«كان رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إذا تَضَوَّرَ مِن اللَّيلِ، قال: «لا إلهَ إلَّا اللهُ، الواحِدُ القهَّارُ، ربُّ السَّماواتِ والأرضِ وما بينهما، العزيزُ الغفَّارُ».
رواه النسائي في الكبرى برقم: (7641) ورقم: (10634)، وعمل اليوم والليلة برقم: (864)، وابن حبان برقم: (5530)، والحاكم برقم: (1980)، والطبراني في الدعاء برقم: (764)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم: (4693)، سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم: (2066).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«تَضَوَّرَ»:
التَّضَوَّر: التقلُّب في الفراش مع الكلام. الترغيب والترهيب لقوام السنة الأصبهاني (2/ 133).
شرح الحديث
قوله: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تَضَوَّرَ من الليل»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إذا تضوَّر» بالتشديد تَلوّى وتقلب في فراشه. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 242).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
أي: تلوى وتقلب ظهرًا لبطن. فيض القدير (5/ 112).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«من الليل» أي: في الليل. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 268).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«من الليل» (مِن) تبعيضية أو بمعنى (في). التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 242).
قوله: «قال: لا إله إلا الله»:
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
هذه الجملة مشتملة على نفي وإثبات، أما النفي فهو «لا إله»، وأما الإثبات ففي «إلا الله»، و«الله» لفظ الجلالة بدل من خبر «لا» المحذوف، والتقدير: لا إله حقٌّ إلا اللهُ، فهو إقرار باللسان بعد أن آمن به القلب بأنه لا معبود حق إلا الله -عز وجل-، وهذا يتضمن إخلاص العبادة لله وحده، ونفي العبادة عما سواه. مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (1/ 79).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
كلمةُ التوحيدِ، وهي أساس الإسلام، وهي جارية على لسان المؤمن، وثبوت أصلها هو ثبوت التصديق بها في قلب المؤمن، وارتفاع فرعها في السماء هو علو هذه الكلمة وبُسُوقُها، وأنها تحرق الحُجُب، ولا تتناهى دون العرش. فتح الباري (1/ 27).
قوله: «الواحد القهار»:
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
والواحِد هو المُتَفرِّد الذي لا ثانِيَ له. تفسير العثيمين: غافر (ص: 168).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
الواحد الذي لا شريك له، القهار الذي لا غالب له، بل هو قاهر لخلقه. تفسير العثيمين: سورة ص (ص: 226).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«الواحد» أي: ذاتًا وصفةً وفعلًا، فلا شريك له في شيء منها. دليل الفالحين (1/ 25).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
«القهار» هو الذي قهر الجبابرة من عتاة خلقه بالعقوبة، وقهر الخلق كلهم بالموت. شأن الدعاء (1/ 53).
وقال أبو حامد الغزالي -رحمه الله-:
هُوَ الَّذِي يقصم ظُهُور الْجَبَابِرَة من أعدائه؛ فيقهرهم بالإماتة والإذلال، بل الَّذِي لَا مَوْجُود إِلَّا وَهُوَ مسخر تَحت قهره ومقدرته، عَاجز فِي قَبضته. المقصد الأسنى (ص: 81).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«القهار» أي: الذي لا موجود إلا وهو مقهور تحت قدرته، مسخر لقضائه وقدره، قال تعالى: {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} الأنعام: 18، ومرجعه إلى القدرة، وقيل: هو الذي أذل الجبابرة وقصم ظهورهم بالإهلاك نحوه، فهو من أسماء الأفعال، وما أحسن قول من قال: هو من اضمحلَّت عند صولته صولة كل متمردٍ أو جبار، وبادت عند سطوته قوى الملوك وأرباب التفاخر والاستكبار، لا سيما عند قوله تعالى: {لِمَنِ الملْكُ اليوْمَ لِلهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ} غافر: 16، فأين الجبابرة الأكاسرة عند ظهور هذا الخطاب؟! مرقاة المفاتيح (4/ 1568).
