الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«إذا اسْتَقْبَلْتَ القبلة فكبِّرْ، ثم اقْرَأْ بأُمِّ القرآنِ، ثم اقْرَأْ بما شِئْتَ، فإذا ركعْتَ فاجعل رَاحَتَيْكَ على ركبتَيْكَ، وامْدُدْ ظهرك ومكِّنْ لِرُكُوعِكَ، فإذا رفعتَ رأسَكَ فأَقِمْ صُلْبَكَ حتى ترجعَ العظَامُ إلى مفاصلِهَا، وإذا سجدتَ فمكِّنْ لسُجُودِكَ، فإذا رفعتَ رأسك، فاجلس على فخِذِكَ اليُسْرَى، ثم اصْنَعْ ذلك في كُلِّ ركعةٍ وسجدةٍ».


رواه أحمد برقم: (18995) واللفظ له، وأبو داود برقم: (859)، من حديث رِفَاعَة بن رافع الزُّرَقِّي -رضي الله عنه-.
مشكاة المصابيح برقم: (804)، صحيح سنن أبي داود برقم: (805).  


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أُمُّ القرآن»:
سورة الفاتحة، سميت أُمُّ القرآن؛ لأنها أول القرآن في التلاوة، ألا ترى أنها مكتوبة في المصاحف قبل سورة البقرة؟. المفاتيح في شرح المصابيح (2/115).

«رَاحَتَيْكَ»:
«راحتيك» تثنية راحة. نيل الأوطار (2/282).
والرَّاحَةُ: بَطْنُ الكَفِّ، والْجَمْعُ رَاحٌ وَرَاحَاتٌ. المصباح المنير (1/ 243).

«ومَكِّن»:
التمكين: الاستقرار والثبات على الشيء. الشافي في مسند الشافعي (1/607).

«صُلْبَك»:
الصُّلب والظَّهْر سواء، وهو في اللغة: كل موضع من الظَّهْر فيه فِقَارٌ فهو صُلْب. الشافي في مسند الشافعي (1/607).

«مفاصِلَها»:
المفاصِل: المقاطع التي بين كل عضوين من أعضاء الحيوان، الواحد: مَفْصِل -بفتح الميم وكسر الصاد-، وهو من الفصل بين الشيئين. الشافي في مسند الشافعي (1/607).


شرح الحديث


قوله: «إذا استقْبَلْتَ القبلة فكبِّر»:
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«ثم استقبل القبلة فكبر» أي: قل: الله أكبر، وهذه تكبيرة الإحرام، وسميت بذلك؛ لأن الإنسان إذا كبَّر دخل في حَرِيْمِ الصلاة، كما أنه إذا لبَّى دخل في حَرِيْمِ النسك. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/ 6-7).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
«إ¬¬ذا قمتَ فتَوَجَّهْتَ إلى القبلة» يعني: أن الإنسان يستقبل القِبلة أولًا؛ لأن استقبالها شرط من شروط الصلاة. شرح سنن أبي داود (111/8).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«فكبِّر» للتحريمة. مرعاة المفاتيح (3/75).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «فكبِّر» يعني: يُكَبِّر حتى يدخل في الصلاة. شرح سنن أبي داود (111/8).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فَكَبِّر» فإنه فرض بلا خلاف، على خلاف في كونه شرطًا أو ركنًا. مرقاة المفاتيح (2/664).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «فكبِّر» يدل على أن الشروع في الصلاة لا يكون إلا بالتكبير. عمدة القاري (6/18).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «فكبِّر» دليل على أن غير التكبير لا يصح به افتتاح الصلاة؛ لأنه إذا افتتحها بغيره كان الأمر بالتكبير قائمًا لم يُمْتَثَل. معالم السنن (1/211).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
وقد أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم أن الرَّجُل يكون داخلًا في الصلاة بالتكبير مُتَّبعًا للسُّنة إذا كبر لافتتاح الصلاة، وقد اختلفوا فيمن سبح مكان التكبير لافتتاح الصلاة، وغير جائز أن تنعقد صلاةٌ عَقَدَها مصلِّيها بخلاف السُّنة، والله أعلم.
واختلفوا في الرجل يفتتح الصلاة بالفارسية، فكان الشافعي وأصحابه يقولون: لا يجزئ أن يكبِّر بالفارسية إذا أحسن العربية، وهكذا قال يعقوب (يعني به: أبا يوسف القاضي) ومحمد (يعني به: ابن الحسن الشيباني): إن ذلك لا يجزئه إلا أن يكون ممن لا يحسن العربية. وقال النعمان (يعني: أبا حنيفة): إنْ افتتح الصلاة بالفارسية وقرأ بها وهو يحسن العربية أجزأه. الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (3/76).

