الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

عن عبد اللهِ بن عُمَرَ «أنَّه وصَفَ تطوُّعَ صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فكان لا يُصَلِّي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيُصَلِّي ركعتين في بيتِهِ».
قال يحيى: أَظُنُّنِي قرأتُ: فيُصَلِّي، أو أَلْبَتَّةَ.


رواه البخاري برقم: (937)، ومسلم برقم: (882) واللفظ له. 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«حتَّى ينصَرِفَ»:
أي: حتى يرجع إلى بيته. مرقاة المفاتيح (3/ 890).


شرح الحديث


قوله: «أنَّه وَصفَ تطَوُّعَ صلاةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«أنَّه» أي: أنَّ ابن عمر، «وصف تطوُّع» أي: ذِكر صفة وكيفية «صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» أي: كيفية فعله بصلاة التطَوُّع. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (10/ 380).

قوله: «قال: فكانَ لا يُصَلِّي بعدَ الجمعةِ حتَّى ينصَرِفَ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«قال» ابن عمر «فكان» صلى الله عليه وسلم، «لا يُصَلِّي بعد الجمعة حتى ينصرف» ويرجع إلى بيته. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (10/ 380).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«حتى ينصرف» من المسجد إلى بيته. إرشاد الساري (2/ 193).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وكان لا يصلي بعد الجمعة» نافلة، «حتى ينصرف» عن المسجد. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 581).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«كان لا يُصَلِّي بعد الجمعة» صلاة، «حتى ينصرف» من المحل الذي أُقيمت فيه إلى بيته. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 277).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
قوله: «ينصرف» أي: إلى البيت، ففيه: أنَّ صلاة النفل في الخَلْوة أولى. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (4/ 316).
وقال محمد الأُبي -رحمه الله-:
دلَّ حديث ابن عمر (أي: هذا الحديث) على الكراهة (أي: كراهة صلاة سُنة الجمعة دون فَصْل). إكمال إكمال المعلم (3/32).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
اختلف العلماء في هذا، فأخذ مالك برواية ابن عمر، وجعله في الإمام أشدَّ، وأوسع لغيره في الركوع في المسجد، مع استحبابه ألا يفعلوا.
ووجه ذلك -والله أعلم-: لئلا يتطرَّق أهل البدع إلى صلاتها ظهرًا أربعًا، أو يَظُنُّ جاهلٌ ممن رآه يتنفَّل بعدها بركعتين أنها ظهرٌ، ورُوِيَ عن جماعة من السلف: أنه تُصلَّى بعدها ركعتين، ثم أربعًا، وهو مذهب الثوري وأبي يوسف، لكن استحب أبو يوسف تقديم الأربع على الاثنين، واستحب الشافعي التَّنَفُّل بعدها وإن كثر أفضل، وقال أبو حنيفة وإسحاق: فصلِّ أربعًا لا تفصل بينهن، وحُجة هؤلاء: الحديث، ومن جهة النظر: العلة المتقدمة؛ لئلا يظن إذا صلاها ركعتين إنها ظهر، وخيَّره أحمد في ركعتين أو أربع. إكمال المعلم (3/ 286-287).
وقال محمد بن رشد -رحمه الله-:
في ركوع الإمام وغيره في المسجد بعد الجمعة: قال مالك: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلّى الجمعة انصرف من المسجد، ولم يركع بعدها في مقامه شيئًا.
قال مالك: والإمام يفعل ذلك، فأمّا الناس فمَن شاء ركع، ومن شاء لم يركع، قال ابن القاسم: وأحبُّ إلى غير الإمام أن يرجع إلى بيته فيصلي ركعتين. البيان والتحصيل (17/ 255).
وقال الباجي -رحمه الله-:
فأما في المسجد فلا يخلو أنْ يكون المصلي إمامًا أو مأمومًا، فأما الإمام فلا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف إلى منزله، قاله مالك، والدليل على ذلك: أنَّها صلاة فرض ركعتان غير مقصورة، يجهر بالقراءة فيهما، فكان للمنع تأثير في التنفُّل بعدها، كصلاة الصبح.
وأما المأموم فإنْ شاء ركع، وإنْ شاء لم يركع، واختار ابن القاسم أن لا يركع، ووجه ذلك: القياس الذي قدَّمناه، والفرق بين الإمام في ذلك والمأموم: أنَّ الإمام شُرِعَ له سرعة القيام من موضع مصلاه، ولا يقيم به، ولم يُشرع للمأموم. المنتقى شرح الموطأ (1/ 297).
وقال النفراوي المالكي -رحمه الله-:
وتستمرُّ الكراهة بعد الجمعة لمن في المسجد حتى ينصرف الشخص من المسجد، أو حتى يحدث، سواء كان إمامًا أو غيره، لكن الكراهة في حق الإمام أشدُّ، هذا هو المنصوص، وقال ابن عبد السلام: ويمتدُّ وقت الكراهة حتى ينصرف أكثر المصلين لا كلهم، أو بمعنى زمن انصرافهم وإن لم ينصرفوا، والكراهة قيَّدها بعضهم بأن يكون الفاعل ممن يُقْتَدَىْ به، أو يُخْشَىْ منه اعتقاد وجوبها، وأما مَن يفعلها مع العلم بندبها، فلا كراهة، كما لو فعلها مُقَلِّدًا في فعلها القائلَ بطلبها، ولا سيما إذا كان يقع التنفُّل من جميع الحاضرين. الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/ 265).

