الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«خيرُ يومٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمسُ يومُ الجُمُعةِ، فيه خُلِقَ آدمُ، وفيه أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وفيه أُخْرِجَ منها، ولا تقومُ السَّاعةُ إلَّا في يومِ الجُمُعةِ»


رواه مسلم برقم: (854)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. 


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «خيرُ يومٍ طلعت عليه الشمسُ يومُ الجُمُعةِ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«خير يوم طلعت» أي: أشرقت، «عليه» أي: على أهله، «الشمس» يعني: من أيام الأسبوع، وأما أيام السَّنة فخيرها يوم عرفة. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (10/ 297).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «عليه» الضمير عائد إلى «يوم»، أي: طلعت على ما سكن فيه، قال تعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} الأنعام: 13. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1263).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«خيرُ يومٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمسُ» أي: خير يوم ظهر بظهور الشمس؛ إذ اليوم لغةً من طلوعها إلى غروبها...، وهذا أولى من قول الشارح (يريد الطيبي): أعاد الضمير «عليه» باعتبار ما سكن فيه، قال تعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} الأنعام: 13، انتهى، ووجه الأولوية: أنَّ هذا التقدير لا يجعل لقوله: «طلعت عليه الشمس» كثير فائدة، أو تَوَهِّم غير المقصود؛ لأن المقصود: فضل يوم الجمعة نفسه، لا باعتبار ما سكن فيه، المتوهَّم من هذا التقدير...
قوله: «يوم الجمعة» أَخَذ منه بعض أصحابنا (الشافعية): أنه أفضل من يوم عرفة؛ لما له من الفضائل الجمَّة العامَّة، ما لم يرد ليوم عرفة، وحينئذٍ فيُجمع هذا الحديث والأحاديث الناصَّة على أفضلية عرفة بأنه أفضل أيام السَّنة، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وهذا ليس محل الخلاف، وإنما محله الخيرية المطلقة. فتح الإله في شرح المشكاة (5/208).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«خير يوم» حُذِفت الألف من «خير» للتخفيف؛ لكثرة استعماله، «طلعت عليه الشمس» جملة في محل الصفة لـ«يوم»، وهي مَسُوْقَةٌ لبيان الواقع؛ إذ كل يوم كذلك، «يوم الجمعة» فلذا كان سيد أيام الأسبوع، ولا ينافيه خبر: «سيد الأيام يوم عرفة»؛ لأنه محمول على أيام السَّنة. دليل الفالحين (6/ 617).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«خير يوم طلعت عليه الشمس» هذا الوصف للتعميم، نظير {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ} الأنعام: 38، أي: كل دابة؛ إذ كل يوم كذلك. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 28).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«خير يوم طلعت عليه الشمس» والمراد بذلك: خير يومٍ من أَيام الأسبوع، وإِنما قُلنا هذا لئلا يتعارض مع قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: خير يوم ‌طلعت ‌عليه ‌الشمس يوم عرفة: فإن يوم عرفة أفضل باعتبار العام، وهذا أفضل باعتبار الأسبوع.شرح رياض الصالحين(5/١٦٤)
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «خير يوم طلعت فيه الشمس» خيرٌ وشرٌّ يُستعملان للمفاضلة ولغيرها، فإذا كانتا للمفاضلة فأصلهما: أخْيَر وأَشَر؛ على وزن (أفعل)، وقد نطق بأصلها، فجاء عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «توافون يوم القيامة سبعين أمة، أنتم أخيرهم»، ثم (أفعل) إنْ قُرِنت بـ(من) كانت نكرة، ويستوي فيها المذكر والمؤنث، والواحد والاثنان والجَمْع، وإن لم تُقرن بها لزم تعريفها بالإضافة، أو بالألف واللام، فإذا عُرِّف بالألف واللام أُنِّث وثُنّي وجُمِع، وإنْ أُضيف ساغ فيه الأمران، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} الأنعام: 123، وقال: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} البقرة: 96، وأما إذا لم يكونا للمفاضلة فهما من جملة الأسماء، كما قال تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} البقرة: 180، وقال: {وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} النساء: 19، وهي في هذا الحديث للمفاضلة غير أنها مضافة لنكرة موصوفة، ومعناها في هذا الحديث: أنَّ يوم الجمعة أفضل من كُل يوم طلعت شمسه.
