«أَكْثِرُوا الصلاة عليَّ يومَ الجُمُعةِ وليلةَ الجُمُعةِ؛ فمَنْ صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللهُ عليه عَشْرًا».
رواه البيهقي في السنن الكبرى برقم: (5994) من حديث أنس -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (1209)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1407).
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «أَكْثِرُوا الصلاة عليَّ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«أَكْثِرُوا الصَّلاةَ عليَّ» أي: في الدعاء بالصلاة، بنحو: اللَّهمَّ صلِّ على محمد وآله وسلِّم، ونحوه من العبارات. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 58).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
ولعل حَدّ الإكثار: ذكره في ذلك اليوم أكثر من كل ذِكْر. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 60).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- هي الدعاء له، والوارد في الصلاة عليه ألفاظ كثيرة، وأشهرها: اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وآل إبراهيم. الشافي في شرح مسند الشافعي (2/ 235).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بلفظ الحديث أفضل مِن كُلّ لفظ، ولا يُزاد عليه كما في الأَذان والتّشهد، قاله الأئمة الأربعة وغيرهم.مختصر الفتاوى المصرية(1/١٩٠).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
فأما قولنا: اللهم صلِّ على محمد، فمعناه: عَظِّمْهُ في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دعوته، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته، وتضعيف أجره ومثوبته، وقيل: المعنى: لما أمر الله سبحانه بالصلاة عليه، ولم نبلغ قدر الواجب من ذلك أَحَلْنَاه على الله، وقلنا: اللهم صلِّ أنت على محمد؛ لأنك أعلم بما يليق به، وهذا الدعاء قد اختُلِف فيه: هل يجوز إطلاقه على غير النبي -صلى الله عليه وسلم- أم لا؟ والصحيح: أنه خاصٌّ له فلا يقال لغيره. النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 50).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
الصلاة التي هي بمعنى: الدُّعاء والتبريك يجوز أن يُصلَّى على غير النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأمّا الصلاة التي هي تحية لذكرِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنَّها بمعنى: التعظيم والتكريم، وهي خصيصًا له، لا يشركه فيها إلا آلُهُ. معالم السنن (2/ 40).
قوله: «يومَ الجُمُعةِ وليلةَ الجُمُعةِ»:
قال العراقي -رحمه الله-:
بضم الميم، وإسكانها، وفتحها، ثلاث لغات، الأُولى أشهرهن، وبها قرأ السبعة، والإسكان قراءة الأعمش...، والمشهور: أنَّ سبب تسميتها جمعة: اجتماع الناس فيها، وقيل: لأنه جُمِع فيه خلق آدم...وقيل: لأن المخلوقات اجتمع خلقها، وفُرِغ منها يوم الجمعة...، وقيل: لاجتماع آدم -عليه السلام- فيه مع حواء في الأرض...، واعلم أنَّ يوم الجمعة هو الاسم الذي سمَّاه الله تعالى به، وله أسماء أُخَرُ. طرح التثريب، للعراقي (3/ 158-159).
وقال محمد الحسيني -رحمه الله-:
والجُمُعة عند الحنفية فُرضت بمكة، ولم يتمكَّنوا من أدائها هناك؛ لعدم القدرة والسلطة، ثم هاجر -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، فوصل إلى قُباء، وأقام في بني عمرو بن عوف أربعة عشر يومًا، ولم يجمع فيها؛ وذلك لفقد شرط من شرائط وجوب الجمعة، وهو المصْر، ثم لما وصل المدينة جمع هناك. معارف السنن (4/304).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يوم الجمعة» قد خصَّها -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث الصلاة عليه؛ لشرفها، فيجتمع شرف الزمان والعمل. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 89).
قال ابن علان -رحمه الله-:
ليزكوا ثوابها ويَنمو فَضلها؛ لأن العمل الصالح يشرف بشرف زمانه ومكانهدليل الفالحين(6/٦٢٧).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «يوم الجمعة» قدَّمه هنا؛ لأنه أشرف من ليلته. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 60).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
الخاصة الثانية (ليوم الجمعة): استحباب كثرة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه، وفي ليلته؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «أكثروا من الصلاة عليَّ يوم الجمعة، وليلة الجمعة»، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيد الأنام، ويوم الجمعة سيد الأيام، فللصلاة عليه في هذا اليوم مزِيَّة ليست لغيره، مع حكمة أخرى وهي أنَّ كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة، فإنما نالته على يده، فجمع الله لأمته به بين خيري الدنيا والآخرة، فأعظم كرامة تحصل لهم، فإنما تحصل يوم الجمعة، فإنَّ فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو يوم عيد لهم في الدنيا، ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم، ولا يَرُدُّ سائلهم، وهذا كله إنما عرفوه، وحصل لهم بسببه، وعلى يده، فمن شُكْرِهِ وحَمْدِهِ، وأداء القليل من حقه -صلى الله عليه وسلم-: أن نُكْثِرَ من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته. زاد المعاد (1/ 364).
