الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«إذا أَلقى الله في قلب امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ، فلا بأس أن ينظر إليها».


رواه أحمد برقم: (17976) ورقم: (17981)، وابن ماجه برقم: (1864)، من حديث محمد بن مسلمة -رضي الله عنه-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (98)، صحيح ابن ماجه برقم: (1864).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«خطْبَة امْرَأَة»:
بِكَسْر الْخَاء، التمَاس نِكَاحهَا. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 80)
قال الفيومي -رحمه الله-:
وخطب ‌المرأة ‌إلى ‌القوم ‌إذا ‌طلب ‌أن ‌يتزوج ‌منهم. المصباح المنير(1/ 173).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وأصل الخِطبة هو طلب الزواج والنكاح. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (4/ 448).


شرح الحديث


قوله: «إذا ألقى الله في قلب امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ»:
قال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
أي: عَزم على خِطبتها. فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام (ص: 514).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«قلب امرئ» أي: شخص. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (11/ 67).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«‌خِطبة ‌امرأة» بكسر الخاء: التماس نكاحها. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 80).
وقال السندي -رحمه الله-:
«‌خِطبة ‌امرأة» بكسر الخاء المعجمة بمعنى: طلب النكاح. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 574).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«‌خِطبة ‌امرأة» أي: طلب التزويج من الولي. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 599).

قوله: «فلا بأس أن ينظر إليها»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«فلا بأس» أي: لا حرج «أن ينظر إليها» أي: إلى الوجه والكفين منها فقط، بل يسن وإن لم تأذن ولا وليها اكتفاء بإذن الشارع. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 80).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فلا بأس أن ينظر إليها» أي: لا حرج ولا منع شرعًا، وهذا قال به جماهير العلماء. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 599).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فلا بأس» ولا حرج عليه في «أن ينظر إليها» إلى الوجه والكفين بقصد الخِطبة لها. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (11/ 67).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله- أيضًا:
أما ‌نفي ‌البأس والجناح فإنما هو لردِّ ما عسى أن يتوهم متوهم فيه البأس والجناح لكونها امرأة أجنبية فلا ينافي الاستحباب، فإذا لم يمكنه النظر إليها استحب أن يبعث امرأة تصفها له، وإنما يباح له النظر إلى وجهها وكفيها فحسب؛ لأنهما ليسا بعورة في حقه. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (15/ 301).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وكره له مالك أنْ يستغفلها، ومعناه: أن ينظر إليها على غفلة وغرة من حيث لا تشعر؛ مخافة أن يطّلع على عورتها. إكمال المعلم (4/ 576).
وقال السندي -رحمه الله-:
«أن ينظر إليها» فالنظر إلى الأجنبية لقصد النكاح جائز. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 574).
وقال المظهري -رحمه الله-:
النظر إلى المرأة قبل النكاح يوقع الأُلفة بين الزوجين؛ لأنه إذا نظر، فإن مال قلبه إليها وتزوجها، يكون تزوجها عن معرفة ورؤية، وكل فعل يكون عن معرفة وتجربة، لا تكون بعده ملامة غالبًا، وإن لم ينظر إليها فربما يظنها جميلة، فإذا تزوجها عن هذا الظن، فربما لا تكون كما ظنها، فيكون بعد ذلك نادمًا على تزوجها، ولا يكون له بها أُلفة. المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 23).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
فإن ‌النظر ‌أولى ‌بالإصلاح وإيقاع الأُلفة والوفاق بينكما. الفائق في غريب الحديث (1/ 29).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
وإنما اُعتبر ذلك قبل الخِطبة؛ لأنه لو كان بعد فلربما أعرض عنها فيؤذيها. إرشاد الساري (8/ 47).
وقال إمام الحرمين -رحمه الله-:
وينبغي أنْ يُقدَّم النظر على الخِطبة؛ لأنه إذا قدَّم الخِطبة، ثم نظر، فقد لا تقع بغرضه، فَتَرْكُ الخِطبة يؤدي إلى الإيحاش.