قوله: «ثم اقرأ بأُمِّ القرآن»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«ثم اقرأ بأمِّ القرآن» أي: الفاتحة، وقراءة الفاتحة فرض عند الجمهور، وهو الحق خلافًا للحنفية. مرعاة المفاتيح (3/75).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «ثم اقرأ بأم القرآن» أي: فاتحة الكتاب، ولا تَعَلُّق لهم (يعني: الجمهور) بذلك في فرضية الفاتحة؛ لأنه -عليه السلام- أمر بقراءة الفاتحة وقراءة ما شاء الله من القرآن، ولا خلاف أن القراءة بهذه الحيثية ليست بفرض، فتعين أن القراءة بكل واحد منهما ليس بفرض، وتعين أن مطلق القراءة فرض، وتعين أن قراءة الفاتحة واجبة، وكذا ضم شيء إليها من القرآن؛ للأمر الدال على الوجوب. شرح سنن أبي داود (4/59-60).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد قال بوجوب قراءة الفاتحة في الصلاة الحنفية، لكن بنوا على قاعدتهم: أنها مع الوجوب ليست شرطًا في صحة الصلاة؛ لأن وجوبها إنما ثبت بالسُّنة، والذي لا تتم الصلاة إلا به فرض، والفرض عندهم لا يثبت بما يزيد على القرآن، وقد قال تعالى: {فَاقْرَؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} المزمل: 20، فالفرض قراءة ما تيسر، وتعيين الفاتحة إنما ثبت بالحديث، فيكون واجبًا يأثم من يتركه، وتجزئ الصلاة بدونه. فتح الباري (2/ 242).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «ثم اقرأ بأم القرآن» دليل لمن قال بفرضية قراءة الفاتحة في الصلاة، وَرَدٌّ على من قال بعدم الفرضية محتجًّا بالروايات السابقة؛ لأنها مُجْملة وهذه الرواية مفصلة. المنهل العذب المورود (5/306).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «ثم اقرأ بأم القرآن» هذا يدل على أنَّ الرواية المشهورة وهي «ثم اقرأ ما تيسر من القرآن» من غير ذكر أم القرآن فيها اختصار من الرواة، وأنه لا بد من قراءة أم القرآن. حاشية السندي على مسند أحمد (4/412).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «ثم اقرأ بأم القرآن» قد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة، ومنها «لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب». شرح سنن أبي داود (111/8).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
اختلف العلماء في وجوب القراءة في الصلاة، فقال مالك، والشافعي وأحمد وإسحاق، وجمهور الفقهاء: قراءة فاتحة الكتاب للإمام والمنفرد واجبة لا تجزئ الصلاة إلا بها.
وقال أبو حنيفة: الواجب في القراءة في الصلاة ما تناوله اسم القرآن، وذلك ثلاث آيات قِصَار أو آية طويلة كآية الدَّين، من أيِّ سورة شاء، واحتج بقوله -عليه السلام- للذي رده ثلاثًا: «اقرأ ما تيسر معك من القرآن»، قال: ولم يخص سورة من غيرها، فإذا قرأ ما تيسَّر عليه فقد فعل الواجب، وقال أصحابه: قوله: «لا صلاة لم يقرأ بفاتحة الكتاب» معناه: لا صلاة كاملة، كقوله: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد»؛ لإجماعهم أن صلاته جائزة في داره أو حيث صلاها، فنفى عنه الكمال، فكذلك ها هنا. شرح صحيح البخاري (2/ 369).

قوله: «ثم اقرأ بما شئت»:
قال المظهري -رحمه الله-:
«وما شاء الله أن تقرأ» يعني: وما رزقك الله أن تقرأ من القرآن بعد الفاتحة. المفاتيح في شرح المصابيح (2/115).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
وفيه: أنه يجب قراءة ما زاد على الفاتحة كما هو مذهب الحنفية خلافًا للشافعي، فإنَّ ضمَّ السورة وما قام مقامها سنة عنده.
قال ابن حجر: ويجاب بحمل ذلك على التأكيد لا الوجوب؛ للخبر الصحيح وهو قوله -عليه السلام-: «أمُّ القرآن عوض عن غيرها، وليس غيرها عوضًا عنها». مرعاة المفاتيح (3/75).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قراءة آية فرضٌ بالإجماع، وأما سورة الفاتحة فالجمهور على أنها فرض، وعندنا (يعني: مذهب أبي حنيفة) واجب؛ لأنه ثبت بدليل ظنِّي، وأما ضمُّ السورة وما قام مقامها فعندنا واجب، وعند الشافعي ومن وافقه سُنة، والحديث حجَّة عليهم؛ لأن الأصل في الأمر الوجوب، والتعليق بالمشيئة إنما هو بالنسبة لقَدْرِ المقروء لا لأصله. مرقاة المفاتيح (2/664).

