ذَكَرَ رجلٌ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه يُخْدَعُ في البيوعِ، فقال: «إذا بايعتَ فقلْ: لا خِلَابةَ».
رواه البخاري برقم: (2117)، ومسلم برقم: (1533)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«لا خِلَابةَ»:
أي: لا خداع. النهاية، لابن الأثير (2/ 58).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
الخِلابة: مصدر خَلَبْت الرجل، إذا خَدَعْته، أخْلُبُه خَلْبًا وخِلابَة. أعلام الحديث(2/ 1033).
شرح الحديث
قوله: «ذكر رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يخدع في البيوع»:
قال ابن بطال -رحمه الله-:
هذا الرجل المذكور في الحديث منقذ بن عمرو الأنصاري جد واسع بن حبان. شرح صحيح البخاري (6/ 246).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
هو مُنْقِذُ بْنِ حِبَّانَ. التمهيد (10/ 382).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
هو حبان بن منقذ، وقيل: منقذ بن عمرو. مصابيح الجامع (5/ 44، 45).
وقال المغربي -رحمه الله-:
الرجل سماه ابن الجارود في المنتقى من طريق سفيان عن نافع أنَّه حَبَّان بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة، وكذلك في رواية ابن إسحاق، وذُكر في رواية ابن إسحاق أنَّه شكا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يلقى من الغَبْن، وقد أخرجه أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم من حديث أنس بلفظ: «أن رجلًا كان يبايع، وكان في عقله –أي: إدراكه- ضعف»...
زاد ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير وعبد الأعلى عنه: «ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال، فإن رضيتَ فأمسك، وإن سخطت فاردد»، فبقي حتَّى أدرك زمان عثمان وهو ابن مائة وثلاثين سنة، فكثر الناس في زمان عثمان، فكان إذا اشترى شيئًا فقيل له: إنك غبنت فيه، رجع، فيشهد له رجل من الصحابة بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جعله بالخيار ثلاثًا، فيرد له دراهمه. البدر التمام شرح بلوغ المرام (6/ 160-161).
وقال الكماخي -رحمه الله-:
«ذَكَرَ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه يُخْدَع» بضم التحتية، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الدال المهملة، فعين مهملة، أي: يُراد به المكروه، ويغبن غبنًا فاحشًا «في البيوع» أي: من حيث لا يعلم، ويبدي له غير ما يكتم. المهيأ في كشف أسرار الموطأ (4/ 57).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-
قوله: «ذكر لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنه يخدع في البيوع»، وفي حديث آخر: «شكا» يدل أنه ممن لم يفقد التمييز ولا النظر لنفسه بالكلية، ولعله إنما كان يعتريه هذا ويُلبَّس عليه أحيانًا، وأنه يتبين له ذلك إذا تثبت فيه، أما الذي يضرب على يديه ممن لا يهتم ذلك من نفسه، أو من لا يعدُّ المال شيئًا، ولا يرجع عن شهوته. إكمال المعلم (5/ 165-166).
قوله: «إذا بايعتَ فقل: لا خِلَابةَ»:
قال الطحاوي -رحمه الله-:
«لَا خلابة» أَي: لَا ينفذ عليَّ خلابتك إيَّايَ. مختصر اختلاف العلماء (5/ 220).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
«لا خلابة» أي: لا خديعة. شرح صحيح البخاري (6/ 247).
وقال الباجي -رحمه الله-:
الخِلابة: الخداع، وليس من الخداع أن يبيع البائع بالغلاء أو يشتري المشتري برخص، وإنما الخِلابة أن يكتمه عيبًا فيها، ويقول: إنها تساوي أكثر من قيمتها، وأنه قد أعطي فيها أكثر مما أعطى بها. المنتقى شرح الموطأ (5/ 108).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
والخِلابة: الخداع، ومنه قال: خَلَبَت المرأة قلب الرجل إذا خدعته بألطف وجه. الشافي في شرح مسند الشافعي (4/ 54).