ثم كون الجمعة أفضل الأيام لا يرجع ذلك إلى عين اليوم؛ لأن الأيام متساوية في أنفسها، وإنما يَفضُل بعضها بعضًا بما به من أمر زائد على نفسه، ويوم الجمعة قد خُصَّ من جنس العبادات بهذه الصلاة المعهودة التي يجتمع لها الناس، وتتفق هِمَمُهم ودواعيهم ودعواتهم فيها، ويكون حالهم فيها كحالهم في يوم عرفة، فيُستجاب لبعضهم في بعض، ويغفر لبعضهم ببعض؛ ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: «الجمعة حج المساكين» أي: يحصل لهم فيها ما يحصل لأهل عرفة، -والله أعلم-.
ثم إنَّ الملائكة يشهدونهم ويكتبون ثوابهم؛ ولذلك سُمّي هذا اليوم: المشهود، ثم تخطر فيه لقلوب العارفين من الألطاف والزيادات بحسب ما يدركونه من ذلك؛ ولذلك سُمِّي: بيوم المزيد، ثم إنَّ الله تعالى قد خصَّه بالساعة التي فيه (أي: الساعة التي يستجاب فيها الدعاء)، ثم إنَّ الله تعالى قد خصَّه بأنْ أوقع فيه هذه الأمور العظيمة. المفهم (2/ 489-490).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وظاهر قوله: «طلعت فيه الشمس» أنَّ يوم الجمعة لا يكون أفضل من أيام الجنة، ويمكن أن لا يُعْتَبَر هذا القيد، ويكون يوم الجمعة أفضل أيام الجنة، كما أنه أفضل أيام الدنيا؛ لما ورد من أن أهل الجنة يزورون ربهم فيه، ويُجاب: بأنا لا نعلم أنه يُسمَّى في الجنة يوم الجمعة، والذي ورد أنهم يزورون ربهم بعد مُضِيِّ جمعة، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند الترمذي وابن ماجه قال: «أخبرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّ أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم، فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا، فيزورون...» الحديث. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (16/ 89).

قوله: «يوم الجُمُعة»:
قال العراقي -رحمه الله-:
بضم الميم (أي: ميم الجمعة)، وإسكانها، وفتحها، ثلاث لغات، الأُولى أشهرهنَّ، وبها قرأ السبعة، والإسكان قراءة الأعمش...، والمشهور: أنَّ سبب تسميتها جمعة: اجتماع الناس فيها، وقيل: لأنه جُمِع فيه خَلْقُ آدم... وقيل: لأن المخلوقات اجتمع خلقها، وفُرِغ منها يوم الجمعة...، وقيل: لاجتماع آدم -عليه السلام- فيه مع حواء في الأرض...، واعلم أنَّ يوم الجمعة هو الاسم الذي سمَّاه الله تعالى به، وله أسماء أُخَر. طرح التثريب(3/ 158-159).
وقال محمد الحسيني -رحمه الله-:
والجُمُعة عند الحنفية: فُرِضت بمكة، ولم يتمكنوا من أدائها هناك؛ لعدم القدرة والسلطة، ثم هاجر -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، فوصل إلى قُباء، وأقام في بني عمرو بن عوف أربعة عشر يومًا، ولم يجمع فيها؛ وذلك لفقد شرط من شرائط وجوب الجمعة، وهو المصْر، ثم لما وصل المدينة جمع هناك. معارف السنن (4/304).

قوله: «فيه خُلِقَ آدمُ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فيه خُلِقَ آدم» -عليه السلام-، أي: نُفخ فيه الروح. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (10/ 297).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«فيه خُلِقَ آدم» زاد بعض الحُفَّاظ: «وحواء». فتح الإله في شرح المشكاة (5/209).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فيه خُلِقَ آدم» الذي هو أشرف جنس العالَم. مرقاة المفاتيح (3/ 1011).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فيه خُلِقَ آدم» -عليه السلام-، وهو أصل النوع الذي هو أفضل أنواع المخلوقات، وخلقه فيه يحتمل أنْ يكون سبب فضله أو بسببه. دليل الفالحين (6/ 617).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «فيه خُلِقَ آدم» وخلق اللهُ الخلق يوم السبت أو الأحد على اختلاف الروايات، إلا أنَّ رواية أبي هريرة: «إنَّ الله خلق البرية يوم السبت، وخلق آدم يوم الجمعة» ففيه ختام الخِلْقة، وهو أشرف المخلوقات. عارضة الأحوذي (2/232).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «فيه خُلِقَ آدم» أي: نُفخ فيه الروح، أو خُمِّرت طينته. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 29).
