُغْلبن على السَّبْع البواقي». طرح التثريب (4/149).
وقال القاضي البيضاوي -رحمه الله-:
«فمن كان مُتَحَرِّيها» أي: طالبًا لها، مِن تَحَرَّى الشيء: إذا قصد حَرَاهُ -أي: جانبه-، أو طَلَبَ الأحرى. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة(1/ 511).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
قوله: «فمَن كان مُتَحَرِّيها» تحرَّى الشيء: إذا قصد حَرَاهُ، أي: جانبه، قال الله تعالى: {تَحَرَّوْا رَشَدًا} الجن: 14، أي: تَوَخَّوا وعَمَدوا، والتَّحرِّي بالياء: مِن طَلَبِ ما هو أحرى بالاستعمال. الميسر في شرح مصابيح السنة(2/ 481).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «فمَنْ كان مُتَحَرِّيهَا» أي: مجتهدًا في طلبها؛ ليحوز فضلها. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 444).
وقال القاضي البيضاوي -رحمه الله-:
أي: فمن كان يريد طلبها في أحرى الأوقات بالطلب، فليطلب في السَّبع الأواخر، يعني: التي تلي آخر الشهر ومُخْتَتَمَه، أو السَّبع التي هي إثْر العشرين؛ لأن السبع يطلق على السبع الأُول، والسبع التي هي نَيْف العشر، والتي هي نَيْفُ العشرين، وحمْلُه على الثاني أَوْلى؛ لأنه يشتمل على الليالي الثلاث التي ذهب أكثر أهل العلم إلى أنَّ ليلة القَدْر إحداها، وهي ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وسبع وعشرين، ولم يثبت أنه -عليه السلام- صرَّح بتعيين شيء منها، وما روي فيها فأمور استدلالية، ذكرها الصحابة باجتهادهم. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 511).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
والمعنى: مَن كان يتوخَّى تلك الليلة فَلْيَتَوَخَّها في السبع الأواخر، ويكون معناه: فمَن كان يريد طَلَبَها في أَحرى الأوقات بالطلب فليستعدَّ له في السبع الأواخر.
والسبع الأواخر يُحتمل: أنَّه أراد بها السبع التي تلي آخر الشهر، ويُحتمل: أنَّه أراد بها السبع الأُول بعد العشرين؛ لأن السبع إنما يذكر في ليالي الشهر في أول العدد، ثم في سبعة عشر، ثم في سبع وعشرين.
وحمْلُه على السبع التي بعد العشرين أَمْثَلُ؛ لتناوله إحدى وعشرين وثلاث وعشرين.
وقوله: «فَلْيَتَحَرَّها في السبع الأواخر» أخصُّ من قوله: «فالتمسوها في العشر الأواخر»، ولا تنافي بين القولين. الميسر في شرح مصابيح السنة(2/ 481).
وقال الملا علي قاري -رحمه الله- متعقبًا للتوربشتي:
وفيه إشكال لا يخفى مِن تناقض كلامه الأخير مقالَه الأَوَّل، فإنه إذا كان صاحب النبوة أُنسي فالعلم بالتوقيت كيف أَلْغَى هذا إذا كان الضمير في «منهم» للصحابة، وإن كان للقوم السادة الصوفية، ففي إطلاق العلم على ما يحصل لهم من الإلهام، وغيره محل توقف، والله أعلم. مرقاة المفاتيح (4/1437).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
مفهوم الحديث: أنَّ رؤياهم كانت قبل دخول السبع الأواخر؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: «فَلْيَتَحَرَّها في السبع الأواخر». كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (4/ 29).
وقال الباجي -رحمه الله-:
ظاهره: أنَّ قول النبي -صلى الله عليه وسلم- إنَّما كان على غلبة الظن لرؤيا أصحابه، ولعله أنْ يكون هو -صلى الله عليه وسلم- قد رأى أيضًا ما قوَّى ذلك، أو بَلَغَه اليقين، فأَمَر بِتَحَرِّيها في السبع الأواخر. المنتقى شرح الموطأ (2/ 89).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وقوله: «فليتحرَّها في السبع الأواخر» لا ينافي قوله: «فالتمسوها في العشر الأواخر»؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يحدِّث بميقاتها مجزومًا، فذهب كل واحد من الصحابة بما سمعه أو رآه هو. الكاشف عن حقائق السنن (5/1621).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: ورد «التمسوها في السبع الأواخر»، و«في العشر الأواخر»، و«في تاسعة تبقى»، وأختيها، وهي الخمس الأُوَل من العشر، وفي السبع الأُوَل منها، وفي الرابع والعشرين، فما وجه الجمع بينهما؟
قلتُ: مفهوم العدد لا اعتبار له فلا منافاة...
وقال بعضهم: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يحدِّث بميقاتها جزمًا، فذهب كل واحد من الصحابة لِمَا سَمِعَه والذاهبون إلى سبعٍ وعشرين هم الأكثرون. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (9/161).