ولا يفتقر إلى إذن المرأة، بل له أنْ يتغفَّلها فينظرها؛ لأن استئذانها بمثابة تقديم الخِطبة، ولو أمر امرأة تنظر إلى مجردها، فلا بأس. نهاية المطلب في دراية المذهب (12/ 38).
وقال النووي -رحمه الله-:
وإذا نظر فلم تعجبه، فليسكت، ولا يقل: لا أريدها؛ لأنه إيذاء، والله أعلم. روضة الطالبين (7/ 21).
وقال ابن الرفعة -رحمه الله- مُتعقِّبًا كلام النووي:
قلتُ: في سكوته نظر، إذا كان نظره إليها بعد الخِطبة والركون، فإن كان فليكن إذا كان قبل الركون؛ لأنه لا يلزم منه الكف عن خِطبة الغير لها، بخلافه فيما بعده، والله أعلم. المطلب العالي شرح وسيط الغزالي (ص: 257).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وظاهر الخبر أنه يكرر النظر بقدر الحاجة، فلا يتقيد بثلاث خلافًا لبعضهم، وإضافة الإلقاء إلى الله تعالى تفيد أن الندب بل الجواز مقصور على راجي الإجابة عادة بأن مثله ينكح مثلها. فيض القدير (1/ 302).
وقال الدميري -رحمه الله-:
(وله تكرير نظره) إليها؛ ليتبين هيئتها؛ ولئلا يندم بعد النكاح، وإنما يكرر النظر حيث احتاج إليه، والظاهر أن ذلك مقيد بثلاث؛ لأن بها تندفع الحاجة، وفي حديث عائشة -رضي الله عنها-: «أُريتك في ثلاث ليالٍ»، وسواء خشي الفتنة من ذلك أم لا، كما قاله الروياني والإمام، وقال الجويني في مختصره، والغزالي في الخلاصة: لا يتأمل عند خوف الفتنة...
وإذا تعذر النظر عليه ينبغي أن يبعث امرأة تنظرها، وتصفها له، وهو مستثنى من النهي عن ذلك للحاجة. النجم الوهاج في شرح المنهاج (7/ 18-19).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
جواز النظر إليها قول مالك والشافعي وأحمد والكوفيين (الأحناف) وجمهور العلماء، وقال الأوزاعي: ينظر إليها ويجتهد، وينظر مواضع اللحم منها.
قال الشافعي وأحمد: وسواء بإذنها أو بغير إذنها إذا كانت مسترة، وحكى بعض شيوخنا تأويلًا على قول مالك: أنه لا ينظر إليها إلا بإذنها؛ لأنه حق لها، وليس ببين، ولا يجوز عندهم أن ينظر إلى عورتها، ولا وهي حاسرة، وكره آخرون ذلك كله.
والسنة تقضي عليهم مع الإجماع على جواز النظر للحاجة كالشهادة وغيرها، وأجاز داود أن ينظر إلى سائر جسدها تمسكًا بظاهر اللفظ، وأصول السنة أيضًا تردُّ عليهم. إكمال المعلم (4/ 576).