وقال العيني -رحمه الله-:
يجوز أنْ يكون ابتداءُ خَلْق آدم من الطين يوم الجمعة، ثم قعد ما شاء الله، ثم نفخ فيه الروح يوْم الجمعة أيضًا. شرح أبي داود (4/ 362).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فيه خُلِق آدم» -عليه السلام- أي: في آخر ساعة منه (أي: يوم الجمعة)؛ كما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي فقال: خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل». ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (16/ 89-90).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
فيه: دليل على أنَّه -عليه السلام- لم يُخلَق في الجنة، بل خُلِق خارجها، ثم أُدخلها. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (6/ 182).

قوله: «وفيه أُدْخِلَ الجنة»:
قال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«وفيه أُدْخِلَ الجَنَّةَ» يُحتمل أنَّ خَلْقَه وإدخالَه كانا في يوم واحد، ويُحتمل أنه خُلِق يوم الجمعة، ثم أُمهل إلى يوم جمعة آخر، فأُدخل فيه الجنة. فتح الإله في شرح المشكاة (5/208).
وقال محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
هذا كله مما لا دليل عليه، -والله تعالى أعلم-. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (16/ 90).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «وفيه أُدخل الجنة» التي نرجو دخولها، وفيه فضل عظيم. عارضة الأحوذي (2/232).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وفيه أُدخِل الجنة» بعد خلقه، على أنه خُلِق في الأرض، أو الجنة التي أُهْبِط منها، وفيه: أنه خُلق في غير الجنة التي أُهبِط منها. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 28).

قوله: «وفيه أُخْرِجَ منها»:
قال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «وفيه أُخرِج منها»، وفي رواية: «وفيه تِيْبَ عليه»؛ فأما توبة الله عليه فيه فهو فضل عظيم، وأما إخراجه منها فلا فضل فيه ابتداءً، إلا أنْ يكون لما كان بعده من الخيرات والأنبياء والطاعات، وأن خروجه منها لم يكن طردًا، كما كان خروج إبليس، وإنما كان خروجه منها مسافرًا لقضاء أوطار، ويعود إلى تلك الدار. عارضة الأحوذي (2/232).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
فالحاصل: أنَّ إخراجه ما كان للإهانة، بل لمنصب الخلافة، فهو للإكمال لا للإذلال، ويمكن أنْ يُقال: إنَّه لما وقع منه الجريمة في هذا اليوم الموصوف بالعظمة، استحق الإخراج من علو المرتبة، ففيه تنبيه وإيماء نبيه إلى تعظيم هذا اليوم بالمحافظة عن السيئة، والمداومة على تحصيل الحسنة. مرقاة المفاتيح (3/ 1011).