قوله: «رب السماوات والأرض وما بينهما»:
قال ابن الملقن -رحمه الله-:
وفي معنى «رب» أربعة أقوال: الملك، والسيد، والمدبر، والمربي. الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 95).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
الرب هو: المربي الخالق الرازق، الناصر الهادي. مجموع الفتاوى (14/ 13).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
«السماوات» جمع سماء، وهو كل ما علاك فأظلك، وهي تذكر وتؤنث، والتأنيث أكثر، «والأرض» مؤنثة، وهي اسم جنس، وقد جمعوها في أَرَضَات بتحريك الراء، أرَضين أيضًا بالتحريك، وقيل: إنهم قالوا فيها: أراض بالمد، ولم ترد في التنزيل إلا مفردة. الشافي في شرح مسند الشافعي (1/ 281).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
«السموات» جمع سماء، وكُل شيء ارتفع فهو سماء، وهي سبع، جاء أنَّ بين كُلِ سماءٍ وسماءٍ خمسمائة عام، وغلظ كُل سماء خمسمائة عام. الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 95).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
جمع سماء، وهي: الجرم المعهود، ويطلق لغة على كل مرتفع. الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: 75).
وقال الواحدي -رحمه الله-:
«وَمَا بَيْنَهُمَا» أي: ومالك ما بينهما من خلقه. التفسير البسيط (14/ 282).
وقال ابن كثير -رحمه الله-:
«وَمَا بَيْنَهُمَا» أي: من المخلوقات. تفسير القرآن العظيم (7/ 6).
قوله: «العزيز الغفار»:
قال ابن الملقن -رحمه الله-:
وأما «العزيز» فله معانٍ:
أولها: لا مثيل له، من عزّ يعِزُّ بكسر العين في المستقبل: إذا تعذَّر وجود مثله.
وثانيهما: بمعنى: الغالب، ومنه قوله تعالى: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} ص: 23، أي: غلبني.
وثالثها: بمعنى: الشديد، من عزَّ يَعز بفتح العين في المستقبل: إذا اشتد وقوي، ومنه قوله تعالى: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} يس: 14، أي: شددنا.
ورابعها: بمعنى: المعز، وقيل: بمعنى: مفعول، كأليم بمعنى: مؤلم. الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 101، 102).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
العزيز له ثلاثة معانٍ: العزيز بمعنى: ذي القدر والشرف، والعزيز بمعنى: القهر والغلبة، والعزيز بمعنى: الذي يمتنع أن يناله السوء، مأخوذ من أرض عَزَاز، أي: صلبة لا تؤثر فيها الفؤوس. تفسير العثيمين: سورة ص (ص: 227).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
وأما «الغفار» فمعناه: الستار، وقيل: معناه: الماحي، وأطلق على المحو ستر لاشتراك الممحو والمستور في عدم الظهور. الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 103).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«الغفار» الستار لذنوب من أراد من عباده، فلا يفضحه بالهتك في الدنيا، ولا بالعذاب في الأخرى. الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: 82).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«الْغَفَّارُ» أي: الكثير المغفرة، ولنا أن نجعلها نسبة، أي: أنه موصوف بالمغفرة دائمًا، فما أكثر مَنْ يغفر الله لهم، وما أكثر الذنوب التي يغفرها الله -عز وجل-. تفسير العثيمين سورة ص (ص: 227).
وقال إسماعيل حقي -رحمه الله-:
وفي هذه الأوصاف الجارية على اسم الله تعالى تقرير للتوحيد، فإن إجراء الواحد عليه يقرر وحدانيته، وإجراء القهار العزيز عليه وعيد للمشركين، وإجراء الغفار عليه وعد للموحدين، وتنبيه ما يشعر بالوعيد من وصفي القهر والعز. وتقديم وصف القهارية على وصف الغفارية لتوفية مقام الإنذار حقه. روح البيان (8/ 56).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
في ضَمِّ القهّار مع الواحد سِرّ شريف، وهو الإعلام بأنه مع وحدته قهار لجميع مَن في السماوات والأرض، فليست وحدته وحدة العباد، وفي ضَمِّ الغفار مع العِزّة ذلك أيضًا، وهو أن العزة تقضي بالبطش، والعقوبة على من أساء، فأفاد بأنه مع عزته يعفو ويصفح. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 356).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وهذه اليقظة تكون مع كلام غالبًا، فأحب -عليه الصلاة والسلام- أن يكون ذلك الكلام تسبيحًا وتهليلًا، ولا يوجد ذلك إلا ممن استأنس بالذكر. شرح المصابيح (2/ 158).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
وإنما يكون ذلك لمن تعود الذّكر، واستأنس به وغلب عليه حتى صار حديث نفسه في نومه ويقظته. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (5/ 44).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فيندب التأسي به في ذلك. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 242).
وقال العيني -رحمه الله-:
ففي ذلك إباحة ذِكر الله تعالى بعد الحَدث. نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (2/ 221).