قوله: «فإذا ركعْتَ فاجعل راحتيك على ركبتيك»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«فاجعل راحتيك» تثنية راحة، وهي الكف. مرعاة المفاتيح (3/75).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
«فاجعل راحتيك» أي: باطن كفيك. الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل (3/ 156).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك» يعني: أنه يعتمد براحتَي اليدين ثم تكون الأصابع نازلة عن الركبتين. شرح سنن أبي داود (111/8).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«على ركبتيك» فيه رد على أهل التطبيق(الجمع بين أصابع اليدين، ‌وجعلهما ‌بين ‌الركبتين في الركوع والتشهد). مرعاة المفاتيح (3/75).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فاجعل راحتيك»... هذا الجَعل سُنة اتفاقًا. مرقاة المفاتيح (2/665).
وقال الترمذي -رحمه الله-:
والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومَن بعدهم، لا اختلاف بينهم في ذلك، إلا ما روي عن ابن مسعود وبعض أصحابه، أنهم كانوا يطبِّقون، والتطبيق منسوخ عند أهل العلم. سنن الترمذي (2/ 44).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
ثبت أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وضع يديه على ركبتيه في الركوع، وفعَل ذلك عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وجماعة من التابعين، وبه قال سفيان الثوري، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وكان عبد الله بن مسعود والأسود بن يزيد وأبو عبيدة وعبد الرحمن بن الأسود: يطبِّقون أيديهم بين ركبهم إذا ركعوا.
قال أبو بكر (ابن المنذر): وقد ثبت نسخ هذا، قال مصعب بن سعد: ركعتُ فجعلتُ يدي بين ركبتي، فنهاني أبي وقال: إنا قد كنا نفعل هذا فنُهينا عنه. الإشراف على مذاهب العلماء (2/ 28-29).

قوله: «وامدد ظهرك ومكِّن لركوعك»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«وامدد» بضم الدال من باب نَصَرَ، أي: ابسط. مرعاة المفاتيح (3/76).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
«وامدد ظهرك» أي: ابسطه معتدلًا. الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل (3/ 156).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «وامدد ظهرك» بمعنى: أنه يكون مستقيمًا، بحيث لا يُصوِّب رأسه ولا يشْخِصُه، بحيث يكون رأسه مساويًا لظَهْرِه. شرح سنن أبي داود (111/8).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وامدد»... «ظهرك» وهذه الكيفية مستحبة. مرقاة المفاتيح (2/665).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«ومكِّن» من التمكين «ركوعك»... وفي رواية لأحمد: «مكِّن لركوعك»، ونقل الحافظ هذه الرواية من أحمد بلفظ: «تَمَكَّنْ لركوعك»، يقال: مَكَّنْتُه من الشيء وأَمْكَنْتُه منه أي: جعلتُ له عليه سلطانًا وقُدْرَةً، وتمكَّن من الأمر، واستمكن منه أي: قَدَرَ وقَوِيَ عليه، أو ظفر به. مرعاة المفاتيح (3/76).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«ومكِّن ركوعك» أي: اركع ركوعًا تامًّا مع الطمأنينة. المفاتيح في شرح المصابيح (2/116).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
«ومكِّن لركوعك» أي: اطمئنَّ في ركوعك اطمئنانًا كاملًا. الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل (3/ 156).
وقال السندي -رحمه الله-:
«ومكِّن» من التمكين، أي: اجعل نفسك في مكانها ساعة لركوعك، وهذا هو الاطمئنان حاشية السندي على مسند أحمد (4/412).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «مكِّن ركوعك» أي: من أعضائك، أي: تَمِّمْ ركوعك بجميع أعضائك منحنيًا ثانيًا. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 985).
وقال الرافعي -رحمه الله-:
وقوله: «ومكِّن للركوع» كأنه يريد مكِّن نفسك، وهو إشارة إلى الطمأنينة، وأما الاعتدال فقد احتج الشافعي بالحديث حيث قال: «فإذا رَفَعْتَ فأقم صُلبك وارفع رأسك» على وجوب الاعتدال من الركوع، خلافًا لقول من قال: لا يجب الاعتدال، ويجوز أن ينحطَّ المصلي من الركوع إلى السجود. شرح مسند الشافعي (1/345).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وأكثر أهل العلم على أن إتمام الركوع بالطمأنينة فرض، لا تصح الصلاة بدون ذلك. فتح الباري (7/172).
وقال الترمذي -رحمه الله-:
والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومَن بعدهم: يرون أن يُقيم الرَّجُل صُلبه في الركوع والسجود.
قال الشافعي وأحمد وإسحاق: من لا يُقيم صُلبه في الركوع والسجود فصلاته فاسدة؛ لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تُجْزِئ صلاةٌ لا يقيم الرجل فيها صُلبه في الركوع والسجود». سنن الترمذي (2/51).

