«إنَّ مِن أفضلِ أيَّامِكُم يومَ الجُمعة، فيه خُلِقَ آدمُ، وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفْخَةُ، وفيه الصَّعْقَةُ، فأكثِرُوا عليَّ مِن الصلاةِ فيه، فإنَّ صلاتَكُم مَعْرُوضَةٌ عليَّ، قال: قالوا: يا رسول الله، وكيف تُعْرَضُ صلاتُنَا عليك وقد أَرَمْتَ -يقولون: بَلِيتَ-؟ فقال: إنَّ اللَّه -عزَّ وجلَّ- حرَّمَ على الأرضِ أجسادَ الأنبياءِ».
رواه أحمد برقم: (16162)، وأبو داود برقم: (1047)، والنسائي برقم: (1374)، وابن ماجه برقم: (1085)، من حديث أوس بن أوس الثَّقَفِي -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (2212)، صحيح سنن أبي داود برقم: (962).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«قُبِضَ»:
يُقال: قُبِضَ المريض إذا تُوُفِّيَ، وإذا أشرف على الموت. النهاية، لابن الأثير (4/ 6).
«النَّفْخَةُ»:
أي: النفخ في الصور، وهي النفخة التي تبعث العباد إلى فصل القضاء. التنوير، للصنعاني (4/ 127).
«الصَّعْقَةُ»:
الصوت الهائل الذي يموت الإنسان من هَوله. الكاشف عن حقائق السنن، للطيبي (4/ 1266).
قال ابن سيده -رحمه الله-:
يُقال: صَعِق الإنسانُ صَعْقًا وصَعَقًا، فهو صَعِق: غُشِيَ عليه وذهب عَقله من صوتٍ يسمعهُ، كالهَدَّة (صوت ما يقع من ارتفاع) الشَّدِيدَة. المحكم(1/ 148).
«أَرَمْتَ»:
أي: بَلِيتَ، يُقال: أَرِمَ المالُ: إذا فَنِي، وأرضٌ أَرِمَة: لا تُنْبِتُ شيئًا. النهاية، لابن الأثير (1/ 40).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
معناه: بَلِيْتَ، وأصله: أَرْمَمْتَ، أي: صِرْتَ رميمًا، فحذفوا إحدى الميمين، وهي لغة لبعض العرب، كما قالوا: ظَلْتُ أفعل كذا، أي: ظَلَلْتُ. معالم السنن (1/ 242-243).
شرح الحديث
قوله: «إنَّ مِن أفضلِ أيَّامِكُم يومَ الجُمُعةِ»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«إنَّ من أفضل أيامكم يوم الجمعة» بنصب «يومَ» على أنَّه اسم «إنَّ» مؤخرًا. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (16/ 94).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إنَّ من أفضل أيامكم» أيها المسلمون، «يوم الجمعة» أتى بـ(من) لأن من أفضلها أيضًا يوم عرفة والنَّحر، بل هما أفضل، فالجمعة أفضل أيام الأسبوع، وعرفة والنحر أفضل أيام السَّنة. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 349).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إنَّ أفضل أيامكم يوم الجمعة» وفيه إشارة إلى أنَّ يوم عرفة أفضل أو مساوٍ. مرقاة المفاتيح (3/ 1016).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
زيادة «مِن» تدل على أنَّ يوم الجمعة من جملة الأفاضل من الأيام، وليس هو أفضل الأيام مطلقًا. مرعاة المفاتيح (4/ 432).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«إنَّ أفضل أيامكم يوم الجمعة» هذِه الرواية تدل على أنَّ تقدير الرواية المتقدمة: إنَّ من خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة. شرح سنن أبي داود (5/ 456).