وقال المظهري -رحمه الله-:
فإن قيل: دخولُ آدمَ الجنةَ حسنٌ، وخيرٌ له، وأما خروجُه منها غيرُ حَسَنٍ، وليس فيه خيرٌ له، بل هو شرٌّ له، فكيف يكونُ يومُ الجمعةِ مبارَكًا إذا حصلَ لآدمَ فيه شرٌّ؟
قلنا: في الحقيقة خروجُ آدمَ من الجنة عَيْنُ المصلحةِ والخَير؛ لأنه بواسطة إقامته في الأرض حصلَ منه أولادٌ كثيرة، ونَسْلٌ عظيم، وبعثَ الله الأنبياءَ من نَسْلِه على ذُرِّيَّته، وأنزلَ فيهم الكتبَ الشريفةَ العظيمةَ، وجَعلَ منهم الأخيارَ والأبرارَ، وظهرَ منهم عباداتٌ مرْضيةٌ لله تعالى، وكلُّ ذلك خير. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 314).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
«وفيه أُخرج منها» الظاهر: أنَّ هذه القضايا المعدودة فيه (يوم الجمعة) ليست لذكر فضيلته؛ لأن ما وقع فيه من إخراج آدم، وقيام الساعة لا يُعَدُّ من الفضائل. إكمال المعلم (3/ 247).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«وفيه» يُحتمل ذينك أيضًا (الاحتمالين اللذيْن ذكرهما في الجملة السابقة) «أُخْرِجَ منها» قد يُستشكل عدُّ هذا من فضائله، إلا أنْ يُجاب: بأنَّ إخراجه منها كان فيه خير باعتبار ما يترتب عليه من عمارة هذا العالَم، وما اشتمل عليه من الأنبياء والشرائع والعبادة، لا سيما وجود نبينا -صلى الله عليه وسلم- وشريعته وأمته غاية النعمة العظمى، والمنة الكبرى على آدم وعلى جميع بنيه؛ إذ لو استمر في الجنة لم يوجدوا، فضلًا أن يتحلَّوا بما تحلَّوا به من الكمالات والمعارف.
ثم رأيتُ شارحًا أجاب بنحو ما ذكرته، حيث قال: لما كان الخروج لتكثير النسل، وبث عباد الله تعالى في الأرض، وإظهار العبادة التي خُلِق الخَلْق لأجلها، وما أُقيمت السماوات والأرض إلا لها، وكان لا يتم ذلك إلا بخروجه منها- فكان أحرى بالفضل من استمراره فيها. انتهى.
وبهذا يُرَدُّ قول عياض، يُرَدُّ أنَّ هذه القضايا المعدودة ليست لذكر فضيلته (أي: يوم الجمعة)؛ لأن إخراج آدم، وقيام الساعة لا تُعَدُّ فضيلة، وإنما هو بيان لما وقع فيه من الأمور العظام، وما سيقع؛ ليتأهب العبد فيه بالأعمال الصالحة؛ لنيل رحمة الله تعالى، ودفع نقمته. انتهى.
وما يُصَرِّح بالردِّ عليه: ما يأتي في الحديث: أنه -صلى الله عليه وسلم- جعل هذا الإخراج وقيام الساعة من جملة خلال الخير التي فيه. فتح الإله في شرح المشكاة (5/209).
وقال ابن كثير -رحمه الله-:
واختلفوا في مقدار مقامه (أي: آدم) في الجنة، فقيل: بعض يوم من أيام الدنيا، ما رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: «وخُلِقَ آدم في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة»، وتقدم أيضًا حديثه عنه، وفيه -يعني: يوم الجمعة- «خُلِقَ آدم، وفيه أُخرج منها»؛ فإنْ كان اليوم الذي خُلِق فيه، فيه أُخرج، وقلنا: إنَّ الأيام الستة كهذه الأيام، فقد لبث بعض يوم من هذه، وفي هذا نظر، وإنْ كان إخراجه في غير اليوم الذي خُلِقَ فيه، أو قلنا: بأنَّ تلك الأيام مقدارها ستة آلاف سنة، فقد لبث هناك مدة طويلة. البداية والنهاية (1/ 102).
وقال محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
مثل هذا الخلاف مما لا فائدة فيه، حيث لم يستند إلى نص صحيح، فلا ينبغي الاشتغال به، -والله تعالى أعلم-. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (16/ 90).

قوله: «ولا تقومُ السَّاعةُ إلَّا في يومِ الجُمُعةِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ولا تقوم الساعة» أي: القيامة، وهي ما بعد النفخة الثانية، «إلا في يوم الجمعة» وهو الْمَجْمَع الأعظم، والموقف الأفخم، والمظْهِر لمن هو بين الخلائق أفضل وأكرم، -والله أعلم-. مرقاة المفاتيح (3/ 1011).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ولا تقومُ السَّاعةُ إلَّا في يومِ الجُمُعةِ» بَين الصُّبْح وطلوع الشَّمْس. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 532).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
ولا شك أنَّ خَلْق آدم فيه (يوم الجمعة) يُوجِب له شرفًا ومزية...، وكذا النفخة -وهي نفخة الصور-، فإنها مبدأ قيام الساعة، ومقدمات النشأة الثانية، وأسباب تُوصِل أرباب الكمال إلى ما أُعِدَّ لهم من النعيم المقيم. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 385).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«ولا تقومُ السَّاعةُ إلَّا في يومِ الجُمُعةِ» ويُوجَّه كون هذا من فضائله (أي: يوم الجمعة) بأن قيامها فيه غاية الإراحة للمؤمنين من تلك الفتن التي يصبح المسلم فيها كافرًا، فكان قيامها فيه خيرًا أيّ خير.
