«أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أتاهُ أمرٌ يسُرُّهُ أو بُشِّرَ به، خَرَّ ساجدًا، شُكْرًا للَّهِ -تبارك وتعالى-».
رواه أبو داود برقم: (2774)، والترمذي برقم: (1578)، وابن ماجه برقم: (1394) واللفظ له، من حديث أبي بَكْرَةَ -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (4701)، مشكاة المصابيح برقم: (1494).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«خَرَّ»:
خَرَّ يَخِرُّ خَرًّا: إِذا هوى من عُلوٍّ إلى سُفْل، وكُلّ واقع كذلك فقد خَرَّ. جمهرة اللغة، لابن دريد (1/ 104).
شرح الحديث
قوله: «كان إذا أتاه أمر يسرُّه»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«إذا أتاه» وجاءه «أمر يسرُّه» أي: يُبشِّرهُ من باب شَدَّ. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (8/ 374).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
أي: أمر يُسَرُّ به. التحبير لإيضاح معاني التيسير (5/ 587).
وقال السندي -رحمه الله-:
أي: أمر يكون سببًا لسرور عظيم كما يدل عليه التنكير. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (3/ 192).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
يوجب سرورًا. لمعات التنقيح (3/ 609).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
ونكَّر «أمر» للتفخيم وللتعظيم. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1318).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
أي: إذا جاءه أمر عظيم حال كونه سروراً. مرعاة المفاتيح (5/ 165).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«أمر» عظيم كما يفيده التنكير. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 365).
وقال السندي -رحمه الله-:
«إذا أتاه أمر» أي: عظيم جليل القدر رفيع المنزلة، من هجوم نعمة منتظرة، أو غير منتظرة، مما يندر وقوعها، لا ما يستمر وقوعها؛ إذ لا يقال في المستمر: إذا أتاه. كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 423، 424).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
ولأن المراد بالسرور هو سرور يحصل عند هجوم نعمة ينتظرها، أو يفاجأ بها من غير انتظار مما يندر وقوعها، لا ما استمر وقوعها. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1318).
قوله: «أو بُشِّرَ به»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
أي: يأتي بسرور. التحبير لإيضاح معاني التيسير (5/ 587).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«أو بُشِّرَ به» على بناء الماضي المجهول من التبشير. مرعاة المفاتيح (5/ 165).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«أو» قال الراوي: إذا أتاه أمر «بُشِّرَ به» أي: بذلك الأمر. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (8/ 374).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«أو» للشك في اللفظ، والمعنى واحد. فتح الإله في شرح المشكاة (5/374).
قوله: «خرَّ ساجدًا»:
قال المظهري -رحمه الله-:
أي: سقط للسجود. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 366).
وقال المناوي -رحمه الله-:
أي: سقط على الفور هاويًا إلى إيقاع سجدة. فيض القدير (5/ 118).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
أي: سقط على الأرض بوجهه. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (8/ 373).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«خر» أي: سواء كان يتوقع حصوله أو لا. شرح سنن أبي داود (12/ 97).
وقال ابن رسلان -رحمه الله- أيضًا:
وقوله: «خرَّ ساجدًا» يُفهم منه أنه إذا كان قاعدًا لا يقوم، لكن رواية أحمد: «فقام فخرَّ ساجدًا». شرح سنن أبي داود (12/ 98).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
ذهب جمع من العلماء إلى ظاهر هذا الحديث، فرأوا السجود مشروعاً في باب شكر النعمة، وخالفهم آخرون فقالوا: المراد من السجود الصلاة، وحجتهم في هذا التأويل ما ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أُتِيَ برأس أبي جهل خَرَّ ساجدًا، وقد روي عن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه-، وفي روايته: «صلَّى رسول الله بالضحى ركعتين حين بُشِّرَ بالفتح أو برأس أبي جهل». الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 355).
قوله: «شُكْرًا لله -تبارك وتعالى-»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«شُكْرًا لله» على إنعامه وتواضعًا له وإقبالًا عليه، وإعراضًا عن السرور بالأمور العارضة، وفيه سُنيَّةُ ذلك، ولا حجة لمن قال: لا يندب سجود الشكر. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 365).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«شُكْرًا لله» العبادة عن تجدد النعم سُنَّة، ومنها: الحمد لله والصدقة، ومنها: إعطاء الْمُبَشِّر. التحبير لإيضاح معاني التيسير (5/ 587).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«شُكْرًا لله -تبارك وتعالى-» على ذلك الأمر. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (8/ 374).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
لشكر الله تعالى على ما أحدث له من السرور، ومن ثَمَّ نُدِبَ سجود الشكر عند حصول نعمة، واندفاع نقمة، والسجود أقصى حالة العبد في التواضع لربه، وهو أن يضع مكارم وجهه بالأرض، ويُنَكِّسُ جوارحه، وهكذا يليق بالمؤمن، كلما زاده ربه محبوبًا ازداد له تذللًا وافتقارًا، فبه ترتبط النعمة، ويجتلب المزيد {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} إبراهيم: 7، والمصطفى -صلى الله عليه وسلم- أشكرُ الخلق للحق؛ لعظم يقينه، فكان يفزع إلى السجود. الشمائل الشريفة (ص: 117).
