الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«إذا أكل أحدُكُم فَلْيَلْعَقْ أصابعَهُ، فإنه لا يدرِي في أيَّتهنَّ البركةُ؟».


رواه مسلم برقم: (2035)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«فَلْيَلْعَقْ»:
أي: يلحسها ندبًا. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 289).
وقال الجوهري -رحمه الله-:
يُقال: «‌لَعِقْتُ ‌الشيءَ، ‌بالكسر، ‌أَلْعَقُهُ لَعْقًا، أي: لَحِسْتُهُ. الصحاح، للجوهري (4/ 1550).


شرح الحديث


قوله: «إذا أكل أحدكم فَلْيَلْعَقْ أصابعه»:
قال العيني -رحمه الله-:
«إذا أكل أحدكم» أي: طعامًا. عمدة القاري (21/ 76).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«إذا أكل أحدكم» طعامًا وتعلَّق بيده منه شيء. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (11/ 571).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«إذا أكل أحدكم» طعامًا يعلق بيده «فَلْيَلْعَقْ أصابعه». الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (21/ 185).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«فَلْيَلْعَقْ» بفتح الياء والعين، أي: فليلحس. تحفة الأحوذي (5/ 423).
وقال الشيخ موسى شاهين لاشين -رحمه الله-:
والمراد بلعق الأصابع لحسها باللسان، ومصُّها بالشفتين. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (8/ 219).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
يعني: لحسها حتى يكون ما بقي من الطعام فيها داخلًا في طعامه الذي أكله من قبل. شرح رياض الصالحين (3/ 531، 532).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فَلْيَلْعَقْ أصابعه» أي: التي أَكل بها. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 592).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قال العراقي: أطلق الأمر بلعق الأصابع، والمراد بها ‌الثلاث ‌التي ‌أُمِرَ ‌بالأكل بها. فيض القدير (1/ 297).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فَلْيَلْعَقْ ‌أصابعه» أي: واحدًا بعد واحد. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (5/ 237).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في لعق الأصابع معانٍ: منها: زوال الكبر، وحفظ بعض أجزاء الزاد وإن قل؛ لأن الكثير يجتمع من القليل، ومتى لم يلعق الأصابع ويمسح القصعة ضاع ما فيها، وقد نُهِيَ عن إضاعة المال. الإفصاح عن معاني الصحاح (5/ 369، 370).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وفي لعق الأصابع ثلاثة معانٍ:
أحدها: أنه ربما كانت البركة في ذلك القدر الباقي على اليد، وسيأتي هذا في مسند جابر.
والثاني: أنه دفع للكبر.
والثالث: أنه منع التبذير والتفريط فيما خلق قوامًا للآدمي، وقد كانوا يحتاجون إلى مصِّ النواة لشدة فقرهم. كشف المشكل (2/ 130).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ولعقه -صلى الله عليه وسلم- أصابعه الثلاثة، وأمره بذلك يدل: على أنه سنة مستحبة، وقد كرهه بعض العامة واستقذره، وقوله بالكراهة والاستقذار أولى من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (أي: قول من أنكر هذه السنة أولى بالكراهة والاستقذار من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) ولو سكت الجهال قل الخلاف.
وفائدة اللعق احترام للطعام واغتنام للبركة، ألا ترى أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بلعق الأصابع والقصعة، وقال: «فإنه لا يدري في أي طعامه البركة؟» ومعناه -والله أعلم-: أن الله تعالى قد يخلق الشبع في الأكل عند لعق الأصابع أو القصعة، فلا يُترَكُ شيء من ذلك احتقارًا له. المفهم (5/ 298، 299).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وقد عابه قوم أفسدت عقولَهم الترفّهُ، وغيّر طباعَهم الشَّبعُ والتُّخمةُ، وزعموا أنَّ لعق الأصابع مستقبح، أو مستقذر، كأنهم لم يعلموا أنَّ الذي عَلِقَ بالإصبع أو الصحفة جزءٌ من أجزاء الطعام الذي أكلوه وازدردوه، فإذا لم يكن سائر أجزائه المأكولة مستقذرة لم يكن هذا الجزء اليسير منه الباقي في الصحفة واللاصق بالأصابع مستقذرًا كذلك، وإذا ثبت هذا فليس بعده شيء أكثر من مسه أصابعه بباطن شفتيه، وهو ما لا يعلم عاقل به بأسًا؛ إذا كان المساس والممسوس جميعًا طاهرين نظيفين، وقد يتمضمض الإنسان فيدخل إصبعه في فيه، فيدلك أسنانه، وباطن فمه، فلم يرَ أحدٌ ممن يعقل أنه قذارة، أو سوء أدب، فكذلك هذا لا فرق بينهما في منظر حسٍّ ولا مخبر عقل. معالم السنن (4/ 260).
وقال الدميري -رحمه الله-:
ولو قال لغيره: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أكل لحس أصابعه الثلاثة، فقال السامع: هذا ليس بأدب، كفر، وكذا لو قال لغيره: قلِّم أظافرك؛ فهو سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: لا أفعله، وإن كان سنة، كفر، قال المصنف (النووي): المختار أنه لا يكفر بهذا إلا أن يقصد الاستهزاء. النجم الوهاج في شرح المنهاج (9/ 81).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قال العلماء: استحباب لعق اليد، محافظة على بركة الطعام، وتنظيفًا لها، ودفعًا للكبر. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (26/ 238).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وفائدة اللعق احترام الطعام واغتنام بركته، ألا ترى أنه -عليه السلام- أمر بلعق الأصابع والقصعة وقال: «إنه لا يدري في أي طعامه البركة؟». شرح سنن أبي داود (15/ 514).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
مِن سنن الأكل لعق اليد؛ محافظةً على بركة الطعام، وتنظيفًا لها. الكاشف عن حقائق السنن (9/ 2839).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فيه فائدة ذكرها بعض الأطباء؛ أن الأنامل تفرز عند الأكل شيئًا يعين على هضم الطعام، فيكون في لعق الأصابع بعد الطعام فائدتان:
فائدة شرعية: وهي الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
وفائدة صحية طبية: وهي هذا الإفراز الذي يكون بعد الطعام يُعين على الهضم.
والمؤمن لا يُهمِّهُ ما يتعلق بالصحة البدنية، أهم شيء عند المؤمن هو اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به؛ لأن فيه صحة القلب، وكلما كان الإنسان للرسول -صلى الله عليه وسلم- أتبع؛ كان إيمانه أقوى. شرح رياض الصالحين (3/ 531، 532).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
وما سقط من الطعام ففرض أكلُه، ولعق الأصابع بعد تمام الأكل فرض، ولعق الصحفة إذا تم ما فيها فرض. المحلى بالآثار (6/ 117).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قال العراقي: والأمر بلعق الأصابع حمله الجمهور على الندب والإرشاد، وحمله الظاهرية على الوجوب، وبالغ ابن حزم في المحلى فقال: هو فرض، قال العراقي: وكان ينبغي أن يكون الفرض عندهم على التخيير إما لعقها أو إلعاقها.فيض القدير(1/ 297).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
لا يخفى أنَّ ما ذهب إليه الظاهرية من الوجوب هو ظواهر النصوص، فتبصر بالإنصاف، والله تعالى أعلم. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (34/ 223).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وظاهر الأوامر الوجوب إلا أنه يأتي فيه من البحث ما سلف في حديث الاستيقاظ، وأنه علل بأمر يقتضي الشك، وهو لا يقتضي الإيجاب، على أنا قد بحثنا في ذلك في حواشي شرح العمدة بحثًا نفيسًا لم يُسبق إليه. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 592).
وقال العيني -رحمه الله-:
ينبغي ‌في ‌لعق ‌الأصابع ‌الابتداء ‌بالوسطى ‌ثم ‌السبابة ‌ثم ‌الإبهام، كما جاء في حديث كعب بن عُجْرَة رواه الطبراني في الأوسط قال: «رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأكل بأصابعه الثلاث قبل أن يمسحها بالإبهام والتي تليها والوسطى، ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث؛ فيلعق الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام»، وكأن السبب في ذلك أن الوسطى أكثر الثلاثة تلويثًا بالطعام؛ لأنها أعظم الأصابع وأطولها، فينزل في الطعام منه أكثر مما ينزل من السبابة، وينزل من السبابة في الطعام أكثر من الإبهام لطول السبابة على الإبهام. ويحتمل أن يكون البدء بالوسطى؛ لكونها أول ما ينزل في الطعام لطولها عمدة القاري (21/ 76).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وهذا كُله يدل على استحباب لعق الأصابع إذا تعلق بها شيء من الطعام، كما قدمناه، لكنه في آخر الطعام، كما نص عليه، لا في أثنائه؛ لأنه يمس بأصابعه بزاقه في فيه إذا لعق أصابعه ثم يعيدها، فيصير كأنه يبصق في الطعام؛ وذلك مستقذر مستقبح. المفهم (5/ 301).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وزاد في روايات: «أو يلعقها غيره» ممن لا يتقذر ذلك. فيض القدير (2/ 350).
وقال النووي -رحمه الله-:
معناه -والله أعلم- لا يمسح يدهُ حتى يَلْعَقَهَا، فإن لم يفعل فحتَّى يلعقها غيره ممن
ممن لا يتقذَّر ذلك، كزوجةٍ وجاريةٍ وولدٍ وخادمٍ، يحبونه، ويلتذون بذلك، ولا يتقذرون. والله أعلم. شرح صحيح مسلم(13/ 206).