فإن قلتَ: إنَّ الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، وإنَّ الله تعالى قُبيلها يبعث ريحًا لَيِّنَةً تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، فكيف يُعَدُّ قيامها فيه (أي: يوم الجمعة) من جملة فضائله؟
قلتُ: ما ذُكِر مقدمة لقيامها فيها، وكان قيامها إذ ذَاك من مقدماته خيرًا باعتبار هذا، فَتَأَمَّلْه، ثم رأيتُ القاضي البيضاوي وجَّه ذلك بأنَّه يُوصِل أرباب الكمال إلى ما أُعِدَّ لهم من النعيم المقيم. فتح الإله في شرح المشكاة (5/209-210).
وقال النووي -رحمه الله-:
في هذا الحديث: فضيلة يوم الجمعة ومَزِيَّتُه على سائر الأيام.
وفيه: دليل لمسألة غريبة حسنة، وهي لو قال لزوجته: أنتِ طالق في أفضل الأيام، وفيها وجهان لأصحابنا: أصحهما: تطلق يوم عرفة، والثاني: يوم الجمعة؛ لهذا الحديث، وهذا إذا لم يكن له نية، فأما إنْ أراد أفضل أيام السَّنة، فيتعيَّن يوم عرفة، وإنْ أراد أفضل أيام الأسبوع فيتعيَّن الجمعة. شرح صحيح مسلم (6/ 142).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: أنَّ يوم الجمعة أفضل الأيام، وهو واسطة الأسبوع، فمن أحد جانبيه الخميس، ووراءه يومان إلى الاثنين، ومن الجانب الآخر الاثنين، ووراءه يومان، وفيه خُلق آدم؛ وذلك أنَّ المخلوقات من الأرض والجبال والشجر والمكروه والنور والحيوان بعدد الستة الأيام، وكانت الجمعة التي خُلق فيها ساكن الدار، وإنَّ هذه الأشياء خُلِقت لأجله.
وفيه: أنَّ آدم أُدخل الجنة يوم الجمعة، فأرى أنَّ ذلك يرثه عنه ذُرِّيَّتُه، ومحقق هذه الوراثة في المسلمين منهم؛ فإنهم في كُل جمعة يجتمعون؛ لِذكر الله سعيًا إليه، وتركًا للبيع والتجارة فيه، فيثيبهم الله -عز وجل- عن ذلك بأنْ يجعل دخولهم الجنة في ذلك بعينه، جزاء إعراضهم عن الدنيا، وإقبالهم إلى الآخرة فيه، وكما تركوا البيع والتجارة الدنيوية فيه، أورثهم الله فيه تجارة لن تبور.
فأما خروج آدم من الجنة في يوم الجمعة فإنه يستشف من هذا أهل الفِطَن أنَّه خرج منها خروج عائد إليها، وسَكن في الدنيا سُكون راحل عنها، فالجنة دار آدم على الحقيقة؛ لأن الله -عزَّ وجلَّ- قال: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} البقرة: 35، وكذلك لم يَقل سبحانه: اخرج من الجنة، ولكن نسب خروجه منها إلى إبليس، فقال -عزَّ وجلَّ-: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} البقرة: 36. الإفصاح عن معاني الصحاح (8/ 41-43).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده:
منها: ما ترجم له المصنف -رحمه الله تعالى- (النسائي)، وهو بيان فضل يوم الجمعة.
ومنها: أنَّ هذه الأشياء: من خَلق آدم، وإدخاله الجنة، وإخراجه منها، وكذا قيام الساعة- فضائل عظيمة. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (16/ 92).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)


ابلاغ عن خطا