وقال الكرماني -رحمه الله- أيضًا:
وقال الشافعي: والذي عندي أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يجيب على نحو ما يُسْأل عنه، يقال له: نلتمسها في ليلة كذا، فيقول: التمسوها في ليلة كذا. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (9/161).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- متعقبًا:
وتبعه (يعني: الشافعي) ابنُ حجر، وذَكَر مثل ما ذَكَر، لكن فيه أنه ما يُحْفَظ حديث ورد بهذا اللفظ، فكيف يُحمل عليه جميع ألفاظ النبوة؟ مرقاة المفاتيح (4/1436).
وقال العيني -رحمه الله-:
فإن قيل: ما تقول في الاختلاف الذي جاء في هذا الباب؟
فإن ابن عمر -رضي الله عنهما- قد روى عنه -عليه السلام- أنه قال: «تحرَّوها في السبع الأواخر»، وجاء في حديث أبي سعيد «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، والتمسوها في كل وتر، والتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة»، وجاء في حديث أُبَيّ بن كعب: «أنها ليلة سبع وعشرين»، وفي حديث ابن عباس: «ليلة ثلاث وعشرين»، وكذا في حديث عبد الله بن أنيس، وفي حديث ابن مسعود: «مَن يَقُمِ الحول يُصِبْ ليلة القدر»، إلى غير ذلك من الأخبار التي جاءت في هذا الباب.
قلتُ: هذه الآثار كلها محمولة على الوفاق دون الخلاف، والجمع بينها: بأنها في اختلاف السنين؛ فحديث أُبَيّ في سنة، وحديث عبد الله في سنة، وحديث أبي سعيد في أخرى، وأَمَر بها النبي -عليه السلام- في العشر الأواخر في عام، وفي السبع في عام، وكلتاهما في العشر الأوسط في عام، فهذا يدل على أنها ليست في ليلة معيَّنة أبدًا، وأنها في الأعوام أو في شهر رمضان على ما ذهب إليه أبو حنيفة -رحمه الله-. نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار (11/220).
وقال العيني -رحمه الله- أيضًا:
والحقيقة في هذا الباب: أن هذا الاختلاف فيه بحسب اختلاف السنين، فكل واحد منهما يجعل في سنة، وعلى تمام الشهر ونقصانه، فعلى هذا يأتي أنها ليست في ليلة معينة أبدًا، وأنها تنتقل في الأعوام، فمن ذلك قيل: في رمضان كله، وقيل: في العشر الأواخر منه، وبحسب هذا ما اختلف العلماء في ذلك كما ذكرنا فيما مضى. نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار (11/232).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «أن أناسًا أُرُوا ليلة القدر في السبع الأواخر»، «وإن أناسًا»، في رواية الكشميهني «ناسًا».
قوله: «أُرُوْهَا في العشر الأواخر» فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «التمسوها في السبع الأواخر» كذا وقع في هذه الرواية من طريق سالم بن عبد الله بن عمر، وتقدم في أواخر الصيام من طريق مالك عن نافع مثله، لكنَّ لفظه: «أَرَى رؤياكم تواطَأَت في السبع الأواخر، فمن كان متحريهًا» الحديث، ولم يذكر الجملة الوسطى، واعترضه الإسماعيلي فقال: اللفظ الذي ساقه خلاف التواطؤ، وحديث التواطؤ: «أرى رؤياكم قد تواطأت على العشر الأواخر».
قلتُ: لم يلتزم البخاري إيراد الحديث بلفظ: «التواطؤ»، وإنما أراد بالتواطؤ التوافق، وهو أعم من أن يكون الحديث بلفظه أو بمعناه، وذلك أن أفراد السبع داخلة في أفراد العشر، فلما رأى قوم أنها في العشر، وقوم أنها في السبع، كانوا كأنهم توافقوا على السبع، فأمرهم بالتماسها في السبع لتوافق الطائفتين عليها، ولأنه أيسر عليهم، فجرى البخاري على عادته في إيثار الأخفى على الأجلى. فتح الباري (12/ 379-380).
وقال الكوراني -رحمه الله- متعقبًا لابن حجر:
قلتُ: ولقائلٍ أن يقول: كان الاحتياط أن يقول: التمسوها في العشر الأواخر؛ ليوافق الطائفتين كما جاء في بعض الروايات كذلك.
والأحسن أن يقال: إنها لما كانت في الأوتار فلا فرق بين العبارتين، فالسبع هو المراد من العشر فنبَّه عليه.
فإن قلتَ: ليس في العشر الأواخر سبعة أوتار.