قوله: «فيُصَلِّي ركعتينِ في بيتِهِ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«فيُصلِّي ركعتين في بيته» إذ لو صلاهما في المسجد تُوهِّم أنَّهما المحذوفتان. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 277).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «فيصلِّي» فيه «ركعتين» لأنه لو صلاهما في المسجد، ربما يُتوهَّم أنَّهما اللتان حُذفتا، وصلاة النفل في الخلوة أفضل. إرشاد الساري (2/ 193).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «فيصلي» عطف -من حيث الجملة لا التشريك- على «ينصرف» أي: لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فإذا انصرف يصلي ركعتين، ولا يستقيم أنْ يكون منصوبًا عطفًا عليه؛ لما يلزم منه أنْ يصلي بعد الركعتين الصلاة. الكاشف عن حقائق السنن (4/1172-1173).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «فيصلي» بالرفع (أي: أنه مرفوع بضمة مقدرة على الياء) عطفًا على مجموع «حتى ينصرف» أي: إذا انصرف يصلي، لا بالنصب عطفًا على «ينصرف»؛ لأنه يلزم منه أنه كان يصلي بعد الركعتين؛ لأنه حينئذٍ يكون الغاية مجموع الانصراف والصلاة. لمعات التنقيح (3/284).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «فيصَلِّي رَكْعتين في بيته» يريد بهما سُنَّةَ الجمعة، وسُنَّةُ الجمعةِ كسنة الظهر. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 250).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وسنتها (الجمعة) كسُنة الظهر، وعليه الشافعي في قولٍ. شرح المصابيح (2/ 134).

قوله: «قال يحيى: أَظُنُّنِي قرأتُ: فَيُصَلِّي أو أَلْبَتَّةَ»:
قال النووي -رحمه الله-:
قوله: «قال يحيى: أظنني قرأتُ: فيصلي، أو ألبتَّة» معناه: أظنُّ أني قرأتُ على مالك في روايتي عنه: فيصلي، أو أجزم بذلك، فحاصله: أنه قال: أظنُّ هذه اللفظة، أو أجزم بها. شرح صحيح مسلم(6/ 170).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
ووقع في بعض النسخ: «أظنه» بضمير الغائب، وعليه فالضمير للشأن، والجملة بعده مفسرة له. البحر المحيط الثجاج (17/ 401).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قال يحيى بن يحيى (أي: النيسابوري): «أظنه قرأتُ: فَيُصلِّي، أو ألبتَّة» هذا لفظ يُشكل ظاهرُه، وتفسيره: أنَّه شك هل قرأ على مالك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيصلي ركعتين أو غير هذا اللفظ يركع، أو سقط من كتابه لفظة: «يصلي»؟ ثم غالب ظنه وقوع هذه اللفظة وشهرتها في حديث مالك، قال: «أو ألبتَّة» أي: أنا مُتَردِّدٌ بين الظن واليقين في هذه اللفظة تحرِّيًّا في الأداء -رحمه الله-، وقد جاء له في الكتاب (صحيح مسلم) مثل هذا في خبر جويرية، حتى غَلِطَ في ذلك كثيرٌ من أهل هذا الشأن من أهل المشرق، كما سنذكره في موضعه من الكتاب، وكان -رحمه الله- مع علمه وحفظه كثير التشكُّك، حتى لُقِّبَ: الشَّكَّاك. إكمال المعلم (3/ 287-288).
وقال ابن عابدين -رحمه الله-:
ألبَتَّة: هي مصدر من (البَتِّ) بمعنى: القطع...، والمشهور على الألسنة: أنَّ همزتها همزة قطع. الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة (ص: 31).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
والهمزة في لفظ (ألبتة) للقطع. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (13/ 123).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ألبتَّة: معناه: القطع، وأَلِفها ألفُ وصلٍ، وجزمَ الكرماني بأنها ألفُ قطعٍ على غير القياس، ولم أرَ ما قاله في كلام أحدٍ من أهل اللغة. فتح الباري (7/ 483).
وقال العيني -رحمه الله- متعقبًا الحافظ ابن حجر:
قلتُ: عدم رؤيته لا ينفي ذلك؛ لأنه لم يُحِطْ بجميع ما قاله أهل اللغة، وجهل شخص بشيء لا ينافي عِلم غيره. عمدة القاري (17/ 249).
وقال الإسفرايني -رحمه الله-:
ولا أفعله ألبتَّةَ أو بتَّةً...وقطع الهمزة بمعزل عن القياس، ولكنه مسموع. لباب الإعراب (ص: 280).


ابلاغ عن خطا