«كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يأكلُ بثلاثِ أصابعَ، وَيَلْعَقُ يدَهُ قبلَ أنْ يَمْسَحَهَا».
رواه مسلم برقم: (2032) من حديث كعب بن مالك -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«يَلْعَقُ»:
بفتح العين، أي: يلحس. مرقاة المفاتيح للقاري (7/ 2694).
شرح الحديث
قوله: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأكل بثلاث أصابع»:
قال المناوي -رحمه الله-:
لم يُعيِّنْها هنا، وعيِّنْها في خبر آخر فقال: «الإبهام والتي تليها والوسطى». فيض القدير (5/ 195).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
الوسطى والمُسبِّحة والإبهام، كما عيَّنَها في بعض الأخبار، وفيه أنه لا يأكل بأكثر منها ولا بأقلَّ. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 520).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
هي الإبهام والسبَّابة والوسطى، ولا يعرف حال الإصبعين الأخريين أيقبضهما أو يتركهما مبسوطتين، والظاهر هو الأول حتى يوجد النقل. لمعات التنقيح (7/ 228).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
«كان يأكل بثلاثة أصابع» هو مِن أدب الأكل وسننه ومن المروءة؛ لأن الأكل بأكثر منها إنما هو من الجشع وسوء الأدب فيه، وتكثير اللقم، وذلك من غير آدابه ومستحسناته؛ ولأنه غير مضطر لأكثر من ثلاث لجمع لقمته وإمساكها من جهاتها، إلا أن يضطر إلى غير ذلك لخفة الطعام، وعدم تلفيفه بالثلاث فيدعمه بالرابعة. إكمال المعلم (6/ 502).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
الأكل بإصبع واحد لا يتم به التناول، ولا باثنين، والأكل بأربع أو خمس يرفع فوق ما يطيقه الفَمُّ، ويدل على الشَّره، والعدلُ الأكل بثلاث. كشف المشكل (2/ 130).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وكونه -صلى الله عليه وسلم- كان يأكل بثلاث أصابع: أدب حسن، وسنة جميلة؛ لأنها تشعر بعدم الشَّره في الطعام، وبالاقتصار على ما يحتاج إليه من غير زيادة عليه؛ وذلك أن الثلاث الأصابع يستقلُّ بها الظريف الخبير، وهذا فيما يتأتى فيه ذلك من الأطعمة، وأما ما لا يتأتى ذلك فيه استعان عليه بما يحتاج إليه من أصابعه. المفهم (5/ 298).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
والأكل بأكثر من ثلاث أصابع إنما هو شَرَهٌ وسوء أدب، إلا إن كان يدعم اللقمة بالرابعة. شرح سنن أبي داود (15/ 515).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وإنما اقتصر على الثلاثة؛ لأنه الأنفع؛ إذ الأكل بإصبع واحدة مع أنه فعل المتكبرين لا يستلذُّ به الآكل، ولا يستمرئ به؛ لضعف ما يناله منه كل مرة، فهو كمن أخذ حقه حبة حبة، وبالأصبعين مع أنه فعل الشياطين ليس فيه استلذاذ كامل، مع أنه يفوت الفردية، والله وتر يحب الوتر، وبالخمس مع أنه فعل الحريصين يوجب ازدحام الطعام على مجراه من العادة، وربما استد مجراه فأوجب الموت فورًا وفجأة. مرقاة المفاتيح (7/ 2694).
وقال النووي -رحمه الله-:
استحباب الأكل بثلاث أصابع، ولا يضم إليها الرابعة والخامسة إلا لِعذر. شرح مسلم (13/ 203).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قال العبادي: إذا كان الطعام سمحًا استُحِبَّ الأكل بجميع الأصابع، فإن كان جامدًا استُحِبَّ بثلاث. شرح سنن أبي داود (15/ 521).
وقال المغربي -رحمه الله-:
فدل على أن السنة الأكل بالثلاث، ولا يضم الرابعة أو الخامسة إلا إذا احتاج إلى ذلك؛ بأن يكون الطعام غير مُشتدٍّ لا يحفظه الثلاث، فيستعين عليه بما يمكنه التناول. البدر التمام شرح بلوغ المرام (10/ 165).
قوله: «ويلعق يده»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«ويلعق يده» ويلحس أصابع يَدَهُ. شرح المصابيح (4/ 540).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ويلعق» بفتح العين أي: يلحس «يده» أي: أصابعها، ويقدِّم الوسطى ثم ما يليها ثم الإبهام. مرقاة المفاتيح (7/ 2694).