وقال ابن الرفعة -رحمه الله-:
ولعل السر في عدم اشتراط الإذن: أنَّه لو اعتُبر فربما صبغت وتجمَّلت بما ليس فيها، ففيه نوع من غرور يدعوه إلى العقد عليها، وهذا بخلاف مقدم الغائب عن أهله إليهم؛ فإن المستحب أن يعلمهم بقدومه، وأن لا يقدم بغتة؛ لتفعل ما جاء في الخبر، ولا غرور في ذلك. المطلب العالي شرح وسيط الغزالي (ص: 259).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفيه استحباب النظر إلى وجه من يريد تزوجها، وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وجماهير العلماء، وحكى القاضي (عياض) عن قوم كراهته، وهذا خطأ مخالف لصريح هذا الحديث، ومخالف لإجماع الأمة على جواز النظر للحاجة عند البيع والشراء والشهادة ونحوها، ثم إنه إنما يباح له النظر إلى وجهها وكفيها فقط؛ لأنهما ليسا بعورة؛ ولأنه يستدل بالوجه على الجمال أو ضده، وبالكفين على خصوبة البدن أو عدمها، هذا مذهبنا ومذهب الأكثرين، وقال الأوزاعي: ينظر إلى مواضع اللحم، وقال داود: ينظر إلى جميع بدنها، وهذا خطأ ظاهر منابذ لأصول السنة والإجماع، ثم مذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجمهور أنه لا يشترط في جواز هذا النظر رضاها، بل له ذلك في غفلتها ومن غير تقدم إعلام، لكن قال مالك: أكره نظره في غفلتها مخافة من وقوع نظره على عورة، وعن مالك رواية ضعيفة أنه لا ينظر إليها إلا بإذنها، وهذا ضعيف. شرح صحيح مسلم(9/ 210).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
ومن أراد أنْ يتزوج امرأة حرة أو أَمَةً، فله أن ينظر منها -متغفلًا لها وغير متغفل- إلى ما بَطَنَ منها وظهر، ولا يجوز ذلك في أَمَة يريد شراءها، ولا يجوز له أن ينظر منها إلا إلى الوجه والكفين فقط، لكن يأمر امرأة تنظر إلى جميع جسمها وتخبره. المحلى بالآثار (9/ 161).
وقال ابن الملقن -رحمه الله- مُعقِّبًا على كلام ابن حزم:
وقد قال المفسرون في قوله: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} النور: 31: إنَّه الوجه والكفان، وقال ابن عباس: الوجه وباطن الكف...
ووجه ما ذكره (ابن حزم) ظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: «انظر إليها»، ولنا الآية السالفة؛ ولأنه أبيح للحاجة فيختص بما تدعو إليه، وهو ذلك، والحديث مطلق، ومن نظر إلى وجه إنسان سمي ناظرًا إليه، ومن رآه وعليه ثيابه سمي رائيًا له، كما قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} المنافقون: 4. وقال: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الأنبياء: 36. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (24/ 392).
وقال ابن مفلح -رحمه الله-:
قال أحمد: لا بأس أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها من يد أو جسم أو نحو ذلك؛ لأنه -عليه السلام- لما أذن في النظر إليها من غير علمها، علم أنه أَذِن في النظر إلى ما يظهر غالبًا؛ إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور، وقيل: ورأس وساق، وعنه: وكف، وقال أبو بكر (المروذي): لا بأس أن ينظر إليها عند الخِطبة حاسرة. المبدع في شرح المقنع (6/ 85).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
دلت الأحاديث على أنه يندب تقديم النظر إلى من يريد نكاحها، وهو قول جماهير العلماء.
والنظر إلى الوجه والكفين؛ لأنه يستدل بالوجه على الجمال أو ضده، والكفين على خصوبة البدن أو عدمها، وقال الأوزاعي: ينظر إلى مواضع اللحم، وقال داود: ينظر إلى جميع بدنها، والحديث مطلق، فينظر إلى ما يحصل له المقصود بالنظر إليه. سبل السلام (2/ 165، 166).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
لا ينظر إليها نظر تلذذ ولا شهوة ولا لزينة، قال الإمام أحمد: ينظر إلى الوجه على غير طريق لذة، وله أن يُردِّدَ النظر إليها متأملًا محاسنها. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (24/ 391).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
لا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى الوجه، وإنما الخلاف فيما زاد على ذلك، وسبب هذا أنه لم يرد دليل في تعيين المواضع التي يراها الخاطب، إلا أن الأدلة ذكرت الغرض من الرؤية، وهو الاطمئنان على أوصاف المرأة مما يكون له أثر في تقوية العقد وتأكيده، والقول المختار أنه ينظر إلى ما يدعوه ويرغبه في نكاحها: كالوجه والكفين، والمظهر العام للجسم: كالرقبة والقدمين والساعدين؛ لأنه نظر أبيح للحاجة فيقتصر عليها. منحة العلام في شرح بلوغ المرام (7/ 201).