قوله: «فإذا رفَعْتَ رأسك فأقم صُلْبَك حتى ترجع العظام إلى مَفَاصِلها»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«فإذا رَفَعْتَ» أي: رأسَك من الركوع «فأقِمْ صُلبك» أي: سَوِّ ظَهْرك. مرعاة المفاتيح (3/76).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
من فوائد هذا الحديث: وجوب الرفع من الركوع؛ لقوله: «ثم ارفع». وهل يشترط قصد الرفع من الركوع أو لا؟
الجواب: نعم يشترط، وعلى هذا فلو أن إنسانًا كان راكعًا، ثم سمع سقوط شيء، ثم قام هل يُعتد بهذا القيام أم لا؟
فالجواب: أنه لا يكفي؛ لماذا؟ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نص عليه بقوله: «ثم ارفع»، فلا بد من إرادة الرفع ونية الرفع.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا بد من القيام بعد الركوع؛ لقوله: «حتى تعتدل قائمًا»، والرواية الأخرى: «حتى تطمئن»، فلو رفع قليلًا من الركوع وهو مُنْحَنٍ لم يجزِئْ، اللهم إلا أن يصيبه شيء ما يستطيع أن يستقيم، فهنا نقول: اتق الله ما استطعت؛ لأنه أحيانًا يصاب الإنسان بما يسمى بشد العَصَبَ، لا يستطيع أن ينهض، فنقول: اتق الله ما استطعت. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/24).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«حتى ترجع العظام» برفعها، وتُنصب بناء على أنه لازم ومتعدٍ، أي: تعود أو تَرُدَّ أنت. مرعاة المفاتيح (3/76).
وقال إمام الحرمين -رحمه الله-:
ولم يتعرض للطمأنينة في الاعتدالَين الصيدلاني، ولكن سماعي من شيخي، وما ذكره بعض المصنفين اشتراطُ الطمأنينة في الاعتدالين، وهو محتمل من طريق المعنى، وسيأتي من بعد ذلك كلام يدل على تردد الأصحاب في أن الاعتدال ركن مقصود في نفسه، أم الغرض هو الفصل بين الركوع والسجود وبين السجدتين؟ فإن جعلناه مقصودًا، فيظهر فيه اشتراط الطمأنينة، وإن لم نجعله مقصودًا، فلا يبعد ألا تشترط الطمأنينة فيه، والعلم عند الله، وما ذكرته احتمال، والنقل الذي أثق به اشتراط الطمأنينة. نهاية المطلب في دراية المذهب (2/ 162).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
فهو (أي: ذكر القيام من الركوع) ذكر مقصود، في ركن مقصود، ليس بدون الركوع والسجود. الصلاة وأحكام تاركها (ص: 147).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها» وعُرف بهذا أن قول إمام الحرمين في القلب من إيجابها –أي: الطمأنينة- في الرفع من الركوع شيء؛ لأنها لم تُذكر في حديث المسيء صلاته دال على أنه لم يقف على هذه الطرق الصحيحة. فتح الباري (2/ 279).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فأقم صُلبك حتى ترجع العظام» أي: التي انخفضت حال الركوع ترجع إلى ما كانت عليه حال القيام للقراءة؛ وذلك بكمال الاعتدال. سبل السلام (1/ 240).
قوله: «وإذا سجدت فَمَكِّن لسجودك»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«فمَكِّن» أي يديك. مرعاة المفاتيح (3/76).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «فمَكِّن للسجود» أي: مَكِّن بدنك للسجود، واللام في «للسجود» مثلها في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء} يوسف:56. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 985).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فمَكِّن للسجود» أي: اسجد سجودًا تامًّا مع الطمأنينة. شرح مصابيح السنة (1/480).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «وإذا سجدت فمَكِّن لسجودك» يعني: بأن تستقر على الأرض بالأعضاء التي يكون السجود عليها، وهي سبعة: الجبهة ومعها الأنف، واليدان، والركبتان، والقدمان. شرح سنن أبي داود (111/8).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
ووضع اليدين في السجود سُنة عندنا (يعني عند أصحاب أبي حنيفة)، وفرض عند الشافعي.
وقال ابن حجر: معناه فمَكِّن جبهتك من مسجدك، فيجب تمكينها بأن يتحامل عليها بحيث لو كان تحتها قطن انكبس. مرقاة المفاتيح (2/665).