وقال المناوي -رحمه الله-:
ووجه مناسبة الصلاة عليه يوم الجمعة وليلتها: أنَّ يوم الجمعة سيد الأيام والمصطفى سيد الأنام، فللصلاة عليه فيه مزِيَّة ليست لغيره، مع حكمة أخرى، وهي أنَّ كل خير تناله أمته في الدارين، فإنما هو بواسطته، وأعظم كرامة تحصل لهم في يوم الجمعة، وهي بعثُهم إلى قصورهم ومنازلهم في الجنة، وكما أنَّ لهم عيدًا في الدنيا، فكذا في الآخرة، فإنَّه يوم المزيد الذي يتجلَّى لهم الحق تعالى فيه، وهذا حصل لهم بواسطة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فمن شُكْرِهِ: إكثار الصلاة عليه فيه. فيض القدير (2/ 88).
وقال الشافعي -رحمه الله-:
وأحبُّ كثرة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل حالٍ، وأنا في يوم الجمعة وليلتها أشدُّ استحبابًا. الأم(1/ 239).
قوله: «فمَنْ صلَّى عليَّ صلاةً»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«مَن صلى عليَّ» أي: طلب لي من الله دوام التشريف. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 417).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«مَن صلى عليَّ» أي: طلب لي من الله دوَام التَّعْظِيم والترقي. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 427).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«مَن صلى عليَّ صلاةً» أي: واحدةً. مرقاة المفاتيح (2/ 558).
قوله: «صلَّى اللهُ عليه عَشْرًا»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«صلى الله عليه عشرًا» أي: رَحِمَه، وضاعف أجره. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 417).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «صلى الله عليه عشرًا» معنى صلاة الله عليه: رحمته له، وتضعيف أجره على الصلاة عشرًا، كما قال تعالى: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} الأنعام: 160، وقد تكون على وجهها، وظاهرها؛ تشريفًا له بين ملائكته، كما قال في الحديث الآخر: «وإن ذكرني في مَلَأٍ، ذكرته في مَلَأٍ خير منهم». إكمال المعلم (2/ 306).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله- مُتعقِّبًا القاري:
قلتُ: إذا كانت الصلاة على ظاهرها كلامًا تشريفًا للمصلي، وتكريمًا له، فلا بُدَّ من التقييد بسماع الملائكة؛ لِيُظْهِرَ عندهم شرافته وكرامته بسماعهم صلاة الله عليه. تحفة الأحوذي (2/ 497).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«صلَّى الله عليه عشرًا» أي: كتب له أجر عشر صلوات، أو أمر ملائكته بالصلاة عليه، أي: الدعاء له والاستغفار. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 223).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«صلَّى اللهُ عليه عشرًا» أي: عشر صلوات، والمعنى: رَحِمَه، وضاعف أجره، كقوله تعالى: {مَن جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِها} الأنعام: 160، والظاهر: أنَّ هذا أقلُّ المضاعفة. مرقاة المفاتيح (2/ 742).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- أيضًا:
«صلَّى الله عليه» أي: أعطاه بها، «عشرًا» أي: من الرحمة، وفي رواية: «صلى الله وملائكته عليه بها عشرًا»؛ بل أكثر، كما جاء في روايات كثيرة. مرقاة المفاتيح (2/ 558).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«صلَّى الله عليه عشرًا» أي: عشر صلوات، وكلما زاد، زاده بتلك النِّسْبة. مرعاة المفاتيح (3/ 259).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
والمراد بالصلاة من الله: الرحمة لعباده، وأنَّه يرحمهم رحمة بعد رحمة، حتى تبلغ رحمته ذلك العدد، وقيل: المراد بصلاته عليهم: إقباله عليهم بعطفه، وإخراجهم من حال ظلمة إلى رفعة ونور، كما قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} الأحزاب: 43. تحفة الذاكرين (ص: 47).
وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا) و (هنا) و (هنا)