وقال المناوي -رحمه الله-:
والمصطفى -صلى الله عليه وسلم- أشكرُ الخلق للحق؛ لعظم يقينه، فكان يفزع إلى السجود، وفيه حجة للشافعي في ندب سجود الشكر عند حدوث سرور أو دفع بلية، وردٌّ على أبي حنيفة في عدم ندبه، وقوله: لو أُلزِمَ العبد بالسجود لكل نعمة متجددة كان عليه أن لا يغفل عن السجود طرفة عين، فإن أعظم النعم نعمة الحياة، وهي متجددة بتجديد الأنفاس، رُدَّ بأنَّ المراد: سرور يحصل عند هجوم نعمة، يُنتظر أن يفجأ بها مما يندر وقوعه، ومن ثَمّ قيدها في الحديث بالمجيء على الاستعارة، ومن ثَمَّ نكَّر «أمر» للتفخيم والتعظيم كما مرَّ. فيض القدير (5/ 118).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فيه دليل على أن الإنسان إذا فاجأه نعمة ظاهرة يسجد لله تعالى. شرح سنن أبي داود (12/ 97).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
ففيه استحباب سجود الشكر عند تجدد النعمة. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6/ 629).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
والحديث صريح في مشروعية سجود الشكر. مرعاة المفاتيح (5/ 166).
وقال المظهري -رحمه الله-:
وسجود الشكر(يكون) عند حدوث نعمة، أو وصول شيء إلى الرجل يُسرُّ به، واندفاع بلية كانت عليه. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 367).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
وهي لمن تجددت عنده نعمة ظاهرة، أو رزقه الله تعالى مالًا، أو ولدًا، أو اندفعت عنه نقمة ونحو ذلك، يستحب له أن يسجد لله تعالى شكرًا مستقبلَ القبلة. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (9/ 508).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
قال العلماء: يستحب سجود الشكر عند تجدد النعم، لحدوث ولد أو جاه أو مال، أو نصر على الأعداء وقدوم غائب، أو شفاء مريض، أو حدوث مطر عند القحط، أو زواله عند خوف التأذي به سواء كان خاصًّا به أو عامًّا. ويستحب أيضًا سجود الشكر عند اندفاع النقم كنجاةٍ من غرق أو عدو ونحو ذلك، واحتُرِزَ بتجدد النعمة عن استمرارها، فإنه لا يُسجد لها لاستمرار النعم؛ لأنها لا تنقطع، فيؤدي ذلك إلى استغراق العمر في ذلك. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (7/ 663، 664).
وقال السندي -رحمه الله-:
وليست سجدة الشكر مشروعة لكل نعمة حتى يقال: نعم الله تعالى على العبد دائمة، فينبغي أن يكون السجود على الدوام؛ بل لنعمة عظيمة لا يتجدد مثلها كل وقت، والله تعالى أعلم. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (3/ 193).
وقال عبد القادر الأسطواني -رحمه الله-:
ففيه: دليل على استحباب سجدة الشُّكر، وأنَّها مشروعة، وعلى أنَّ الإنسان إذا كان له عدوٌّ فهلك، أو حاجة قضيت؛ أن يحمد الله ويسجد لله تعالى شكرًا لما أنعمه عليه؛ فليحفظ. أصل الزراري شرح صحيح البخاري (ص: 373).
وقال الترمذي -رحمه الله-:
والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، رأوا سجدة الشكر. سنن الترمذي (4/ 141).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
سجدة الشكر عند حدوث ما يُسرُّ به من نعمة عظيمة، وعند اندفاع بلية جسيمة سنة عند الشافعي، وليست بسنة عند أبي حنيفة، خلافًا لصاحبيه. مرقاة المفاتيح (3/ 1102).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
ويستحب سجود الشكر عند تجدد النعم، واندفاع النقم، وبه قال الشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر.
وقال النخعي، ومالك، وأبو حنيفة: يكره. المغني (2/ 371).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
ولَمْ يره مالك، ولِمَ لا يُرى والسجود لله دائمًا هو الواجب؟! فإذا وُجِد أدنى سبب في السجود له، فليغتنم. عارضة الأحوذي (7/56).