وقال ابن رسلان -رحمه الله- أيضًا:
«إنَّ من أفضل أيامكم يوم الجمعة» إدخال (من) التبعيضية تدل على أنَّه من أفضل الأيام، وأنَّ أفضل الأيام يوم عرفة، وفي مسند أحمد -رضي الله عنه- عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- أنَّه قال في يوم الجمعة: «هو أفضل عند الله من يوم الفطر ويوم الأضحى»؛ لأنه عيد الأسبوع، وهو يتعلَّق بإكمال الصلاة المكتوبة، وهي أعظم أركان الإسلام ومبانيه بعد الشهادتين، فإنَّ الله فرض على المؤمنين كل يوم خمس صلوات، وأيام الدنيا تدور على سبعة أيام، فكلما أكمل دور أسبوع من أيام الدنيا استكمل المسلمون صلاتهم فيه، فشرع لهم في يوم استكمالهم اليوم الذي كمل الخلق، وفيه خُلِقَ آدم، وأُدْخِلَ الجنة، وأُخرج منها، وفيه ينتهي أجل الدنيا، فتزول وتقوم الساعة، ويجتمع المؤمنون فيه على الذكر والمواعظ وصلاة الجمعة، وجعل ذلك لهم عيدًا. شرح سنن أبي داود (7/350-351).
قوله: «فيه خُلِقَ آدمُ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «فيه خُلِقَ آدم» وخلْقُه فيه يُوجِب شرفًا ومزِيَّة. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 349).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فيه خُلِقَ آدم»... وخلْقُه فيه يُوجِب له مزِيَّة على غيره من الأيام؛ فإنه نَبِيٌّ، ومن ذُرِّيَّتِهِ الرسل والأولياء الذين بهم عَمَّر الله أرضه، ويسكنهم جنته. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 126).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
«فيه خُلِقَ» بيانٌ لفضله؛ ولا شك أنَّ خلْق آدم فيه (يوم الجمعة) يُوجِب له شرفًا ومزِيَّة. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 385).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فيه خُلِقَ آدم» أي: طينته. مرقاة المفاتيح (3/ 1016).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فيه خُلِقَ آدم» -عليه السلام-، أي: نُفِخَ فيه الروح. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (10/ 297).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «فيه خُلِقَ آدم» وخلق اللهُ الخلق يوم السبت أو الأحد على اختلاف الروايات، إلا أنَّ رواية أبي هريرة: «إنَّ الله خلق البرية يوم السبت، وخلق آدم يوم الجمعة» ففيه ختام الخِلْقة، وهو أشرف المخلوقات. عارضة الأحوذي (2/232).
وقال العيني -رحمه الله-:
يجوز أنْ يكون ابتداءُ خَلْق آدم من الطين يوم الجمعة، ثم قعد ما شاء الله، ثم نفخ فيه الروح يوم الجمعة أيضًا. شرح أبي داود (4/ 362).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فيه خُلِق آدم» -عليه السلام- أي: في آخر ساعة منه (أي: يوم الجمعة)؛ كما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي فقال: خَلق الله التُّربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشَّجر فيها يوم الإثنين، وخلق المكروهِ يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبثَّ فيها الدُّواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل». ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (16/ 89-90).
قوله: «وفيه قُبِضَ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وفيه» أي: في جنسه، «قُبِضَ» أي: روحه. مرقاة المفاتيح (3/ 1016).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وفيه قُبِضَ» وذلك شرف أيضًا؛ لأنه سبب لخلوصه من دار البلاء. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 349).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وفيه قُبِضَ» فيه شرف لليوم؛ لأنَّه فيه نُقل إلى جنات النعيم. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 126-127).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
وكذا قبْضُهُ فيه (أي: في يوم الجمعة يُوجِب له شرفًا ومزِيَّة) فإنه سبب لوصوله إلى جناب القدس، والخلاص عن البليَّات. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 385).