وقال الدميري -رحمه الله-:
ويُستحب للمرأة أيضًا أنْ تراه إذا أرادت نكاحه؛ لأنها يعجبها منه ما يعجبه منها. النجم الوهاج في شرح المنهاج (7/ 18-19).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
إذا ثبت النظر للرجل فهو ثابت للمرأة من باب أولى؛ لأنها يعجبها منه ما يعجبه منها؛ ولأن العقد بالنسبة لها أصعب من الرجل، فإن الرجل يتخلص منها بالطلاق، وهي لا تستطيع التخلص إلا في حالات خاصة، ونصوص الشريعة غالبًا ما يخاطب بها الرجل مع أنها عامة في حق الجميع، والشارع لم يوجِّه المرأة إلى النظر للخاطب؛ لأن الرجال ظاهرون بارزون، يمكن المرأة أن ترى خطيبها بسهولة ويُسْرٍ، وإذا وقع النظر على الصفة التي تقدمت رأت المرأة خطيبها بكل وضوح، كما يراها هو -والله تعالى أعلم-. منحة العلام في شرح بلوغ المرام (7/ 204).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
وأما تصوير المرأة لإعطاء الصورة للخطيب فلا نرى ذلك سائغًا؛ لأن التصوير ممنوع إلا للحاجة، وتصوير المرأة من أسباب الفتنة؛ ولأن صورتها قد تنتشر فتبلغ الآفاق. توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (4/ 49).
وسُئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ما حكم إعطاء الخاطب صورة المخطوبة؟
فأجاب: لا أرى إعطاء الخاطب صورة المخطوبة:
أولًا: لأنه لا يحصل المقصود بها.
وثانيًا: أنها قد تبقى عند الخاطب، لكن إذا احتاج إلى ذلك، يمكن أن يريه الولي الصورة وهي بيده، أي: الولي، ولا يأخذها. الكنز الثمين في سؤالات ابن سنيد لابن عثيمين (ص: 140).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
ويسأل بعض الناس يقول: هل يجوز أن أطلب صورتها في الفوتوغرافية؟ فنقول: لا يجوز.
أولًا: أن الصورة قد تبقى بيد الخطيب حتى وإن رد.
ثانيًا: أن الصورة لا تمثل الواقع والحقيقة، قد تشوه المنظر، وقد تحسن المنظر، فينخدع الإنسان.
ثالثًا: أنه لا ينبغي للإنسان أن يمكن أحدًا من أن يلتقط صورة أهله بناته أو أخواته، أو ما أشبه ذلك، بل لا يجوز له هذا؛ لما في ذلك من الفتنة، وربما تقع هذه الصورة بأيدي أناس فساق يعرضون بناتك على الناس، إن كن جميلات صرن فتنة للناس، وإن كن قبيحات صرن مشمتًا للناس. اللقاء الشهري (22/ 19).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يحرم النظر إلى النساء...ولو كان النظر إلى النساء جائزًا وكان من عادة نساء الصحابة لكان الإنسان يستطيع أن ينظر سواء كان خاطبًا أو غير خاطب وهو كذلك، وهذا من الأدلة التي يستدل بها على وجوب تحجب المرأة عن الرجال الأجانب. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (4/ 451).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
فهذا دليل على تحريم النظر إلى وجه الأجنبية، وإلى ما يباح للخاطب النظر من جسمها، وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى، ولا عبرة بالأقوال الضعيفة التي لا تستند إلى حق وصواب. توضيح الأحكام من بلوغ المرام (5/ 249).


ابلاغ عن خطا