وقال النووي -رحمه الله-:
ومعنى لا خِلابة: لا خديعة، أي: لا تحل لك خديعتي، أو لا يلزمني خديعتك. شرح مسلم (10/ 177).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«لا خِلابة» يعني: لا خديعة، الخِلابة: الخديعة؛ يعني: أبيع هذا بشرط أن أرد الثمن، وأسترد المبيع إذا ظهر لي غبن فيه. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 408).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«لا خِلابة» لنفي الجنس، وخبره محذوف على الحجازي (خبر لا النافية للجنس وجب حذفه عند التميميين والطائيين وكثر حذفه عند الحجازيين)، أي: لا خداع في الدِّين؛ لأن الدِّين النصيحة. الكاشف عن حقائق السنن (7/ 2122).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
أي: لا تخدعوني؛ فإن خديعتي لا تحل. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (10/ 207).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
والخِلابة: المخادعة، فـ«لا خِلابة» أي: لا خديعة، ولا غش، ولا كيد، ولا غبن ونحو ذلك. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (14/ 270).
وقال ابن الملقن -رحمه الله- أيضًا:
أي: لا خديعة ولا غبن؛ فإن ذلك لا يحل، مثل أن يدلس بالعيب، أو يسمي بغير اسمه، فلا يحل مطلقًا، وأما الخديعة التي هي تزيين السلعة والثناء عليها، والإطناب في مدحها فمتجاوز عنه، ولا ينتقض له البيع. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (32/ 73).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
أي: لا يلزمني خديعتك، أو بشرط لا يكون فيه خديعة. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (16/ 484).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
أي: لا خديعة لي في هذا البيع. شرح المصابيح (3/ 401).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«لا خلابة» ِمعناه لغة: لا غبن ولا خديعة، أي: لا يحل لك خديعتي، أو لا يلزمني خديعتك، وشرعًا: اشتراط الخيار ثلاثًا، فإن كان البيِّعان عالِمَين بمعناه ثبت الخيار، وإلا فلا. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (4/ 542).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«لا خلابة» لفظ وضع شرعًا لاشتراط الخيار ثلاثة أيام، ولو جُهِلَ معناه بَطَلَ البيع. مرقاة المفاتيح (5/ 1913).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
يُقال: إنّ هذا الرّجل حَبَّان بن مُنْقِذ، جعل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هذا القول منه بمنزلة شَرْط الخِيار؛ ليكون له الرَّد إذا تبيَّن أنّه قد خُدِع. أعلام الحديث (2/ 1033).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
وتأويل الحديث على ذلك أنْ نقول: لقَّنه النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا القول ليتلفظ به عند البيع؛ فيطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة فيها، فيمتنع بذلك عن مظان الغبن، ويرى له كما يرى لنفسه، وكان الناس في ذلك الزمان أحِقَّاء بأنْ يعينوا أخاهم المسلم، وينظروا له أكثر ما ينظرون لأنفسهم. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 666).
وقال النووي -رحمه الله-:
وكان (هذا الرجل) إذا بايع قال: لا خيابة...، وكان الرجل ألثغ، فكان يقولها هكذا، ولا يمكنه أن يقول: لا خلابة. شرح النووي على مسلم (10/ 177).
وقال الباجي -رحمه الله-
وكان سبب ذلك أنه أصابته في رأسه في الجاهلية مأمومة، فغيرت لسانه، وغيّرت بعض ميزه...، وقد قال بعض الناس: إن هذا الحديث خاص بهذا الرجل؛ لما كان فيه من الحرص على البيع وضعفه عن التحرز فيه...