قوله: «وفيه النَّفْخَةُ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «وفيه النَّفخَةُ» في الصور، زاد أحمد في رواية رجال إسنادها رجال الصحيح: «فيه البعثة، وفيه البطشة». شرح سنن أبي داود (5/ 456).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «وفيه النفخة» أي: وفي يوم الجمعة نفخة الصور، وهي النفخة الأولى، والنفخة الثانية وهي نفخة الصعقة، وهي الموت؛ قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} الزمر: 68، والنفخة الثالثة: نفخة البَعث والحشْر، ونفخ الصور: عبارة عن الدعاء، كما أنَّ الجيش يُجمع بالنفخ في البُوق. شرح أبي داود (4/ 366).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وفيه النفخة» وهو شرف أيضًا؛ لأنه سبب يُوصِل أرباب الكمال إلى جوار ذي الجلال. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 349).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وفيه النفخة» أي: النفخة الثانية التي تُوصِل الأبرار إلى النعم الباقية. مرقاة المفاتيح (3/ 1016).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «وفيه النفخة» وهي نفخ الصور...، وهي النفخة الأولى، قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} الزمر: 68 الآية. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1266).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«وفيه النفخة» الأولى من إسرافيل في الصور، وهو مبدأ قيام الساعة، ومقدمة النشأة الثانية. فتح الإله في شرح المشكاة (5/218).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- معتقبًا على الطيبي والهيتمي:
قال الطيبي وتبعه ابن حجر (الهيتمي): أي: النفخة الأولى، فإنَّها مبدأ قيام الساعة، ومقدم النشأة الثانية، ولا منع من الجمع (أي: بأنْ يكون المراد: النفخة الأولى والثانية). مرقاة المفاتيح (3/ 1016).
قوله: «وفيه الصَّعْقَةُ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«وفيه الصعقة» هي غير النفخة. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 349).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«وفيه الصعقة» لغير مَن استثنى الله، وأصلها: الصوت الهائل الذي يموت الإنسان من هوله. فتح الإله في شرح المشكاة (5/218).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وفيه الصَّعقَةُ» يعني: عقب النفخة، فإنَّ الله تعالى ذكره بفاء التعقيب في قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} الزمر: 68، وهذِه الصعقة من شدة فزعهم؛ ولهذا جاء في الآية الأخرى: {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} النمل: 87. شرح سنن أبي داود (5/ 456).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وفيه الصعقة» أي: الصيحة، كما في نُسْخَةٍ، والمراد بها: الصوت الهائل الذي يموت الإنسان من هوله، وهي النفخة الأولى، قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} الزمر: 68، فالتكرار باعتبار تغايُر الوصفين، والأولى: ما اخترناه من التغايُر الحقيقي، وإنما سُمِّيت النفخة الأولى بالصعقة؛ لأنها تترتب عليها، وبهذا الوصف تتميَّز عن الثانية.
وقيل: إشارة إلى صعقة موسى -عليه السلام-، وهي ما حصل له من التجلي الإلهي الذي عجز عنه الجبل القوي، فصار دكًّا، وخرَّ موسى صَعِقًا، أي: مغشيًّا عليه، فلما أفاق قال: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} الأعراف: 143. مرقاة المفاتيح (3/ 1016).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وفيه الصعقة» وهي النفخة الأولى التي يهلك بها من في السماوات والأرض إلا من شاء الله، وفيه له شرف؛ لأنه من أوائل أسباب بلوغ الأبرار جنات الأنهار، قالوا: الموت وإنْ كان فناء ظاهر، فإنَّه ولادة ثانية. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 127).