قوله: «فإذا رَفَعْتَ رأسك»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«فإذا رَفَعْتَ» أي: رأسك من السجود. مرعاة المفاتيح (3/76).

قوله: «فاجلس على فخذك اليسرى»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«فاجلس على فخذك اليسرى» يريد به: الجلوس في آخر الصلاة؛ فإنه موضع الاستقرار، يعني: حتى تفرغ. شرح مصابيح السنة (1/480).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«فاجلس على فخذك اليسرى» أي: ناصبًا قدمك اليمنى، وهو الافتراش المسنون في غير الجلسة الأخيرة. مرعاة المفاتيح (3/76).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «فاقعد على فخذك اليسرى» حُجة لمن قال بالافتراش في الجلسة بين السجدتين. المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (5/306).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فاجلس على فخذك اليسرى» أي: ناصبًا قدمك اليمنى، وهو الافتراش المسنون عندنا في مطلق القعدات.
وقال ابن حجر: أي: تنصب رجلك اليمنى كما بيَّنه بقية الأحاديث السابقة، ومن ثم كان الافتراش بين السجدتين أفضل من الإقعاء المسنون بينهما؛ لأن ذلك هو الأكثر من أحواله -عليه السلام- اهـ.
وفيه: أن الأَوْلَى أن يُحمل الأكثر على أنه المسنون، وغيره إما لعذر أو لبيان الجواز. مرقاة المفاتيح (2/665).

قوله: «ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«ثم اصنع ذلك» أي: جميع ما ذُكر «في كل ركعة وسجدة» أي: ركوع وسجود. مرعاة المفاتيح (3/76).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
قوله: «ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» أي: افعل كل ما سبق عدا تكبيرة الإحرام «في صلاتك كلها»، يحتمل أن المراد ما بقي من ركعات صلاته، أو أن المراد صلواته المستقبلة. منحة العلام شرح بلوغ المرام (5).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
اشتملت أحاديث الباب على كيفية الصلاة وصفتها، ومعظم أحكامها؛ من فرائض وسنن وأقوال وأفعال...، وقد اشتمل حديث المسيء في صلاته على مُعظم أركان الصلاة وصفتها، ومعظم أحكامها من فرائض وسنن وأقوال وأفعال. الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل (3/ 157).
قال الشيخ عبد الرحمن السحيم -رحمه الله-:
ودلَّ هذا الحديث على أن الذي لا يطمئن بعد الركوع، ولا بين السجدتين لا تصح صلاته . إتحاف الكرام بشرح عمدة الأحكام (11/312).
وقال الرافعي -رحمه الله-:
الأفعال المأمور بها في الخبر منه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب. وفيه دليل على أن أحدهما يُعطف على الآخر. شرح مسند الشافعي (1/309).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وفيه: دليل على أن صلاة من لم يُقم صلبه في الركوع والسجود غير مجزئة. معالم السنن (1/211).
وقال النووي-رحمه الله-:
وتجب الطُّمأنينة ‌في ‌الركوع ‌والسجود ‌والاعتدال مِن الركوع والجلوس بين السَّجدتين وبهذا كُله قال مالك وأحمد وداود، وقال أبو حنيفة يكفيه في ركوعه أَدنى انحناءٍ ولا تجب الطمأنينة في شيءٍ من هذه الأركان.المجموع، شرح المهذب(3/٤١٠).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
في مذاهب العلماء في الجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه: ‌مذهبنا ‌أَنهما ‌واجبان ‌لا ‌تصح الصلاة إلا بهما، وبه قال جمهور العلماء. وقال أبو حنيفة لا تجب الطُّمأنينة ولا الجلوس، بل يكفي أنْ يرفع رأسه عن الأرض أَدنى رفع ولو كَحدِّ السيف. وعنه (أبو حنيفة) وعن مالك: أَنهما قالا يجب أنْ يرتفع بحيث يكون إلى القعود أَقرب منه، وليس لهما دليل يَصح التّمسك به ودليلنا قوله -صلى الله عليه وسلم- «ثم ارفع حتّى تطمئن جالسًا» رواه البخاري من رواية أبي هريرة، ورواه أبو داود والترمذي من حديث رِفاعة بن رافع .. .المجموع شرح المهذب(3/٤4٠).


ابلاغ عن خطا