ويُحتمل: أنْ يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- حكم له بهذا، وحجر عليه أن يبيع بغير الخيار، وأعلم الناس بذلك، وأَمرهُ أن يَذكر حكمه بقوله: لا خلابة، ويحتمل أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمره أن يقول: لا خلابة على وجه الأعذار إلى مَنْ يبايعه؛ ليتوقى خديعته أهل الصلاح والدِّين، لا ليكون له الخيار إن خدع، ولكن لئلا يقدم على خديعته مَنْ يأتم به، وكان قليلًا في ذلك الزمن، ويحتمل أن يريد به لا خِلابة في صفة النقد، وفي وفاء الوزن والكيل، واستيفائهما، فمَنْ غبنه في شيء من ذلك كان له الرجوع عليه، وهذه حالة جميع الناس. المنتقى شرح الموطأ (5/ 108).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث ما يدل على أنه للرجل الضعيف في أَمرهِ أن يشترط عند مبايعته على من يبايعه أن لا يخلبه، وقد دل الحديث على أن الغبن الفاحش يوجب الرد، فأما غير الفاحش فلا. الإفصاح عن معاني الصحاح (4/ 177).
وقال النووي -رحمه الله-:
واختلف العلماء في هذا الحديث، فجعله بعضهم خاصًّا في حقه، وأن المُغابنة بين المتبايعين لازِمة لا خيار للمغبون بسببها، سواء قلَّت أم كثرت، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وآخرين، وهي أصح الروايتين عن مالك، وقال البغداديون من المالكية: للمغبون الخيار لهذا الحديث، بشرط أن يبلغ الغبن ثلث القيمة، فإن كان دونه فلا، والصحيح الأول؛ لأنه لم يثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أثبت له الخيار، وإنما قال له: «قل: لا خِلابة»، أي: لا خديعة، ولا يلزم من هذا ثبوت الخيار؛ ولأنه لو ثبت أو أثبت له الخيار كانت قضية عين لا عموم لها، فلا ينفذ منه إلى غيره إلا بدليل، والله أعلم. شرح مسلم (10/ 177).
قال ابن بطال-رحمه الله-:
وإِنما قال له قُلْ: لا خِلابة أي: لا خديعة، فلو كان الغُبن مُباحًا لم يكن لقوله: (لا خلابة) معنى ، ولم ينفعه ذلك، فلمّا كان ذلك ينفعه جعل له النبي -عليه السلام- الخيار بعد ذلك لينظر فيما باعه، ويسأل عن سِعره، ويرى رأَيه في ذلك. وإنما جعل ذلك في حِبَّان ليعلمنا الحُكم في مثله، وإنما تُعرف الأحكام بما بينه -عليه السلام-، فبيَّن -عليه السلام- حكم مَن يُغبن في بيعه إذا لم يكن عارفًا بما يبيعه.شرح صحيح البخاري(6/٢٤٧)
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واستدل به على أنَّ مَنْ قال عند العقد: لا خِلابة، أنه يصير في تلك الصفقة بالخيار، سواء وجد فيه عيبًا أو غبنًا أم لا، وبالغ ابن حزم في جموده، فقال: لو قال: لا خديعة، أو لا غش، أو ما أشبه ذلك، لم يكن له الخيار، حتى يقول: لا خِلابة، ومن أسهل ما يرد به عليه أنه ثبت في صحيح مسلم أنه كان يقول: «لا خيابة» بالتحتانية بدل اللام، وبالذال المعجمة بدل اللام أيضًا، وكأنه كان لا يفصح باللام للثغة لسانه، ومع ذلك لم يتغير الحكم في حقه عند أحد من الصحابة الذين كانوا يشهدون له بأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- جعله بالخيار، فدل على أنهم اكتفوا في ذلك بالمعنى، واستُدل به على أنَّ الكبير لا يُحجر عليه ولو تبين سفهه؛ لما في بعض طرق حديث أنس: «أنَّ أهله أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله، احجر عليه، فدعاه، فنهاه عن البيع، فقال: لا أصبر عنه، فقال: إذا بايعت فقل: لا خِلابة». وتُعقِّب بأنه لو كان الحَجْر على الكبير لا يصح لأنكر عليهم، وأما كونه لم يحجر عليه فلا يدل على منع الحَجْر على السفيه، واستُدل به على جواز البيع بشرط الخيار، وعلى جواز شرط الخيار للمشتري وحده، وفيه ما كان أهل ذلك العصر عليه من الرجوع إلى الحق، وقبول خبر الواحد في الحقوق وغيرها. فتح الباري (4/ 338).