قلتُ: الظاهر أنه أشار إلى أنها في أوتار السبع. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (10/474).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
والأغلب من قوله: «في السبع الأواخر» أنه في ذلك العام والله أعلم؛ لئلا يتضاد مع قوله: «في العشر الأواخر»، ويكون قوله: «وقد مضى من الشهر» ما يوجِب قول ذلك. الاستذكار (3/409).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قوله في حديث ابن عمر: «فمن كان متحرِّيها فليتحرَّها في السبع الأواخر» يريد في ذلك العام الذي تواطأت فيه الرؤيا على ذلك، وهي ليلة ثلاث وعشرين؛ لأنه قال في حديث أبي سعيد: «التمِسُوها في العشر الأواخر في الوتر، فمُطِرْنَا ليلة إحدى وعشرين»، وكانت ليلة القدر في ذلك العام في غير السبع الأواخر، ولا تتضاد الأخبار. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (13/595).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
وظاهر الحديث أن رؤياهم كانت قبل دخول السبع الأواخر؛ لقوله: «فليتحرَّها في السبع الأواخر»، ثم يحتمل أنهم رأوا ليلة القدر وعظمتها وأنوارها ونزول الملائكة فيها، وأن ذلك كان في ليلةٍ من السبع الأواخر، ويحتمل: أن قائلًا قال لهم: هي في كذا، وعيَّن ليلةً من السبع الأواخر ونُسِيَت، أو قال: إن ليلة القدر في السبع، فهي ثلاث احتمالات. إرشاد الساري (3/ 431).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
حديث الباب لا ينافي أحاديث «التمسوها في العشر الأواخر»؛ لأنه يحتمل: أن يكون -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- عَلِمَ أولًا أنها في العشر الأواخر فأخبر به، ثم عَلِمَ أنها في السبع الأواخر فأخبر به، أو أنه حضَّ القوي على قيام العشر الأواخر، وحضَّ الضعيف على قيام السبع. المنهل العذب المورود (7/333).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
السبع الأواخر لا يمنع وجودها ليلة إحدى وعشرين، فيتحرى في الجميع، وتكون السبع الأواخر أخص أكثر وجودًا، وإلا قد أَمَرَ بتحريها في العشر الأواخر. الحلل الإبريزية (2/168).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
كيف نجمع بين هذا الحديث «في السبع الأواخر» وبين الأحاديث الأخرى التي أَمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتحريها في العشر الأواخر؟
نقول: هي في العشر الأواخر، لكن في السبع أوكد، ثم في أوتاره أوكد، ثم في السابع والعشرين أوكد.
وإبهامها فيه فائدتان:
الأولى: هي بعث الهمم على طلبها والنشاط فيها؛ لأن الكسلان قد يقول: أنا لا أقوم عشر ليال من أجل ليلة واحدة، فإذا كان نشيطًا حريصًا على العبادة فإنه سوف يقوم هذه الليالي، ويقول: ما أرخصها في حصول هذا الأجر العظيم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»!.
الفائدة الثانية: كثرة العمل الصالح للعباد؛ لأن العمل الصالح في العشر كلها بلا شك أكثر من العمل الصالح في ليلة واحدة، وكثرة العمل توجب كثرة الثواب. فتح ذي الجلال والإكرام (3/308).
وقال الشيخ عبد الكريم الحضير -حفظه الله-:
«التمسوها في العشر الأواخر»، «في السبع الأواخر»، «التمسوها في الأفراد»، «ليلة إحدى وعشرين»، «ثلاث وعشرين» «التمسوها في سابعة تبقى، خامسة تبقى، ثالثة تبقى»، كل هذا من أجل أن يجتهد الناس أكبرَ قدر ممكن، ولو عُرفت ليلة القدر بعينها لَقَامَهَا الناس، وتركوا ما عداها، والمطلوب من المُسلم أن يتعبد في هذه الليالي كلها. شرح الموطأ (141/5).
وقال الشيخ عبد الكريم الحضير -حفظه الله- أيضًا:
كل هذا تعميَةً لهذه الليلة، وإبهامًا لها؛ من أجل أن يستكثر المسلم من العبادة، وأظن أنه لو عرف هذه الليلة بعينها لما حرص على قيام بقية الليالي. شرح الموطأ (4/15).
وقال الشيخ عبد الكريم الحضير -حفظه الله- أيضًا:
هذا التعارض الذي فيه هدف عظيم للشرع...، هو حث على استغلال جميع هذه الليالي، وكل ليلة من ليالي العشر بِدءًا من ليلة إحدى وعشرين إلى آخر ليلة من رمضان لها ما يدل عليها من أجل الاغتنام، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا دخل في العشر شدّ المئزر، وأيقظ أهله، وأحيا ليله. شرح عمدة الأحكام (25/2).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
في هذا الحديث: دلالة على عِظَم قَدْر الرؤيا، وجواز الاستناد إليها في الاستدلال على الأمور الوجودية، بشرط أنْ لا تُخالف القواعد الشرعية. فتح الباري (4/ 257).
وقال ابن حجر -رحمه الله- أيضًا:
يُستفاد من الحديث: أنَّ توافُق جماعة على رؤيا واحدة دالٌّ على صدقها وصحتها، كما تُستفاد قوة الخبر من التوارد على الإخبار من جماعة. فتح الباري (12/ 380).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال المهلب: فيه الحُكْم على صحة الرؤيا بتواطئها وتكريرها، وهذا أصل في ذلك، يجب لنا أنْ نحكم به إذا ترادفت الرؤيا وتواطأت بالصحة؛ كما حَكَم النبيُّ -عليه السلام-. شرح صحيح البخاري (9/ 521).
وقال العيني -رحمه الله-:
ثم إنَّ هذا الحديث دلَّ على أنَّ ليلة القدر في السبع الأواخر، لكن من غير تعيين. عمدة القاري (11/ 131).
وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)