وقال موسى شاهين لاشين -رحمه الله-:
والمراد بلعق الأصابع لحسها باللسان، ومصُّها بالشفتين. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (8/ 219).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
يعني: لحسها حتى يكون ما بقي من الطعام فيها داخلًا في طعامه الذي أكله من قبل. شرح رياض الصالحين (3/ 531، 532).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ويلعق يده» يعني: أصابعه فأطلق عليها اليد تجوزًا، وقيل: أراد باليد الكف كلها، فيشمل الحكم من أكل بكفِّه كلِّها، أو بأصابعه فقط أو بعضها. فيض القدير (5/ 195).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في لعق الأصابع معانٍ: منها: زوال الكبر، وحفظ بعض أجزاء الزاد وإن قلَّ؛ لأن الكثير يجتمع من القليل، ومتى لم يلعق الأصابع ويمسح القصعة ضاع ما فيها، وقد نهي عن إضاعة المال. الإفصاح عن معاني الصحاح (5/ 369، 370).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وفي لعق الأصابع ثلاثة معانٍ:
أحدها: أنه ربما كانت البركة في ذلك القدر الباقي على اليد، وسيأتي هذا في مسند جابر.
والثاني: أنه دفع للكبر.
والثالث: أنه منع التبذير والتفريط فيما خلق قوامًا للآدمي، وقد كانوا يحتاجون إلى مصِّ النواة لشدة فقرهم. كشف المشكل (2/ 130).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ولعقه -صلى الله عليه وسلم- أصابعه الثلاثة، وأمره بذلك يدل: على أنه سنة مستحبة، وقد كرهه بعض العامة واستقذره، وقوله بالكراهة والاستقذار أولى من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (أي: قول من أنكر هذه السنة أولى بالكراهة والاستقذار من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)، ولو سكت الجهال قلَّ الخلاف.
وفائدة اللعق احترام للطعام واغتنام للبركة، ألا ترى أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بلعق الأصابع والقصعة، وقال: «فإنه لا يدري في أي طعامه البركة؟» ومعناه -والله أعلم-: أن الله تعالى قد يخلق الشبع في الأكل عند لعق الأصابع أو القصعة، فلا يُترك شيء من ذلك احتقارًا له. المفهم (5/ 298، 299).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وقد عابه قوم أفسدتْ عقولهم التَّرفُّه، وغيَّر طباعهم الشبع والتُّخمة، وزعموا أنَّ لعق الأصابع مستقبح، أو مستقذر، كأنهم لم يعلموا أنَّ الذي عَلِقَ بالإصبع أو الصحفة جزءٌ من أجزاء الطعام الذي أكلوه وازدردوه، فإذا لم يكن سائر أجزائه المأكولة مستقذرة لم يكن هذا الجزء اليسير منه الباقي في الصحفة واللاصق بالأصابع مستقذرًا كذلك، وإذا ثبت هذا فليس بعده شيء أكثر من مسه أصابعه بباطن شفتيه، وهو ما لا يعلم عاقل به بأسًا؛ إذا كان المساس والممسوس جميعًا طاهرين نظيفين، وقد يتمضمض الإنسان فيدخل إصبعه في فيه، فيدلك أسنانه، وباطن فمه، فلم يرَ أحدٌ ممن يعقل أنه قذارة، أو سوء أدب، فكذلك هذا لا فرق بينهما في منظر حسٍّ ولا مخبر عقل. معالم السنن (4/ 260).
وقال الدميري -رحمه الله-:
ولو قال لغيره: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أكل لحس أصابعه الثلاثة، فقال السامع: هذا ليس بأدب، كفر، وكذا لو قال لغيره: قلِّمْ أظافرك؛ فهو سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: لا أفعله، وإن كان سنة، كفر، قال المصنف (النووي): المختار أنه لا يكفر بهذا إلا أن يقصد الاستهزاء. النجم الوهاج في شرح المنهاج (9/ 81).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قال العلماء: استحباب لعق اليد؛ محافظةً على بركة الطعام، وتنظيفًا لها، ودفعًا للكبر. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (26/ 238).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«ويلعق يده» من سنن الأكل لعق اليد؛ محافظةً على بركة الطعام وتنظيفًا لها. الكاشف عن حقائق السنن (9/ 2839).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فيه فائدة ذكرها بعض الأطباء؛ أن الأنامل تفرز عند الأكل شيئًا يعين على هضم الطعام، فيكون في لعق الأصابع بعد الطعام فائدتان:
فائدة شرعية: وهي الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
وفائدة صحية طبية: وهي هذا الإفراز الذي يكون بعد الطعام يعين على الهضم.