قوله: «فإنه لا يدري في أَيتهن البركة؟»:
قال النووي -رحمه الله-:
«فإنه لا يدري في أيتهن البركة؟» هكذا هو في معظم الأصول، وفي بعضها: «لا يدري أيتهما»، وكلاهما صحيح، أما رواية: «في أيتهن؟» فظاهرة، وأما رواية: «لا يدري أيتهن البركة؟» فمعناه: أيتهن صاحبة البركة، فحذفَ المضاف، وأقامَ المضاف إليه مقامه، والله أعلم. شرح النووي على مسلم (13/ 207).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
معناه -والله أعلم-: أن الطعام الذي يحضره الإنسان فيه بركة، ولا يدري أن تلك البركة فيما أكله، أو ‌فيما ‌بقي ‌على ‌أصابعه أو في ما بقي في أَسفل القِصعة أو في اللُّقْمَةِ السَّاقطة، فينبغي أن يُحافظ على هذا كُلّه؛ لتحصل البركة. شرح مسلم (13/ 206).
وقال العيني -رحمه الله-:
يعني: فيما أكل أو فيما بقي في الإناء، فيلعق يده، ويمسح الإناء؛ رجاء حصول البركة. عمدة القاري (21/ 76).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«فإنه لا يدري في أيتهن» أي: في أية أصابعه «البركة» أي: حاصلة أو تكون البركة. تحفة الأحوذي (5/ 424).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فإنه لا يدري» ولا يعلم «في أيتهن» أي: في أية أجزاء طعامه «البركة». الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (21/ 185).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: في أي طعامه يعني في الطعام الذي أكله، أم في الذي لعق من أصابعه. مرقاة المفاتيح (7/ 2694).
وقال السندي -رحمه الله-:
أي: لا يدري أن البركة فيما على الأصابع، أو في غيره، فينبغي أن لا تضيع -والله أعلم-. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (2/ 304).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
والمحافظة على البركة مراده تعالى. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 486).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قد تكون البركة ونفع الطعام الكثير بهذا الجزء الذي تَلْعَقُهُ من أصابعك. شرح رياض الصالحين (4/ 230).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأصل البركة: الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به، والمراد هنا -والله أعلم-: ما يحصل به التغذية، ‌وتسلم ‌عاقبته من أذى، ويقوِّي على طاعة الله تعالى، وغير ذلك. شرح مسلم (13/ 206).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«البركة» أي: المفيدة للقناعة أو المعينة على الطاعة. مرقاة المفاتيح (7/ 2695).
وقال المناوي -رحمه الله-:
أي: ما يحصل به التغذي، ويقوى به على الطاعة كما تقرر، ومنه أُخذ أنَّ الكلام فيما يحل تناوله، وذُكر اسم الله عليه، قيل: وقد يُراد بالبركة: صلاحية كون الطعام بصفة صالحة للإنسانية. فيض القدير (1/ 298).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«البركة» النماء والزيادة. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 592).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
وفي الحديث دليل على استعمال التواضع.
وفيه دليل على استحباب لَعق الأصابع بعد الأكل قبل مسحها أو غسلها.
وفيه دليل على استعمال السنة، والأمر بها في كل شيء حتى ما يعده الناس في العرف دناءة.
وفيه دليل على عدم إهمال شيء من فضل الله تعالى مأكولًا أو مشروبًا كان أو غيرهما، وإن كان تافهًا حقيرًا في العرف، والله أعلم. العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام (3/ 1605).


ابلاغ عن خطا