«إِذا نَعَسَ أَحَدُكُمْ في المسجد يوم الجمعة فَلْيَتَحَوَّلْ مِن مَجْلِسِهِ ذلك إلى غيره».
رواه أحمد برقم: (4875) واللفظ له. وأبو داود برقم: (1119)،والترمذي برقم: (526)، وابن حبان برقم: (2792)، من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (809)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (468).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«نَعَسَ»:
أي: نام. المفاتيح، للمظهري (2/ 326).
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
والنُّعَاسُ: الوَسَن وأَوَّلُ النوم. النهاية، لابن الأثير (5/ 81).
«فَلْيَتَحَوَّلْ»:
أي: فلينتقْل من ذلك الموضعِ إلى موضعٍ آخرَ؛ ليذهبَ عنه النومُ. المفاتيح، للمظهري (2/ 326).
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
التَّحَوُّل: الانتقال من مكان إلى مكان آخر، يُقال: تَحَوَّلْتُ عن المكان ومنه وإليه. الشافي في شرح مسند الشافعي (2/ 232).
شرح الحديث
قوله: «إذا نَعَسَ أحدُكُم»:
قال عبيد الله المباكفوري -رحمه الله-:
قوله: «إذا نعَسَ» بفتح العين، من باب نَصَرَ ومَنَعَ، والنعاس: الوَسَنُ وأول النوم. مرعاة المفاتيح (4/ 480).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «إذا نَعَسَ» كمَنَعَ، أي: أَخَذَه مبادئ النوم. حاشية السند على مسند أحمد (2/66).
وقال الكوراني-رحمه الله-:
النُّعاس: هو الوَسَنُ أوّلُ النوم، بحيث لا يكون نائمًا حقيقةً، ولا يقظان يَسمع الأصوات ولا يَقدر على الضّبط.الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري(1/٣٦٥)
وقال النووي -رحمه الله-:
النّعاس: مُقدمة النوم، وهو رِيْحٌ لطيفة تأتي مِن قبل الدّماغ، تُغطي على العين، ولا تصل إلى القلب، فإذا وصلت إلى القلب كان نومًا. شرح النووي على مسلم (5/ 184).
وقال الأزهري -رحمه الله-:
وحقيقة النّعاس: السِّنَة من غير نوم. تهذيب اللغة (2/ 64).
قوله: «في المسجد يوم الجمعة»، وفي رواية عند أحمد «في مَجْلِسِهِ يوم الجمعة»:
قال الشوكاني -رحمه الله-:
«في مَجْلِسِه يوم الجمعة» لم يرد بذلك جميع اليوم، بل المراد به إذا كان في المسجد ينتظر صلاة الجمعة، كما في رواية أحمد في مسنده بلفظ: «إذا نَعِس أحدكم في المسجد يوم الجمعة»، وسواء فيه حال الخطبة أو قبلها، لكن حال الخطبة أكثر.
قوله: «يوم الجمعة» يحتمل أنَّه خرج مخرج الأغلب؛ لطول مُكث الناس في المسجد للتبكير إلى الجمعة، واستماع الخطبة، وأنَّ المراد انتظار الصلاة في المسجد في الجمعة وغيرها، كما في رواية أبي هريرة لحديث الباب بلفظ: «إذا نعس أحدكم وهو في المسجد، فليتَحَوَّل من مجلسه ذلك إلى غيره»، فيكون ذِكْرُ يوم الجمعة من التنصيص على بعض أفراد العام، ويحتمل: أنَّ المراد يوم الجمعة فقط؛ للاعتناء بسماع الخطبة فيه. نيل الأوطار (3/ 297-298).
قال المناوي -رحمه الله-:
ومِثْلُ الجمعة غيرها، وخصَّها: للطول فيها بالخطبة، فهي مَظِنَّة النُّعاس أكثر. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 132).
قال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «وهو في المسجد» أي: والحال أنَّه فيه. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 132).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«وهو في المسجد» أو نحوه مما تُقام فيه الجمعة. فيض القدير (1/ 448).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
هذا لفظ عام (لفظ أبي داود)، وليس فيه ذِكرِ وقت الخطبة، وهو عام في كونه في المسجد، سواءٌ أكان في جمعة أَم في غير جمعة، وسواءٌ أكان في الخطبة أم في غير الخطبة، ولكنه جاء عند الترمذي (لعل الصواب البيهقي) هذا القيد: «والإمام يخطب» (لكنه موقوف عن ابن عمر). شرح سنن أبي داود (ص: 2).
قوله: «فَلْيَتَحَوَّلْ مِن مَجْلِسِهِ ذلك»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «فلْيَتَحَوَّل» أي: لئلا يغلبه النوم، فإنَّه يخل في الاستماع المطلوب يومئذٍ، وأيضًا قد يُؤدي إلى انتقاض الطهارة، في وقت يخاف منه فوت صلاة الجمعة، والله تعالى أعلم. حاشية السندي على مسند أحمد (2/66).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «فلْيَتَحَوَّل» أَمَرَهُ بذلك؛ لأنه إذا تحوَّل حصل له من الحركة ما ينفي الفتور المقتضي للنوم. شرح أبي داود (4/ 463).