والمؤمن لا يهمه ما يتعلق بالصحة البدنية، أهم شيء عند المؤمن هو اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به؛ لأن فيه صحة القلب، وكلما كان الإنسان للرسول -صلى الله عليه وسلم- أتبع؛ كان إيمانه أقوى. شرح رياض الصالحين (3/ 531، 532).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
وما سقط من الطعام ففرض أكله، ولعق الأصابع بعد تمام الأكل فرض، ولعق الصحفة إذا تم ما فيها فرض. المحلى بالآثار (6/ 117).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قال العراقي: والأمر بلعق الأصابع حمله الجمهور على الندب والإرشاد، وحمله الظاهرية على الوجوب، وبالغ ابن حزم في المحلى فقال: هو فرض، قال العراقي: وكان ينبغي أن يكون الفرض عندهم على التخيير إما لعقها أو إلعاقها. فيض القدير (1/ 297).
وقال العيني -رحمه الله-:
ينبغي في لعق الأصابع الابتداء بالوسطى ثم السبابة ثم الإبهام، كما جاء في حديث كعب بن عُجْرَة رواه الطبراني في الأوسط قال: «رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يأكل بأصابعه الثلاث قبل أن يمسحها بالإبهام والتي تليها والوسطى، ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث، فيلعق الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام»، وكأن السبب في ذلك أن الوسطى أكثر الثلاثة تلويثًا بالطعام؛ لأنها أعظم الأصابع وأطولها، فينزل في الطعام منه أكثر مما ينزل من السبابة، وينزل من السبابة في الطعام أكثر من الإبهام؛ لطول السبابة على الإبهام، ويحتمل أن يكون البدء بالوسطى لكونها أول ما ينزل في الطعام لطولها. عمدة القاري (21/ 76).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وهذا كله يدل على استحباب لَعق الأصابع إذا تعلق بها شيء من الطعام، كما قدمناه، لكنه في آخر الطعام، كما نص عليه، لا في أثنائه؛ لأنه يمس بأصابعه بزاقه في فيه إذا لعق أصابعه ثم يعيدها، فيصير كأنه يبصق في الطعام؛ وذلك مستقذر مستقبح. المفهم (5/ 301).
قوله: «قبل أن يمسحها»:
قال المظهري -رحمه الله-:
«قبل أن يمسحها» أي: قبل أن يمسحها بشيء. المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 501).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«قبل أن يمسحها» بشيء، والمسح بالمنديل قبل اللعق عادة الجبابرة. شرح المصابيح (4/ 540).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وقوله: «قبل أن يمسحها» أي: بمنديل ونحوه، وفي بعض النسخ: «بشيء» ثم يغسلها بعد اللعق. لمعات التنقيح(7/ 228).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
أي: لعق الأصابع الثلاث قبل مسحها أو غسلها إن احتيج إليه. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (21/ 178).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«قبل أن يمسحها» محافظةً على بركة الطعام، فيسن ذلك مؤكدًا. فيض القدير (5/ 195).
وقال ابن الملقن-رحمه الله-:
فيه استحباب لَعق الأصابع بعد الأَكل قبل الغسل أو المسح، وقد كَرهه بعض العامّة واستَقذَرهُ، وقوله هو المُستَقْذَر.الأعلام بفوائد عمدة الأحكام(10/١٢٥)
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
هذا يدل على جواز مسح اليد من الطعام بالمنديل قبل الغسل، لكن بعد لَعقها، وهو محمول على ما إذا لم يكن في الطعام غَمْرٌ (أي: وسخ ودَسم وزُهومة)، فأما إذا كان فيه غَمْرٌ فينبغي أن يغسلها؛ لما جاء في الترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «من نام وفي يده غَمْرٌ؛ فأصابه شيء؛ فلا يلومنَّ إلا نفسه». المفهم (5/ 299، 300).
وقال الشيخ موسى شاهين لاشين -رحمه الله-:
والمراد بمسحها بعد اللعق: إمرارها على قطعة من القماش ونحوها كالمنديل، أو إمرار القماش عليها؛ لإزالة ما بقي عليها، وذلك حيث لم يكن ماء ولا صابون للغسل. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (8/ 219).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
ودلَّ هذا الحديث على استحباب الأكل بالأصابع الثلاث، وعلى استحباب لعقِها قبل المسح. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (21/ 177).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ويُؤخذ من حديث كعب بن مالك: أنَّ السُّنة الأكل بثلاث أصابع، وإِنْ كان الأكل بأكثر منها جائزًا. فتح الباري (9/ 578).