وقال المظهري -رحمه الله-:
واختلف في أن هذا الشرط كان خاصة لذلك الرجل، أم لجميع من شرط هذا الشرط؟
فعند أحمد: يثبت الرد به لمن شرط هذا الشرط، أي: لمن قال في وقت البيع: لا خِلابة، أو يقول هذا المعنى بلسان آخر.
وعند الشافعي وأبي حنيفة: لا يثبت الخيار بالغبن، سواء قال هذا اللفظ أو لم يقل.
وعند مالك: يثبت الخيار لمن لا بصيرة له بمعرفة المتاع من العاقدين، سواء شرط هذا الشرط أو لم يشرط، وأما إذا شرط المتبايعان أو أحدهما خيار ثلاثة أيام فما دونها جاز، ويثبت له الخيار في القدر الذي شرط، وأول وقت خيار الشرط من وقت العقد في أصح القولين، ومن أول تفرقهما من المجلس في القول الثاني، ولا يجوز له الشرط أكثر من ثلاثة أيام، فإن شرط فسد البيع عند الشافعي وأبي حنيفة. وقال مالك: يجوز بقدر الحاجة إليه، أي: بقدر ما يمكن للعاقد معرفة المبيع؛ وذلك يختلف باختلاف الأشياء، ففي الثوب يومان أو ثلاث، وفي الحيوان أسبوع، وفي الدور شهر، وفي الأرض سنة، ولا يجوز شرط الخيار في كل عقد يشترط فيه قبض العوضين في المجلس، مثل عقد الصرف وبيع الطعام بالطعام، ولا فيما يشترط قبض أحد العوضين، وهو عقد السَّلَم؛ لأن القبض شرط فيه لكي يتفرقا عن عقد لازم لا علاقة بينهما. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 408، 409).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
ذهب بعض العلماء: إلى أنه خاص في أمر ذلك الرجل، وهو حبان بن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني -رضي الله عنه-، وذهب بعضهم إلى أنه عام في كل صفقة بُيّن فيها الغبن، وأكثر العلماء على أنَّ البيع إذا صدر عن المتابعين عن رضا، وكانا ممن يصح تصرفاتهم، فإنه صحيح لا مرجع فيه بعلة الغبن. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 666).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
واختلف الفقهاء فيمن باع بيعًا غُبن فيه غبنًا لا يتغابن الناس بمثله، فقال مالك: إن كانا عارفين بتلك السلعة وبأسعارها في وقت البيع لم يفسخ ولو كثر الغبن، وإن كانا أو أحدهما غير عارف بتقلب السعر وتغيره وتفاوت الغبن فسخ البيع، إلا أن يريد أن يمضيه، ومن أصحاب مالك من اعتبر مقدار ثلث السلعة، ولم يحد مالك في ذلك حدًّا، ومذهبه إذا خرج عن تغابن الناس في مثل تلك السلعة أنه يفسخ، وبهذا قال أبو ثور، وقال أبو حنيفة والشافعي: ليس له أن يفسخ في الغبن وإن كثر، وبه قال ابن القاسم، وحجتهم هذا الحديث؛ لأن من يخدع في عقله بضعف يلحقه الغبن في عقوده، فجعل له الشارع الخيار؛ لما يلحقه من ذلك، فلو كان الغبن شيئًا يملك به فسخ العقد لما احتاج إلى شرط خيار مع استغنائه عنه. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (14/ 270).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
والحديث دليل على أن الغبن لا يفسد البيع، ولا يثبت الخيار؛ لأنه لو أفسد البيع، أو أثبت الخيار لبيَّنه الرسول -صلوات الله عليه- ولم يأمره بالشرط. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (2/ 224).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قال أحمد: من قال ذلك في بيعه كان له الردّ إذا غُبن، والجمهور على أنه لا ردّ له. مرقاة المفاتيح (5/ ١٩١٣).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
عندي أنَّ ما ذهب إليه الإمام أحمد -رحمه الله- من إثبات خيار الغبن هو الأرجح. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (27/ 79).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
وهذه واقعة عين، وحكاية حال، فمذهب الحنفية والشافعية أن الغُبن غير لازم سواء قَل الغُبن أو كثر، وهو الأصح من روايتي مالك، وقال البغداديون من أصحابه: للمغبون الخيار بشرط أن يبلغ الغبن ثلث القيمة، وإن كان دونه فلا، وكذا قاله بعض الحنابلة. إرشاد الساري (4/ 229).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وقد احتج بحديث ابن عمر هذا من لم ير الْحَجْرَ على السفيه المُتْلِف لماله. الاستذكار (6/ 540).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وفيه أبواب من الفقه مختلف فيها:
أولها: أن كُلَّ مَنْ يُخدع في البيوع لقلة خبرته، وضعف عقله، فهل يُحجر عليه أم لا؟ فقال بِالْحَجْرِ عليه أحمد، وإسحاق، وقال آخرون: لا يحجر عليه، والقولان في المذهب.