قوله: «فأكثِرُوا عليَّ مِن الصلاةِ فيه»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «فأكثروا» أيها المسلمون، «عليَّ من الصلاة فيه» أي: يوم الجمعة، وكذا ليلتها. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 349).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه» فإنَّه شرفٌ لليوم إلى شرفه. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 127).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه» أي: في يوم الجمعة، فإنَّ الصلاة من أفضل العبادات، وهي فيها أفضل من غيرها؛ لاختصاصها بتضاعف الحسنات إلى سبعين على سائر الأوقات، ولكون إشغال الوقت الأفضل بالعمل الأفضل هو الأكمل والأجمل؛ ولكونه سيد الأيام، فيصرف في خدمة سيد الأنام -عليه الصلاة والسلام-. مرقاة المفاتيح (3/ 1016).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه» ليزكو ثوابها، وينمو فضلها؛ لأن العمل الصالح يَشْرُفُ بشرف زمانه ومكانه. دليل الفالحين (6/ 627).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيد الأنام، ويوم الجمعة سيد الأيام، فللصلاة عليه في هذا اليوم مزِيَّة ليست لغيره، مع حكمة أخرى وهي أنَّ كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة، فإنما نالته على يده، فجمع الله لأمته به بين خيري الدنيا والآخرة، فأعظم كرامة تحصل لهم، فإنما تحصل يوم الجمعة، فإنَّ فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو يوم عيد لهم في الدنيا، ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم، ولا يَرُدُّ سائلهم، وهذا كله إنما عرفوه، وحصل لهم بسببه، وعلى يده، فمِنْ شكره وحمده، وأداء القليل من حقه -صلى الله عليه وسلم-: أن نُكْثِرَ من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته. زاد المعاد (1/ 364).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
ولعل حَدَّ الإكثار: ذكره في ذلك اليوم أكثر من كل ذِكْر. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 60).
وقال أبو طالب المكي -رحمه الله-:
... ، وليكثر من الصلاة على النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- في يوم الجمعة وليلتها، وأقل ذلك: أنْ يصلِّي عليه -صلَّى الله عليه وسلَّم- ثلاثمائة مرَّة. قوت القلوب (1/ 121).
قوله: «فإنَّ صلاتَكُم مَعْرُوضَةٌ عليَّ»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «فإنَّ صلاتكم...» إلخ، تعليل للتفريع، أي: هي معروضة عليَّ كعرض الهدايا على من أُهديت إليه، فهي من الأعمال الفاضلة، ومُقَرِّبَة لكم إليَّ، كما تُقَرِّبُ الهدية المهدي إلى الْمُهدَى إليه، وإذا كانت بهذه المثابة فينبغي إكثارها في الأوقات الفاضلة، فإنَّ العمل الصالح يزيد فضلًا بواسطة فضل الوقت، وعلى هذا: لا حاجة إلى تقييد العرْض بيوم الجمعة كما قيل. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (1/ 610).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فإنَّ صلاتكم معروضة عليَّ» يعني: على وجه القبول فيه، وإلا فهي دائمًا تُعرض عليه بواسطة الملائكة إلا عند روضته، فيسمعها بحضرته، وقد جاء أحاديث كثيرة في فضل الصلاة يوم الجمعة وليلها، وفضيلة الإكثار منها على سيد الأبرار، والألف أكثر ما ورد من المقدار، فاجعله وردك من الأذكار. مرقاة المفاتيح (3/ 1016).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «فإنَّ صلاتكم معروضة عليَّ» يحتمل أنْ يُراد: عرض خاص، وإلا فسائر الأعمال صالحها وفاسدها في سائر الأيام تُعرض عليه، كما جاء في السُّنة. دليل الفالحين (6/ 627).