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فلْيَتَحَوَّل مِن مجلسه ذلك» أي: إلى غيره، كما في رواية، سواء رجع إليه أم لا؛ لأنَّ بالتحوُّل يرتفع الثقل. مرقاة المفاتيح (3/ 1037).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «فلْيَتَحَوَّل من مجلسه» أي: يقوم ويجلس في موضع آخر؛ ليذهب النوم. لمعات التنقيح (3/ 512).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «فلْيَتَحَوَّل» ندبًا «من مجلسه» أي: محل جلوسه؛ وذلك إلى غيره، يعني: ينتقل منه إلى غيره؛ لأن الحركة تُذْهِب الفتور الموجِب للنوم، فإنْ لم يكن في الصَّف محل يتحول له، قام وجلس. فيض القدير (1/ 448).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فلْيَتَحَوَّل» ينتقل «من مجلسه ذلك» إلى غيره؛ لأنَّه بتحوُّله يحصل له نشاط، وقد ورد هذا في يوم الجمعة بخصوصه. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 226).
وقال المناوي -رحمه الله-:
والتحوُّل: الانتقال من موضع لآخر، وهذا عام في جميع الأيام، وتخصيصه بالجمعة في خبر الترمذي إنما هو لإطالة مُكث الْمُبَكِّر، بل أجراه بعضهم في كل مَن قَعَدَ ينتظر عبادةً في أي يوم كان.
وفيه وما قبله: حثٌّ على استقبال الصلاة بنشاط وخشوع، وفراغ قلب، وتَعَقُّل لما يقرأه، أو يدعو به، والمحافظة على الإتيان بالأركان والسنن والآداب. فيض القدير (1/ 449).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
والحكمة في الأمر بالتَّحَوُّل: أنَّ الحركة تُذهِب النعاسَ، ويحتمل أنَّ الحكمة فيه: انتقالُه من المكان الذي أصابته فيه الغفلة بنومِه، وإنْ كان النائم لا حَرج عليه، فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في قصة نومهم عن صلاة الصبح في الوادي بالانتقال منه كما تقدَّم، وأيضًا مَن جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة، والنعاس في الصلاة من الشيطان، فربما كان الأمر بالتحول لإذهاب ما هو منسوب إلى الشيطان؛ من حيث غفلة الجالس في المسجد عن الذكر، أو سماع الخطبة، أو ما فيه منفعة. نيل الأوطار (3/ 298).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
وقد استثنى الحنفية حال الخطبة، فقالوا: التحوُّل في حالة الخطبة ممنوع؛ لأنَّ العمل في الخطبة منهيٌّ عنه، فلا يدخل وقت الخطبة في عموم الحديث.
قلتُ: ظاهر الحديث الإطلاق؛ ولذلك بوَّب عليه أبو داود: باب الرجل ينعس والإمام يخطب. مرعاة المفاتيح (4/ 480).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
ولا يقال: إنَّ الانتقال وقت الخطبة عمل منهيٌّ عنه؛ لما فيه من الاشتغال عن سماع الخطبة المأمور به، فلا يشمله الحديث؛ لأن انتقال الناعِس يؤدِّي إلى ذهاب نُعَاسِه، فيَتَنَبه للخطبة؛ ولذلك أمره الشارع بالتحوُّل. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (6/ 288).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فإنْ لم يجد في الصفوف مكانًا يتحوَّل إليه، فلْيَقُم، ثم يجلس. شرح سنن أبي داود (5/ 637).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
وقيل: يتحوَّل إلى مكان صاحبه، ويتحوَّل صاحبه إلى مكانه. مرعاة المفاتيح (4/480- 481).
وقال الشافعي -رحمه الله-:
وإنْ ثبت وتحفَّظ من النعاس بوجهٍ يراه ينفي النعاس عنه، فلا أَكْرَهُ ذلك له، ولا أُحِبُّ إنْ رأى أنَّه يمتنع من النعاس إذا تحفظ أنْ يتحول، وأحسبُ مَن أمره بالتحوُّل إنَّما أمره حين غلب عليه النعاس، فظن أنْ لن يذهب عنه النوم إلا بإحداث تَحَوُّلٍ، وإنْ ثبت في مجلسه ناعسًا كرهتُ ذلك له، ولا إعادة عليه إذا لم يرقد زائلًا عن حد الاستواء. الأم (1/ 228).
وقال الشافعي -رحمه الله- أيضًا:
وأُحِبُّ للرجل إذا نعس في المسجد يوم الجمعة، ووجَد مجلسًا غيره، ولا يتخطَّى فيه أحدًا، أنْ يتحوَّل عنه؛ ليَحْدُث له القيام، واعتساف المجلس ما يذعر عنه النوم. الأم (1/ 228).
وقال الرافعي -رحمه الله-:
ليطرد النعاس، ولا يفوته استماع الخطبة وتفهمها، وأيضًا فلئلا ينتهي الأمر إلى انتقاض الوضوء، وكُرِهَ له أنْ يثبت في مجلسه جالسًا. شرح مسند الشافعي (1/ 504-505).
وقال أبو داود -رحمه الله-:
سمعتُ أحمد سُئل عن رَجُلٍ نَعَسَ يوم الجمعة والإمام يخطب، قال يتحوَّل عن مكانه، فإنَّه يذهب عنه. مسائل الإمام أحمد (ص: 58).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
ويُستحب لمن نعس يوم الجمعة أنْ يتحوَّل عن موضعه؛ لما روى ابن عمر قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه، فليتحول إلى غيره»...؛ ولأن تَحَوُّلَهُ عن مجلسه يَصْرِفُ عنه النوم. المغني (2/ 206).
وقال السندي -رحمه الله-:
وينبغي أنْ يُقيَّد بما إذا لم يؤذِ أحدًا، والله تعالى أعلم. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (1/ 646).