وثانيها: أن الغبن هل يوجب الخيار للمغبون أم لا؟ فذهب الشافعي وأبو حنيفة، ومالك -في أحد قوليه- إلى نفي الخيار، وذهب آخرون إلى لزوم الخيار، وإليه ذهب البغداديون من أصحابنا.
ثم اختلف هؤلاء في حد الغبن الموجب للخيار، فمنهم من حده بالثلث، ومنهم من حده بالتفاحش الذي لا يتغابن بمثله. المفهم (4/ 386).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
واختلف العلماء في وجوب الْحَجْرِ على البالغ المضيع لماله، فقال جمهور العلماء: يجب الْحَجْرُ على كل مضيع لماله صغيرًا كان أو كبيرًا، روي ذلك عن علي وابن عباس وابن الزبير وعائشة، وهو قول مالك والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور.
وقالت طائفة: لا يحجر على الحر البالغ، هذا قول النخعي وابن سيرين، وبه قال أبو حنيفة وزفر.
قال أبو حنيفة: فإن حجر عليه القاضي ثم أقرَّ بدين أو تصرف في ماله جاز ذلك كله، واحتج بحديث الذي يخدع في البيوع، فقال له -عليه السلام-: «إذا بايعت فقل: لا خِلابة». قال: ففي هذا الحديث وقوف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أنه كان يغبن في البيوع، فلم يمنعه من التصرف، ولا حجر عليه. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (15/ 456، 457).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
وحمى الإسلام المغفَّل في البيع والشراء من استغلال الآخرين له، فلقَّنه أن يقول لصاحبه في البيع: لا خِلابة، أي: لا خداع بيننا، ولا تغرير، وله بعد ذلك أن يستشير الخبراء، وأن يرجع على الطرف الآخر إن كان مغبونًا، فنِعمَ الإسلام، ونِعمَ التشريع الذي يحفظ المودة والرحمة بين المتعاملين. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (6/ 220).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
ما يفيده الحديث:
1. أنَّ مَن اشترط عند البيع أن لا خِلابة يثبت له الخيار عند وجود الخِلابة.
2. صحة العقد ممن يُخْدَعُ في البيوع.
3. بغض الإسلام للخداع في البيوع. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (5/ 100).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده:
1. منها: بيان حكم الخديعة في البيع، وهو أنها لا تجوز.
2. ومنها: أنه استدل به لأحمد، وأحد قولي مالك؛ أنه يرد بالغبن الفاحش، لمن لم يعرف قيمة السلعة...
3. ومنها: أنه استدل به على أن مَنْ قال عند العقد: لا خِلابة، أنه يصير في تلك الصفقة بالخيار، سواء وجد فيه عيبًا أو غبنًا أم لا...
4. ومنها: أنه استدل به على أن الكبير لا يحجر عليه، ولو تبين سفهه...
5. ومنها: أنه استدل به على جواز البيع، بشرط الخيار، وعلى جواز شرط الخيار للمشتري وحده.
6. ومنها: أن فيه ما كان أهل ذلك العصر عليه من الرجوع إلى الحق وقبول خبر الواحد في الحقوق وغيرها. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (27/ 80-81).