وقال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
«فإنَّ صلاتكم معروضة عليَّ» يعرضها عليه ملائكة موكلون بذلك، كما ورد في حديث ابن مسعود مرفوعًا: «أنَّ لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام» رواه أحمد وأبو داود والبيهقي في الدعوات الكبير، وهذا فيمَن صلَّى عليه من بُعْدٍ، أمَّا مَن صلَّى عليه عند قبره الشريف، فيسمعه؛ كما جاء في حديث أبي هريرة مرفوعًا: «مَن صلَّى عليَّ عند قبري سمعته، ومَن صلَّى عليَّ نائيًا أُبلغته» رواه البيهقي في الشعب. دليل الفالحين (7/ 193).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«فإنَّ صلاتكم معروضة عليَّ» باسم المصلي المميز له من الملك الموكل، فيقول: يا محمد، فلان ابن فلان يصلي عليك، ولا فائدة لعرضها عليه -صلى الله عليه وسلم- إلا صلاته على المصلي، أو الدعاء له، وإمداده بما يليق بجانب كرمه -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك منه في يوم الجمعة (هكذا قال وفي ذِكْر الإمداد إشكال، فتنبَّه). فتح الإله في شرح المشكاة (5/218).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
في الحديث: دليل على أنَّ صلاة العباد يوم الجمعة تُعْرَض عليه، وقد تقدَّم أيضًا حديث: «ما مِن أحد يُسلِّم عليَّ إلا رد الله عليَّ ورحي حتى أردّ عليه السلام»، وقد تقدَّم حديث: «إنَّ لله ملائكة سياحين يبلغوني السلام»، وظاهر الجميع: أنَّ كل صلاة وسلام تبلغه -صلى الله عليه وسلم-، وسواء كان ذلك في يوم الجمعة، أو في غيره من الأيام، أو الليالي، فلعل في العرض عليه زيادة على مجرد الإبلاغ إليه، ويكون ذلك من خصائص الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- في يوم الجمعة. تحفة الذاكرين (ص: 50).
قوله: «قال: قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، وكيف تُعْرَضُ صلاتُنَا عليك وقد أَرَمْتَ -يقولون: بَلِيتَ-؟»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«قالوا» أي: قال الحاضرون عنده -صلى الله عليه وسلم-. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (9/ 481).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وقد أرَمْتَ» بفتح فسكون، ففتح على الأشهر، أي: بَلِيتَ، وفي رواية أَرْمَمْتَ، أي: صِرْتَ رَميمًا. فيض القدير (2/ 535).
وقال الحربي -رحمه الله-:
«وقد أَرَمْتَ» كذا يقوله المحدِّثون، ولا أعرفُ وجهَهُ، والصَّوابُ: «وقد أَرْمَمْتَ» أو «رَمَمْتَ» أي: صِرْتَ رَمِيمًا، كما قال اللَّه تعالى: {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} يس: 78. غريب الحديث (1/ 71-72).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«وقد أَرَمْتَ» جملة حالية من الضمير المجرور، و«أَرَمْتَ» -بفتح الراء، وسكون الميم، وفتح التاء- على الخطاب، على وزن ضَرَبْتَ، يقال: أَرَمَ ما على المائدة يَأْرِمُهُ، من باب ضَرَبَ: أكله.
ويروى (أَرِمْتَ) بكسر الراء، أي: بليتَ، وقيل: (أُرمت) بضم الهمزة على البناء للمفعول: من الأرم، وهو الأكل، أي: صرت مأكولًا للأرض، وقيل: (أرمَّتْ) -بالميم المشددة، والتاء الساكنة-، أي: أَرمت العظام، أي: صارت رميمًا، مِن رم الميت، وأرم: إذا بلي.
ويروى (أَرْمَمْتَ) بالميمين، أي: صرت رميمًا، فعلى هذا: يجوز أن يكون (أَرَمْتَ) بحذف أَحد الميمين، كما قالوا في ظللت وأحسست: ظلت وأحست. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (16/ 95).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «وقد أَرَمْتَ» الاختلاف في تصحيح هذا اللفظ كثيرٌ، والصواب: «أَرَمْتَ» على وزن «ضَرَبْتَ». لمعات التنقيح (3/ 486).
قوله: «إنَّ اللَّهَ -عزَّ وجلَّ- حرَّمَ على الأرضِ أجسادَ الأنبياءِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«قال» أي: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ الله حرَّم على الأرض» أي: منعها، وفيه مبالغة لطيفة «أجساد الأنبياء» أي: مِنْ أنْ تأكلها، فإنَّ الأنبياء في قبورهم أحياء. مرقاة المفاتيح (3/ 1017).