وقال النووي -رحمه الله-:
مذهبُنا أنه سنة عند تجدد نعمة أو اندفاع نقمة، وبه قال أكثر العلماء، وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعلي وكعب بن مالك -رضي الله عنهم-، وعن إسحاق وأبي ثور، وهو مذهب الليث وأحمد وداود، قال ابن المنذر: وبه أقول، قال أبو حنيفة: يكره، وحكاه ابن المنذر عن النخعي، وعن مالك روايتان، أشهرهما: الكراهة، ولم يذكر ابن المنذر غيرها، والثانية: أنه ليس بسنة. المجموع شرح المهذب (4/ 70).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وظاهر الحديث أن سجوده كان خارج الصلاة، وهو كذلك، فإنها لا تشرع فيها. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6/ 629).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
ولا يسجد للشكر وهو في الصلاة؛ لأن سبب السجدة ليس منها، فإن فعل بطلت صلاته. المغني (2/ 372).
وقال النووي -رحمه الله-:
اتفق أصحابنا على تحريم سجود الشكر في الصلاة، فإن سجدها فيها بطلت صلاته بلا خلاف. المجموع شرح المهذب (4/ 68).
وقال المغربي -رحمه الله-:
في الحديث دلالة على شرعية سجدة الشكر، وقد ذهب إليه العِترة والشافعي وأحمد، خلافًا لمالك، ورواية عن أبي حنيفة فقالا: تكره؛ إذ لم يؤثر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، مع ترادف النعم عليه، واندفاع الضار، ورواية عن أبي حنيفة: بأنه لا كراهة فيها، ولا ندب لذلك، وأجيب بأن ذلك قد أُثِرَ بهذا الحديث المذكور وغيره؛ ولقوله -صلى الله عليه وسلم- في سجدة ص: «هي لنا شكر، ولداود توبة». البدر التمام شرح بلوغ المرام (3/ 230).
وقال البغوي -رحمه الله-:
ويشترط فيه الطهارة عن الحدث، وطهارة المكان والثوب عن الخبث، واستقبال القبلة، إلا أن يكون مسافرًا راكبًا، فيسجد إلى الطريق موميًا كسجود القرآن، غير أنَّ سجود الشكر لا يجوز فيه الصلاة. شرح السنة (3/ 317).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
واعلم أنه قد اختلف هل يشترط لها الطهارة أم لا؟ فقيل: يشترط قياسًا على الصلاة، وقيل: لا يشترط؛ لأنها ليست بصلاة، وهو الأقرب. سبل السلام (1/ 315).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
اختلف العلماء -رحمهم الله- هل تجب الطهارة لسجود التلاوة وسجود الشكر على قولين: فمنهم من قال: إنه لا تشترط الطهارة لا لسجود الشكر ولا لسجود التلاوة، ومنهم من قال: إنها شرط، والذي يظهر لي أنها شرط في سجود التلاوة دون سجود الشكر؛ وذلك لأن سجود الشكر قد يأتي على غِرَّةٍ دون أن يسبق له إنذار أو سبب معلوم، بخلاف سجود التلاوة. فتاوى نور على الدرب (8/ 2).
وقال الشيخ دبيان بن محمد الدبيان -حفظه الله-:
الخلاف في اشتراط الطهارة له (سجود الشكر) كالخلاف في سجود التلاوة، بل هو أضعف؛ لأنَّ سجود الشُّكر مختلف في مشروعيته بين الفقهاء...، بخلاف سجود التلاوة فإنه مشروع بالإجماع.
فالمشهور من مذهب الشافعية والحنابلة أنَّ سجود الشُّكر يشترط له ما يشترط للصلاة من الطهارة واستقبال القبلة، وستر العورة، واجتناب النجاسة.
واختار بعض المالكية بأنه لا تشترط له الطهارة، مع أن المالكية مختلفون في حكمه، فأكثرهم على أن سُجود الشكر مَكروهٌ. واختار بعضهم أنه جائز (مباح).
وكونه لا تشترط له الطهارة هو اختيار ابن تيمية.موسوعة أحكام الطهارة(8/٣٦١)
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
لم يُبيِّن المؤلِّف (الحجاوي)-رحمه الله- كيفية سُجود الشُّكر، لكن الكتب المُطوَّلَة بيَّنت أنّ سُجود الشُّكر كسُجُود التلاوة، وبناءً عليه: تكون صِفته على ما مشى عليه المؤلِّف: أنْ يُكبِّرَ إذا سجدَ، وإذا رفع، ويجلس ويُسلِّم.
والصحيح: أنه يُكبِّرُ إذا سجدَ فقط، ولا يُكبِّرُ إذا رفع ولا يُسلِّمُ، على أنّ التكبير عند السُّجود فيه شيء مِن النَّظر.الشرح الممتع(4/١٠٧)