وقال المناوي -رحمه الله-:
لأنَّها تتشرَّف بوَقع أقدامهم عليها، وتفتخر بضمهم إليها، فكيف تَأْكُل منهم؟. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 349).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«إنَّ الله حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء» أي: منعها من أنْ تأكل أجسادهم، فإنَّ الأنبياء أحياء في قبورهم، لكن بحياة برزخية ليست نظير الحياة المعهودة، وهي أقوى وأكمل من حياة الشهداء. مرعاة المفاتيح (4/ 434).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«إنَّ الله حرَّمَ على الأرض أجسادَ الأنبياء» يدل على أنَّ الأرض لا تأكلُ أجسادَهم. شرح المصابيح (2/ 224).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«إنَّ الله حرَّمَ على الأرض» أنَّ تأكل كما في رواية النسائي «أجساد الأنبياء» -عليهم الصلاة والسلام-؛ لأنهم أحياء في قبورهم؛ ولذا لا تكره الصلاة في مقابرهم؛ لانتفاء علة الكراهة، وهي محاذاة النجاسة. دليل الفالحين (7/ 194).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«أجسادَ الأنبياء» -عليهم الصلاة والسلام-؛ لأنهم أحياء في قبورهم، وهم يصلون فيها، ألا ترى إلى صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء ليلة الإسراء ببيت المقدس، والصلاة لا تحصل إلا بالحياة...
ومما يُستبنى على تحريم الأرض أجسادهم، ويخالفون فيها غيرهم من الناس: أنَّ قبور الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- لا تُحرم عمارتها بغير الشيد (أي: الحجر) والحجر أبدًا، بخلاف غيرهم، فإنَّ من انمحق جسمه حرم عمارة قبره، وتسوية ترابه في المقابر الْمُسَبَّلَة (أي: التي جرت عادة أهل البلد بالدفن فيها)، وكذا نبش قبور الأنبياء لا يجوز بحال، وأما غيرهم ممن بَلِيَ جسمه، وصار ترابًا جاز نبشه، ويُرْجَعُ في ذلك إلى أهل الخبرة. شرح سنن أبي داود (5/ 459).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
فإنْ قلتَ: ما وجه الجواب بقوله: «إنَّ الله حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء»؛ فإنَّ المانع من العرض والسماع هو الموت وهو قائم بعد؟
قلتُ: لا شك أنَّ حفظ أجسادهم من أنْ تَرْمَ خرق للعادة المستمرة، فكما أنَّ الله تعالى يحفظها منه، كذلك تمكن من العرض عليهم، ومن الاستماع منهم صلوات الأمة، ويؤيده قوله: «فَنَبِيُّ اللَّه حيٌّ يُرْزَقُ» والله أعلم.الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1266-1267).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في الحديث: دليل على استحباب تكثير الصلاة على النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يوم الجمعة. تطريز رياض الصالحين (ص: 658).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده:
منها: ما بوب له المصنف -رحمه الله تعالى- (النسائي)، وهو استحباب إكثار الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة.
ومنها: فضل يوم الجمعة على سائر الأيام.
ومنها: أنَّ الأنبياء أحياء في قبورهم حياة برزخية، لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى، وأما زيادة: «فنبي الله حي يرزق» في آخر هذا الحديث عند ابن ماجه والطبراني فغير صحيحة؛ لأنَّ في إسنادها انقطاعًا في موضعين، كما بيَّنه الحافظ البوصيرى -رحمه الله تعالى-.
ومنها: أنَّ الله تعالى حرَّم على الأرض أنْ تأكل أَجساد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
ومنها: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- تُعرض عليه في قَبرهِ صلاة أُمَّته. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (16/ 101-102).
وللاستفادة من الراوية الأخرى ينظر (هنا) و (هنا) و (هنا) و (هنا)